استهدافُ الاقتصاد اليمني جرائمُ لا تسقُطُ بالتقادم

حرب قذرة وخطرة تمس كُـلّ مواطن يمني في رزقه وحياته كلها ولا يزال العدوان يمعنُ في استهداف الشعب اليمني في معيشته

الفاتورة أبهظ بكثير وارتداداتها على المدى البعيد مُستمرّة ولا تقل أثراً عن بقية الجرائم الإنسانية التي ارتكبت بحق هذا الشعب

 

تقرير| سند الصيادي

لا يمكن حصر حجم الخسائر المباشرة التي سببها الاستهداف العدواني للاقتصاد اليمني خلال سنوات العدوان الذي لا يزال مُستمرًّا، فالعدَّادُ لا يزال مُستمرًّا في الارتفاع بشكل يومي، كما لا يمكن اعتبار تلك الأرقام المطولة من الخسائر التي تحصيها القطاعات الحكومية مع بداية كُـلّ عام بكونها تمثل إحصائية دقيقة لما مضى، بل بما استطاعت تلك الجهات أن تصل إليه وتحصيه، لكن الفاتورة أبهظ بكثير، وارتداداتها على المدى البعيد باهظة ومُستمرّة، هي جريمة لا تقل أثراً عن بقية الجرائم الإنسانية التي ارتكبت بحق هذا الشعب، جريمة بمختلف الشرائع السماوية والإنسانية لا يمكن أن يسقطها التقادم، وجرحاً سيظل منكوءًا إلى حين الخلاص ثم القصاص.

تهديداتٌ اقتصادية خطيرة تفاقم الكوارث الإنسانية

مع استمرار العدوان الغاشم والحصار الشامل يواجه اليمن تهديدات اقتصادية خطيرة قد تؤدي إلى تفاقم الكوارث الإنسانية، خُصُوصاً مع التصعيد الخطير والأخير، في دلالة واضحة على حجم المؤامرة التي تستهدفُ الشعبَ اليمني لرفضه الوَصاية والتبعية والمشاريع الأمريكية.

لجأ تحالف العدوان إلى هذه الحرب القذرة والخطرة؛ كونها تمس كُـلّ مواطن يمني في معيشته وحياته كلها، وَلا يزال يمعن في استهداف الشعب اليمني في اقتصاده ومعيشته بغاراته الهستيرية التي طالت مفاصل الاقتصاد والمعيشة، في محاولة بائسة منه لإخضاع اليمنيين خَاصَّة بعد أن فشل عسكريًّا في مواجهة أبطال الجيش واللجان الشعبيّة في ميادين وجبهات القتال.

ورغم اجتهاد القطاعات الحكومية وكذلك المراكز المختصة بتقدير أضرار العدوان والحصار إلَّا أنها تؤكّـد صعوبة احتساب تكلفة الأضرار لمجمل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والمؤسّسية على المدى القصير والمتوسط والطويل.

العملة الوطنية وَبداية المؤامرة

بعد أن أقدم تحالف العدوان والمرتزِقة على نقل وظائف البنك المركزي إلى عدن في نهاية العام 2016 واستحوذوا على الجزء الأكبر من موارد الخزينة العامة والنقد الأجنبي كما سيطروا على كُـلّ مصادر وعائدات الثروات النفطية والغازية والجمركية والمنح والمساعدات الدولية، أقدم تحالف العدوان بإيعاز أمريكي على تعطيل وظائف البنك وطباعة أكثر من تريليونين ونصف الترليون ريال من العملة غير القانونية، الأمر الذي تسبّب بتآكل قيمتها وَنتج عن ذلك ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية والخدمية ثلاثة أضعاف السعر السابق مع تَدهور الأوضاع المعيشية في المناطق المحتلّة، فيما تلافت المناطق المحرّرة الكثير من التداعيات الكارثية لهذا المخطّط من خلال الإجراءات التي قامت بها سلطات المجلس السياسي وأدت إلى ثبات سعر الصرف أمام سلة العُملات الأجنبية وكان أهم تلك الإجراءات تجريم التعامل مع العملة الجديدة واعتبارها مزورة ويجب مصادرتها مع حصر التعامل مع العملة القديمة.

النفط.. نهب وحصار

يمثل القطاع النفطي حلقة الوصل الذي أثر استهدافه على بقية القطاعات الصناعية والتجارية، وبحسب تصريحات وزير النفط الأخيرة، فَـإنَّ الإجمالي التقديري للأضرار والخسائر التي تعرض لها القطاع النفطي والمعدني في اليمن؛ بسَببِ العدوان والحصار تجاوزت 57 ملياراً و276 مليوناً و613 ألف دولار.

