فرضياتٌ لمعارك البحار والمحيطات المقبلة.. فَـنُّ الحروب وأسبابُها ونظرياتُها (الحلقة السادسة)

 

المسيرة| عباس الزيدي*

بعد أن جعلنا القارئ في الأجواء خُصُوصاً فيما يتعلق بالوضع الخاص للقوات والأساطيل البحرية وانتشارها، والأهم من ذلك التعرف على العقد والممرات البحرية في المحيط الهندي، ومنها البحار والخلجان والجزر والمضائق وجب علينا تسليط الضوء على الأوضاع العامة، وما تعيشه بلدان المنطقة، وأهميتها حسب مواقعها وما يشكل ذلك من أهميّة لأمنها القومي تارة وَللأمن القومي العربي وَلمعركة الأُمَّــة والدفاع عن بيضة الإسلام تارة أُخرى.

وأيضاً التطرق إلى حجم المشاريع العدوانية التي تستهدف تلك البلدان، ناهيك عن الخصوصية والتركيز على المعسكرات والتحالفات التي انبلجت من خضم التنافس، أَو من أسباب الصراع والعدائية التي أذكتها برْمجيات الاستكبار والصهيونية العالمية لغرض إضعاف وتفتيت المنطقة، ونجاح مشاريعها وتواجدها الدائم في منطقة أقل ما يقال عنها شريان الحياة، سواء على مستوى الطاقة أَو على مستوى الاقتصاد؛ باعتبارها سوقاً رائجاً ومنطقة غنية بالنفط والغاز والموارد الطبيعية في ظل بوادر وعلامات لحرب كونية ثالثة وصيرورة لنظام عالمي جديد ينسف كُـلّ ما مضى من اتّفاقيات ومواثيق تخص العلاقات الدولية وفق القوانين التي تعمل بها الأمم المتحدة، تلك المظلة الدولية التي جعلت منها الولايات المتحدة الأمريكية مطية وسخرتها لتنفيذ سياستها الخارجية بالقوة والعنجهية (الآلة العسكرية) وفرض هيمنتها على العالم، كذلك يسفر النظام العالمي الجديد عن تبادلات واتّفاقيات اقتصادية جديدة لا نرى فيها تحكماً للنمر الورقي -الدولار الأمريكي- دور المهيمن على اقتصاديات العالم، وربما ترسم جغرافيا وحدود جديدة تتعدى ما حصل في جزيرة القرم، أَو ما هو متوقع الحصول “لتايوان” أَو “كشمير” وَمناطق نزاع أُخرى هنا وهناك، بل يتعدى الأمر إلى أفظع من ذلك، حَيثُ اختفاء بعض الدول من الخارطة العالمية، إذَا ما تجاوز اللاعبون الكبار قواعد الاشتباك والذهاب نحو سقف أعلى من الحرب التقليدية، واستخدام أسلحة الدمار الشامل، يحدث ذلك في ساعة غضب، أَو حسابات خاطئة، أَو تقديرات سيئة.

وأخطر ما في الحروب أن يضع أحد الأطراف المتحاربة في موقع لا يستطيع فيه خصمه أن يكون أمام أكثر من خيار، حَيثُ ضيق ساحة المناورة وانعدام الفرصة في اتِّخاذ أكثر من قرار سوى الانتحار بالعدوّ أَو خصمه، وَأَيْـضاً نجد من متطلبات الدراسة التطرق إلى بعض الاستراتيجيات، والنظريات الخَاصَّة بالحرب سواء على مستوى السوق، أَو التعبئة، أَو نوع التكتيكات المستخدمة مما يلزمنا بتوضيح بعض الخطط لفنون الحرب وَالقتال على مسارح العمليات ومدى تلاقح وترابط، أَو تقاطع تلك النظريات والاستراتيجيات مع بعضها البعض في واقعة أَو معركة، أَو اشتباك سواء كان ذلك تعرضاً وهجوماً رئيساً، أَو محوراً تشغيلياً.

 

