العملية التي أدهشت العالم وكسرت جبروت العدوّ وحطمت أحلامه وآماله عامان على عملية “البنيان المرصوص”.. أوجاعُ العدوان لا تهدأ

 

المسيرة: أيمن قايد

تحلُّ علينا الذكرى الثانيةُ لعملية “البنيان المرصوص” التي تكلّلت بتحرير مديرية نهم بالكامل، ودحر قوى العمالة والارتزاق الذين كانوا يشكلون تهديداً على العاصمة صنعاء، ووصول قوات الجيش واللجان الشعبيّة إلى محافظة الجوف ومحافظة مأرب، حَيثُ بلغ إجمالي مساحة المناطق التي تم تحريرها إلى أكثر 2500 كيلو متر مربع طولاً وعرضاً.

عمليةُ “البنيان المرصوص” قلبت الموازنة من الدفاع إلى الهجوم، وكانت فاتحة الانتصارات بعد عملية نصر من الله في وادي آل أبو جبارة، فكانت هذه العملية هي الأكبر من حَيثُ الدلالة والمعنى، إذ لم يستطع أحد أن يقدم لها وصفاً يليق بها، أَو أن يقدم تعريفاً شاملاً عن العملية، فقد كانت أكبر من أن يستوعبها أحد حتى من العدوّ نفسه.

ووجد العدوّ نفسه وقد نسفت أحلامه بدخول صنعاء أمام هزيمة أحرجته، ولاذ بالصمت لأيام، فظهر بعد فترة بهشاشة، ليقول إنه ترك المناطقَ الشاهقة وفضل القتال في المناطق المنبسطة باتّجاه مأرب وإنه انسحب انسحاباً تكتيكياً إلى المناطق التي يجد فيها القتال، حسب زعمه.

وهنا نجد كُـلَّ مجاهد من المجاهدين المشاركين في عملية البنيان المرصوص يشرح بكل انذهال عن عظمة الموقف ويذكر الآيات المتجلية في ميدان المعركة والتأييد الكبير الذي حدث.

ويقول قادة ميدانيون من المرابطين في الجبهة منهم أبو محمد المراني: إن جبهة نهم كانت تمثّل السكينَ على الرقبة بالنسبة لصنعاء، وكانت الجبال المُطِلَّةُ والأماكنُ الحسَّاسةُ قد سيطر عليها العدوّ بشكل كامل، وهو يرى ضوء صنعاء ليلاً ويمني نفسه ليلاً ونهاراً للوصول إلى صنعاء؛ لأَنَّها كانت جبهة حساسة جِـدًّا، وكان العدوّ يضغط في المفاوضات السياسية بهذه الجبهة، لافتاً إلى مجيء الكثير من الإعلاميين والأمريكيين المخطّطين لهذه الجبهة وقُتل الكثير منهم ومن قادة ألوية العدوّ، وأنهم كانوا مصممين بشكل كبير على دخول العاصمة.

ويضيف المراني “أعتقد أن الجهد الذي بذل في جبهة نهم لم يبذل في أية جبهة أُخرى؛ لأَنَّ جبهة نهم كانت جبهة مهمة وحساسة واستثنائية، موضحًا أنه في الخطوة الأولى بدأت المعركة بتوجيه السيد القائد عبد الملك الحوثي -حفظه الله- وأن الخطوة الثانية هي أن الإخوة المجاهدين في بقيةِ المناطقِ رفدوا قوات إضافية لتعزيز الوضع، مؤكّـداً أن أكثر ما يعزِّزَ المعنويات هو الارتباطُ بالله والهدي العظيم، وكذا الترتيب والتخطيط المحكم والتعاون المشترك”.

ويواصل المراني حديثَه بالقول: “كانت عمليةً نموذجيةً واستثنائيةً ومعجزةً وكما وصفها السيدُ المجاهد عبد الخالق بدر الدين الحوثي “أبو يونس” بأنها آية من آيات الله، مبينًا أن الذي ساهم في نجاحِ العمليةِ هي قضيةُ الاعتماد على الله والنية الصادقة وكذلك التسليم المطلق لتوجيه القيادة، وكذا العمل بروح الفريق الواحد بكل بذل وإخلاص واستعداد عالٍ للتضحية، وهذا أثّر بشكل كبير في الأداء الميداني، وكان المجاهدون يتسابقون بالمواقف من يقوم بالموقف قبل الآخر، ويحاول أن يسبق الآخر في إنجاز المهمة”.

استعدادٌ للتضحية

لقد استخدم العدوُّ كافةَ الأسلحة والإمْكَانيات وكل فئات المقاتلين إلى مستوى الاستعانة بالخبراء الأُورُوبيين خلال المواجهات التي دارت في جبهة “نهم”.

