عيدُ الأضحى في اليمن.. فرحةٌ كبيرةٌ تجمِّلُ الحزنَ والألمَ والفقد

العدوان الأمريكي السعوديّ يقتل الفرحة في النفوس

 

المسيرة- محمد الكامل:

يستقبل اليمنيون عيدَ الأضحى المبارك هذا العامَ في ظل استمرارِ الأزمة الإنسانية المتصاعدة، جراء استمرار العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي والحصار المفروض على اليمن للعام التاسع على التوالي، واستمرار انقطاع الرواتب وارتفاع الأسعار بشكل متزايد.

وفي مضمون ذلك يعيش اليمنيون حالةً معيشيةً مترديةً للعام التاسع على التوالي وضعف القوة الشرائية التي تتصاعد وتظهر جلية في عجزهم عن تقديم تضحيات العيد والإقبال على شرائها والإيفاء بالالتزامات المختلفة لهذه المناسبة الدينية نتيجة استمرار انقطاع الرواتب.

 

معاناة كبيرة:

ويغدو العيد محطةً لاستحضار الفرحة واللمة العائلية في كُـلّ بلدان العالم الإسلامي؛ وهو كذلك محطة لاستحضار الفقدان والحزن والحرمان في بلد مكلوم كاليمن؛ فهناك آلام وآمال وأشواق حبيسة في الواقع جراء العدوان الظالم والخراب الذي حَـلّ على هذه الأرض قبل تسع سنوات من الآن، وهناك من فقدوا بعض أقاربهم ويفتقدونهم بشكل خاص في الأعياد؛ لذا لا يستطيع اليمنيون استحضار الفرحة بالشكل الذي كانوا عليه قبل سنوات العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي.

ويقول محمد عبدالعزيز (مواطن): “عن أي عيد تتكلم نحن نعيش بين فقر وحرمان وخذلان وفقدان أعزاء رحلوا دون وداع؟!”.

ويضيف في كلامه لصحيفة “المسيرة”: “فأبي هو أحد ضحايا هذا العدوان الغاشم في جريمة قصف حي شعبي بمحافظة الحديدة”.

ويتابع بحسرة ترتسم على وجهه: “وبعد أن اشتد بنا الحال وضاقت بنا الأرض في الحديدة مع تزايد هجمات المرتزِق وذيل الإمارات طارق عفاش على الأحياء المأهولة بالناس لم أجد أي مكان آمن إلا النزوح أنا وأسرتي المكونة من زوجتي وطفلين، بالإضافة إلى ثلاث بنات خواتي وأمي إلى صنعاء التي ليس لي فيها أحد”.

ويوضح: “أنا العائل الوحيد لهم جميعاً بعد وفاة أبي، أشتغل على هذا الموتور بالإيجار اليومي من أحد الجيران بمبلغ 800 ريال، ونسكن في بيت مكون من غرفتين ومطبخ وحمام وهو كذلك ايجار، ولكن إيجار شهري بمبلغ 40 ألف ريال”.

يواصل الحديث بعد غصة مصحوبة في صوته، محاولاً إخفاء دموعه: “كان لدينا بيت جميل وكبير في الحديدة ومزارع وكنا مرتاحين وقبل ثلاث سنوات من الآن تغير كُـلّ شيء وانتهى بغير رجعة، لم يتبقَّ سوى ذكريات آلام الحرمان والفقد لوالدي الذي كان رحيله في مثل هذه الأيّام تماماً قبل عيد عرفة”، يتوقف برهة عن الكلام ثم يقول: “عن أي عيد تتحدث؟! هذا هو العيد بالنسبة لي ولجميع أسرتي كُـلّ عام، بل وكلّ يوم وكلّ لحظة”.

من جهته يقول المواطن ياسين السالمي: إن “العيد يذكره بطفولته الرائعة، والفرح الذي عاشه في شبابه، إضافة إلى طقوس احتفالية مثل مساعدة والدته في تحضير الكعك وشراء الحلويات مع والده، وتبادله مع الجيران في الحي ومساعدة المحتاجين”.

