السيد عبدالملك الحوثي في الدرس الـ6 من وصية الإمام علي لابنه الحسن عليهما السلام: الاهتمامُ بتقوى الله والتربية الإيمانية عاملٌ مهمٌّ في توفير بيئة إيجابية لتربية الجيل الناشئ

 

 

على الإنسان أن يحمي أبناءَه من المؤثرات السيئة سواءٌ أكانت تقنية أَو رفاق السوء فالوقاية خيرٌ من العلاج

كلما تربى الإنسان على حسن التعامل مع الأمور وعلى الرشد والتوازن والحكمة، كلما سَلِمَ من أعباء ونتائج التصرفات السيئة

المجهود الذي يبذله الأهلُ في التربية محسوبٌ لهم عند الله فهو ليس جهدًا عبثيًّا ولهم فيه أجرٌ كبير

يجب أن يكون هناك تثقيفٌ وتوجيهٌ في الواقع العملي مع الطفل، والحالات السلبية يجب أن يبقى التعامل معها في حدود التأديب وليس العقوبة

 

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إبراهيم وَعَلَى آلِ إبراهيم إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أصحابهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنت السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنت التَّوَّابُ الرَّحِيم.

أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات:                                       السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه.

وصلنا إلى قوله “عَلَيهِ السَّلَامُ”، ((أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنًّا، وَرَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْنًا، بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ، وَأَوْرَدْتُ خِصَالًا مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي، أَو أَنْ أَنْقُصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جسْمِي، أَو يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وَفِتَنِ الدُّنْيَا، فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ. وَإنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالأرض الْخَالِيَةِ مَا ألْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيءٍ قَبِلَتْهُ. فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُو قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ، لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الأمر مَا قَدْ كَفَاكَ أهل التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ، وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ)).

في هذه الجُمل المهمَّة المفيدة بدايةً من قوله “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنًّا، وَرَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْنًا، بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ))، نستفيد عدة دروس مهمَّة فيما يتعلق بمجال التربية للأبناء، والاهتمام بالأولاد، في مقدمتها أن نستشعر مسؤوليتنا تجاه ذلك.

الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” خاطبنا في القرآن الكريم بقوله “جَلَّ شَأنُهُ”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أنفسكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم: 6]، مع العاطفة الأبوية، العاطفة التي يحملها الأب تجاه أولاده، يجب أَيْـضاً أن تمتزج هذه المشاعر الأبوية، التي فيها العاطفة، وفيها الحنان، والرأفة، والشفقة، والتفكير في مستقبل الأولاد، الإنسان يفكر -عندما ما يتذكر حتمية رحيله من هذه الحياة- ما هو مستقبل أولاده؟ فأن يكون مُضافًا إلى ذلك الاستشعار للمسؤولية تجاههم، أن عليَّ مسؤوليةً أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” تجاههم، عليَّ أن أؤدِّيَ هذه المسؤولية.

الكثيرُ من الآباء قد يكون اهتمامهم بمستقبل أولادهم، بل ما قبل ذلك بحاضرهم، مُتَّجِهًا حصريًّا نحو العناية بهم، في الواقع الضروري فيما يتعلق بالجانب المعيشي، كيف يوفر طعامهم، كيف يوفر حاجياتهم الضرورية، كيف يهتم بهم في الجانب الصحي، والبعض كذلك قد يفكر تجاه مستقبلهم فيما يتعلق بالجانب المعيشي والمادي، [كيف أهتم بهم بالشكل الذي أؤمِّن لهم في مستقبل حياتهم توفر متطلباتهم المادية، أوفر لهم المال، أَو أؤمِّن لهم الوظيفة، أَو أوفر لهم العمل الذي أطمئن إلى أنهم سيحصلون من خلاله على احتياجاتهم المادية في هذه الحياة]، هذا جزء من الاهتمامات الطبيعية والفطرية لدى الإنسان، لكن لا يجب، أَو لا ينبغي، أن يستحوذ على اهتمام الإنسان؛ فليتوكل على الله، وليثق أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الرزاقُ ذو القوة المتين، والوهَّـاب الكريم، وذو الفضل الواسع العظيم، واهتمام الإنسان تجاه هذه الامور يبقى متوازنًا، وليس على حساب بقية الاهتمامات.

عندما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {قُوا أنفسكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}[التحريم: من الآية 6]، هذا يلفت نظرنا إلى خطر كبير جِـدًّا، يهدّد أنفسنا، ويهدّد أولادنا، الإنسان يحمل عادةً اهتمامين تجاه نفسه، تجاه أسرته: تحقيق المتطلبات الضرورية، ودفع المخاطر والشرور، والأشياء السيئة عن النفس. فهو يحرص على جلب المنفعة، ودفع المضرة، ولكن في هذا السياق نفسه، في سياق جلب المنفعة ودفع المضرة، ما هو أكبر ضرر تتوقعه، وتحتمله تجاه نفسك، وتجاه أولادك، وتجاه أسرتك بكلها؟ قد يَحِنُّ الإنسان وقد يشفق على نفسه وأولاده من مختلف الأضرار التي قد يصل أثرها على الإنسان في الجانب الصحي مثلاً إلى ضربة شمس، أَو إصابة بمرض معين، أَو أضرار على عضو من أعضائه، أَو أي ضرر نفسي أَو جسدي، وقد تكبر المسألة عند الإنسان إذَا كان هناك ما يهدِّدُ نفسَه، حياتهُ هو، أَو حياة أولاده، أَو أحدًا من أولاده.