فرضياتٌ ليست خيالاً

فرضيات لمعارك البحار والمحيطات المقبلة، هي ليست ضرباً بالخيال، بل هي الأقرب إلى الواقع لوجود كثير من المعطيات، ومع ذلك تبقى فرضيات ولكن إذَا ما أمعنا النظر بدقة على ما يحصل في العالم من أحداث، وأزمات، وصراعات، وَأَيْـضاً اصطفافات وتحالفات مع مراقبة دقيقة، لانتشار الأساطيل البحرية والمناورات المشتركة سنرى ذلك أقرب إلى الحقيقة، ومثال ذلك ما يحصل من احتكاك ومناورات في عرض شمال المحيط الهادي، وتحديداً قرب تايوان، أَو على جانبي الكوريتين، وبحر الصين الشمالي صعوداً إلى اليابان ثم إلى جزر الكوريل، نزولاً إلى الفلبين، وإندونيسيا، والتحاق أستراليا الحليف للولايات المتحدة، وكذلك ما يجري في شمال المحيط الأطلسي انعطافاً على البحر الأبيض المتوسط، أَو على بحر البلطيق المتخم بالبوارج، وبالقواعد البحرية الساحلية وَالقطع البحرية المتنوعة التي تهدّد سانت بطرس بورغ، أَو موسكو عبر الأسلحة الباليستية، أَو تلك التي على مستوى البحر الأسود، والحلقة الأقرب إلى معارك أوكرانيا، والانتشار المكثّـف لقوات الناتو على مستوى البر والبحر، أَو حتى على مستوى الاستعداد القتالي، ورفع الترسانة النووية البريطانية التي تستعد بدورها لمواجهة الصين في صفحة أَو مرحلة متوقعة لاحقاً، وكذلك الأمر يشمل أمريكا الجنوبية.

وعلى الرغم مما يحصل في المحيط الأطلسي من اشتباك أشبه بضربات تحت الحزام، حَيثُ نوّهنا مسبقًا أننا سنتناوله في أول الدراسة لكننا وَمن حَيثُ الأولويات، وَأَيْـضاً من المتطلبات الضرورية للمعركة، أَو الانفجار الكبير المتوقع، وحيث ضرورة توفير وتأمين الطاقة، أَو حرمان البعض منها، وجدنا ضرورة للمحيط الهندي، وَمنطقة الخليج الفارسي أن يكونا في صدارة البحث مع وجود أسباب كثيرة أُخرى لذلك.

 

فَنُّ الحرب والقتال

الحربُ هي عملٌ من أعمال العنف يستهدف إكراه الخصم وإجباره للخضوع لإرادتنا، وهي وسيلة من وسائل تحقيق جملة من الأهداف السياسية والاقتصادية والأمنية… إلخ.

وأصبح دراسة أصول الحروب، وأسبابها وتجزئتها، وتحليلها ونتائجها وطرقها وفنونها علوماً رائجة بما فيها التركيز على العقيدة القتالية مع معرفة العدوّ وكل التفاصيل المتعلقة به.

ويقولُ كارل فون كلاوزفيتز، وهو ‏جنرال ومؤرخ حربي روسي: “الهدف السياسيّ هو المبتغى، والحرب هي الوسيلة لتحقيقه”، فالهدف، بحسب كلاوزفيتز، هو أصل أَسَاسيّ من أصول الحرب، وتندرج تحته باقي الأصول التي تشكّل بدورها قواعد الحرب، فيما يقول ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا: “يُحرز النّصر في المعارك من خلال المذابح والمناورة”، والأخيرة، بحسب قوله، أصل من أصول الحرب لا يمكن الاستغناء عنه إذَا ما أراد الجيش إحراز النصر.

أما صن تزو وهو جنرال صيني وخبير عسكري وفيلسوف كان له رأي خاصّ، إذ يقول: “تجنُّب الهزيمة يكمن في الدفاع واحتمال النصر في الهجوم، ويدافع المرء عندما تكون قواه غير ملائمة، ويهاجم عندما تكون وافرة”.

وتطرق إلى حشدٍ في القوى واقتصاد في القوى والدفاع والهجوم، كأصول للحرب، إلَّا أنّ كُـلّ النظريات الحربية تسعى لكشف السبل المناسبة لخلق تفوّق مادي من ناحية العديد والعتاد في “النقطة الحاسمة”، إذ إن النقطة الحاسمة بحد ذاتها تعدّ هدفاً في العمليات الهجومية، ويسعى أحد أطراف القتال إلى السيطرة عليها لعدة أسباب، أهمّها أنها تؤمّن للمسيطر عليها الرؤية والإشراف واستكمال الاستعلام ووضع التأمينات وتسهيل القيام بالمهام العسكرية المستقبلية، ولكن يصعب تحقيق هذه الميزة؛ بسَببِ عدة عوامل غير مادية يصعب احتسابها وإدراجها في ميزان التفوق المادي، لذلك، على نظرية الحرب الأخذ بعين الاعتبار، إضافة إلى العوامل المادية، تأثير العوامل غير المادية -المعنوية، كالغموض في الموقف والخوف والإحباط والعوامل الروحية.

إنَّ التطوّر الحاصل اليوم في أساليب القتال وتكتيكاته، والتكنولوجيا والتطور في مجالات الأسلحة على أنواعها، وحالة الجنود النفسية، والعوامل الجغرافية المختلفة، والمجتمع والسكان واقتصاد الدولة، كلّها عوامل أثرت في تبني أصول الحرب أَو على الأقل أَدَّت إلى تغيرات في موازين القوى.

