عيسى الليث.. زئيرُ السلم والحرب

 

هاني أحمد علي

يتصدَّرُ مَلِكُ الزامل “عيسى الليث” المشهَدَ اليمنيَّ منذ أواخر حروب صعدةَ الستِّ، مرورًا بالعدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي على اليمن في الـ26 من مارس للعام 2015، وحتى اليوم، وذلك من خلال أدائه الرائع المصاحب لكل انتصار الجيش واللجان الشعبيّة بمختلف الجبهات والميادين والمحاور؛ ما مكَّنه من التربع على عرش قلوب اليمنيين صغيرِهم قبل كبيرهم، بل تعدى ذلك ليغدوَ صوتاً عابراً للقارات.

عيسى الليث.. المولود من رحم الحرب والحصار، ليس مُجَـرّد صوت وإيقاع فقط، بل هو جبهة متكاملة في مواجهة العدوان والحصار الممتد لعشر سنوات، لا تقل شأناً عن الجبهات العسكرية والاقتصادية والسياسية وغيرها، بل أَيْـضاً أنه شريكٌ في كُـلّ انتصارات الأبطال ورجال الرجال وأيقونة هذا الإنجاز والتفوق العسكري العظيم للبلد.

استغربتُ كَثيراً قبلَ عامين وأنا أجري لقاءً صحفياً مع أحد الأسرى المفرَجِ عنهم من سجون تحالف العدوان بمنطقة خميس مشيط، ضمن صفقة تبادُلٍ واسعة؛ فبعد أن سألتَ الأسيرَ المجاهدَ عن أكثر المعلومات التي كان العدوُّ يحرصُ على انتزاعها منهم؛ فكان رده بأن أهم الأسئلة التي كان يطرحها المحقّقون السعوديّون عليهم تتعلَّقُ حول “عيسى الليث”، وكانوا يستميتون؛ مِن أجل معرفة أين يقيمُ وما هي المناطق التي يتواجد فيها، وغيرها من المعلومات الاستخباراتية التي قد تقودُ إلى الإطاحةِ بهذا الصوت المفرِح لكل الأحرار والمزعِج للأعداء.

أدركتُ حينها أن “عيسى الليث” الذي لم ينَلْ حَقَّه حتى اللحظة في الداخل، يشكّل رعباً حقيقيًّا للعدو بعد أن تحولت كلماتُ زوامله إلى قذائفَ وحممٍ بركانية لا تختلفُ عن أسلحة وصواريخ الجيش الباليستية، كيف لا وهو من كان قلعةً شامخة لكل يمني، وعصا موسى لأكل “حنشان” الأعداء، وعطاء للشهداء والجرحى، وُصُـولاً لأن يحظى بشرف ترديد كلماته على لسان قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظُه الله- مخاطِباً أحرار الشعب الفلسطيني باسم كُـلّ يمني، أن “الوفاء ما تغيَّر وَعهد الأحرار باقي”، ليصدع بعدها ملكُ القلوب “الليث” أمام الملايين من المشاركين في المسيرة التضامنية؛ نُصرةً لغزة بميدان السبعينَ، الجمعةَ المنصرمة.

لم يكتفِ ملكُ الزامل بأن يكون صوتُه موجّهاً للحرب فقط، فقد كان صوتاً للسلام أَيْـضاً، وهو من أعلى شأن القبلية اليمنية وصدحت حنجرتُه بأسماء القبائل الثائرة والعُزَل والمناطق، وكان قاموساً عَرف من خلاله اليمانيون الكثيرَ عن قبائل ومناطق بلادنا الحبيبة.

“عيسى”.. لم يعُد اليوم ليثاً وإنما أسداً يدوِّي زئيرُه في كُـلّ بقاع الأرض، بل وحتى في مناطق العدوّ التي لا تكادُ تخلو وسيلةٌ من وسائل نقلهم على زوامل “الليث” لتبُثَّ فيهم الحماس؛ وهو ما يؤكّـدُ أن هذا الفارسَ الصادحَ قد جسَّد من خلال صوته ملحمةً تاريخيةً بطوليةً في اليمن سيخلّدُها التاريخُ في أنصع صفحاته وستصبحُ الهاماً للأجيال القادمة، وستتردّد ما بقي الليلُ والنهار.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com