فالذي يمثل تهديدًا فوق كُـلّ ذلك، وينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار أَلَّا ينسى، ألَّا يغفل عنه، هو هذا التحذير الكبير، {قُوا أنفسكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم: من الآية 6]، أن تحرصَ على أن تسعى لوقاية نفسك، وأولادك، وأسرتك، بشكلٍ عام من نار جهنم، من تلك النار الرهيبة التي وقودها الناس، يشتعل فيها كثير من البشر، للأسف أغلب البشر، الكثير من البشر، أفواج وأمم كثيرة جِـدًّا، {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا}[يس: من الآية 62]، الكثير -والعياذ بالله- ممن مصيرهم هو ذلك المصير المشؤوم، مصير العذاب الأبدي، الشقاء الأبدي، العذاب الدائم، الاحتراق بين نيران جهنم -والعياذ بالله- ولهبها.

فالوقاية من ذلك التهديد الخطير جِـدًّا، في سياق الفطرة عند الإنسان في دفع المضرة عن نفسه، عن أولاده، عن أسرته. وما يجلب أعظم المنافع: رضوان الله، والجنة، والسعادة الأبدية، والخير في هذه الدنيا، الحياة الطيبة، الكريمة، يعيش الإنسان بكرامة، وعزة، وسمو، ويدفع عن نفسه عواقب الأعمال السيئة العاجلة في الدنيا قبل الآخرة، هذا كله يعود إلى: الاهتمام التربوي، والتثقيفي، والتعليمي، عند الإنسان، كيف يربّي أولاده وأسرته التربية الصالحة، كيف يحرص على أن يتجه بهم نحو ما فيه نجاتهم، ما فيه فلاحهم، ما فيه فوزهم، ما فيه ارتقاء لهم، لتحقيق المستوى الإنساني اللائق بهم، الكمال الإنساني اللائق بهم.

إذًا علينا أن نستشعرَ مسؤوليتَنا مع العاطفة الأبوية، مع الحنان، والشفقة، والرحمة، تجاه الأولاد، الأولاد بكلهم، الذكور والإناث، البنين والبنات، أن نحملَ تجاهَهم هذه المشاعر، واستشعار هذه المسؤولية تجاههم، ثم أن نعي أهميّة المراحل المتقدمة في عمرهم، المراحل التي يبتدئون بها مسيرتهم في هذه الحياة.

هناك مرحلةُ الطفولة، وهناك ما بعد مرحلة الطفولة، المرحلة التي يبدأ فيها دخولهم إلى مرحلة الشباب، عندما يصبح الطفل أَو الطفلة في سن المراهقة، ثم يبدأ بعد ذلك في الدخول في مرحلة الشباب، مرحلة مهمَّة جِـدًّا، يجب أن نعيَ أهميتها، حساسيتها، إيجابيتها، والمخاطر التي تهدّد الناشئ فيها.

هناك عادةً في مراحل الطفولة: هي مستوياتٌ معينة، مستوى ما يتقبله الطفل من المفاهيم، والتعاليم، وطريقة التلقين، وطريقة التعويد.

والطفلُ ابتداءً هو يتأثَّرُ تلقائيًّا بواقعه الذي يعيشه، بدءًا بالواقع الأسري، واقع الأسرة، وما في داخل الأسرة، من أساليب التعامل، من طريقة التعامل، الجو السائد في داخل الأسرة، هل هو جوٌّ تسودُه التربيةُ الإيمانية، التعامل الإيماني، الاهتمام بالأمور الإيجابية، الاهتمام بطاعة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، التعامل الراقي المتوازن.

ثم في خارج الأسرة: يتأثر بأصدقائه، يتأثر بمحيطه الاجتماعي، يتأثر بالمدرسة، والمعلم، والمنهج، والرفاق، حتى الرفاق في الفصل والمدرسة، يتأثر بالمسجد، وما يشاهده، وما يعيشه من أجواء تؤثر عليه، فهو يتأثر تلقائيًّا، ويكتسب من ذلك الواقع، من واقع المنزل إلى محيطه الاجتماعي، يكتسب عادةً أخلاقًا معينة، عادات معينة، تقاليد معينة، يتعود، ويتطبع بطبائع، وتصرفات، وعادات يكتسبها؛ ولذلك تعتبر مسألة الاهتمام العام بتقوى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتربية الإيمانية في الواقع بشكلٍ عام، تُعتبر عاملًا مهمًّا جِـدًّا في توفير بيئة إيجابية وأرضية خصبة للتربية الصالحة للجيل الناشئ.

فلذلك أتت المسؤولياتُ العامة في المجتمع المسلم، أن يحرصَ الناس على التربية، على الالتزام بتقوى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، على الاستقامة، على الأمر بالمعروف، على النهي عن المنكر، وأن يدخل ذلك في عاداتهم، في تقاليدهم، كأن يتجنبوا الأشياء السيئة، أن يحرصوا على الاستقامة، على التعامل الصحيح والسليم، على مستوى اللسان والكلام، أن يتعودوا على اجتناب الكلمات السيئة، العبارات والمفردات القذرة، التافهة، السيئة، داخل الأسرة، داخل المجتمع، أن يحذروا وينظفوا عباراتهم وألسنتهم من السِّباب، من الشتائم، من الكلمات البذيئة، من التعابير السيئة، وأن يحرصوا على الكلام الطيب، التعامل الطيب، التعامل المحترم، الذي يُبنى على أَسَاس تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتوجيهاته؛ لهذا أهميّة وتأثير كبير جِـدًّا في نفسية الطفل، فهو يكتسب تلقائيًّا، ويتأثر تلقائيًّا بما يعيش فيه من أجواء، وعادات، وتقاليد، هذا أولًا.