ويوضح السالمي لصحيفة “المسيرة”: “أتى العيد ويحمل في طياته حزناً دفيناً، معطراً بمسك كُـلّ مغترب وشهيد، أوجاع في كُـلّ مكان بأية نكهة يا عيد أتيت! بألم، بنزف، بصرخات قلوب، ودمار لليمن الحبيب”.

ويضيف: “أتمنى أن تنتهي الحرب والعدوان ويسود السلام وأتمنى تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والتي أثرت على مجمل حياة كُـلّ اليمنيين”.

بدوره يقول الشاب وليد العلفي لصحيفة “المسيرة”: “إننا في معاناة كبيرة وكلّ عام أشد من العام الذي يسبقه، بل كُـلّ يوم ولحظة، وبتنهديه واضحة لا يعلم ما نمر به إلا الله رب العالمين هو مولانا ونعم النصير”.

ويزيد بالقول: “لقد تركنا منزلنا في مدينة تعز ونزحنا إلى صنعاء وازدادت الإيجارات علينا وزادت من معاناتنا ارتفاع الأسعار والغلاء الذي نعيشه، فالإيجارات لم تكن كما كانت من قبل، وكذلك المواد الغذائية، كُـلّ يوم سعر”، مضيفاً: “كنت سعيداً ومرتاحاً جِـدًّا عندما زرت الأقارب، ولكن الآن بدلاً عن الشعور بالسعادة أشعر بالحزن أكثر وأفتقد جيراننا وأصدقائي أكثر؛ بسَببِ هذه الحرب والعدوان خسرت الكثير منهم”، مؤكّـداً أن “العيد هو السلام وَحين يتوقف وينتهي هذا العدوان علينا، ويمكننا العودة إلى بيتنا كم أحلم بهذه اللحظة”.

 

فرحةٌ وسطَ العتمة:

إن استمرارَ العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ الإماراتي المفروض على اليمن منذ تسع سنوات، وكذلك اشتداد الأزمة الاقتصادية ينغص على اليمنيين أجواء الفرحة بعيد الأضحى المبارك، لكن دائماً ما تجد الفرحة في وسط العتمة رغم منغصات كُـلّ الحياة إلا أن اليمنيين يصرون على الاحتفال بهذا العيد وإن في مستوياته الدنيا.

ويقول سليم مريط (مواطن): “إن عيد الأضحى المبارك لحظة عظيمة وفرحة لا توصف، لكن اليوم تغير كُـلّ شيء؛ بسَببِ العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي علينا، ونحاول أن نستخرج فرحة السعادة هذه لنجعل أطفالنا سعداء”.

ويشير في كلامه لصحيفة “المسيرة” إلى أن الأضحية حق العيد جاهزة من قبل كم شهر فقد اشتريت طلي وهو رضيع، وطرحته مع أغنام ابن عمي يتربى معهن بقصد تجهيزه للعيد، وقد جاء وقته، مُضيفاً يومين ثلاثة وأنزل أخذه من ابن عمي من البلاد.

وفي السياق نفسه يقول أنور عبدالله (عامل) في مهنة الحلاقة: “العيد فرحة نزور خلالها الأقارب وننضم إليهم، لكن الانخراط في هذا صعب في العيد علينا تحديداً، فنحن نعمل كحلاقين وأنت عارف أَيَّـام العيد نواصل العمل حتى ظهر يوم العيد لنضع الابتسامات والفرحة على وجوه الناس.

ويستطرد أنور حديثه لصحيفة “المسيرة”: “صحيح الحرب والعدوان أثّر على فرحة العيد بشكل كبير واستقباله وأجوائه ليست مثل السابق، لكن العيد عيد وسنحتفل به ونعيش أيامه بفرح وحب وزيارات الأقارب رغم أنف العدوان الأمريكي”، مُضيفاً أن “الأضحية جاهزة ومستلزمات العيد الباقية من زبيب وجعالة أَيْـضاً جاهزة والحمد لله”.

