سُقطرى إطلانتس اليمن.. الأرخبِيل المفقود!

أنس القاضي:

سُقطرى.. أَرْخَبِيلُنا المفقودُ، لؤلؤةُ الشعب المُفقَر الذي حُرِمَ الاستقلال والاستقرار -شرط إنتاج الحياة وتعمير الوطن- هذا الأَرْخَبِيل التي نأت به الجغرافيا عن النزاعات الداخلية، لم يعد هادئاً تماماً، فضجيج (القراصنة الجدد) فيه بلغ مسامع كُلّ اليمنيين، وساءهم الخبرُ برغم انقساماتهم الموقفية في الأزمة الراهنة، فالكرامة الوطنية التي تُنتهك هي ما تبقى لشعب يُكابر بتأريخه، وبتنوع أرضه وجمالها، ولن تبقى له أية قيمة مادية أَوْ معنوية إذا ما اقتطعت أجزاء من بلاده وزُيِّفَ تأريخها.

ماذا تفعل الإمارات هنالك في سُقطرى بعيداً عن أرضها، وبعيداً عن ذرائع التدخل العسكري، في جزر تخلو من مظاهر الحرب وتحشيدتها؟!..

إن هناك ما هو أبعد من الذرائع والتبريرات التي انطلت على بعض اليمنيين، فمن توهّم التدخل العسكري الأجنبي العدواني حماية “للشرعية”، لم يكن في تصوره أن يترسخ احتلال أجنبي بديلاً عن خصمه الداخلي وأخيه في الأرض والتأريخ والتركيبة النفسية والمصير المشترك!

ليس انتهاءً بطرح مسألة الاستفتاء على سُقطرى، ولا بداية بالمساعدات اللاخيرية، والإغراءات المالية، وبيع حكومة هادي العميلة للأراضي فيها، يواجه الأَرْخَبِيل تدمير ونهب منظم لكنوزه، حتى غدت نباتاته وحيواناته وطيوره النادرة قِطَعاً للتباهي معروضةً في حدائق الإمارات، وصخوره المنيعة قواعدَ للبحرية الأمريكية، الأَرْخَبِيل برمته حجرٌ في رقعة شطرنج التنافس الدولي على طرق الجارة البحرية.

ينبئُ كُلّ هذا بجولات صراع قادمة وبتوسع خليجي أَكْبَـر في سُقطرى وسواحل الجمهورية.

تعددت التناولات الإعلامية والسياسية حول قضية سُقطرى، وكانت معظمُها محفوفةً بدافع نشر الفضيحة ودافع الغيرة والتنافس في صفوف المرتزقة، وفرصة لإدانَة الخصم السياسي.

وهي تناولاتٌ ترتكزُ على راهنية ولحظة الخبر، ولا تهتم بمصير القضية، والتدقيق في معرفة الواقع، كما هو على تلك المحافظة الأَرْخَبِيلية.

ومن فرز كُلّ تلك الأخبار وتدقيق المعلوماتِ والبناء على ما هو مُشترك في مختلف التناولات الإعلامية والتصريحات السياسية، وبالاستعانة بمصادر محلية والتوسع النظري في طبيعة الصراع العالمي في المنطقة، أمكننا إدراك واقع الممارسة الإماراتية طبيعتها، ووسائلها، وتطوّرها التأريخي، وأبعادها وتداعياتها على مستقبل اليمن أرضاً وهُويةً واقتصاداً.

تزوير التأريخ والهُوية وسرقة الحاضر

تُظهِرُ دولةُ الإمارات مطامعَها بطريقة فجة ومُهينة للكرامة الوطنية اليمنية، كان أشدَّها خطورةً وهزليةً في آن حديثُ قناتها “إسكاي نيوز العربية” عن موضوع طرح الاستفتاء (تقرير المصير) لأبناء سُقطرى وكأنّهُ شعبٌ دون دولة ولا تأريخ أَوْ هُوية.

ولحق التلويح بالاستفتاء مغالطة تأريخية طرحها الباحثُ الإماراتي «جمعة الجنيبي»، الذي حاول تحريفَ التأريخ بالقول “إن أصول الأسر السقطرية تعود للإمارات، وأن العلاقات بين الإماراتيين والسقطريين قديمةٌ؛ بسبب المصاهرة والنسب، وكثير من الأسر الإماراتية هاجرت إلى سُقطرى قديماً”.