ثم إضافة إلى ذلك: التلقين، عندما يكون هناك تثقيفٌ، توجيهٌ، تعليم. والتعليم ليس فقط في الكتاب، الكتاب شيءٌ أَسَاسيٌّ في التعليم، لكن هناك التوجيهَ الذي يأتي عادةً في الواقع، في الواقع العملي الأب وهو يوجِّه، والأم وهي توجّـه، الإخوةُ وهم يتكلمون مع بعضهم البعض، المعلِّم، الناس الذين لهم دورٌ تربوي، [افعل كذا، لا تفعل كذا، اترك كذا]، أحياناً تأتي التوصية، أَو التوجيه، بالظرف أَو بحسب الجو نفسه الذي يقتضي أحياناً إبداء غضب، أَو استياء، أَو للتأكيد، على أهميّة المسألة، ليرتقي أحياناً إلى مسألة التأديب بما هو أبلغ من ذلك، لكن ليس بطريقة عنيفة جارحة ضارة جِـدًّا، تكسر وتحطم نفسية الطفل.

مقتضى الحالات، التي هي حالات سلبية، تحتاج إلى مواجهتها بما يزجر الطفل عن اكتساب عادة سيئة، تبقى في حدود التأديب، وليس في مستوى العقوبة؛ لأَنَّه طفل، ليس بمستوى التكليف حتى يُجازى ويُعاقب، إنما يُؤدَّب بما يردعه، وليس بما يحطم نفسيته ويكسر نفسيته بشكلٍ تام.

واقع الآباء يتفاوت في مستوى قدرتهم على القيام بالدور التربوي، ولكن هذه المسؤولية هي مسؤولية أشمل، يعني الأب فيها يسهم إلى مستوى معين، وهناك أَيْـضاً إسهامات أُخرى، عندما يكون هناك مدرس مستقيم صالح، يمثل القُدوة الجيدة للطلاب، مستقيم في فكره، في ثقافته، في مفاهيمه، لا يحمل المفاهيم الخاطئة، الثقافة المغلوطة، العقائد الباطلة، لا يحمل الضلال، يعتقدُه عقيدة ويربِّي عليه الجيل الناشئ، يحمل الحق، يحمل العقائد الصحيحة، والأفكار الصحيحة، المفاهيم الصحيحة، يتثقف بثقافة القرآن الكريم، يحمل المعارف الصحيحة، وفي نفس الوقت قُدوة في الواقع العملي، قُدوة في الأخلاق، قُدوة في التصرف، ويشمل هذا جوانب أَسَاسية ومهمَّة جِـدًّا، ليس فقط مثلاً حسن الخلق في اللين، في حسن التعامل، في الطيبة في التعامل، بل والجوانب الأُخرى التي هي ضرورية في المجال التربوي، التربية مثلاً على الإيمان، على العزة، على الكرامة، على الإباء، على القوة النفسية، والصبر والتحمل في مواجهة الشدائد، والمتاعب، ومثلاً قد يغلب عنده جانب حسن الخلق، في جانب معين، مثلاً في اللين، في الطيب في التعامل، هذا شيء مهمٌّ جِـدًّا، الإنسان بحاجة إلى هذا الجانب في التعامل مع أسرته، مع محيطه من مجتمعه المسلم والمؤمن، كما يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[المائدة: من الآية 54]، {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: من الآية 29]، قيم أَسَاسية، في الرحمة، في التعامل، في الكرم، في الأدب، في اللطف، في حسن التعامل، في الاحترام… إلخ، لكن يترافق مع ذلك أَيْـضاً الجوانب الأُخرى، القوة النفسية تجاه الصعوبات، والشدائد، والمشاقّ، والمسؤوليات، الصبر، وبطريقة متدرجة ومتناسبة.

المرحلة التي تأتي من مرحلة المراهقة، ثم الدخول في مرحلة الشباب، وبداية الشباب، وبداية الشباب هي مرحلة أَيْـضاً مهمَّة للغاية، مهمَّة للغاية، الإنسان فيها بحاجة إلى عناية واهتمام تربوي، تثقيفي، تعليمي، توجيهي، بشكل صحيح. الإنسان في مرحلة الطفولة وفي تلك المرحلة من بداية الشباب، عنده قابلية عالية في التأثر، والتقبُّل لما يُبذر في مشاعره ووجدانه، وفي ذهنه، وفي قلبه، من بذور المعارف، وكذلك على المستوى التربوي، ما يُبذر فيه من البذور التي تؤثر فيه.

الإنسان في تلك المرحلة: مرحلة النشأة، هو ينشأ وعنده قابلية الفطرة التي فطره الله عليها، فإذا نُمِّيَت فيه مكارم الأخلاق، ويُلحظ فيها التكامل، وليس جوانبَ معينة -كما نبّهت-، ليس فقط مثلاً جانب اللطف في التعامل، الطِّيب في الكلام، الاحترام للآخرين، وفقط، بل والجوانب الأُخرى: الصدق، العزة، الكرامة، الوفاء، بقية القيم المهمَّة.