فيما تجاوز إنتاج الشركات النفطية من النفط الخام في القطاعات الخارجة عن سلطة حكومة الإنقاذ للأعوام من 2018م وحتى نوفمبر 2021م، 108 ملايين و275 ألف برميل بأكثر من سبعة مليارات و589 مليون دولار، هذه المبالغ الهائلة نهبها العدوان ومرتزِقته فيما كانت كفيلة بسداد مرتبات الموظفين وتخفيف الأعباء المعيشية عن كاهلهم، لكن وبدلاً عن ذلك تم توريد هذه المبالغ إلى بنوك في الرياض وعدد من البنوك في دول عربية.

يأتي ذلك مع استمرار تصعيد العدوان لحصاره باستمراره في احتجاز ومنع دخول سفن المشتقات النفطية ما يؤثر على كافة مناحي الحياة ويزيد من معاناة الشعب اليمني، وتجاوزت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن استمرار التّحالف السعوديّ في احتجاز سفن المشتقات النفطية، 21 مليار دولار.

القطاع الصناعي والتجاري.. مؤامرات بالجملة.

قُدرت الخسائر الاقتصادية للقطاع الخاص بما يقارب 190 مليار دولار، وتمثلت تلك الخسائر في الناتج المحلي والإيرادات العامة والفرص الصناعية التراكمية وتوقف الاستثمارات المحلية والأجنبية وتوقف رواتب 80 % من موظفي الدولة.

وفرض تحالف العدوان إجراءات على القطاع التجاري لتحويل البضائع إلى ميناء عدن وهذا سبب في ارتفاع أسعار السلع وَفاقم من معاناة التجار التي تبدأ بدفع الجمارك والضرائب مرتين، وبالتالي أصبحت كلفة النقل أكثر من قيمة البضاعة نفسها.

استهدف تحالف العدوان المنشآت التجارية وَالصناعية سواء في القطاع العام أَو القطاع الخاص أَو المختلط وَبشكل مباشر من خلال شن العدوان غاراته الهستيرية على تلك المنشآت الاقتصادية وبشكل غير مباشر من خلال منع دخول المواد الخام والتي يحتاجها الكثير من المصنعين اليمنيين، وفي ذات الوقت عمل العدوان أَيْـضاً على إغراق السوق اليمنية بكثير من البضائع وبالذات من الدول التي تقود العدوان ممثلة بالسعوديّة والإمارات، إلى جانب كُـلّ ذلك الدمار والاستهداف الممنهج ضد الاقتصاد اليمني قام تحالف العدوان بتخفيض تكاليف أَو رسوم التصدير إلى اليمن من هذه الدول بغير ما يستخدم في باقي الدول، بقصد استهداف أي مصنع يمني بحيث لا يتمكّن من التصنيع، وأبعد من ذلك قدم العدوان إغراءات لإخراج المستثمرين اليمنيين برؤوس أموالهم من البلاد.

قطاعُ الكهرباء والتدمير الكلي

بلغت خسائرُ قطاع الكهرباء على مدى ستة أعوام من العدوان أكثر من 10 مليارات و600 مليون دولار، وتنوعت تلك الأضرار ما بين خسائر مباشرة وغير مباشرة شملت قطاع التوليد بمؤسّسة الكهرباء وَمحطة المخاء البخارية ومحطة توليد عصيفرة، كما تم استهداف قطاع النقل الكهربائي ومحطات التوليد والتوزيع في كافة المحافظات، وكذلك الهيئة العامة لكهرباء الريف، ولم يُستثْنَ عمالُ وموظفو القطاع من الاستهداف المباشر، كما حدث للوحدة السكنية التابعة لعمال وموظفي محطة كهرباء المخاء البخارية بغارات مباشرة أَدَّت إلى تدمير أكثر من 200 وحدة سكنية.

قطاع النقل في قائمة الحقد الأسود

أحصى تقريرٌ صادرٌ عن وزارة النقل الخسائر والأضرار التي لحقت بقطاعات النقل البرية والبحرية والجوية المباشرة وغير المباشرة على مدى ست سنوات بمبلغ سبعة مليارات و645 مليون دولار، وطالت الأضرار والخسائر التقديرية قطاع الطيران المدني والأرصاد والقطاعات المرتبطة بها –إلى ذلك التوقيت- بخسائر تجاوزت خمسة مليارات و277 مليون دولار، ناهيك عن خسائر الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري المباشرة وغير المباشرة وَالأضرار والخسائر المجتمعية التي لحقت بمؤسّسة موانئ البحر الأحمر اليمنية التي بلغت مليارَين و160 مليون دولار، إلى جانب الخسائر الناجمة لهذا القطاع نتيجة فرض حصاره على الأجواء اليمنية والمطارات المدنية والموانئ البحرية والبرية والقطاعات المرتبطة بشكل مباشر بالطيران المدني، بما فيها شركتي الخطوط الجوية اليمنية والسعيدة وطائرات الشحن المدنية، وألحقت الغارات دماراً كبيراً وخسائر هائلة بموانئ الحديدة والمخاء والصليف ورأس عيسى، وَمحطة الحاويات ميناء الحديدة في أغسطُس 2015 وتدميره بالكامل، كما شن سلسلة غارات على ميناء المخاء في أُكتوبر 2015 وتدميره كليًّا واحتلاله.

