العدوانُ يفقدُ آخرَ أوراقه.. استراتيجية فاشلة!

 

المسيرة / عبدالقوي السباعي

لم يكن تحالُفُ العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي الصهيوني ليشُنَّ عدوانَه الهمجي وحربَه العبثية على اليمن (الأرض والإنسان) دونَ استخدامِ أدواته وأوراقه المحلية التي ظل على مدى عصر من الزمن يقوم بتغذيتها وتعزيز حضورها وتدعيم مواقعها في مختلف سلّم الهرم السياسي والعسكري والاجتماعي حتى القبلي.

ورأينا كيف استخدم هذا التحالُفُ بين عامَي 2015م – 2016م، ورقة شرعية الفارّ هادي وحكومة حزب التجمع اليمني لـ “الإصلاح” كأدَاة وحيدةٍ في الميدان، تم تحريكها على طول مسرح العمليات القتالية وساحات التموضع والانطلاق، وبواسطة قيادات وعناصر هذا الحزب أدار تحالف العدوان المعارك ضد أبطال الجيش واللجان الشعبيّة والوطن اليمني عُمُـومًا، وتبنى قواعدَ خَاصَّةً بالاشتباك، وأساليبَ متنوعةً في المواجهة، كانت هي الأقرب لاستراتيجيات الأرض المحروقة في الحروب الأمريكية، وسياسات معارك الاستنزاف والحصار والتوحش لدولة الكيان الصهيونية، إلى جانب الكثير من الاستراتيجيات الدعائية والحرب النفسية وتزييف الحقائق وكَيّ الوعي المجتمعي وتغييبه عن الإدراك لما يدور فعلاً، غير أن كُـلّ ذلك لم يحقّق لهذا التحالف على أرض الواقع وفي ميدان أهدافه المعلنة وغير المعلنة أية مكاسب تذكر.

ومع بداية العام 2017م، بدأ تحالفُ العدوان بتطبيق استراتيجية تبديلِ الأدوار بين الأوراق المحلية، فقام بسحب البساط تدريجيًّا من تحت أقدام حزب “الإصلاح” في محاولةٍ لتسليم دفة القيادة والمواجهة للرئيس الأسبق الخائن “عفاش” وبعض القيادات المؤتمرية، غير أن هذه الورقة أَيْـضاً احترقت كليًّا مع نهاية العام فيما عرفت بفتنة الخيانة في ديسمبر 2017م، التي انتهت بمقتل عفاش وفشل تحالف العدوان من تحقيق أي اختراق لشق الجبهة الداخلية في صفوف القوى الفعلية المقاومة للعدوان.

ليعود هذا التحالفُ مرةً أُخرى بين الأعوام 2018م – 2019م – 2020م، إلى تمكين القواعد الحزبية لتجمع “الإصلاح” بتعاضدٍ مشهود مع القواعد العفاشية في محاولةٍ يائسة لتسجيل أي تقدم على صعيد الميدان العسكري في بعض جبهات الداخل، لكنها فشلت جميعها، ما عدا بعض نقاط الاختراق التي حقّقتها في جبهة نهم والتي تم وأدها إلى الأبد بعملية البنيان المرصوص، فعاد لتدعيم حضورها في جبهة مأرب وجبهة تعز، مُرورًا باختلاق فتنة حجور، وتعريجاً على دعم الفتنة التي قادها ياسر العواضي بمديرية ردمان في البيضاء منتصف 2020م، وانتهاء بتحريك ورقة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وداعش في بعض مديريات البيضاء، والتي كانت جميعها تسير في مواكبةٍ دقيقة مع ورقة تحالف العدوان الرابحة في جبهات الساحل الغربي.