 

أولاً: الحروبُ حسب النشأة التاريخية

 ويمكن تصنيفها إلى ما يلي:

1- الاستعمار القديم (مرحلة التهديدات الصلبة).

2- مرحلة الاستعمار الحديث (مرحلة التهديدات النصف صلبة).

3- مرحلة الاستعمار ما بعد الحديث (مرحلة التهديدات الناعمة).

4- الحرب المركبة أَو التركيبية كما عبر عنها سماحة السيد القائد الأمام الخامنئي -أعلى الله مقامه- وهي نوع من الحروب الحديثة والموجهة الآن بالضد من جمهورية إيران الإسلام وعموم دول محور المقاومة.

 

ثانياً: أسبابُ الحروب

وتختلفُ أسبابُ الحروب حسب طبيعتها وظروفها منها:-

1- الطبيعة البشرية العدوانية الميالة للعنف.

2-نوع نظام الحكم، بعض الأنظمة تكون أكثر ميلاً لشن الحرب أَو تستخدم القوة والإكراه في تنفيذ سياساتها كما هي الولايات المتحدة الأمريكية.

3- الفكر أَو المعتقدات أَو الإيديولوجيا السياسية التي تفضل الحرب على غيرها من الطرق الأُخرى مثال ذلك الفاشية.

4 – الدين أَو المعتقد الديني لدواعي ومعتقدات شرعية.

5- النظام العالمي، لأَنَّ النظام العالمي نظام فوضوي، يجب على الدول الدخول في الحرب لحماية أنفسهم.

6- الاقتصاد والموارد والنزاعات عليها غالبًا تؤدي إلى الحرب.

 

ثالثاً: الحروبُ وأنواعها

1- حربٌ شاملة.

2-حربٌ محدودة.

3- حربُ عصابات (مسلحين).

4- حرب أهلية.

5- حرب بالوكالة.

 

سؤال: هل هناك حربٌ عادلة؟

نشأت نظريةُ الحرب العادلة بعد اتّفاق الخبراء على جملة من الأسباب الرئيسة التي يمكن من خلالها تبرير الحرب ومنها:-

1- يجب أن تكونَ الحربُ هي الخيار الأخير، وَيجب استنفاذ جميع الوسائل السلمية لحل النزاع قبل شن الحرب.

2 – يجب أن يكون سبب الحرب سبباً عادلاً مثل صد العدوان أَو تصحيح خطأ كبير.

3- يجب أن يكون بالإمْكَان كسب الحرب (عدم الدخول في حرب خاسرة أَو لا نهاية لها).

4 – الغرض أَو الهدف من هذه الحرب يجب أن يُبرّر التكلفة في المال وَالأرواح.

5 – يجب على الجيش بذل كُـلّ الجهد لمنع أَو الحد من الخسائر في صفوف المدنيين.

 

رابعاً: نظرياتُ الحرب

1- القوة البرية وقلب الأرض “ماكيندر”.

2- القوة الجوية الكسندر “دي سيفرسكي”.

3- القوة البحرية لألفريد “ماهان”.

 

خامساً: استراتيجياتُ الحرب

أكثر من ست وثلاثين استراتيجية مع مجموعة كبيرة من قواعد القتال وضعها صن توز الجنرال الصيني قبل أكثر من 2500 سنة في كتابه “فن الحرب” وهو الأقدم، وَالأهم والأول على مستوى العالم في علوم الحرب والقتال مع مجموعة من الوصايا الأُخرى التي تهتم بالحروب وكيفية تحقيق النصر فيها شملت التخطيط والقيادة والطقس والتضاريس والظروف والمعنويات ومجموعة من التكتيكات.

وحتى هذه اللحظة هي موضع اهتمام المختصين رغم قدمها وأخذت تتطور شيئاً فشيئاً حسب مراحل زمنية امتدت إلى قرون، حَيثُ كانت هذه الاستراتيجيات لم تقتصر على الحرب، بل تم تطويرها واستخدامها في علوم المعرفة الأُخرى، وأصبحت موضع اهتمام المختصين من الساسة وأهل المعرفة مثل الاقتصاد والسياسة والإعلام والحرب النفسية والجغرافيا، وأهميتها والاتصالات والمواصلات والحرب الإلكترونية وحرب المعلومات لترتقي من الاقتراب غير المباشر إلى استراتيجية الردع والاحتواء والانتقام الشامل.

* كاتب عراقي رفيق الشهيد أبو مهدي المهندس

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com