الاقتصادُ ضرورةٌ وليس ترفاً ذهنياً..بقلم/  عبدالرحمن مراد

 

في كُـلّ منعطف تاريخي أَو حالة تحولية أَو انتقالية يبرز السؤال الاقتصادي كرديف لعملية التحول، ويظل السؤال الاقتصادي سؤالاً دائماً ومُستمرّاً في الحالة الوطنية؛ فهو دائم الحضور ولكنه الأكثر غياباً أَو تغييباً، وكلما تمتد يدُ التغيير والتحديث للإجَابَة عليه تكشر المصالح التقليدية أنيابها في الدفاع عنه، ولذلك ظل الحال على ما هو عليه من حَيثُ المؤشرات ونسبة النمو فهي تراوح مكانها إن لم تكن في تدنٍ مُستمرّ.

فالدّيْن العام في تصاعد مُستمرّ، ومعدل البطالة يتصاعد بسرعة الضوء، ومؤشرات التنمية تزداد سوءاً، أما دخل الفرد فلا يمكن الحديث عنه، خَاصَّة في ظل الوضع القائم الذي يشهد حرباً وحصاراً من دول التحالف وصراعاً بينياً وانقساماً، والناتج المحلي يتدحرج وقد تدحرج إلى أسفل السافلين إلى درجة عجز ميزان المدفوعات وشلله التام، وأمام كُـلّ ذلك الانهيار تبرز من بين صفوف الساسة مجموعات لا تدرك تموجات السؤال الاقتصادي الوطني، ولكنها تبحث عن بطولات وأمجاد ومكاسب شخصية.

حين جاءت حكومةُ المبادرة لم تكن تحمِلُ مشروعاً أَو رؤية اقتصادية تتجاوزُ بهذا الوطن العثرات؛ فظل الحال على ما وجدوا عليه آباءهم، بل وزاد الاقتصاد أعباءً إضافيةً، وزادوه سوءاً إضافياً؛ فلم يكن أمامهم من خيار سوى تنمية الذات وشراء المدرعات وبناء الفلل والعمارات، وما كان محرماً ومنتقداً في أمسهم أصبح مباحاً وحلالاً في زمنهم؛ فالغنائم والأنفال ذات قراءات وتأويلات متعددة، وقد رأينا الرجل منهم وهو يقترح البدائل التي كان يرفضها بالأمس قبل أن يكون وزيراً وقد كان يعارضها وينفدها.

لا يمكن أن يكون الموضوع الاقتصادي ترفاً ذهنياً، بل هو رؤية منهجية مؤصلة وعلمية بقياسات واضحة تدرك أماكن النجاح وتدري الثغرات وأماكن الفشل.. والموضوع الاقتصادي حركة نمو دائمة ومتصاعدة وليست تعطيلاً -كما هو في واقعنا اليمني- وشللاً تاماً في كُـلّ المؤسّسات كما نشهده في واقعنا، ولذلك فالقول بمعالجة الحالة الاقتصادية الوطنية دون رؤية علمية واضحة ودون دولة قوية وعادلة ودون شفافية مدنية قولاً باطلاً لا يمكن الوثوق به ولا يمكنه ادِّعاء الخروج واقتراح البدائل والمعالجات؛ فالإطار العام للموازنة العامة للدولة مثقل بكل صراعات وتراكمات وأخطاء الماضي وهو إطار تقليدي تراكم عبر السنين والعقود والأزمنة، ولا بُـدَّ من الوقوف أمامه وتشذيبه وتهذيبه وبالتالي تحديثه حتى يكون الأقرب إلى روح العصر الذي نحن فيه، ولا بُـدَّ أن يكون إطاراً إلكترونياً -أي الانتقال إلى الحكومة الإلكترونية بدلاً عن الابتزاز الذي يمارسه الموظف المالي في كُـلّ المؤسّسات- فالحكومة الإلكترونية تخفف من وطأة الابتزاز والفساد وتقاليده الممقوتة وتجعل من الحركة الزمنية ذات قيمة تفاعلية، وهو الأمر الذي يتيح سرعة الإنجاز وقد يكون عاملاً مهماً في تعزيز الثقة بين مؤسّسات الدولة وجميع المنتفعين، فالضرائب وهي أكبر وعاء إيرادي مع الجمارك إذَا لم نتمكّن من تحديث البنية التنظيمية والإجرائية وربطها بالتقنية الحديثة في إطار الشبكة الإلكترونية المكتبية وبما يعزز من الرقابة ومن التحفيز على الإنجاز فلا يمكن أن تتجاوز ذات الإطار التقليدي وهو المساومة والابتزاز والتحايل على إيرادات الدولة للمنافع الشخصية.

وموضوع التحديث والتحوّل إلى الحكومة الإلكترونية ليس بالأمر الصعب إذَا أردنا إصلاحاً ودرءًا للفساد والمفسدين في هذا البلد، وقد أصبح إحداث الحركة في المصارف أمراً محتماً وضرورياً، فالمكلف بالضرائب يقوم بالتوريد إلى أحد المصارف بدلاً من ابتزاز المحصل، وإنفاق الدولة يجب أن يكون عبر المنافذ المصرفية وفق آلية إجرائية ضامنة لسلامة الإجراء ووصول الحق إلى أصحابه، واستبدال الكَتَبَة وأمناء الصناديق بالمصرف ضمان أكيد لمثل تلك السلامة.

ثمة معالجات قد تبدو شكلية في ظاهرها ومحدودة الأثر لكنها بالغة الأهميّة إذَا أمعنا النظر وحاولنا مواكبة الزمن المتسارع، فالزمن تجاوز المكاتبات البريدية التقليدية التي تأخذ وقتاً مضاعفاً، ومثل تلك المكاتبات لا تأخذ جزءاً بسيطاً من الثانية في عالم اليوم، فالإنجاز أصبح أوفر وأكثر وبتكاليف أقل بعد أن تطورت أدواته ولم يعد بحاجة إلى تلك العمالة الفائضة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com