ففي العاشر من يونيو 2019م، قام تحالفُ العدوان بالإعلان عن تسمية وزير الدفاع الأسبق اللواء المرتزِق هيثم قاسم طاهر قائداً عاماً للقوات المشتركة في الساحل الغربي، وتشكلت قيادة الألوية العسكرية في عموم الساحل الغربي، ومجلس عسكري وعمليات مشتركة من قادة الألوية وبإشراف تحالف العدوان، الذي تقاسمت فيه السعوديّة والإمارات حصصها من التابعين لها والمؤتمرين بأمرها، وتم توزيع المهام القيادية حينها على النحو التالي: “اللواء الركن مرتزِق هيثم قاسم طاهر، قائد عام القوات المشتركة، القائد المرتزِق علي سالم الحسني، المشرف العام على ألوية العمالقة، العميد مرتزِق رائد الحبهي، قائد اللواء الأول عمالقة، العميد مرتزِق حمدي شكري الصبيحي، قائد اللواء الثاني عمالقة، العميد مرتزِق عبد الرحمن اللحجي، قائد اللواء الثالث عمالقة، العميد مرتزِق طارق محمد عبد الله صالح، قائد المقاومة الوطنية، العميد مرتزِق بسام المحظار، قائد اللواء الثالث مشاة، العميد مرتزِق علي الكنيني، قائد اللواء السابع عمالقة، العميد مرتزِق سليمان الزرنوقي، قائد لواء الزرانيق عمالقة، العميد مرتزِق أحمد الكوكباني، قائد اللواء الأول تهامة، العميد مرتزِق صادق دويد، نائب قائد المقاومة الوطنية”.

غير أن هذا المجلس ظل في زوايا بعيدة عن الإعلام، وكان قد تصدّر المشهد فيه وفي هذا الاتّجاه من الجبهة الخائن طارق عفاش على طول الشريط التهامي، والذي استفاد من انشغال الجيش واللجان الشعبيّة في جبهات مأرب والبيضاء وحجّـة وما وراء الحدود، ليحقّق اختراق طارئ تمثل باحتلال الشريط الساحلي من مناطق محدودة من محافظتَي تعز والحديدة بعد معاركٍ دامية تكبدت خلالها أدوات ومرتزِقة العدوان خسائر فادحة بالعديد والعتاد وظلت هذه القوات منذُ العقد الأول من العام 2018م، حتى نهاية العام 2021م، تعاني غير قليل من الاستنزاف المادي والبشري لقوامها العام، الأمر الذي جعل من تحالف العدوان يأمُرُها باختتام العام 2021م، باستراتيجية أطلقوا عليها عملية إعادة التموضع، والانسحاب من تلك المناطق ما عدا المناطق الاستراتيجية المطلة على مضيق باب المندب.

وفي سياق الاستراتيجيات الميدانية العدائية، قام تحالف العدوان باستهداف فئات النشء والشباب في عموم المحافظات اليمنية المحتلّة، وإغراقها في مستنقع المخدرات والحرب الناعمة، والعمل على انسلاخها عن بيئتها وتغييب عقولها عن اهتمامات محيطها، كما عمّد هذا التحالف وفي إطار سباق الضم والإلحاق وتجاذبات الاستقطاب أَيْـضاً إلى استهدف الحاضنة الشعبيّة والمجتمعية في بعض المحافظات الجنوبية المحتلّة والتي تشكل مخزوناً بشرياً هائلاً؛ وذلك تحسباً وخشية أن ينقلب هذا المخزون يوماً ما ضده وضد تواجده وأهدافه، فعلى مدى سبع سنوات قام بتعزيز ثقافة الحقد والكراهية وتغذية الخلافات البينية، وترسيخ منهجية الانفصال والاستقلال في أوساطها، تحت عناوين “الأقلمة”، و”الفدرلة” و”الجنوب العربي” المستقل عن الشمال، والذي وإن واجه أصواتاً معارضة لهكذا توجّـه، عملت قوى العدوان على اسكاتها إلى الأبد.

وكآخر الأوراق الموضوعة على الطاولة، قام تحالف العدوان معتمداً على نفس الاستراتيجية القديمة الجديدة، المتمثلة باستخدام الأوراق والأدوات الداخلية والمحروقة تباعاً، فعمل في وقتٍ سابق على حشد المرتزِقة المقاتلين من أبناء المحافظات الجنوبية ممن خضعوا لبرامج الاستهداف السابق، وتم تدريبهم داخلياً وتأهيلهم خارجياً سواءً في المعسكرات الإماراتية في القرن الافريقي، أَو من خلال إشراكهم في المعارك التي دارت في ليبيا تحت قيادة الجنرال الليبي خليفة حفتر المدعوم إماراتياً، ودفعهم إلى محارق الموت ودوائر الهلاك هناك.