ويقول المجاهد أبو عمار الحشحوش: إن العدوانَ لجأ إلى استخدام كافة الأسلحة والإمْكَانيات وكل فئات المقاتلين إلى مستوى الاستعانة بالخبراء الأُورُوبيين، متبعاً أن رجالَ الله المؤمنين الصادقين سطّروا أعظمَ الملاحم، وكسروا نفسياتِ العدوان الذي حاول أن يتقدم، لكنه تلقى القتل والتنكيل، موضحًا أن أعظمَ قيادات العدوّ قتلت في “نهم” وأصبحت نهم تعتبر مقبرةَ القيادات، وهذه من نِعَمِ الله سبحانه وتعالى.

ويضيف الحشحوش أن العدوَّ وبالرغم من إعداد الألوية التابعة له مقابل عددنا القليل، وكان كُـلُّ مشرف قد أعد ما استطاع من قواته، وكانت القواتُ متهيأة في الجانب الإيماني والتربوي والثقافي وكذلك الجانب العسكري والتنظيمي.

ويتذكَّرُ محاولةَ المرتزِقة الوصول إلى مناطق كأرحب حسب زعمهم وغيرها، ولكن حينما وجدوا ثباتَ وصبرَ المجاهدين والتأييد الإلهي أصبح العدوّ يراجعُ حساباته، ولم يستطع التقدمَ رغم إسناد الطيران الحربي معه.

رعاية إلهية

بدوره، يقولُ ضيف الله المقراني “أبو ثائر”: إن العدوّ كان في مواقعَ استراتيجية كبرى ومحصَّناً ولديه مختلف الأسلحة الحديثة والعدة والعتاد ولكن الله قذف في قلوبهم الرعب والخوف وتركوا كُـلّ ما لديهم من أسلحة، وكل هذا بعون الله ورعايته للمؤمنين الصادقين.

ويشير إلى أن هذه المعركة هي التي قارنت بين الجيش واللجان وبين العدوّ وأن التسليم والمبادرة والثقافة من خلالها تمت الاستطاعة والبطش جبارين على العدوّ بجبروت الله وقوته.

من جانبه، يقول العميد محمد عبد الله أبو مهدي -قائد الحرس الجمهوري-: إن ما قبل عملية البنيان المرصوص كان العدوّ مسيطراً على أغلب الجبال والمواقع الاستراتيجية وكانت مواقعنا جميعها تحت مواقع العدوّ، مُضيفاً أنه وقبيل بدء العملية دخلنا ورشة مسبقة شارك فيها من القائد حتى أصغر جندي وذلك لإعداد خطة واستكمال التشكيل والاستعداد لبدء عملية البنيان المرصوص.

ويشير مهدي إلى اندفاعِ المجاهدين الكبير في الاقتحام والتنكيل بالعدوّ بكل معنوية وروحية عالية، داعياً المخدوعين بأن عليهم أن يعودوا إلى وطنهم وأنه ربما يأتي وقتٌ يفوت عليهم هذه الفرصة الثمينة.

ووصل العدوُّ بكل قوته وعدته وعتاده على مشارفِ صنعاء، وقد رسمت القيادةُ الحكيمة خطاً فاصلاً بين الجيش واللجان الشعبيّة وبين العدوّ، مؤكّـدةً وجوبَ توقُّف العدوّ عند ذلك الخط، وألا يسمح بتجاوزه مهما كانت حجم التضحيات في صفوف المدافعين عن صنعاء.

كابوسٌ مقلق

بدوره، يقول أبو ربيع المسعوديّ: إن المجاهدين بعون الله حولوا مسار وتخطيطات العدوّ وعملياته على مترس واحد فقط وحوّل المجاهدون جبهة نهم إلى كابوس بالنسبة للعدو؛ لأَنَّه كان يحلم أنه يطلع مترساً واحداً لأَنَّه كان يحشد كُـلّ مرتزِقته ومع الطيران للوصول إلى مترس، مُشيراً إلى السرية التامة عند بدء عملية البنيان المرصوص وأنها كانت أحد أسباب نجاح العملية هي السرية.

واستمرَّت تلك المعاركُ كراً وفراً عند ذلك الخَطِّ الذي رسمته القيادة الحكيمة لا يتجاوُزُه العدوُّ أبداً ولو بمقدار شبر واحد مهما بلغت التضحياتُ فقد كان الشبر الواحد في نهم يساوي عشراتِ الكيلو مترات في أية جبهة أُخرى، وهو ما تم تنفيذه والالتزام به طوال سنوات الدفاع عن العاصمة صنعاء.