 

سوقُ الزبيب وارتفاع الأسعار:

ما يميِّز اليمن عن البلدان الأُخرى هو الزبيب اليمني واللوز المحلي ذي الجودة العالية والمميزة، والذي يعتبر من المكونات الأَسَاسية والاحتفالية العيدية لليمنيين وتقديمه للزوار والضيوف والأقارب خلال أَيَّـام العيد في مشاهد احتفاليه بحلول العيد حتى أن مظاهر الاستقبال تسبق العيد بأيام حين يتجه الكثيرون إلى الأسواق الشعبيّة، والمولات التجارية المنتشرة داخل المدينة، والتي تتنوع فيها الأصناف والأسعار.

ورغم هذه الظروف، تزدحم شوارع صنعاء بالمواطنين، وتنتشر محلات جعالة العيد في الأسواق التي تبيع الأصناف المختلفة منها.

وفي “سوق الزبيب” الذي يعد الأكبر لبيع الزبيب في العاصمة صنعاء توجد أنواع مختلفة وعديدة من الزبيب اليمني الخالص الذي تتراوح جودته وسعره من صنفٍ إلى آخر.

ويقول التاجر عبدالقدوس ناصر الذي يبيع الحلويات والمكسرات والزبيب بصنعاء القديمة: إن نسبة الإقبال لشراء جعالة العيد لم تكن كما كانت قبل بداية العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن.

ويضيف: “لهذا فَــإنَّ قوة الشراء ليست جيدة لأسباب عديدة منها انقطاع الرواتب واستمرار العدوان الأمريكي على اليمن”.

من جهته المواطن بسام محمد خلال تسوقه في سوق الزبيب، يؤكّـد أنه لاحظ أسعاراً مرتفعة هذا العام ومنها أسعار جعالة العيد التي يبدو أن ارتفاعها هذا العام زاد أكثر من المعقول مقارنة بأسعار السنة الماضية.

ويشير إلى أن بعضَ الناس يقومون بشراء الجعالة بكميات مختلفة والأغلب يكتفي بالقليل.

 

اهتمامٌ رسمي:

وتزامناً مع هذه المناسبة المباركة وسعياً لتوجيهات القيادة الثورية ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، والقيادة السياسية ممثلة برئيس الجمهورية المشير الركن مهدي المشاط، أقامت هيئتَا رعاية أسر الشهداء والزكاة فعالية تدشينية لثلاثة من المشاريع المهمة على مستوى الجمهورية، تهدف إلى مساعدتهم على توفير متطلبات العيد في سياق الاهتمام الرسمي بجميع أسر الشهداء والمفقودين.

وتضمنت مشاريع عيد الأضحى الإعاشة الربعية لجميع أسر الشهداء والمفقودين بتكلفة مليار و946 مليون ريال، والكفالة لعدد 55 ألفاً و64 من أبناء الشهداء والمفقودين بتكلفة مليار و105 ملايين ريال، والعيدية لـ 57 ألفاً و181 من أبناء الشهداء والمفقودين بتكلفة 571 مليوناً و810 آلاف ريال.

وأكّـد نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات والتنمية الدكتور حسين مقبولي، خلال كلمة ألقاها في الفعالية أن أهميّة مشاريع عيد الأضحى المخصصة لأسر وأبناء الشهداء العظماء والمفقودين الذين رووا بدمائهم الطاهرة ثرى الوطن؛ دفاعاً عن الأرض والعرض، والشرف، والكرامة، والسيادة.

وأشَارَ إلى أن إطلاق هيئتَي رعاية أسر الشهداء والزكاة ثلاثة من المشاريع المهمة على مستوى الجمهورية يهدف إلى مساعدتهم على توفير متطلبات العيد في سياق الاهتمام الرسمي بهذه الشريحة المجتمعية العزيزة على قلوب الشعب اليمني.