فإذا نُمِّيَت فيه هذه المواصفاتُ الحميدة، نُمِّيَت فيه مكارمُ الأخلاق التي هي موجودةٌ فيه بالفطرة، لا تحتاج إلى أن تتكلف لتوجد جذورها فيه، جذورها موجودة في فطرته، أودعها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في فطرته، لكن كيف تنمَّى بشكل صحيح، وهذا هو من التزكية، تنمية مكارم الأخلاق، ومحامد الصفات، والمعاني العظيمة والنبيلة في الإنسان، والتعويد له على الالتزام بها في الممارسة العملية، يتعود على الصدق، يتعود على اجتناب الكذب، هناك تربية عملية، مُستمرّة له في ذلك، يتعود على بقية المواصفات الأخلاقية، على الطهارة، على العفة، على الكرم، على الورع، على القناعة، على احترام حقوق الآخرين، على معرفة حدوده، والضوابط، الضوابط في كُـلّ شيء، أن هناك ضوابطَ أخلاقيةً ينضبط الإنسان بها، ويلتزم بها، هناك حدود، حتى لا يتعوَّدَ على حالة الانفلات، على حالة الفوضى في تصرفاته، فيكبر وهو يتعود على التصرف بمزاجية، وفق هوى نفسه، وفق مزاجه الشخصي، تربية على استشعار المسؤولية، تجاه كُـلّ شيء، بدءًا من واقعه الأسري، تجاه مجتمعه، تجاه محيطه الاجتماعي، بشكلٍ عام، وهذا بشكلٍ متدرج أَيْـضاً.

يتربَّى أَيْـضاً على العمل، والنشاط، والجد، ولا يتربَّى على الكسل، من أسوأ الأشياء التي قد يتربَّى عليها الإنسان نتيجةً للدلال أَو الإهمال: الكسل، الكسل داء خطير جِـدًّا، والبعض من الناس إذَا تربى على الكسل وتعوّد عليه، كان حتى وهو في مرحلة الشباب، مرحلة النشاط، والحيوية، والفُتُوَّة والطاقة والقدرة، كان كسولًا، كسولًا حتى وهو في ذروة شبابه، المرحلة التي لا يكاد يرغب الإنسان فيها أن يجلس، لما يعيشه من طاقة، ونشاط، وحيوية، وفتوّة. هو ذلك الذي يجلس أكثر وقته ضجيع الفراش، يصعب عليه القيام بأبسط الأعمال، يتعقّد ويستاء من القيام بأبسط عمل، أَو تقديم أبسط خدمة، ينفر ويغضب من أي جوٍّ عمليٍّ فيه شيء من الالتزامات العملية، يتهرب من ذلك، وهي إشكاليةٌ خطيرةٌ، خطيرة جِـدًّا على النشء، ثم البعض يبقى طول عمره، يعني يعبر مرحلة الشباب وهو كسلان، كسول، نعوذُ بالله من العجز والكسل، كان من ضمن الدعاء المأثور عن رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ “: الاستعاذة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من العجز والكسل.

الكسلُ داءٌ خطيرٌ جِـدًّا، سلبيتُه كبيرةٌ على الإنسان، يحرم الإنسان من الاستفادة مما وهبه الله، من طاقة وقدرات يستطيع أن ينشط فيها، ويعرف قيمة هذه الحياة، وأهم ما في هذه الحياة هو العمل، العمل الذي يفيدك، الذي ينفعك، الذي تستفيد منه في نفسك مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، تجاه مستقبلك الآتي حتمًا، مستقبلك الدائم الأبدي في الآخرة، العمل تُبنى عليه كُـلّ الإنجازات، تبنى عليه كُـلّ النتائج المهمَّة، والثمار المهمَّة في الحياة، فإذا تربَّى الإنسانُ على الكسل، فيكون قليلَ العمل. العمل له أهميّة كبيرة جِـدًّا، فيُربَّى الناشئُ على الروح العملية، المتوثبة، النشطة، يربَّى على ذلك، يستشعر المسؤولية.

يدرك أَيْـضاً ويستوعبُ خطورةَ ومساوئَ السلبيات، القبائح، المعاصي، الذنوب، الطبائع السيئة، العادات السيئة، التقاليد السيئة، التصرفات السيئة، حتى يمقتها، ويكرهها، وينفر منها، وحتى يعشق معالي الأخلاق، يُربَّى على الهمة العالية، والاهتمامات الكبيرة، لا يُثقَّف بالعجز، لا يُربَّى على الضعف، والعجز، واليأس، حالة خطيرة جِـدًّا.

الأُسلُـوب التربوي يدخل فيه التشجيع، يدخل فيه التفهيم، يدخل فيه التحفيز، تدخل فيه أساليبُ مهمَّة جِـدًّا؛ فمسألة الاستشعار للمسؤولية تجاه الأولاد، تجاه الأسرة، هذه مسألة مهمَّة جِـدًّا يجب أن نعيَها، وأن ندركَها، وأن ندركَ أهميّةَ واقع الأولاد.

