إعادة إحياء العادات والأعراف والأسلاف القبلية الحميدة..بقلم/ علي عبد الرحمن الموشكي

 

ما يميز قبائل اليمن هو القيم والمبادئ والأعراف والعادات التي نسجها وصاغها من واقعه المعايش لضبط عملية التعامل بين أبناء المجتمع القبلي ومن جانب سد الثغرات وإيقاف وردع من يتعمد فعل خطأ معين سواء كان هذا الخطأ (اعتداء – ثأر -غدر-قتل النساء -الوقوف في صف الغازي ومناصرة الظالمين… إلخ) وفق صلح معين أَو حكم يقضي ويتقاضى فيه الطرفين عند عدل معين من أهالي منطقة معينة يتميز بالنزاهة والجدارة والثقة وطيب التعامل أَو وثيقة كـ (وثيقة الشرف القبلية) للحفاظ على أمن الساحة القبلية ومواجهة العدوّ الخارجي، ويوجد العديد من هذه المواقف والقضايا كان للأعراف القبلية الدور الأبرز في إصلاح واقع أبناء الوطن الواحد في أرجاء اليمن الحبيب.

وهنالك أعراف قبلية تعاونية وهي كثيرة جِـدًّا، بداية من العمل في الحقول والمزارع، وغرم الأعراس، وغرم المغروم الذي يحصل عليه مرض معين أَو كارثة معينة طبيعية كانت أَو بفعل عوامل الطبيعة، وَغرم القبيلة في مواجهة العدوان بالمال والرجال وصمود اليمن بعزة وترجل قبائلها يعرفهم المستعمرون كَثيراً على مر العصور ومعروف أن اليمن مقبرة الغزاة.. دونت هذه الأعراف في مراقيم ومواثيق التي هي عبارة عن قواعد معينة لتنظيم أداء عمل معين يهم أبناء المنطقة بشكلٍ عام وأحياها آبائنا وأجدادنا ومشايخنا وعقلائنا إلى وقتنا الحاضر.

وكما هو معروف أن الأعراف والأسلاف الحميدة موجودة في اليمن من قديم الزمان وحكتها النقوش الحميرية في التاريخ القديم عن (مملكة سبأ -مملكة معين -مملكة حضرموت -مملكة قتبان -مملكة حمير) وما جرت عليه وسارت عليه جميع القبائل اليمنية السبئية (همدان (حاشد وبكيل) -كندة -مذحج) والحميرية (قضاعة -يافع -العوالق -حضرموت) وما تجسد وعرف به أبناء اليمن على مر التاريخ ملوك وَأقيال ومشايخ ووجهات وعقلاء المجتمع، جاء الدين الإسلامي متمماً للأخلاق والقيم والمبادئ الإنسانية ومزهقاً للباطل في واقع الحياة، قال رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، الأخلاق التي كانت وما زالت موجودة في شعب الإيمَـان والحكمة.

وهذه الأعراف والأسلاف والعادات الحميدة صدرها اليمنيون لكل شعوب العالم على مر التاريخ من خلال التعاملات الصادقة والنابعة من القيم والمبادئ الإنسانية الحكيمة التي تعبر عن النخوة والإباء والإقدام في حَـلّ الخلافات الاجتماعية التي تحدث بين القبائل وأصبحت أعرافا وأسلافا سائدة ولا زالت إلى الآن في أغلب القبائل اليمنية ولكن للأسف خلال فترة زمنية غيب وضيع الغزو الفكري والثقافي ودخول الثقافات المغلوطة التي غيبت هذه القيم والمبادئ في واقعنا وما زالت آثارها إلى اليوم رغم محاولة إعادة هذه القيم والمبادئ من خلال وثيقة الشرف القبلية التي تعتبر من أرقى الوثائق القبلية وَإعادة من خلال بنودها العظيمة مبادئ تجسد الهُــوِيَّة الإيمَـانية الأصيلة التي تحفظ الوطن من كُـلّ معتدٍ خارجي وأمناً للساحة القبلية وتفعيل مبدأ الغرم القبلي في مواجهة المستعمر الأجنبي، ووقع كُـلّ أبناء قبائل اليمن على هذه الوثيقة بمختلف فئاتهم.

