أزمة مياه شرب في حجّـة.. القاتُ العدوّ الأول!

غياب الدور الرسمي أَدَّى إلى استنزاف مياه الآبار السطحية والجوفية

 

المسيرة – الحسين اليزيدي

منذ عقود كثيرة كان المزارعون في محافظة حجّـة يتجهون للتوسع في زراعة القات، ويرافق ذلك حفر عشوائي للآبار، حَيثُ وصلت في إحدى مناطق محافظة حجّـة إلى سبعة آبار في مساحة أقل من نصف كيلو متر مربع.

ويقول أحد مزارعي القات في محافظة حجّـة، إن توفر المياه لديه من البئر الارتوازية جعله يتوسع في زراعة القات في 4 (جرب) كانت صالبةً لتعزيز دخله المالي دون النظر لعواقب استنزاف المياه بالغمر على شجرة القات.

ووصل عدد أشجار القات المغروسة في اليمن حتى عام 2019م بحسب دراسة أعدها “أمين راجح” (خبير في مجال المياه والبيئة) إلى 350 مليون شجرة قات يتركز أغلب زراعتها بحسب كتاب الإحصاء السنوي في محافظات صنعاء وعمران وحجّـة، حَيثُ زاد التوسع في زراعة القات في عام 2020م عن عامي 2018 – 2019م بما يقارب 5 آلاف هكتار.

وبحسب تقديرات حكومية ينفق اليمنيون على القات ما يقارب 12 مليار دولار، وتستهلك شجرة القات سنويًا أكثر من 800 مليون متر مكعب من المياه، بزيادة أربعة أضعاف عما يستهلكه القمح، فالهكتار الواحد من القات يستهلك أكثر من 6 آلاف هكتار، بينما الهكتار الواحد من القمح يستهلك ألفي متر مكعب من المياه.

ويشكو المواطن “علي مساوى” من أبناء مديرية كشر في محافظة حجّـة، من انخفاض مياه الآبار السطحية؛ بسَببِ الحفر العشوائي والاستنزاف الهائل للمياه لري مزارع القات بالغمر.

ويقول: “أصبحت الآبار السطحية التي نعتمد عليها في الشرب وسقي مواشينا جافة ما يضطرنا لقطع عشرات الكيلو مترات للبحث عن ماء”.

ويضيف أن الآبار السطحية كانت ممتلئة بالمياه حتى أَيَّـام الجفاف، حتى بدأت رؤوس الأموال في منطقة الحفر العشوائي للآبار الارتوازية قبل 5 سنوات واستغلال مياه هذه الآبار للتربح في سقي مزارع القات؛ ما أَدَّى إلى الاستنزاف الهائل للمياه وَإلى انحسار مياه الآبار السطحية، وخلق أزمة في مياه الشرب خُصُوصاً عند الأسر الأشد احتياجاً غير المقتدرة على نقل المياه في جالونات النقل.

 

أين الخلل؟

ويؤكّـد مدير إدارة الري عبداللطيف العمري، أن ضعف التموين قلص من عمل الإدارة المتمثل في إقامة دراسات السدود والحواجز والكرفانات المائية وعمليات الإرشاد التي تقوم بها الإدارة في مجال الحفاظ على المياه وأهميّة حصادات مياه الأمطار.

ويضيف أن أنشطة الإدارة باتت محدودة في نطاق المبادرات المجتمعية في السدود والحواجز، حَيثُ تتكفل الإدارة بإرسال المهندسين لإجراء الدراسات الفنية على نفقات المجتمع نظراً لانعدام التموين، حَيثُ تم إجراء مئات الدراسات الفنية للمبادرات المجتمعية في مجالات حصادات المياه، مُشيراً إلى أن ما يقارب 2400 منشأة ما بين سدود كبيرة ومتوسطة وصغيرة وحواجز وكرفانات ومداخل قنوات وبرك تحتاج إلى الإشراف المُستمرّ من قبل المهندسين للحفاظ عليها وإجراء النزولات الميدانية المتواصلة إلى مواقعها، خُصُوصاً أثناء مواسم الأمطار، كما أن بعض من هذه المنشآت قد تتعرض للإهمال والاندثار وأن ملايين من الأمتار المكعبة من مياه الأمطار تتسرب للصحراء أَو البحر دون الاستفادة منها.