وهي دعاوى غبية تتجاهل حداثة ظهور دولة الإمارات الذي لم يصل إلى مائة عام، بالمقارنة مع قدم حضارية سُقطرى المدوَّنة في نقوش الفراعنة والإغريق، ومركَزُها السياسي الحالي كمحافظة في الجمهورية اليمنية، وكانت فيما قبل جزءاً من ولاية اليمن العُثمانية، وبعدها جزءاً من جمهورية اليمني الديمقراطية الشعبية بعد أن أسقط مقاتلو الجبهة القومية في ثورة 14 أكتوبر 1967م السلطنة المهرية التي اتّخذت من سُقطرى عاصمة لها..

وفي تتبع الأنساب، فأهالي سُقطرى قبائل حميرية تنتسبُ إلى «مهرة بن حمدان» كما جاء في كتاب «لسان العرب» للهمداني، وعلى العكس من الأوهام التوسعية الإماراتية ففي التأريخ القديم نجد أن جزرَ ما تسمى اليوم بالإمارات كانت جزءاً من المملكة الحميرية، ومن مملكة حضرموت إبّان الدولة السبئية.

الغزو السهل!

وجدت دولةُ الإمارات العربية المتحدة في جزيرة سُقطرى، لقمةً سائغةً، وفي دخولها انتصاراً لم يكلفها جندياً، على عكس ما لاقته قواتُها في مأرب وخَاصَّـة في ضربة توشكا صافر.

في سُقطرى كان دخول الإمارات انتصاراً على السلام، فقد نجت سُقطرى من نيران الحرب المتقدة في شمال البلاد وجنوبها، في لُجَّة هذه الحرب التي بدأت قبل ثلاثة أعوام.

حدّدت الإمارات طريقها نحو سُقطرى، ولم يكن التوجه الإماراتي نحو ذلك الأَرْخَبِيل القصي عفوياً، بل تعزيزٌ لدور إماراتي قديم ومشبوه إزاء جزيرة سُقطرى اليمنية كان يقتصر على التجنيس، اتضحت معالمه في هذه الحرب

.

أرض الأساطير وحورية بحر

ليس مستغرَباً أن توجِّهَ الإمارات أساطيلها باتجاه سُقطرى، هذه الأرض العجيبة هبة الله وإبداع الطبيعة وأرض الأساطير وحورية البحر.

تم تصنيفُها من قبل منظمة الأُمَـم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، على أنها واحدة من مناطق الإرث الطبيعي للإنْسَان ومحمية طبيعية.. وأنها مؤهلةٌ أن تكون مسرحاً استثمارياً سياحياً طبيعياً ورياضياً واستكشافياً وعلمياً فريداً؛ لما تتمتع به من تنوع تضاريسي وحياتي نباتي وبحري وكائنات نادرة.

وفي ذات الوقت موقع استراتيجي عسكري، فهي أَرْخَبِيل مكوّن من أربع جزر على المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الإفريقي بالقرب من خليج عدن، على بُعد 350 كيلومترًا جنوبي الجزيرة العربية وبحيرة النفط العربي.

كُلّ هذه العوامل الطبيعية تجعل من سُقطرى، حوريةً، تسيلُ لعابُ الطامعين والتوسعيين، وقد أسالت لعابُ القوى الاستعمارية القديمة من الأحباش والفُرس والبرتغاليين والعثمانيين والبريطانيين.

الاحتلالُ كأمر واقع وممارسة يومية

فرضت الإمارات سيطرتَها العسكرية على سُقطرى بمساعدة قوات عسكرية جَنّدتها لحسابها، وشرعت ببناء قاعدة عسكرية جوية لها غرب مطار سُقطرى، بإشراف ضابط إماراتي يُدعى «حسن العطار».

وإلى جانب الهيمنة العسكرية، فهناك وسائل ناعمة أُخْــرَى من بينها شراء الأراضي من المواطنين، يقودها السمسار الإماراتي «خلفان بن مبارك المزروعي»، والملقب بـ “أبو مبارك”، وهو رئيس الوفد الإماراتي الزائر إلى سُقطرى، يعاونه سمسارٌ إماراتي آخر يُدعى «محمود فتحي علي الخاجة»، والملقب بـ “أبو طارق”.