ولفت الدكتور مقبولي إلى أن الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء وبالشراكة مع الهيئة العامة للزكاة تجسدان من خلال هذه المشاريع المتميزة التوجّـهات الحكيمة للقيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الذين يولون أسر الشهداء جلّ الاهتمام ويحرصون على الوفاء للتضحيات التي قدمها ذويهم في سبيل الدفاع عن الوطن وسيادته.

وقال: “نعول كَثيراً على إسهامات ومبادرات رجال المال والأعمال والميسورين من خلال حثهم على استغلال مناسبة عيد الأضحى المبارك لتلمس أوضاع أسر وأبناء الشهداء والمفقودين والعناية بهم والإسهام في رسم الابتسامة والفرح على محياهم كأقل واجب تجاههم”، داعياً الجهات الرسمية والقطاع الخاص إلى إسناد الهيئة بالمال لتتمكّن من تنفيذ مشاريعها والعناية بهذه الشريحة.

وثمّن الجهود التي تبذلها هيئة رعاية أسر الشهداء وكذا تفاعل هيئة الزكاة مع هذه الجهود، حاثًّا القائمين عليها على مواصلة هذا العطاء والمضي في تحقيق الأهداف والغايات التي أنشئت مِن أجلِها، والتي تصُبُّ في خدمة ورعاية أسر الشهداء والمفقودين؛ تكريماً لهم ووفاءً لذويهم وما سطّروه من ملاحمَ بطولية تشرئب لها الأعناق.

وخلال التدشين أشار رئيس هيئة رعاية أسر الشهداء طه جران، إلى أهميّة المشاريع التي ستنفذها الهيئة تزامناً مع عيد الأضحى والتي تم إقرارها من قبل مجلس إدارة الهيئة لرسم البسمة والفرحة على وجوه أبناء الشهداء.

وأوضح أن مشاريع عيد الأضحى تضمنت ثلاثة مشاريع مركزية شملت الإعاشة الربعية لأسر الشهداء والمفقودين ومشروعي العيدية والكفالة بتكلفة ثلاث مليارات و600 مليون ريال، مُشيراً إلى أن تكلفة مشاريع الهيئة خلال العام 1444هـ تجاوزت 24 مليار ريال.

وأشاد جران بجهود الهيئة العامة للزكاة وتمويلها ودعمها الدائم لمشاريع الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء في كافة المجالات، داعياً الجميع إلى التعاون والإسهام في رعاية أسر الشهداء، وتفقد أحوال ذوي الشهداء؛ عِرْفاناً بالتضحيات التي سطرها الشهداء في مختلف جبهات الدفاع عن الوطن.

وفي الفعالية التي جاءت تحت شعار “3000 يوم عطاء من الدم” أشار رئيس الهيئة العامة للزكاة الشيخ شمسان أبو نشطان إلى أهميّة المشاريع الكبيرة الموجَّهة لأسر وأبناء الشهداء والمفقودين خلال عيد الأضحى المبارك والتي تأتي بالشراكة بين الهيئة العامة للزكاة والهيئة العامة لرعايةِ أسرِ الشهداء.

وأكّـد حرص هيئة الزكاة على دعم ومساندة جهود هيئة رعاية أسر الشهداء والوقوف معها في كافة المشاريع؛ كون أسر وأبناء الشهداء من أولويات هيئة الزكاة منذ إنشائها كحق معلوم أوجبه الله تعالى لهذه الشريحة والشهداء العظماء.

وقال أبو نشطان: “مهما قدمنا لأسر الشهداء سنبقى مقصرين أمام عطائهم وتضحياتهم ومواقفهم الصادقة؛ كونهم بذلوا دماءهم؛ مِن أجل كُـلّ مظلوم في هذا الوطن”، داعياً الجهات الرسمية والشعبيّة ورجال المال والأعمال والخيرين إلى مساندة جهود الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء.

ولفت إلى ضرورة التفكير بمشاريع اقتصادية تعود بالنفع على أسر الشهداء كمشاريع التمكين الاقتصادي والمهني وإعطائهم مشاريع توفر مصادرَ دخل دائمة لتحوِّلَها إلى أُسَرٍ منتجِة تعتمدُ على نفسها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com