البعضُ من الناس نظرته من البداية مغلوطةٌ تجاه أولاده، كُـلُّ همِّه من أولاده أنه سيستفيد منهم، في إعانته مثلًا في هموم الحياة ومشاكل الحياة، والأعباء المعيشية، فهو ينظرُ إليهم كيَدٍ عاملةٍ تساعدُه في الهَمِّ المعيشي، هذا شيء يمكن أن يكون جزءًا، جزءًا من دورهم، مما تؤمّله فيهم، وَإذَا حظَوا بالتربية الصالحة فسيكونون خيرَ سند لك، وخيرَ عون لك، حتى بهذه النظرة: نظرة كيف يكونون سندًا لك، عونًا لك، في الهَمِّ المعيشي، عونًا لأنفسهم أَيْـضاً؛ لأَنَّ واقعهم مرتبطٌ بواقعك كأسرة كأب، لكن إذَا أغفلت التربية الصالحة، لن تستفيدَ منهم كما ينبغي، أَو أنت أَيْـضاً تُلحِق بهم ضررًا كَبيراً. البعض مثلًا من الآباء عمله في الزراعة، فهو يشتغل دائماً في الزراعة، جيد، لا مشكلة في ذلك، طالما التزم بالضوابط الشرعية والحلال، ومن الضروري أن يعمل الإنسان في سبيل تأمين متطلبات معيشته ومعيشة أسرته، هذا الشيء يُفترض بالإنسان، لا إشكال في ذلك، ويسعى إلى أن يسخِّر كُـلّ نشاط أبنائه وكل أوقاتهم في هذا العمل، والبعض قد يظلمهم، قد يحمِّلهم ما لا يطيقون، فوق طاقتهم، يضغط عليهم، يضربهم، ويعانون معاناة كبيرة، وهذا وزر كبير، وإثم كبير.

يمكن أن يربي الإنسان أولاده على الروح العملية تدريجيًّا، ليس فوق طاقتهم، ليس فوق مجهودهم، ويراعي في نفس الوقت بقية الأشياء: أن يتعلموا، أن يستفيدوا، أن يتربوا التربية الصالحة، أن يُعلَّموا مكارم الأخلاق، إلى غير ذلك، لا يكون نظرته كيف يستغلهم، البعض مثلًا عمله في التجارة، فيربط ابنه أَو أولاده بشكلٍ عام بالعمل، بشكلٍ تام، دون أن يعطيهم فرصة، لا ليتعلموا، لا ليستفيدوا، ولا يلتفت إلى أن يربيهم أَيْـضاً تربية صالحة، على مكارم الأخلاق، على التربية الإيمانية، على التربية الصالحة، كُـلّ همِّه منهم أن يعملوا معه في ذلك العمل فقط، كيفما كانوا، كيفما نشأوا، مهما اكتسبوا من عادات، أَو تقاليد، أَو تصرفات، أَو سلوك سلبي، لا مشكلة عنده في ذلك، أهم شيء أن يوفروا له المبالغ المالية، ثم ليكونوا كيفما كانوا. من يتعامل مع أولاده بهذه الطريقة: هو أولًا مفرِّط، ومقصِّر في مسؤوليته تجاههم، المسؤولية التربوية، المسؤولية الأخلاقية، المسؤولية أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ثم هو يظلمهم بذلك، يظلمهم، ويتحمل وزرًا كَبيراً تجاه ذلك.

البعض من الآباء يغلب عليهم أُسلُـوب آخر: أُسلُـوب الدلال والإهمال، البعض يدلل أبناءه إلى درجةٍ لا يهتم فيها بتربيتهم تربية صالحة، يترك لهم المجال ليفعلوا ما يشاؤون ويريدون، لا يريد أن يمنعهم من شيء، لا يريد أن يلزمهم بشيء، لا يريد أن يضبط سلوكهم وتصرفاتهم عند الضوابط الأخلاقية، وضوابط الآداب، وَأَيْـضاً يتركهم من التربية على الروح العملية، لا يعودهم على العمل في شيء، يدلّلهم دائماً في أُسلُـوب التعامل معهم، ويستمر هذا السلوك معهم، يكبرون معه على ذلك، هذا يؤثر عليهم تأثيرا سيئًا، يتربون على المزاجية، على الضعف النفسي، على ضعف الإرادَة، ضعف العزم، ضعف التحمل، على الكسل أَيْـضاً، على انعدام الروح العملية، يؤثر عليهم تأثيرا سلبيًّا.

البعض عنده اهتمام بالتربية، ويريد أن يربيهم تربية جيدة، ولكنه يعتمد العنف كأُسلُـوب وحيد، وطريقة أَسَاسية في التأديب، فيضرب على كُـلّ الأمور، على كُـلّ الإشكالات، على أبسط المخالفات، على مُجَـرّد أي تقاعس عن الالتزام بأي أمر، يستخدم أُسلُـوب القمع، والعنف الشديد، والعنف الكلامي، بشكل مُستمرّ، مُستمرّ، مُستمرّ، حتى يكسر نفوسهم، يحطمهم، يضعفهم، ويؤثر عليهم في مستقبلهم، في مستقبلهم، فيما بعد، حتى في واقعهم في الحياة، علاقتهم بالناس، تعاملهم مع الناس، إلى غير ذلك، وهذا أَيْـضاً ليس بأُسلُـوب صحيح، يجب أن يكون هناك توازن، ورشد، -وكما قلت- يختلف ويتفاوت مستوى الآباء في الخبرة التربوية.

وهناك أهميّة كبيرة لدور المعلمين، إذَا كان هناك معلمون صالحون، يؤدون الدور التربوي كما ينبغي بشكلٍ صحيح، وإلا فالبعض أَيْـضاً من المعلمين، أولًا ليسوا قُدوة، البعض ليسوا قُدوة لا في أخلاقهم، ولا في طريقتهم في التعامل، ولا يحملون المعرفة والأُسلُـوب الصحيح في التربية، والبعض منهم أَيْـضاً فظٌ غليظ، يتعامل بطريقة سلبية؛ لأَنَّه يؤدي دورَه التربوي كوظيفة فقط، كوظيفة، ليس وظيفة أخلاقية إيمانية راقية، وظيفة يقتاتُ من خلالها إن توفر له شيءٌ من ورائها من المبالغ المالية، ويؤديها أداءً اعتياديًّا جِـدًّا وروتينيًّا جِـدًّا، ويشوبه الكثير من السلبيات في أُسلُـوب التعامل، والتخاطب، وطريقة التربية، والتثقيف.