وعملية الاستيطان بدأت بغطاء خيري من خلال مُؤَسّسة “خليفة الخيرية”. ومن يومها غدت هذه الجزيرة النادرة قبلةً للمستثمرين الإماراتيين المدعومين من أفراد من العائلات الحاكمة.

وتمارس الإمارات سيادةً احتلاليةً كاملةً في الجزيرة، حيث تُديرُ الإمارات مطار سُقطرى وتتحكم فيه، وتسير رحلتين بينه وبين أبوظبي لا تخضعان لأي تفتيش أَوْ رقابة من قبل السلطات اليمنية، سواء حكومة صنعاء الوطنية أَوْ حكومة هادي العميلة، وقد شغلت الإمارات شركة اتصالات إماراتية في سُقطرى. كما فتحت مصنعاً للأسماك دون تنسيق مع الحكومة اليمنية سواء الحكومة الوطنية في صنعاء أَوْ الحكومة العميلة في الرياض. وكأنها تمارس شأناً داخلياً.

وكشف ضباط سابقون في أمن مطار سُقطرى أن الإماراتيين يقومون أَيْضاً بعمليات تهريب لثروة حيوانية وبيئية وشعاب مرجانية نادرة من سُقطرى، ويقومون بإنتاج وحفريات في مناطق أثرية بهدف بناء قصور لهم مطلة على البحر.

شراء الأرض والعرض والضمير الوطني!

حسب مصادرَ محلية، أغدقت حكومة الإمارات بالأموال الطائلة على أعضاء المجالس المحلية، والمشايخ والمسؤولين الحكوميين والوجاهات، وأفاضت عليهم بالعطايا والهدايا، والشقق والسيارات رباعية الدفع، فأضعفت رابطة السُّلطة المحلية بالحكومة اليمنية العميلة للسعودية، ويتصدر قائمة الخونة في هذا الأَرْخَبِيل، المحافظ السابق له «سعيد سالم بحقيبة»، ومدير الأمن وقائد اللواء مشاة بحري وقائد البحرية.

تُستكمل الأساليب المالية للسيطرة على سُقطرى، بعملية أُخْــرَى تتفادى الرفض الشعبي للسيطرة الإماراتية، وهي عملية إعادة تشكيل الكيانات القبلية في الجزيرة لشراء ولاءات زعاماتها، يشير إليها الصحفي «عصام الهاشمي» في تحقيق لموقع «العربي الجديد» نشره ديسمبر العام الماضي.

تعمل الإمارات على إعادة التشكيل القبلي، رغم هشاشة التنظيم الاجتماعي القبلي في أَرْخَبِيل سُقطرى عما هو في شمال البلاد؛ نظراً لطبيعة علاقات نشاطهم الاقتصادي القائم بشكل رئيسي على الصيد، وفي هذا الصدد فقد أصدرت محافظة أَرْخَبِيل سُقطرى تعميماً يحمل رقم 5 لسنة 2017 صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2017، بشأن إعادة ترتيب وتشكيل العمل القبلي في محافظة أَرْخَبِيل سُقطرى، والذي دعا فيه محافظ المحافظة أحمد عبدالله علي السقطري سكان الوحدات السكنية والقرى في سُقطرى برفع أسماء شيوخ قبائلهم وقراهم ومناطقهم إلى أمناء عموم المجلس المحلي للمديريتين الوحيدتين في محافظة سُقطرى (حديبو، وقلنسية)؛ بغرض إعادة ترتيب الوضع القبلي في المحافظة وتشكيل كياناتها القبلية.

تحقيق عصام الهاشمي لموقع العربي الجديد يُشير إلى رفض أهالي سُقطرى لمثل هذه الممارسات الإماراتية، جاء على لسان الشيخ صالح بن يعقوب، الوجيه المقيم في مدينة حديبو عاصمة أَرْخَبِيل سُقطرى، الذي يؤكد أن الإمارات وفي سبيل تشكيل قوات حزام أمني أشبه بالحزام الأمني في عدن، عملت على استبدال إدَارَة أمن المحافظة بـ “مركز شرطة حديبو الشامل” في منتصف يوليو/تموز 2017.

