استمرارُ التعنت الأمريكي يضعُ السعوديّة والإمارات أمامَ مخاطر عودة التصعيد

الرماديةُ في التعاطي مع مطالب الشعب اليمني لن تحميَ الرياض وأبو ظبي من الضربات

 

المسيرة | خاص

بالرغم من انفتاحِ صنعاءَ على جهودِ الوُسطاءِ لتجديد الهُـدنة التي انتهت بفعلِ تعنُّت تحالف العدوان ورُعاته، ومنحِها فرصةً للسعوديّة والإمارات لمراجعة مواقفهما بعيدًا عن التوجّـهات الأمريكية العدوانية، أبدت الرياضُ وأبو ظبي انسجاماً كَبيراً ومعلَناً مع تحَرّكات الولايات المتحدة، التي تهدف للحِفاظ على حالة اللا حرب واللا سِلْم ومواصلة استخدام الحقوق الإنسانية والمشروعة للشعب اليمني كأوراق ضغط وابتزاز للحصول على مكاسبَ سياسية وعسكرية تنطوي على استسلام صنعاء، الأمر الذي يعني أن دولتَي العدوان لم تتعلَّما شيئاً من المراحل السابقة التي عوَّلتا فيها على الحماية الغربية.

منذ انتهاء الهُدنة تحول الإعلامُ السعوديّ إلى منبرٍ يستخدمُه سفراءُ الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لمهاجمة صنعاء وتضليلِ الرأي العام حول حقيقة الهُدنة وما أعقبها من مجريات، حَيثُ يحاولُ سفراءُ الدول الثلاث الراعية للعدوان تكريس رواية مزيَّفة تتهم صنعاء بأنها تعرقل أي تقدم إيجابي في مسار التهدئة، للتغطية على حقيقة تعنت هذه الدول وإصرارها المُستمرّ على الالتفاف على مطالب وحقوق الشعب اليمني العادلة والمشروعة وعلى رأسها المرتبات ورفع الحصار.

ومن خلال الإعلام السعوديّ يطلقُ سفراءُ الغرب باستمرار مواقفَ تؤكّـد إجماعَ أعضاء الإدارة الدولية للعدوان على استمرار الحصار الإجرامي المفروض على البلد واستمرار نهب الثروات الوطنية واستخدامها كمصدر لتمويل المرتزِقة، كما يطلق السفراءُ العديدَ من الشائعات التي يستخدمُها أتباعُ العدوان لاحقاً في سياق حملات التضليل الإعلامية التي تهدف لإثارة الرأي العام ضد صنعاء.

حقيقةُ اندفاع الإدارة الدولية للعدوان نحو التصعيد وإصرارها على عرقلة جهود تجديد الهُدنة لا شك فيها، وقد أكّـدت القيادة الثورية والسياسية الوطنية ذلك بشكل واضح، كما أن التحَرّكات الأمريكية المباشرة في المناطق المحتلّة تترجم هذه الحقيقة بصورة صريحة، لكن ذلك لا يعني أن السعوديّةَ قد ابتعدت عن المشهد، فتجاوُبُها مع التوجُّـهات الغربية جليٌّ من خلال ما تنشره وسائل إعلامها.

وقد عبَّر السفير السعوديّ محمد آل جابر مؤخّراً بشكل رسمي عن خضوع الرياض لتوجُّـهات الإدارة الأمريكية من خلال تأكيدِ التمسُّك بالمقترَحِ الأممي الذي رفضته صنعاء، والذي تستخدمه واشنطن فقط كـ”قميص عثمان” لتضلِّل الرأي العام بأن صنعاء تعرقل الحلول، حتى وأن كانت تلك الحلول ليست حلولًا.

ومن مظاهرِ استجابةِ السعوديّة للتوجّـه الأمريكي العدواني، ما حدث مؤخّراً من تصعيد لإجراءات الحرب الاقتصادية ضد البلد، حَيثُ قامت الرياض بالإشراف على قرض كارثي منحه صندوق النقد العربي لحكومة المرتزِقة بقيمة مليار دولار، ستكون آثارُه مدمّـرةً على اقتصاد البلد وعلى العُملة المحلية، وهي خطوةٌ جاءت ضمن سلسلة خطوات عدوانية في المجال الاقتصادي أظهرت تنسيقاً كَبيراً بين دول الغرب وأدواتها الإقليمية والمحلية، لمضاعفة معاناة الشعب اليمني.

الأمرُ نفسُه ينطبقُ على الإمارات التي تحاول هي الأُخرى أن تُبعِدَ نفسَها عن واجهة المشهد لكن الدلائل العملية تظهر استمرارَ خدمتها للتوجّـهات الأمريكية العدوانية في اليمن، والنشاطُ الاستيطاني الذي تزايد مؤخّراً في جزيرة ميون المطلة على باب المندب برعايةٍ من الاحتلال الإماراتي دليلٌ واضح على أن أبو ظبي ما زالت تلعب بالنار.

