مَن يكون؟!

يحيى المحطوري

إنه تلميذُ مدرسة المحسنين التي تتلمذ فيها نبيُّ الله موسى -عليه السلام- وقال اللهُ عنها:

“وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ”.

تلميذُ مدرسة الجهاد والإحسان التي قال الله عنها:

“وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ”.

تلميذُ مدرسة التقوى والهداية التي قال الله عنها:

“وَالَّذِینَ اهتَدَوا زَادَهُم هُدى وَءَاتَاهُم تَقواهُم”.

وقال:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ”.

تلميذُ مدرسة الإيمان والنور التي قال الله عنها:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”.

وقال:

“أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا، كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”.

تلميذُ مدرسة القرآن التي قال الله عنها:

“وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”.

 ما هو سِرُّ قوته؟

إن سِرَّ قوته وامتلاكه للقوة، واتساع مدى تأثيره، هو إيمانُه بقوله تعالى:

“وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” واعتماده الكامل عليه، وثقته المطلقة بإرادته وغلبته وقهره.

نعم.. لا يشبه رجالات السياسة والحكم؛ لأَنَّه رجل هداية وإرشاد وتربية وتزكية ونور، يعظ أمته بالقرآن الكريم ويحارب؛ مِن أجلِه.

لم تتوقف حروبه؛ مِن أجلِ إعلاء كلمة الله فهو يحارب؛ مِن أجلِ الهدى الذي يعظ به، ولا يعظ؛ مِن أجلِ الحرب التي يريدُها.

نعم.. رأسُه مطلوبٌ للأعداء دوماً، على سُنَّةٍ من قدواته من الأنبياء الذين قال الله عنهم:

“وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ، وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا”.

ليس له نصيبٌ من الخوف على نفسه وأهله؛ لأَنَّه ينطلقُ إيماناً بقول الله تعالى:

“الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ ويَخْشَوْنَهُ ولا يَخْشَوْنَ أحَدًا إلّا اللَّهَ وكَفى بِاللَّهِ حَسِيبًا”.

إنه الباحثُ عن الاطمئنان الحقيقي الذي قال الله عنه:

“الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ، أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”.

الباحثُ عن الاستقرار الحقيقي الذي قال الله عنه:

“تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ، فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”.

نعم.. ليس طامعاً في السلطة حتى يخوض المعارك؛ مِن أجلِها، لكنه لا يفر من تحمل المسؤولية والنهوض بها ولا يتهرب عنها.

ليس مغامراً بما تحت يديه، ولكنه الأحرصُ على الحفاظ عليه، بتجنب التفريط وخطورته، والابتعاد عن تحمل إصر التقصير وتبعاته، ولذلك فهو قوي العزم في القيام بمسؤوليته تجاه شعبه ودينه وأمته.

لا يهمه إن رآه أبناءُ غزة مخلصاً عالميًّا أَو بطلاً أممياً، بل يهُمُّه أن يراه الله، حَيثُ يحب أن يراه، وحيث يريد أن يراه، وحيثُ أمرُه أن يكون.

لا يبالي بالشتائم التي توجَّـهُ إليه ما دام في موقفه الذي يتحَرُّكُ فيه لله رضا، ولا يعجبُه المديحُ ولا يتأثر به.

نعم.. ليس كمثلِه زعيمٌ أَو رئيسٌ أَو مَلِكٌ؛ لأَنَّه ليس من صنف هؤلاء إطلاقاً.

إنه العبدُ الصالح المفتخر بعبوديته لله والمعتز بها، الآمر بالمعروف والسائر عليه، الناهي عن المنكر المبتعد عنه.

إنه ليس أميراً، بل آمرٌ بالقسط، وكفى بذلك عزاً وفخراً وشرفاً.

إنه القائد الذي يقدم كُـلّ شيء لأتباعه ولا يأخذ من أتباعه شيئاً، ليس على هرم أنصار الله بل هو الهرم ذاته والقيادة كلها.

أتباعُه ورجالُه يسيرون تحت لوائه وخلفَ رايته على مبدأ الأُخوَّة الإيمانية والتكافل والتعاون والتآزر بكل قناعة كاملة، وليس ارتباطهم به وطاعتهم له، بتنظيم حزبي أَو بزعامة قبلية، ولا بملك دولة، أَو رئاسة حكومة.

إنما جمَعَهم ووحَّدَهم الإيمانُ بالنهوض بالمسؤولية بطريقة جماعية التزاماً بأمر الله القائل:

“وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر، وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.

إنه الحريصُ على الناس، الداعي لهم للخروج في كُـلِّ موقفِ شرف وبطولة وعزة؛ فهو قلبُ هذا الشعب النابض، ولسانُه الناطق، وصوتُه الصادع بالحق في ظلمات هذا الزمن المليء بالظلم الرهيب.

ومهما علت أصواتُ الساخرين منه؛ فقد أظهر اللهُ أمرَه بقوته وقهره، “وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ”.

والحمدُ والفضلُ والشكرُ لله أولاً وأخيرًا.

ولا حولَ ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com