فهذه المسألة مهمَّة جِـدًّا، إذَا اتجه الكل في مجتمعٍ معين، أَو اتجه الشخص بنفسه مع أسرته، الاتّجاه الصحيح لتربية صالحة، فهناك فرصة كبيرة جِـدًّا، فرصة التقبل في تلك المراحل المبكرة: مرحلة الطفولة، ومرحلة النشء، مرحلة ما بعد من المراهقة إلى بداية الشباب، هناك تقبُّل كبير، هناك استعداد لنمو مكارم الأخلاق، التي هي موجودة بالفطرة أَسَاسا، هناك قابلية للتعدُّل من الأشياء السيئة، قبل أن تتجذر، قبل أن تنمو هي، إذَا نمت الأشياء السيئة في نفس الطفل، ثم في نفس الناشئ والشاب، كبرت، وتجذرت، وطغت على نفسيته، تعوّد عليها، واستمر عليها، أصبحت معالجتها فيما بعد، وأصبح التخلص منها فيما بعد صعبًا، ومعقدًا، ويحتاج إلى جهد وعناء، أما في البداية لا يحتاج إلى جهد ولا عناء. فلذا نجد في هذه الوصية التركيز على هذا الأمر: على فرصة المرحلة التي لا يزال التقبل فيها كَبيراً.

((وَأَوْرَدْتُ خِصَالًا مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي))، قبل أن يأتي الأجل؛ لأَنَّ البعض من الناس قد يسوِّفُ في اهتماماته التربوية، قد يقول: [سنهتم بهم فيما بعد، إن شاء الله]، قد يُتوفَّى الإنسان قبل أن يتحقّق له ذلك، ((دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ))، أُوصِل إليك، وأقدم إليك ما في نفسي.

((أَوْ أَنْ أَنْقُصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جسْمِي))؛ لأَنَّ الإنسان كلما تقدم به العمر، تنقُصُ قواه، وقوته.

((أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وَفِتَنِ الدُّنْيَا، فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ))، وهذه مسألةٌ مهمَّة جِـدًّا؛ يعني أن يسعى الإنسان، لأن يسبق المؤثراتُ السلبية، إلى تنمية مكارم الأخلاق، السلوكيات الجيدة، العادات الجيدة، التعاملات الجيدة لدى أولاده وأسرته، قبل أن تسبق المؤثرات السيئة الأُخرى، عندما قال: ((بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وَفِتَنِ الدُّنْيَا)).

في هذا العصر كثرت المؤثرات التي يمكن أن تؤثر على الناشئ، منها الإمْكَانات التقنية في هذا العصر، في هذا العصر توفرت فيه الجوّالات، توفرت في شاشة التلفاز، والقنوات الفضائية، توفرت فيه شبكة الإنترنت، وما فيها من مواقع التواصل الاجتماعي وغيره، توفرت فيها مؤثرات كثيرة، تشكّلُ خطورةً كبيرة على الكثير من الناس؛ لأَنَّ البعض من الناس يترك لابنه التعامل معها بشكل منفلت، إما مع التلفاز بشكل منفلت، فليشاهد ما أراد من القنوات الفضائية، أَو مع الإنترنت بشكل منفلت، فليشاهد ما أراد، وليدخل في أي مواقع، أَو في استخدام الجوال، بما في ذلك الاستخدامات السيئة، هذه خطيرة، هذه كلها مؤثرات خطيرة، بالغة الخطورة، مؤثرات خطيرة بالغة الخطورة، وبالغة التأثير في نفسية الناشئة والأطفال، تؤثر عليهم تأثيرا كَبيراً، ولذلك لا يجوز أبدًا أن يترك الإنسان أولاده بشكل منفلت تجاه هذه المؤثرات، تجب حمايتهم من المؤثرات السيئة.

أيضًا هناك في الواقع الاجتماعي قرناء السوء، من الأخطر تأثيرًا، ومن الأبلغ تأثيرًا، وتأثيرُهم سيِّئٌ، عندما يكونون قرناء سيئين، يكونون من القرناء السيئين، من الزملاء، والأصدقاء، الذين هم سيئون، ليسوا مربين تربيةً صالحةً، لا في عباراتهم، لا في سلوكهم، لا في كلامهم، لا في تعاملهم، الإنسان عليه أن يحرص تجاه أولاده من ذلك، وأن يحرص على تنمية مكارم الأخلاق فيهم، والتربية الإيمانية لهم، التربية الإيمانية لهم، والشد لهم نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، نحو الإيمان بالآخرة، نحو الاستشعار للمسؤولية في هذه الحياة، وما يترتب على ذلك في الدنيا والآخرة، هذه أمور مهمَّة، لا يترك الإنسان أولاده حتى تؤثر فيهم المؤثرات السيئة تأثيرا سيئًا، ثم يأتي إليهم وقد أصبح منزعجًا وغاضبًا، ولماذا أصبحوا كذلك، لكنه أهملهم بدايةً، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه، وحتى تأثروا بما تأثروا به، ومن المعروف أن الوقاية خير من العلاج، الوقاية خير من العلاج. حمايتهم ابتداءً من الأشياء المؤثرة عليهم تأثيرا سيئًا، أفضل من محاولة إنقاذهم فيما بعد، وتخليصهم فيما بعد، مما قد تأثروا به بعد أن تأثروا، بعد أن تدنست فطرتهم، بعد أن تلوثت قلوبهم ومشاعرهم، بالأوبئة السيئة، بالمفاسد الخطيرة، أَو بالثقافات المنحرفة والمضلة، الحماية المسبقة مسألة مهمَّة جِـدًّا.

((وَإنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالأرض الْخَالِيَةِ، مَا ألْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيءٍ قَبِلَتْهُ))، هذا هو واقع الإنسان الناشئ، في نشأته تلك، قلبه كالمزرعة الخصبة الخالية، قابلة لأن ينمو فيها ما يُبذر فيها، إن بُذر فيها مكارم الأخلاق، محامد الصفات، نشأت، نمت، ترعرعت، وإن بُذرت فيها الأشجار الخبيثة، الأشواك، الأشجار عديمة الفائدة، نمت وترعرعت، يمكن أن يترعرع فيها الشوك، ويمكن أن يترعرع فيها وينمو أطيب الأشجار وأطيب الثمار، هكذا هو قلب الإنسان الناشئ، قلب متقبل، فما الذي يُنمَّى فيه؟ يجب أن تُنمّى فيه مكارم الأخلاق، المبادئ العظيمة، القدسية للأشياء المهمَّة المقدسة، أن يُربَّى فيه أَيْـضاً المبادئ التي هي ذات أهميّة إيمانية، وإنسانية، وأخلاقية، وهكذا.

((فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ))، المبادرة بالأدب، الأدب يشمل جوانبَ مهمَّةً جِـدًّا، لا ينحصر فقط مثلًا في الانضباط في التعامل بالطريقة الصحيحة، بل أَيْـضاً حسن التعامل مع الأمور، حسن التعامل مع مختلف الأمور، إدراك الإنسان لكيفية تصرفاته بالشكل الصحيح، كيف يتصرف بشكل صحيح، كيف تكون أعماله مواقفه بشكل صحيح، هذا جانب مهمٌّ جِـدًّا، التعليم المتعلق بالتعامل مع الأمور، مع الناس، مع الواقع، مع الاهتمامات، كيف ترسَّخ الاهتمامات التي يفترض أن ترسخ في نفسية الإنسان، ((قَبْلَ أَنْ يَقْسُو قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ))، الإنسان كلما تأثر بالأشياء الأُخرى تأثرًا سلبيًّا، كلما كانت النتيجة أن يقسو قلبه، كلما قسى قلبه كلما قل تفاعله مع الأشياء الإيجابية، الأشياء المهمَّة، الأشياء الطيبة، التي تصلحه تسمو به يرتقي بها أخلاقيًّا، إنسانيًّا، إيمانيًّا، في كماله الإنساني، وبالتالي في دوره المهمِّ في هذه الحياة، في أدائه العملي في هذه الحياة، ((قَبْلَ أَنْ يَقْسُو قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ))، الإنسان إذَا انشغلت نفسيته بالأشياء الأُخرى، وأصبح منجذبًا نحوها متأثرًا بها، قل تفاعله مع الأشياء المهمَّة والمفيدة.

((لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الأمر مَا قَدْ كَفَاكَ أهل التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ، وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ))، حسن التصرف، حسن التعامل مع الأمور، إذَا تعلمه الإنسان ابتداءً، كفاه النتائج السلبية للتصرفات السلبية؛ لأَنَّ كُـلّ التصرفات الخاطئة، والممارسات الخاطئة، لها نتائج سلبية، لها نتائج سيئة، تؤثر على الإنسان، وأحياناً تجاه بعض التصرفات يدفع الإنسان ثمنًا باهظًا، قد يكون لذلك تبعات، عواقب سيئة على الإنسان؛ ولذلك كلما عرف وتربى ابتداءً على حسن التعامل مع الأمور، حسن التصرف مع الأمور، تربى على الرشد، تربى على الحكمة، على التوازن، على الانضباط والمسؤولية في طريقته في التعامل مع مختلف الأمور، كلما سَلِم من أعباء ونتائج التصرفات السيئة.

كذلك عندما يدرك أن الأمور أَيْـضاً بقدر ما هي ذات ارتباط بتوجيهات وتعليمات ونصائح، هي أَيْـضاً مجربة في واقع الحياة، بنتائجها وآثارها وعواقبها، وهذا جانب مهمٌّ، وَإذَا لُفِتت ذهنية الناشئ إليه، وقُدِّمت له نماذج، يدرك كيف كانت النتائج، كيف كانت العواقب، هذا يساعده على إدراك أهميّة المسألة، قد تقدَّم النصائح في مجال معين، أَو قضايا معينة للناشئ، فلا يستوعب أهميتها، لا يدرك كم هي أهميتها.