القطاع الزراعي.. خسائر تجاوزت ١٠٠ مليار دولار

وما زلنا عند تقديرات السنوات الست، وفيها أعلنت وزارة الزراعة والري، أن حجم الأضرار والخسائر التي طالت القطاع الزراعي خلال ست سنوات من العدوان والحصار الذي يفرضه التحالف بقيادة النظام السعوديّ بلغ أكثر من 111 مليار دولار.

دمّـرت غارات العدوان 172 من المباني والمنشآت الزراعية الحكومية و204 من المباني والمنشآت الزراعية ضمن مكونات المزارع الإنتاجية غير الحكومية كما استهدف العدوان 89 منشأة مائية متنوعة بين سدود وحواجز وخزانات، حَيثُ دمّـرت بشكل كلي أكثر من 2314 مخزناً ومستودعاً زراعياً كما استهدفت بشكل مباشر 45 جمعية زراعية و29 مركزاً للصادرات الزراعية وثلاجات التبريد و3213 من المعدات والآليات والمستلزمات الزراعية، وتكبد الإنتاج الزراعي (الحبوب، الفواكه، البقوليات) وبقية المحاصيل النقدية مليارات الدولارات، ولم يستثنَ من ذلك قطاع الثروة الحيوانية والذي طاله الاستهداف والتدمير المباشر، حَيثُ بلغت خسائر قطاع الدواجن والثروة الحيوانية والعسل اليمني نتيجة الاستهداف المباشر للمئات من المزارع أكثر من 20 مليار دولار، آثار بالغة تكبدها هذا القطاع وطالت تداعياتها أكثر من 56 بالمئة من السكان العاملين في هذا القطاع الحيوي ستستمر لسنوات قادمة.

الصيد البحري.. حصيلة كارثية للخسائر والأضرار

أكثر من 4 مليارات دولار الخسائر التي أعلن عنها في هذا القطاع؛ بسَببِ العدوان والصيد الجائر وتدمير الشعب المرجانية من قبل بوارج العدوان البحرية، وقيام العدوان بحضر نشاط الصيد التقليدي في أكثر من 12 منطقة بحرية، وَرصدت وزارة الثروة السمكية حتى العام السادس أكثر من ١٠٩ اعتداءات مباشرة على هذا القطاع، فيما بلغ عدد الشهداء في أوساط الصيادين والقطاع السمكي 271 شهيداً والعشرات من الجرحى، وبلغت الخسائر في البنية التحتية للقطاع السمكي أكثر من 137 مليون دولار، فيما بلغ عدد القوارب المدمّـرة بشكل كلي في سواحل محافظتي الحديدة وحجّـة 250 قاربًا، وَبلغت الخسائر المترتبة على توقف تنفيذ المشاريع السمكية في البحر الأحمر ما يقارب 2 مليار دولار، وبلغ إجمالي تقييم الضرر البيئي الناتج عن العدوان أكثر من 2 مليون و500 ألف دولار مضافاً إليها خسائر الصناعات والخدمات المصاحبة للنشاط السمكي التي بلغت أكثر من 21 مليون دولار.. وتضرر أكثر من40 ألف صياد نتيجة العدوان والحصار، وبلغ الذين فقدوا أعمالهم في هذا القطاع أكثر من 100 موظف رسمي ومتعاقد، وأكثر من 21 ألف شخص من الأيادي العاملة المساعدة.