من جهته يرى الخبير الاقتصادي نبيل الشرعبي، أن التوسع في زراعة القات هو نتاج لغياب دور الجهات المعنية وتعطل وظائفها فيما يخص دعم الجهد الزراعي؛ مما أَدَّى إلى قيام المزارعين بالبحث عن بدائل تدر عليهم عوائد تمكّنهم من تحقيق أرباح والعيش بكرامة؛ لأَنَّهم وجدوا أن زراعة الحبوب يكلفهم الكثير وعند بيعها لا يستردون ما أنفقوه؛ ما ينذر بهلاك التربة واستنزاف الماء وتعطيل سياسة الاكتفاء الذاتي من الحبوب والاعتماد على الغير في توفير مادة القمح أَو الحبوب بأنواعها.

ويضيف أن من مخاطر التوسع في زراعة القات سلبيات أُخرى أبرزها: التأثير على الثروة الحيوانية والنحل جراء التوسع في استخدام المبيدات والسموم التي تساعد على نمو أغصان القات وتتسبب في نفوق الحيوان والنحل، مؤكّـداً أن على الجهات المعنية القيام بدورها في إجراء البحوث والدراسات للأراضي لتحديد مدى تناسبها مع الأصناف الزراعية، وتنفيذ حملات توعية وإرشاد على الدوام لملاك الأراضي الزراعية، والتنسيق مع وزارة المالية وكاك بنك وغيره من البنوك لتوفير الاحتياجات التي يتطلبها الجهد الزراعي في المحاصيل الزراعية التي لا تستنزف المياه، والعمل على إقامة السدود والحواجز ومنع الحفر العشوائي خُصُوصاً في المناطق المهدّدة بالجفاف، ثم تقديم الضمانات الكافية للمزارعين بتحمل تسويق محاصيلهم وبما يحقّق لهم استعادة ما أنفقوه وَأَيْـضاً أرباح تساعدهم على توفير متطلبات حياتهم مع أسرهم.

ويقول الخبير الشرعبي لا حَـلّ مع بقاء جهد رسمية مهدر ومشتت ولن يتحقّق حَـلّ إلا من خلال التالي:-

– دمج وزارة الزراعة ووزارة المياه والبيئة ووزارة الثروة الحيوانية في هيئة واحدة المجلس الأعلى للزراعة والمياه والثروة الحيوانية، وينبثق عن المجلس ما يلي:

– تأسيس مركز بحوث ودراسات متخصص في ذات المجال، وضمان أن تكون تحت مظلة إدارة موحدة وفاعلة وخاضعة للرقابة والمحاسبة المباشرة والعاجلة.

– تأسيس شركة خدمات عامة، تضطلع بمسؤولية توفير كافة متطلبات الزراعة من بذور وأسمدة ومعدات زراعية وقطع غيار ووقود تشغيل وغيرها.

– تأسيس شركة تسويق تتولى مسؤولية تسويق المحاصيل الزراعية وتتحمل تبعات الإخفاق.

ويضيف أنه يجب على المزارعين أن يرفعوا أصواتهم للجهات الرسمية بالمطالبة لها بتحقيق ما سبق ذكره، وألا يعتبروا زراعة القات -الذي يهدّد مستقبل الأجيال باستنزاف المياه السطحية والجوفية- حلًا لمشاكلهم ومصادر لتوفير متطلبات حياتهم، وأن الأفضل لهم زراعة المحاصيل الزراعية وتنظيم زراعة الأصناف فيما بينهم لتغطية احتياجات الأسواق دون إحداث كساد، أَو استنزاف للمياه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com