أما طارق الشريف، فيضيفُ هو الآخر أن العدوَّ له ما يقارب ست سنوات يحاول أن يثبت وضعه وفقَ قوة متضمنة خبرات ودراسات أمريكية، وحسب ما يدّعون، أن القوات الحوثية لم تستطع أن تهجم إلَّا بقوة ما بين 13 فرداً إلى 120 فرداً وفي عمليتَي نصر من الله وعملية البنيان المرصوص تفاجأ العدوّ.

ويقول: إن البنيانَ المرصوص لم يدركها العقلُ المقاتلُ حتى أن قيادات المجاهدين في حيرة كيف تمت على هذا النجاح وسيعود إلى تأييد الله وعونه وتوفيقه.

زحوفاتُ العدوّ المتتالية استمرت نحو صنعاء دون إحراز أي تقدم يُذكر ومن ورائهم تحالُفُ العدوان وبعران الخليج ومن المعروف أنه دفع بأكثرَ من 17 لواءً عسكرياً وعددٍ من الكتائب وجهزها بمختلف أنواع السلاح الثقيل والمتوسط، بالإضافة إلى قوات خَاصَّةٍ من قبل العدوان تتولى عملية الإسناد الناري لوحدات المرتزِقة كما عمل على إنشاء تحصينات قوية لتعمل على إعاقة تقدمات الجيش واللجان الشعبيّة.

وفي تلك المرحلة كانت قيادةُ المنطقة العسكرية المركزية قد أعدت خطةَ التجهيزات مستعينين بالله ومتوكلين عليه وعملت على الخطيط والترتيب ورسم الأهداف في سرية تامة عن العدوّ وعن المقاتلين أنفسهم وعن القيادات الميدانية.

وفعلاً بدأ العد التنازلي للتصعيد ومن ثم بدأت العملية العسكرية التصعيدية باتّجاه صنعاء لمحاولات متكرّرة لتجاوز الخط الدفاعي للجيش واللجان الشعبيّة من أفراد وقيادات المنطقة العسكرية المركزية ولكن هيهات له ذلك، فقد كان الأبطالُ من الجيش واللجان على أتمِّ الجاهزية والاستعداد مستميتين عن الدفاع عن صنعاء، ورسموا أروعَ البطولات وثبتوا ثباتَ الجبال ذوداً عن الدين والعرض وكانوا الصخرة الصماء التي تحطّمت عليها آمال وأحلام وأمنيات تحالف العدوان ومرتزِقته.

أثناء ذلك جاءت التوجيهاتُ لبدء العملية بعد مرور أشهر من الإعداد والتجهيز والتحضير مع قلة قليلة من القادة الميدانيين وتحشيد القبائل من طوق صنعاء وأبناء مديرية نهم وسط تكتم شديد وسرية تامة.

ضمنَ الخطة القتالية التي رسمتها القيادة قام المجاهدون بحفر نفق تحتَ الأرض أشبه بالمعبر الأرضي للوصول إلى العدوّ في الجهة الأُخرى ويصل مواقع المجاهدين بعمق موقع العدوّ بطول 100 متر تقريبًا وبارتفاع متر أَو مترين بحيث يستطيع المجاهد أن يمشي واقفاً تحت الأرض إلى وسط مواقع العدوّ في الطرف الآخر؛ وفي ليلة الاقتحام وجه قائد المنطقة بفتح فتحة في نهاية النفق واقتحام موقع العدوّ الذي كان يشعر بحركة غير اعتيادية تحت أقدامه لكنه لم يدرك أن يكون ثمة أمراً يحدث في الأسفل فأتاهم الله من حَيثُ لم يحتسبوا، وتم فتح الفتحة التي تعتبر رأس الفتحة للعملية والتي أربكت العدوّ وأنهار أفراده الذين سقطوا بين قتيل وجريح ولم يعلموا بمصدر النيران التي أثخنتهم قتلاً وحصدت أرواحَهم بالعشرات، حسب ما أفاد القادة الميدانيون.

تحَرّكت المساراتُ وفق الخطة وبدأت الانهياراتُ تتوالى في صفوف المرتزِقة لمشهد لا يصدق ولا حتى في الأحلام، إلَّا أن المجاهدين كانوا يثقون أن ما يحدث ما هو إلَّا من عند الله الذي وعدهم بنصره، وتسارع الانهيارات وكان الهروب جماعياً من المواقع في تدخل إلهي جليًّا لم يخطر على بال أحد.

كانت التوجيهاتُ من القيادة تقضي بفتحِ الطريق أمام فلول المرتزِقة والسماح لهم بالفرار وعدم إطلاق النار عليهم، وكان الالتزام بالتوجيهات حرفياً إلَّا في حال وجد مَن يثبت فكان يتم التعامُلُ معهم.