ولكن للأسف البعض من أبناء القبائل خالفوا الوثيقة وَلجأوا إلى النيابات والمحاكم التي تجعل تعامل المجتمع رسميًّا بحتًا دون تقريب للحلول ودون الحفاظ على النسيج الاجتماعي بدلاً من أهل الحل والعقد الذين هم أَسَاس في حَـلّ القضايا وإصلاح بين القبائل وحفظ الساحة القبلية من كُـلّ اختراقات؛ لأَنَّ العدوّ يلعب بالأوراق ويستقطب ضعيفي النفوس في تنفيذ مصالحه، وإثارة المشاكل وإحياء الثارات بين أبناء اليمن الواحد واستطاع العدوّ اختراق هذه العادات والأعراف والأسلاف الحميدة، من خلال افتعال القضايا وَتغذية الصراعات من خلال المندسين أَدَّى هذا إلى قتل المرأة والقتل في الأشهر الحرم وصدر منهم عيبٌ أسود، الكثير من المواقف والقضايا تحصل في واقع أبناء القبائل تذرف منها الدموع وتدمي القلوب حزناً على العيب الأسود الذي صدر من بعض أبناء القبائل، وبدلاً من التفرغ للعدو الخارجي أصبح أبناء القبائل يترصدون إخوانهم من قبيلة معينة والمنطقة الفلانية؛ لأَنَّ بينهم ثأراً، مما أَدَّى إلى إهلاك الحرث والنسل في مناطق كثيرة، خُصُوصاً في المناطق المشتعلة فيها قضايا الثأر، وتشرد الكثيرين إلى مناطق كثيرة.

وذلك؛ بسَببِ العادات الدخيلة على مجتمعنا التي أفقدت وقطعت حبل المودة والأُخوة بين أبناء القبائل والمناطق والبعض على مستوى قرية معينة، وجعلت الناس منفصلين عن الهُــوِيَّة الإيمَـانية والنصح الأخوي الذي يعزز تماسك المجتمع، وسبب ذلك هو عادات دخيلة على مجتمعنا الذي يجب علينا رصدها وتفنيدها وستجدون جذورها من أصحاب الثقافات المغلوطة التي هي خارجة عن قيم ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف.

لذلك ندعو مشايخنا وقدواتنا وعقلائنا للعودة للعادات والأعراف والأسلاف القبلية الحميدة وإحيائها في واقعنا المعايش حتى تحل الخلافات وتتلاشى الصعوبات والإشكاليات بين أبناء قبائل اليمن الواحد ويعتبر تجسيداً للهُــوِيَّة الإيمَـانية الأصيلة التي جسّدها آباؤنا نموذجاً راقياً وأشاد بها رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-: (الإيمَـان يمان والحكمة يمانية)، منبع الإيمَـان هو اليمن أرضاً وإنساناً؛ لأَنَّ المظلومين وضحايا الثارات من الأبرياء كثر والعدوّ سعى ويسعى بشكلٍ مُستمرّ منذ بداية العدوان إلى زرع الخلافات بين أبناء المجتمع وتوظيف هذه القضايا وتغذيتها بأُسلُـوب متطور أكثر دهاء، ولأن المسافات تباعدت بين أبناء المجتمع، لم يعد هنالك تعاون على الخير والعمل التكافلي والإحسان والرحمة فيما بيننا، فغيبنا الكثير من العادات الحميدة.

أدى ذلك إلى أن بعض القبائل لم تردع كُـلّ من يذهب في حضن العدوان ولم يعملوا على إرجاع المغرر بهم من صفوف العدوان ما الذي دفع المغرر بهم إلى الوقوف في صف العدوان رغم تكشف الحقائق وتعاون دول العدوان الواضح في تنفيذ سياسة المستعمر الخارجي البريطاني والأمريكي والكيان الصهيوني هو وجود خلل في العادات والقيم والمبادئ الحميدة، ولأَنَّنا تركنا وابتعدنا عن قيمنا ومبادئنا وأعرافنا وأسلافنا التي حكتها المراقيم والمواثيق ولهثنا وراء رغباتنا وأطماعنا، جعلتنا أنانيين.

كل قبيلة تحصل فيها قضية أَو اعتداء من قبل شخص واحد من منطقة معينة بقصد أَو بغير قصد يبدأ عقلاء القبيلة بتعميم هذه الإشكالية واتّهام قبيلة بأكملها وقد يندفع أبنائها إلى الاعتداء والانتقام دون أن يعرف تفاصيل القضية ويبحث عن كيف يركع الطرف الآخر وإذلاله وإشعال فتيل الثارات في أغلب القبائل اليمنية وهذا ما أفقدنا طعم وحلاوة الحياة.. وأصبحنا نردّد أجدادنا كانوا هم الطيبين وهم الخيرين.

لذا مَـا هو المانع لنا للعودة إلى طريقة تعامل أجدادنا وعاداتهم الحميدة الإيمَـانية الأصيلة التي جعلت منهم أنصار رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- شرف عظيم، وبفضلهم انتصَر الإسلام وفُتحت مكة، وبفضل هذه العادات والأعراف والأسلاف حقنت الدماء وعززت الأخوة وحفظ ماء الوجه كُـلّ تلك العقود من الزمن من كُـلّ موقف عيب ومحافظ على النسيج الاجتماعي في عموم قبائل اليمن، نسأل الله أن يحفظ اليمن أرضاً وإنساناَ وأن يوحد كلمتهم لدحر كُـلّ المستعمرين الطامعين باليمن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com