أمريكا تعودُ إلى المساومة والترهيب لتخفيف الضغط اليمني على العدوّ والهروب من الرد القادم

ليندركينغ يربط اتّفاق السلام في اليمن بالعمليات البحرية ويهدّد صنعاء بـ”الإجماع الدولي”

 

المسيرة | خاص

عادت الولايات المتحدة إلى اللجوء للمساومة والخداع في التعامل مع ملف اليمن والعمليات اليمنية ضد الملاحة الصهيونية، وذلك بعد ارتكاب حماقتها بالاعتداء على أبطال القوات البحرية، والتي أكّـدت القيادة الوطنية أنها لن تبقى دون رد وعقاب، الأمر الذي يشير إلى إصرار أمريكي واضح على مواصلة استخدام الألاعيب الدبلوماسية والدعايات لمنح الكيان الصهيوني الفرصة لمواصلة جرائمه بحق الشعب الفلسطيني وحصاره على قطاع غزة.

وفي تصريحات صحفية جديدة أعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، أنه سيتوجّـه إلى المنطقة لمناقشة “خفض التصعيد في الشرق الأوسط”، وهو ما يناقض بشكل فاضح السلوك التصعيدي للولايات المتحدة خلال الأيّام الأخيرة، والذي شمل جريمة الاستهداف المباشر للقوات البحرية اليمنية في البحر الأحمر والوقوف وراء اغتيال قيادات في محور المقاومة بسوريا والعراق ولبنان، إضافةً إلى التفجيرات الإجرامية في إيران.

ويبدو بوضوحٍ من خلال تصريح ليندركينغ، عن زيارته الجديدة التي تأتي بالتزامن مع زيارة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي يصر على تعريف نفسه كـ”يهودي في المقام الأول” أن واشنطن تسعى كالعادة إلى استخدام ألاعيبها الدبلوماسية ترغيباً وترهيباً، في محاولة لتقييد خيارات محور المقاومة الذي أعلنت أطرافه، بما في ذلك اليمن، أنها سترد على التصعيد الأخير.

وكان قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، قد كشَفَ مسبقًا هذه الاستراتيجية الأمريكية عندما تحدث في حذر في خطابه الأخير من أنه لن يكونَ هناك أي مجال أمام الأمريكيين للاعتداء ثم اللجوء إلى وساطات للتهدئة كما هي العادة.

وقد أكّـدت تصريحات ليندركينغ أن واشنطن تسير بالفعل في هذا الاتّجاه، حَيثُ زعم مبعوث البيت الأبيض أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن “سيناقش في جولته كيفية زيادة المساعدات على غزة”؛ مِن أجل “خفض التصعيد”، وهي إشارة واضحة إلى محاولة أمريكية لاستخدام أُسلُـوب “الترغيب” المراوغ؛ مِن أجل إقناع صنعاء بوقف حظر الملاحة الصهيونية في البحرين الأحمر والعربي، وهو الحظر الذي تؤكّـد القوات المسلحة أنه لن يتوقف إلا بوقف العدوان على غزة وإدخَال ما يحتاجه القطاع من المؤن.

وأشَارَت تصريحات ليندركينغ أن الولايات المتحدة تسعى أَيْـضاً إلى استخدام أُسلُـوب المساومة مع صنعاء في السياق نفسه، حَيثُ ربط المبعوث الأمريكي بين موقف صنعاء المساند لفلسطين وبين ملف السلام في اليمن، وقال: إن على صنعاء “أن تختار بين أن تكون طرفاً في السلام أَو تتخذ موقفاً يكسبها عداوات” حسب تعبيره.

ويكشف هذا التصريح بوضوح أن الولايات المتحدة تسعى لمقايضة صنعاء باتّفاق السلام، الذي تعيق واشنطن تنفيذه والتوقيع عليه حتى الآن، مقابل وقف الهجمات على الملاحة الصهيونية وعدم الرد على جريمة استهداف القوات البحرية.

ومع الترغيب المخادع والمقايضة الفاضحة، أشار ليندركينغ إلى أن الولايات المتحدة تحاول أَيْـضاً مواصلة استخدام أُسلُـوب الترهيب ضد صنعاء، حَيثُ زعم المبعوث أن “الهجمات في البحر الأحمر تهدّد التجارة الدولية”، وأنه “لا توجد خلافات بين الدول الكبرى بما فيها الصين بشأن دعم الاستقرار في البحر الأحمر”، وادّعى أن عمليات القوات المسلحة “أدت إلى حالة من الذعر في العديد من المناطق حول العالم” حسب تعبيره، وهي تصريحات يحاول من خلالها بشكل مكشوف أن يظهر صورة إجماع دولي على مواجهة صنعاء في حال قرّرت مواصلة عملياتها ضد السفن المرتبطة بالعدوّ الصهيوني.

وفي سياق محاولة الترهيب، قال ليندركينغ أَيْـضاً: إنه “ليس بإمْكَان واشنطن أن تقبل تعرض أَيٍّ من سفنها لهجمات من الحوثيين أَو غيره” حسب تعبيره.

وتكشفُ هذه التصريحاتُ بمجملِها عن إصرارٍ أمريكي واضحٍ على مواصلة تجاهل التحذيرات والرسائل اليمنية الواضحة والمباشرة التي وجهتها القيادة الثورية والسياسية والعسكرية، بالإضافة إلى الرسائل الجماهيرية، سواء فيما يتعلق بمواصلة العمليات المساندة للشعب الفلسطيني، أَو فيما يتعلق بالرد على الاعتداء الأمريكي في البحر الأحمر؛ لأَنَّ محاولات ترهيب أَو مساومة صنعاء، تُعَبِّرُ عن مَسْــعًى للالتفاف على الطريق الوحيد لخفض التصعيد في المنطقة وفي جبهة اليمن بشكل خاص، وهو إنهاء العدوان الإسرائيلي ورفع الحصار عن قطاع غزة.

كما تكشف هذه التصريحات عن سوء تقدير فاضح لدى الإدارة الأمريكية فيما يتعلق باليمن؛ فالعديد من التجارب السابقة، بما في ذلك تجربة الهدنة، قد أثبتت بوضوح أن صنعاء لا تقبل أية مساومة على مواقفها المبدئية، ولا تتأثر بأية تهديدات؛ وهو ما يعني أن ليندركينغ وبلينكن لا يعتزمان بالفعل التحَرّك لخفض التصعيد، بل لمحاولة تضليل الرأي العام واستخدام ألاعيب دبلوماسية لتخفيف الضغط الإقليمي على العدوّ الصهيوني، وهو مسعى يمكن الحكم بفشله مسبقًا وبسهولة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com