ومع بداية العام 2022م، جاءت قوات ما يسمى بـ”ألوية العمالقة الجنوبية” متصدِّرةً المشهد الميداني كآخر أوراق تحالف العدوان الداخلية، ولعلَّ المتتبع للبدايات الأولى لهذه القوات سيلاحظ أنها كانت تتمثل منذ بداية العدوان بـ 4 ألوية فقط، لكن الإمارات سعت إلى دعمها بمختلف أنواع الأسلحة والمعدات، إضافة للدعم المادي الكبير، ما مكّنها من زيادة تشكيلاتها حتى باتت 17 لواءً، وتندرج ضمنها قوات ما يسمى ألوية الاحتياط النواه الأولى لقوات العمالقة الجنوبية، والتي يلاحظ بأنها ليست على علاقة ودية بحزب “الإصلاح” الإخواني، أَو حتى باللواء المرتزِق علي محسن الأحمر، وهي عبارة عن وحدات متحَرّكة، غير مستقرة في نطاق جغرافي معين، وتشبه إلى حَــدٍّ كبير قوات التدخل السريع، يقودها العميد المرتزِق “أبو زرعة المحرمي” الذي أسّسها في العام 2016م، بتوجيهٍ مباشر من الإمارات، بعكس تلك الوحدات التي يقودها العميد المرتزِق حمدي شكري الصبيحي الذي يدين بالولاء للسعوديّة وحكومة الفنادق، وفيما لا تزال جميعها تخضع لمعقلها الإماراتي الرئيسي في مدينة المخاء، وبحسب كشوف الراتب الفعلية والمعتمدة من الجهات الراعية الإماراتية والسعوديّة، يصل قوامها البشري نحو 50 ألف فرد، معظمهم من أبناء محافظة لحج وبعض مديريات محافظة الضالع.

ومن خلال النظر في العقيدة الدينية والأيديولوجية الفكرية التي يحملها منتسبو ألوية العمالقة الجنوبية سنلاحظ أنها اتخذت الفكر السلفي الجهادي كعقيدةٍ قتالية؛ وذلكَ لأَنَّ كُـلّ قياداتها الميدانية من الأشخاص المحسوبين على هذا التيار، والذي تم تغذيته مناصفة بين الاستخبارات السعوديّة والاستخبارات الإماراتية، فعندما كانت هذه القوات قد انتشرت في جبهات الساحل الغربي مطلع 2018م، وضمن قوام القوات المشاركة في حصار مدينة الحديدة ضمن قيادة ما يسمى المجلس العسكري، فكانت هذه العقيدة هي السائدة في أوساط مرتزِقتها، على أَسَاس أنها تقاتل باسم الإسلام، وعززت فيهم تلك الأسطوانة المشروخة التي يكرّرونها دائماً، والتي استمرت حتى تم نقلُ هذه القوات مؤخّراً إلى جبهات شبوة، كما كان لديها وجود في جبهات الضالع، ومواقع متفرقة من أبين، كما تضم في صفوفها أكثر من 7 آلاف فرد من أفراد ما يسمى بـ”المقاومة التهامية”، غير أنها ومنذ مطلع العام 2022م، غيرت شعارها من “ألوية العمالقة – قوات تحرير الساحل الغربي”، إلى “ألوية العمالقة الجنوبية” بعد أن انتقلت للقتال في جبهات شبوة.

وبهذه الاستراتيجية تسعى الإماراتُ إلى تحقيق أهدافها المتمثلة بتقسيم اليمن، ودائماً ما كانت وسائلُ الإعلام الإماراتية تقوم بنشر صورٍ لعناصرها من قوات العمالقة وهم يحملون أعلامَ “التشطير” ويقومون بإحراق الأعلام اليمنية، الأمر الذي وضع السعوديّة في دوائر الإحراج أمام الرأي العام من جهة وأمام مرتزِقتها، الذين يعتبرون قوات العمالقة الجنوبية جاءت لتطوي حقبة الإخوان المظلمة في المحافظات الجنوبية، وتلف حبل الإعدام النهائي حول رقبة ما تسمى بالشرعية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com