الصمود المكلل بالنصر المبين

 

رشدي عبدالرحمن

تعيش اليمنُ حالةً من الثباتِ والصمود في وجه مؤامرة استهدفت كُـلّ أركانها وكل أسباب الحياة فيها، أعوامٌ تمرُّ واليمن الأسطوري باقٍ في وجه المتآمرين..

أعوام أفرغت حقائبها المثقلات بالمؤامرة الأممية والخيانة العربية وظلم الإخوة وذوي القربى.

أعوام بشجونها بأشجانها، وقع صموده، لملم شهداءه، جمع ذكرياته، شدَّ رحاله، وقف بكلِّ إباء وكبرياء، سلم راية ديمومة الأمل بانتصار عطر الياسمين على رائحة البارود والدم، أمانة ووصية لعام جديد يولد في أحضان اليمن.

أعوام لم تغادر اليمن، ارتحلت إلى الذاكرة، استوطنت الوجدان، كتب التاريخ، تاركاً أسماءَ الشهداء وابتساماتهم وبطولاتهم من صعدة وَإلى الضالع والبيضاء والجوف وكافة المحافظات اليمنية.

عام 2019م شدَّ رحالَه لا يبتغي الرحيلَ إلى غياهب الضياع والنسيان، يممّ إلى فضاءات ذاكرة كُـلّ بيت يمني يفترش كُـلَّ خلية من خلاياها، يحفر على جدرانها اسمَ شهيد، ينحت في ساحاتها تمثالَ بطولة، يرسم على آفاقها لوحةَ مجد وفخار عن أبطال الجيش واللجان الشعبيّة، يلون مغانيها إصراراً على عبور المؤامرة، يقيمُ في ميادينها أعراساً للذكرى ويقدّم قرباناً للصمود والانتصار.

لا تموت الأعوام ولا الأيّام اليمنية، تظلُّ واقفة بوجه رياح الأعاصير، قد تتساقطُ بعضُ أوراقها حيناً “في خريف طالت أيامُه ولياليه، لكنها تظلُّ تحلم بربيع حقيقي (غير مزيف ببترول الدم ونفط الغدر)، ومطر ينساب عليها مدراراً”، يهبها القدرةَ على التحدي والحياة.

لا تموت هذه الأعوام والأيّام، وقبل أن تأذن كُـلّ شمس يوم بالرحيل، تلد أرحام اليمنيات في كُـلِّ ليلة بطلاً وبطلةً يرسمون حلمَ الجمهورية اليمنية بالعيون الخضر.

لا تموت الأعوام والأيّام اليمنية، لا تغيب، لا ترحل، لا تأوي إلى سراديب التاريخ، لا تغفو بين ذراعي النسيان، لا تصبح ماضياً.

كلُّ يوم منها يتقمّص روحَ أخيه، يتوحد فيه ليضيء شعلة روح تنير الحياةَ لأجيال لم تولد بعد أن تروي لهم ملحمة نهم والجوف ونجران وعسير والضالع وغيرها من الملاحم البطولية التي يحقّقها المجاهدُ اليمني على تراب اليمن المنتصر بالدم، معطرة بنسائم الحرية، مسافرة في فضاء المجد والعروبة والكرامة.

لا تموت الأعوام والأيّام اليمنية، وإن كان الشعبُ اليمني يعاني الخيانةَ العربية وغدر الإخوة، وإن كان الوطنُ ما زال أسير رماد غربة نازحيه، وَإذَا كانت ثورته ما زالت تعاقر العربدة حتى الثمالة والإجرام ونخب الإرهاب، فالجنديُّ العربيُّ اليمنيُّ ومقاومنا الساهر في ذاكرة الإنسان لا يأبهان بهذه الأيّام ولا تلك الليالي، وَإذَا ما عدها الإنسانُ اليمنيُّ؛ فلأنه يطويها انتظاراً لفجر لا يرى في مدى مرآته إلّا نور الانبعاث الأخير والخلاص والانتصار.

اليمن الوطن الساكن في وجدانِ الإنسان العربي، وذات الإنسان المسكون بالوطن، ما زال عشاق “بلد الحكمة” يدخلون في محرابه أفواجاً أفواجاً.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com