ويشير الشيخ بن يعقوب إلى أن الإمارات قبل أن تشتري الأراضي عملت على شراء الذمم، والتقرُّب من الوجاهات الاجتماعية عبر ابتعاث أبناء الوجاهات الاجتماعية للدراسة في الخارج، وكذا التزوج من فتيات سقطريات لإحكام السيطرة على الجزيرة، وهو ما يعد مدخلاً للسيطرة على الجزيرة، حسبما يقول الشيخ بن يعقوب، إذ بلغ عددُ الفتيات اللائي تزوجن من إماراتيين 15 فتاة خلال العام الجاري 2017، وفق بيانات الإدَارَة العامة للتوثيق والرصد بوزارة العدل.

ومن جانب آخر كشفت وثائق معمدة من وزارة العدل التابعة للحكومة العميلة عن عملية بيع أراضي واسعة في إحدى محميات جزيرة سُقطرى اليمنية لمندوب مُؤَسّسة خليفة الإماراتية.

وبحسب الوثائق التي نشرتها قناة بلقيس اليمنية، فقد تم بيع أرضية في أَرْخَبِيل سُقطرى مساحتها 19500 متر مربع والتي بيعت لممثل مُؤَسّسة خليفة ويُدعى خلفان المزروعي بقيمة 3 ملايين درهم إماراتي.

وحمل وكلاء محافظة أَرْخَبِيل سُقطرى في رسالة وُجّهت إلى الحكومة العميلة في يناير الماضي مسؤولية ما تتعرض له الجزيرة من عبث بالأراضي والمنافذ والإيرادات من قبل دولة الإمارات المحتلة.

وجديرٌ بالذكر أن مجلس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني سابقاً التي كان يرأسها «محمد سالم باسندوة» قد اتخذ قراراً بمنع البيع أَوْ التصرف بأراضي سُقطرى، وما زال سارياً قانونياً، وأية عملية بيع أَوْ شراء للأراضي في سُقطرى، خصوصاً في المناطق السياحية والمحميات الطبيعية والمناطق المطلة على السواحل يعتبر لاغياً بحكم القانون، وحكم القانون فهي تصرفات في ظل حرب وسلطة احتلال.

المتاجرة بالخبز والدين والدواء 

تستعينُ الإماراتُ في هيمنتها على الجزيرة بمختلف وسائل السيطرة الاجتماعية، تحت عنوان إعادة الإعمار، وتتصدر لقمةُ العيش التي تقدَّمُ لغير وجه الإنْسَانية هذه الوسائل والحيل، عبر «جمعية خليفة الخيرية».

وفي الجانب الصحي، فقد استغل الإماراتيون ضعفَ البُنية الطبيعة في الجزيرة، فقاموا ببناء مستشفى خليفة، ولا تتوقف الرحلات المكوكية لهلال الأحمر الإماراتي؛ لغاية أَيْضاً غير إنْسَانية، وقيمة كُلّ ذلك تقتطعها الإمارات من نفط وغاز شبوة وفوائد توقيف ميناء عدن لصالح ميناء دبي.

ولم تكتفِ الإمارات بتوظيف الوسائل المادية في الهيمنة فقد لجأت أَيْضاً إلى الوسائل الروحية، ومنها إقامة دورات تدريبية لخطباء الجزيرة ودعاتها داخل أبو ظبي، وكان الشيخ هاني بن بريك وزير الدولة المعين والمقال من قبل حكومة هادي العميلة، هو عراب عملية إعادة صياغة خُطباء سُقطرى بالدين الذي يرتضيه عيال زايد!

وفي تقرير سابق نشرته صحيفة “البيان” الإماراتية في التاسع من أبريل الماضي تطرق التقرير إلى بعض صور الاستغلال الإماراتي لحال سكان الجزيرة، حيث شمل هذا “الدعم” عددًا من المجالات الخدمية والتنموية والأمنية، حسب ما جاء في ذلك التقرير.

 

وزارة السياحة تدين الغزو تستنكر التقصير في المقاومة

وزير السياحة في حكومة الإنقاذ الوطني «ناصر باقزقوز»، أدان المساعي الاحتلالية الإمارتية في سُقطرى، كما اتهم حكومة هادي بالتواطؤ إزاء التغيير الديموغرافي الإماراتي في الجزيرة المصنفة من اليونسكو ضمن قائمة أهم المواقع الطبيعية وإحدى أَكْبَـر المحميات الطبيعية في العالم. متهما في ذات الوقت حكومة صنعاء بالتقصير في مقاومة هذا الاحتلال.