الأهمُّ من هذا وذاك كانت التدخُّل الإلهي في تحييد الطيران، فقد أرسل اللهُ في تلك العملية غُيُوماً حجبت الرؤيةَ على الطيران وأرسل اللهُ الأمطارَ على غير عادتها لتثبُتِ الأقدام وتتلطف الأجواء الباردة؛ بفعل الأمطار، فحمى الله المجاهدين من استهداف الطيران الذي ظل يحلق لكنه لا يرى الأهداف، كما أن القوة الصاروخية كانت قد استهدفت الاتصالات ونجحت في قطع الاتصالات بين المرتزِقة بعضهم ببعض وبينهم وبين طيران التحالف الذي حتى وإن ضرب كانت ضربات عشوائية دون جدوى كونه لا يعرف ماذا يحدث على الأرض.

كما شاركت وحداتُ الدفاع الجوي في العملية وكانت لمنظومة فاطر1 دورٌ مهمٌّ في إرباك طيران العدوّ وإعاقته عن شن الغارات إلى جانب استهداف العدوّ في العُمق السعوديّ من خلال عمليات القوة الصاروخية والطيران المسيَّر التي استهدفت مرابض الطائرات في الأراضي والمطارات السعوديّة.

وكان المتحدثُ الرسمي للجيش، العميد يحيى سريع، قد استعرض الإحصاءاتِ الأوليةَ لخسائر العدوّ قائلاً: إن عدد القتلى والمصابين والأسرى بلغ أكثر من 3 آلاف و500 بينهم ألف وخمسمِئة قتيل بينهم عدد كبير من القيادات من مختلف المستويات، وأن عدد المصابين بلغ إلى ألف وثمانمِئة وثلاثين مصاباً والمئات من الأسرى.

تجلت الرعايةُ الإلهية في عملية البنيان المرصوص وتجلت قدرةُ الله سبحانه وتعالى، وكانت التدخلات عجيبة أكبرَ من أن توصَف، لم يحدث أن مَنَّ الله بها لأُمَّةٍ من الأمم، مصداقاً لمقولة الشهيد القائد -رضوان الله عليه- قائلاً لأحد قياداته أواخر الحرب الأولى منتصف العام 2004م “يا يحيى أبلغ المجاهدين السلامَ وقلهم أن يتوبوا إلى الله وقل لهم إن هذه المسيرة قد حظيت من الرعاية والتأييد الإلهي ما لم تحظَ به أُمَّـةٌ من الأمم”.

ونحن نعيشُ اليومَ ما قاله الشهيدُ القائدُ -رضوان الله عليه- واقعاً ملموساً في جميع المناسبات والظروف المختلفة وفي جميع الجبهات وما صمودنا من بداية العدوان إلى اليوم إلَّا نوعاً من التأييد الإلهي وهذا النصر الذي يحدث لأية أُمَّـة من الأمم.

واليومَ وبعد مرورِ عامَين من المعركة التي دارت بين الطرفين في الذكرى الثانية لعملية البنيان المرصوص التي انطلقت في مثل هذه الأيّام عندما اجتمع الشركُ كله ضد الإيمان كله في منطقة نهم على نحو يستوجب السجود شكراً لله، الذي نصرنا بنصره.

وكانت أبرز النتائج التي حقّقتها عملية البنيان المرصوص انهياراً كبيراً في صفوف قوات العدوّ وفرار الآلاف من المرتزِقة وكذا تأمين كامل مديرية نهم وكان هذا الإنجاز الأكبر للجيش واللجان الشعبيّة خلال الأيّام الأولى للعملية بما يحمله هذا الإنجاز من نتائج على كافة الأصعدة.

إضافةً إلى وصول قوات الجيش واللجان الشعبيّة إلى مفرق الجوف والتقدم والالتحام بالقوات هناك والبدء بعملية هجومية أُخرى لتحرير مناطق في محافظتي مأرب والجوف وتكبيد العدوّ خسائر فادحة واغتنام عتاد عسكري كبير.

وبهذا حرّرت قواتُ الجيش اللجان الشعبيّة خلالَ الأيّام الأولى من العملية مساحةً تُقدَّرُ بـ 800 كيلو متر مربع طولاً وعرضاً معظمُها مواقعُ استراتيجية ومهمة في نهم قبل أن تتمكّنَ من تحرير مناطقَ أُخرى في مأرب والجوف، إضافة إلى نهم بصنعاء لتصبح المساحة أكثر من 2000 وخمسمِئة كيلو متر مربع طولاً وعرضاً.

ويواصلُ أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة تحقيقَ عمليات استبساليه خالدة، مسطرين أروَعَ الملاحم البطولية في الشجاعة والإقدام، هذه المواقفُ سيسجلها التاريخُ في أنصع الصفحات.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com