لكن عندما تقَّدم له نماذج وشواهد من الواقع، في الاتّجاهين: الاتّجاه الناجح والملتزم، والفاشل والخاسر، الذي لم يلتزم وكيف كانت النتيجة، هذا قد يساعده، على أن يدرك أن هذا مجرَّبٌ في الواقع، وأن النتيجة في حالة الالتزام في حالة التقبل، كانت إيجابية، كانت جيدة، والنتيجة في الحالة المعاكسة كانت مختلفة، كانت سيئة، كانت خسارة، هذه مسألة مهمَّة جِـدًّا، أن يدرك أن هذه الأمور ليست مُجَـرّد نصائح، وكلام فاضي، كلام في الهواء، اتركني ارتاح بشبابي، اتركني اعمل ما أريد، اتركني لطموحاتي إلى أي مستوى أريد أن أصل. لا، ليدرك أنه قد يتصرف تصرفات، أَو يتجه اتّجاهات، تؤثر على مستقبل حياته، على مستقبل حياته بكله، ولكن تأثيرا سيئًا، أَو لها تأثيرات وتبعات خطيرة على الإنسان، ويخسر الإنسان؛ بسَببِها من نفسه، من دينه، من كرامته، من أموره المهمَّة، فربطُ المسألة أَيْـضاً بأنها قد دخلت في إطار التجربة، والمراد ألا تبدأ من نقطة الصفر، ألا تبدأ حتى تقتنع بأهميّة الأمور، أن تذوق مرارتها، أن تعيش تبعاتها، أن تتضرر بنتائجها، أن تخسر؛ بسَببِها، قبل ذلك، رؤية استباقية، استفادة مما قد حصل من التجارب في واقع الحياة، وهذه مسألة مهمَّة.

أيضًا في الواقع التربوي، مثلًا إلى جانب الأشياء السيئة إدراك قيمة الوقت، وأهميته، أن تضييع الوقت بشكلٍ كامل، إما في اللهو واللعب، وبالذات في هذا العصر، الذي أصبحت فيه اللُّعب الإلكترونية متنوعة، وأصبحت حتى هي ميدان واسع من الميادين التي يركز عليها حتى الأعداء، فاشتغلوا في تصميم ألعاب إلكترونية، منها ما هو مفسد، منها ما هو مضلّ، منها ما هو ذو تأثير سلبي على النفس، يجعل الناشئ مدمنًا عليها، لا يريد أن يهتم بأي شيء آخر، بل قد يرتبط بها ليله ونهاره، يدرك خطورة ذلك، يدرك سلبية ذلك، ينظم وقته، تكون المسألة مضبوطة أَيْـضاً فيما يسمح له به في مجال الألعاب، وما لا يسمح له به أصلًا، تكون مسألة الوقت منظمة، لا يتعود على أن يُضيع ليله في الألعاب، أَو أمام مشاهدة التلفزيون، ونحو ذلك، كيف يُنظَّم له الوقت، كيف يبعَد عن العادات التي تُضيعه، أَو تُفسده، أَو تُرهقه، أَو تطغى على ذهنيته ونفسيته، على حساب الأشياء المهمَّة، المفيدة، النافعة، يُربَّى على التوازن، في تعامله مع الأمور، في تنظيم وقته، في اهتماماته.

وهكذا جانب التربية جانب مهمٌّ جِـدًّا، وَأَيْـضاً بقدر ما هو مسؤولية، بقدر ما هو أهم، لدى الكثير من الآباء، يعني عادةً بفطرته، بعاطفته، وشفقته، ومشاعره الأبوية عنده تركيز على هذا الجانب، لكن يجب أن يدرك الجميع، الآباء والأُمهات؛ لأَنَّ الأُمهات دورهن أَسَاسيٌّ في التربية، دورهن أَسَاسيٌّ جِـدًّا، وفي مرحلة الطفولة دورهن مؤثرٌ جِـدًّا جدًّا، فهي مسؤولية، ولكن مع الاهتمام بهذه المسؤولية، هناك أجر عظيم، هناك فضل كبير؛ لأَنَّه مجهود محسوب للإنسان، محسوب للام، محسوب للأب، عليه أجر عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، له فضل عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ليس جهدًا عبثيًّا، الله هو الذي يكتب على ذلك الأجر الكبير، ثم صلاح الأبناء، صلاح الأولاد ذكورًا وإناثًا، يكون مكتوبًا للإنسان ليس الجهد فقط، بل ونتائج هذا الجهد، وثمرة هذا الجهد.

بعض الناس مثلًا قد ينشأ له ابن، بذل جهدًا في تربيته التربية الصالحة، وبذلت أُمُّه جهدًا في ذلك، وصلح الاِبن، أَو صلحت البنتُ أكثرَ منهما، فكانُ صلاحُها ثمرةً من ثمار أعمالهما، ونتيجةً وأثرًا من أثار عملهما، والآثار مكتوبة للإنسان، سلبًا أَو إيجابا. إن كانت أثاره سيئةً بفعله، ونتيجة لأُسلُـوبه، وعمله، وطريقته، فهي محسوبة عليه، وإن كانت إيجابية فهي مكتوبة له، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12]، الاِبن الصالح هو أثرٌ للإنسان، أثرٌ للأم، أثرٌ للأب، في إسهامهم في التربية الصالحة، يبقى لهم الأجر المُستمرّ من غير أن ينقُص من أجره شيء، وكذلك يدعو لهم، يَـبَرُّهم، يحسن إليهم، تكون الثمرة الإيجابية للتربية الإيجابية أَيْـضاً عائدة إليهم، بينما البعض يعاني فيما بعد، يهمل أولاده، أَو يربيهم التربية السيئة، ثم يعاني هو منهم فيما بعد معاناة سيئة جِـدًّا، ويُقهر، البعضُ من الآباء يُقهر من جانبهم، وهو الذي ربّاهم تلك التربية، ثم إذَا به في الأخير يصيح منهم، ويتأثر منهم، ويشكو منهم؛ فالتربية لها نتيجتها وآثارها المهمَّة عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيما يكتب للإنسان، وَأَيْـضاً في واقع الحياة.

نكتفي بهذا المقدار.

وَنَسْأَلَ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com