وقال باقزقوز في بيان نشرته وكالة الأنباء اليمنية سبأ إن “من جاء إلى سُقطرى هم لصوص يسرقون الأشجار النادرة يعملون على تجريف كُلّ ما تزخر به هذه البيئة الطبيعية. أبناء سُقطرى الآن في حيرة لا يستطيعون منفردين مقاومةَ العدو الإماراتي، وأيضاً من تدّعي نفسها الشرعية هي متواطئة مع العدو، وأيضاً في صنعاء لا يتم الاهتمام بما يحدث في سُقطرى، وأيضاً ما يحدث حتى في المحافظات الجنوبية ما يفعله الإماراتي في الجنوب لا يقاوم بالشكل الصحيح من قبل حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي في صنعاء”.

علي ناصر لا للمزاد على جزيرتي سُقطرى وميون!

علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً، ومحافظ سُقطرى إبّان حكم التنظيم السياسي للجبهة القومية (الحزب الاشتراكي اليمني لاحقاً)، استنكر في تغريدة له على «تويتر»، وضع جزيرتي سُقطرى وميون في المزاد العلني، في إشارة منه إلى دعوة الاستفتاء التي أطلقتها وسائل العلام الإماراتية، واعتبر ناصر سُقطرى وميون أغلى جوهرتين في العالم.

وأضاف: “تابعنا ما يدور هذا الأسبوع في القنوات الفضائية والصحف عن الجزيرتين اللتين كنتُ يوماً محافظاً لهما، ونحن نطالب القيادة – في إشارة منه للرئيس المستقيل هادي وحكومته القابعة في فنادق الرياض- بأن تعلن موقفاً حازماً وصارماً من التفريط بسيادة الجزر”.

وطالب علي ناصر الشعبَ “الذي واجه الغزاة عبر التأريخ بأن يقول كلمته”. مشيراً لوجوب مقاومة التوسع الإماراتي.

أبعاد المساعي الإماراتية في سُقطرى

من أجل اكتمال السيطرة على منطقة القرن الأفريقي وخليج عدن، من الجانبين الشرقي والغربي، تسعى الإمارات للسيطرة على جزيرة سُقطرى، التي تعد مفتاحَ المنطقة، إذ تقع على المحيط الهندي، وقبالة السواحل الأفريقية، وبالقرب من خليج عدن.

فليست جزيرة سُقطرى إلا ختاماً للمساعي الإماراتية المحمومة لصناعة نفوذ في هذه المنطقة التي تتيح للمسيطر عليها إمكانية التحكم بطـرق التجـارة العالمية – وفي مقدمته النفط – التي تمر بقناة السويس، وكذلك امتلاك ناصية الهيمنة العسكرية بالسيطرة على ممرات الأساطيل البحرية، الذاهبة والعائدة ما بين المحيطين الهندي والأطلسي، والجزيرة العربية وشرق أفريقيا.

سيطرت الإمارات حتى الآن على عدن والمكلا وساحل إقليم أرض الصومال، ولها، قاعدة عسكرية في إريتريا، وتستأجر ميناء جيبوتي ومطارها العسكري.

ولا يُمكن عزل الطموحات الإماراتية في التوسع، عن واقع صراع القطبية العالمي فالإمارات فعليا جزء من التوجه الغربي.

الإمبريالية الأمريكية خلف الواجهة العسكرية الإماراتية

تتصدر الإمارات واجهة السيطرة العسكرية في سُقطرى، وتخفي فعلية الهيمنة العسكرية للإمبريالية الأمريكية في هذه المنطقة البحرية المفصلية.

تتكشف خيوط المؤامرة على سُقطرى والجنوب اليمني عموماً، فمن كان يعلم بوجود قائد للقوات الأمريكية في سُقطرى رغم أنها لا تمتلك أية قاعدة رسمية فيها؟ أَصْبَحت مثل هذه الحقيقة معروفة وذلك تسرب وثيقة تميط اللثام عن جهود السفيران الإماراتي والسعودي في واشنطن لإقناع أمريكا بالتدخل المباشر في اليمن.