قطاع الاتصالات استهداف ممنهج ومُستمرّ

إلى وقت كتابة هذه المادة لا يزال تحالف العدوان يقصف أبراج الاتصالات في مختلف المحافظات المحرّرة، ونظراً لعدم توفر إحصائيات حكومية جديدة للأضرار التي تعرض لها هذا القطاع ننوّه إلى أن خسائره خلال الست السنوات الماضية تجاوزت الخمسة مليارات و452 مليوناً و572 دولاراً، وخلالها استهدف العدوان بغاراته المباشرة أكثر من 3 آلاف موقع ومنشأة تابعة للاتصالات والبريد وألحقت بها دماراً وأضراراً جسيمة، وعلى إثر ذلك توقفت أكثر من ٨٠٠ منشأة ومرفق خدمي عن تقديم خدماتها، وتضرر ملايين اليمنيين من غياب تلك الخدمات في ظل إمعان العدوان على حرمان اليمن من كابلات الإنترنت البحرية المملوكة للاتصالات اليمنية، واحتجز أكثر من ١٠٠ محطة اتصالات بمطار جدة وميناء عدن والمكلا ومنفذ الغيضة ومنع دخول 16 حاوية في ميناء عدن تحمل تجهيزات ومعدات اتصالات وتراسل من دخول اليمن، فيما فرض على البريد اليمني حظراً دوليًّا كاملاً.

المناطق المحتلّة ومخطّطات النهب والتجويع

اختلفت أساليب ومخطّطات العدوان في تفاصيلها واتفقت في عنوانها العريض “تدمير الاقتصاد اليمني وإنهاكه حاضراً ومستقبلاً”، وتحت هذا الهدف شهدت المناطق الواقعة تحت سيطرة أدواتهم أَو سيطرتهم المباشرة أساليب مختلفة لهذا التدمير عن ما تقوم به في المناطق المحرّرة، وإلى جانب دوامة من الصراعات والأزمات اللامتناهية أمنيًّا وسياسيًّا وعسكريًّا، تعيش تلك المناطق أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة ومُستمرّة، وُصُـولاً إلى أزمة الخبز، في ظل تغييب العدوان لمفهوم الدولة هناك واختطاف مؤسّساتها، بما فيها فرع البنك المركزي في عدن، الذي بات يفتقر إلى أدنى مقومات السياسة المالية والاقتصادية.

رفض تحالف العدوان وأدواتهم المحلية كُـلّ مطالبات ونداءات صنعاء بـ “تحييد” الاقتصاد، وسحب الكمية النقدية الزائدة عن الحاجة، والتوقف عن إغراق السوق بمئات المليارات من دون غطاء بالنقد الأجنبي، ومضت تلك الأدوات بحماية الغزو والاحتلال في سياسة إنهاك الاقتصاد المعيشي من خلال عدة إجراءات، كان آخرها رفع رسوم “التعرفة الجمركية” عبر ميناء عدن ورسوم النقل، بضوء أخضر أمريكي، رغم تبعاتها الكارثية على معيشة المواطن، وفي ظل استمرار الحصار عن موانئ الحديدة، والذي كان كفيلاً بانخفاض أسعار السلع إلى 40 %، وَتمسّك تحالف العدوان بانتهاجه سياسة التجويع شمالاً وجنوباً.

وتعاني المناطق الواقعة تحت الاحتلال أسوأ أزمة نقدية في تاريخ اليمن على الإطلاق، ما دفع محال وشركات الصرافة وشبكات التحويل المالي إلى إعلان حالة الإضراب، وإغلاق أبوابها بشكل كامل أمام عملائها، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانهيار سعر العملة.

وتتزامن هذه الأزمات المركّبة مالياً واقتصاديًّا ومعيشياً مع استمرار النهب المنظم والسرقة الممنهجة لثروات البلاد من النفط والغاز، من حضرموت وشبوة ومأرب، وتوريد عائداتها إلى جيوب وأرصدة حيتان النفط والمال من المرتزِقة، وإلى البنك الأهلي السعوديّ، وَتغرق عدن والمحافظات المحتلّة في الظلام، وتعيش أزمة وقود وأزمة صحة وتعليم، وأزمات لها أول وليس لها آخر.

ملف مفتوح على طاولة المستقبل

ختامًا، أن ما تم استعراضه في هذه المساحة لم يشمل كُـلّ القطاعات وَبني على ما توفر من إحصائيات في متناول الجهات الرسمية ومنظمات ومنصات مختصة بالرصد، فيما الواقع المعاش يؤكّـد أن جرائم هذا التحالف العدواني السعوديّ الأمريكي الصهيوني بحق شعبنا قد تجاوزت كُـلّ جرائم التاريخ المعاصر من حَيثُ بشاعة الفعل وعمومية الاستهداف وشموليته لكل مناحي الحياة، وتبقى الجريمة بحق الاقتصاد الوطني شاهداً على هذا المسار، وجرحاً منكوءًا في الذاكرة الوطنية والشعبيّة وملفاً يقاضى به أطراف هذا التحالف في المحاكم الإنسانية قبل المحاكم السماوية، وأبعد من ذلك ثأراً يتوقد في الضمير الشعبي إلى حين النصر والخلاص.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com