على الجهة الأُخرى، صحيحٌ أن القيادةَ الثورية والسياسية لصنعاء أكّـدت أن العائق الذي تواجهه جهودُ تجديد الهُدنة هو التعنت الأمريكية بدرجة أَسَاسية، لكن ذلك لا يعني أن السعوديّةَ والإماراتِ قد أصبحتا آمنتين من تداعيات هذا التعنت؛ لأَنَّ الولايات المتحدة ما زالت تستخدمُ الرياضَ وأبو ظبي كأداتين مباشرتين لتنفيذ مخطّطاتها وتوجّـهاتها العدوانية ضد الشعب اليمن سواء على المستوى العسكري أَو الاقتصادي.

وقد حملت الرسائلُ الأخيرة التي وجّهها قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي للعدو، دلالاتٍ واضحةً على أن تفويتَ فرصة التهدئة ورفض مطالب الشعب اليمني سيفجِّرُ قُنبلةً تطالُ تأثيراتُها مختلفَ أطراف العدوان.

إنَّ الخطأ الذي ترتكبُه السعوديّة والإمارات من خلال التعامُلِ برمادية مع موقف صنعاء ومطالب الشعب اليمني، ومحاولة تكريس حالة اللا حرب واللا سلام، ليس خطأ جديدًا، بل هو نفسُه الخطأُ التقليدي الذي يبدو أن الرياض وأبو ظبي لم تفهماه بعد، فصنعاءُ قد حدّدت بشكل واضح متطلبات السلام الفعلي والعادل، وهي متطلبات لا يمكن الالتفافُ عليها بأي شكل، فبصورة عامة، لن تكونَ السعوديّة أَو الإمارات آمنة بدون إنهاء العدوان والحصار والاحتلال وتعويض الأضرار، وحتى الآن لم يتغير أي شيء في هذه المعادلة لكي تظن الرياض أَو أبو ظبي أنهما آمنتان.

في هذا السياق أَيْـضاً، فَـإنَّ السعوديّة والإمارات لا زالتا تواجهان اختبارًا عمليًّا صعبًا لحماية أراضيهما ومنشآتهما؛ لأَنَّ قائد الثورة قد أكّـد في خطابه الأخير أن أيَّ تصعيدٍ عسكري أَو اقتصادي سيؤدي إلى رَدٍّ واسع وأكثر فاعلية، وطالما أن الولايات المتحدة متوجّـهة بقوة نحو مضاعفة معاناة الشعب اليمني فَـإنَّ الرياضَ وأبو ظبي في خطر التعرض للتداعيات؛ لأَنَّ آليةَ كُـلِّ التوجّـهات العدوانية الأمريكية تتضمنُ تحَرّكاتٍ سعوديّة وإماراتية بالضرورة، ولا تستطيعُ الرياض أَو أبو ظبي أن تتعذرَ بـ”الضغوط الأمريكية” لتحمي نفسها من تداعيات الرد اليمني.

والحقيقةُ أن السلوكَ العملي للسعوديّة والإمارات حتى الآن لم يتضمَّنْ أيَّ مؤشر واضح على وجود تباين بينهما وبين الولايات المتحدة فيما يتعلق بمواصلة حصار الشعب اليمني واستخدام حقوقه الإنسانية والقانونية كأوراق تفاوض وضغط.

المؤشرُ الوحيدُ الذي ظهر كان تصريح الرئيس المشاط بأن مفاوضات تجديد الهُدنة كانت قد وصلت إلى تفاهُمات جيدة ثم أفشلها المبعوثُ الأمريكي إلى اليمن، لكن هذا المؤشر لم تعد له قيمةٌ كبيرة بالنظر إلى أن السعوديّة والإمارات لم تفعلا شيئاً يُذكر للحفاظ على تلك التفاهمات، بل إن مرورَ المزيد من الوقت مع استمرار الوضع الحالي يبيّن أن الرياض وأبو ظبي تريدان الإمساكَ بالعصا من المنتصف لإرضاء الولايات المتحدة وتجنب ضربات صنعاء في آن واحد، وهو مسعى محكوم عليه بالفشل.

إنَّ استمرارَ حالة الهُدوء النسبي برغم انتهاء الهُدنة، سببُه حرصُ صنعاء على إتمامِ الحُجّـة وفتح المجال أمام الجهود المبذولة، وليس أن السعوديّة والإمارات قد غيّرتا موقفَهما بدرجة كافية لتجنُّب تداعيات تصعيد جديد قد يندلع في أية لحظة، فحتى إن شهدت المفاوضاتُ بعضَ التفاهمات سواء مع الأمريكيين أَو السعوديّين أَو الإماراتيين، لا يزال الوضعُ على الأرض هو المعيارَ الرئيسيَّ والضامنَ الحقيقي، وطالما استمر حصارُ الموانئ والمطارات ومنع الشعب اليمني من موارده وحقوقه، واحتلال جُـزءٍ كبيرٍ من أرضه، فَـإنَّ أيةَ مؤشرات معلَنة أَو غير معلنة ستظلُّ بلا قيمة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com