الوثيقة التي تتضمن إخطاراً من السفير السعودي في واشنطن لولي العهد السعودي بموافقة وزير الدفاع الأميركي، «جيمس ماتيس»، على تعديلات مطروحة من قبل ولي عهد الإمارات، «محمد بن زايد»، على خطة (مصيدة العقرب) أخطر ما فيها كشفها بأن الجنرال «جوزيف فوتيل» -الذي سيقود مصيدة العقرب- معين كقائد لقوات المارينز في قاعدة العند وجزيرة سُقطرى.
والعين الأمريكية لا ترتقب سُقطرى منذ اليوم، ففي الثاني من يناير 2010 عقد الجنرال «ديفيد بتريوس» قائد القيادة الوسطى الأمريكية في صنعاء اجتماعًا مع الرئيس اليمني الأسبق علي عَبداللـه صالح في العاصمة صنعاء؛ لمناقشة الطلب الأمريكي إقامة قاعدة عسكرية في الجزيرة، تحت ذريعة تقديم المزيد من الدعم العسكري واللوجيستي في المعارك ضد الإرْهَاب وضد عمليات القرصنة البحرية التي تحدث بالقرب من السواحل الصومالية. وباندلاع الثورة الشبابية الشعبية في 11 فبراير 2011م تعرقلت هذه الخطوة الأمريكية.

فوفق ما ورد في تقرير استخباراتي نشره موقع “تاكتيكال ريبورت” المتخصِّص في تقديم معلومات استخبارية حول الطاقة والدفاع في الشرق الأوسط، فإن ولي عهد الإمارات «محمد بن زايد» كشف أمام قادة عسكريين إماراتيين رفيعي المستوى عن رغبته في “تعزيز دور البحرية الإماراتية” في تأمين ساحل اليمن حتى مضيق باب المندب، ضمن خطة استراتيجية لتوسيع الانتشار العسكري في مضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الأفريقي.

الخاتمة
طموحاتُ الإمارات في جزيرة سُقطرى جزءٌ من طموحاتها في سواحل اليمن، وفي منطقة القرن الأفريقي، بشكل عام، وهي طموحاتٌ قائمةٌ على النفوذ الاستعماري المفروض بالقوة العسكرية وباستغلال فقر الشعوب، وليس على التفوق السلمي العلمي التقني والديبلوماسي؛ وباعتبار الإمارات كياناً وظيفياً للمعسكر الغربي وليس كما تدّعي انها عروبيةٌ مستقلة تحارب “مدّاً فارسياً”، فمشيخات الخليج ملحقة أمنياً بأمريكا الإمبريالية.

وجزيرة سُقطرى برغم انها جزءٌ من مشروع استعماري أَكْبَـر، إلا أنها في ذات الوقت هدفٌ بذاتها، فمميزات أَرْخَبِيلها الحيوية والطبيعية والجيوسياسية تجعلها هدفاً بذاتها وعرضة للمطامع والحملات الاستعمارية القديمة والحديثة.

يكشف تسارع الأحداث وبروز الطموحات الإماراتية عن المحرك الرئيسي لدول “التحالف العربي” في تدخلها العسكري العدواني في اليمن، الذي يضع مصالحه التوسعية فوق المصالح الوطنية لشعبنا اليمني، وفوق الذرائع الذي قدمها لهم عملاcها هي تفضحهم فيما يلتزمون الصمت.

تكمن خطورة هذه الأساليب الإماراتية إذَا استطاعت عبرها أن تجتزئَ أَرْخَبِيل سُقطرى أن تعمّمَ الإمارات أَوْ السعودية وغيرهما هذه التجربة على بقية المناطق اليمنية، وعبر التأريخ لم يكن جوع شعب مُحاصَرٍ تحت الحرب أمراً يُشرعن الاستيلاء على أرضه وتأريخه وحاضره لقاء لقمة الخبز وشراء ولاءات نخبه خائنة فيه، فكيف ونحن نعلم أن الأموال التي تنهب من الجمهورية في ظل العدوان، هي أَكْبَـر مما تنفقه هذه الدول في عدوانها واحتلالها لبعض المحافظات اليمنية التي سقط بأيدي الغزاة.

تتزامن هذه المساعي الإماراتية في سُقطرى، في ظل سباق سعودي إماراتي توسّعي يهدد سيادة ووحدة الجغرافيا اليمنية، وغدت المهرة الهادئة المسالمة إحدى محطاته، فإليها توجهت السعودية ببناء مركز وَهّابي وأرسلت الجنود، وآخر الأخبار من الغيضة هي: مقتل مواطن من سلطنة عُمان، وتهمة الإباضية جاهزة كدافع عقائدي للوَهّابيين، ويبدو أن ازعاج سلطنة عُمان جراء دورها المحايد في الحرب الخليجية على اليمن قد بدأ.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com