والدٌ لثلاثة شهداء، الشيخ محمد دحان في حوارٍ لصحيفة “المسيرة”: لا نزال مقصِّرين أمام الله ونسأله أن يكتب لنا الشهادة في سبيله

المسيرة – حاوره أيمن قائد

حَثَّ الشيخُ محمد دحان، وهو والدٌ لثلاثة شهداء الجميع على إحياء الذكرى السنوية للشهيد واستشعار المسؤولية ومواصلة الجهاد، مؤكّـداً عدم التخلي عن الجهاد؛ لأَنَّ وراء كُـلّ شهيد المئات من عُشَّاق الشهادة.

وعاهد الشيخ دحان في حوارٍ خاص مع صحيفة “المسيرة” قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي، بالسير على درب الشهداء وبأنهم على العهد باقون وسيبذلون فلذات أكبادهم وأنفسهم وكل ما يستطيعون في سبيل الله.

وأشَارَ إلى أنهم وعلى الرغم من هذا العطاء لا يزالون مقصرين أمام الله، سائلاً الله عز وجل أن يكتب له الشهادة في سبيله.

إلى نص الحوار:

 

– في البداية لو تحدثونا عن بداية انطلاقة الشهداء الثلاثة من أبنائكم في درب الجهاد والصفات التي اتسموا بها في حياتهم الجهادية؟

حَيَّاكم الله.. في البداية نتحدَّثُ عن الشهيد طه وهو أكبر إخوته فقد كان من السباقين في المسيرة القرآنية، حيثُ انطلق الشهيد طه محمد دحان في الحرب الرابعة من الحروب الست الظالمة التي شنها النظام السابق على المجاهدين بمحافظة صعدة، حَيثُ تحَرّك الشهيد على المستوى الثقافي والأمني والعسكري، كما نال نصيبَ المشاركة في حرب كتاف وأرحب وهمدان وحتى دخول المجاهدين العاصمة صنعاء، وقد استضاف الثوار وهيأ لهم الساحة، وكان له دور بارز في إنجاح ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، بعد ذلك عاد متحَرّكاً في المسار العسكري مع مجاميعه الذين أقام لهم الدورات الثقافية والعسكرية وخاض بهم أشرس المعارك في محافظتي لحج وعدن.

ويمكن القول إنه لم تكن تمر فعالية أَو مسيرة أَو وقفة لمناسبةٍ ما إلَّا وشاركوا فيها، وقد كان يقيمُ بعضَ الفعاليات من نفقته الخَاصَّة، وبهذا مَثَّــلَ رافداً وداعماً للمجاهدين، بالإضافة إلى أنه كان خطيباً يتمتع بالفصاحة والبلاغة التي لا تشعر بالملل من كلامه ومحاضراته على الإطلاق، وقد كان يعمل في جميع المجالات في مهامٍ متعددة التي منها الإصلاح بين الناس، حَيثُ كان محامياً يعمل بكل إخلاص لحل مشاكل الناس ويحثهم على توحيد الكلمة والابتعاد عن التفرقة.

وكان الشهيد طه يقضي جل وقته في طباعة الملازم وتوزيعها ونشر الثقافة القرآنية وتفعيل طلاب المدارس واستقطابهم والالتقاء بالمشايخ والشخصيات الاجتماعية والتواصل معهم ليسهم بذلك في إيصال الحقيقة التي غيبها النظام العميل في ذلك الوقت، حَيثُ كان يجلب ملازم الشهيد القائد من صعدة، ولكن نتيجة تقطعات النظام السابق آنذاك للمارين، أخبرنا الشهيد طه بأن نقوم بشراء مطبعة لطباعة الملازم وقُمنا بشراء الطابعة وكان يقوم بطباعة الملازم داخل المنزل.

كما كان حريصاً على بناءِ الأفراد ثقافيًّا وعسكريًّا ويربِّيهم ويعلِّمهم الخطابة وقراءة القرآن ويحثهم على إقامة برنامجِ رجال الله لما كان عليه من مهارةٍ عالية في الإلقاء والبناء والتثقيف وبأُسلُـوب راقٍ وجذَّاب.

أما أخوه الشهيد دحان فقد كان برفقةِ أخيه طه في كُـلِّ المواقف وكان يقوم مقامَه في أصعب المراحل، وكان الشهيدُ دحان محمد دحان يعمل بكل جد واجتهاد ورغبة، حَيثُ كان يعمل على متابعة الأفراد ويهتم بهم، وقد اتسم الشهيد دحان بالهدوء والوقار وحُسن الخُلق، وقد كان أَيْـضاً متواضعاً ودائمَ الذكر لله بالاستغفار والتسبيح.

وبهذا كان الشهيدين طه وأخوه دحان ومعهم المجاهدين في طريق التحرّر والمواجهة في تعز ومن ثم إلى عدن، حينها اندلع العدوان الأمريكي السعوديّ الغاشم في العام 2015م وقد أُصيب الشهيدان بثلاث غارات صهيونية.

أما ولدي الشهيد الثالث وهو علي محمد دحان فقد كان مشرِفَ مربَّعٍ في جبهة نهم بصنعاء، حَيثُ كان يجيد القنص وقد أذاق المعتدين طعمَ الهزيمة ونكل بهم أشدَّ تنكيل، مُستمرّاً في جهاده مرابطاً ومترصداً لأعداء الله حتى نال وسام الشهادة من الله سبحانه وتعالى.

لذلك فقد كان الشهداء الثلاثة على درجة عالية من الوعي والبصيرة والالتزام، وكانوا يحملون مسؤولية وَهَـــــمَّ الأُمَّــة بأكملها، وكانوا القُدوة الحسنة للآخرين في الأخلاق والقيم والمبادئ والشجاعة والاستبسال والكرم، كما قدموا النموذجَ الراقي في الإحسان والبر والأعمال الخيرية، مما جعلوا من أبناء المجتمع حاضنةً قويةً للمجاهدين وقد كانوا مؤثرين جِـدًّا في أبناء المجتمع، فقد حظوا بمكانة ومحبة في قلوب الناس.

كما كان الشهداء عنواناً للاستقامة والعبادة والتمسك بهدى الله والاستجابة لله متحلين بالأمانة والصدق والوفاء وقوة الشخصية، آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر.

 

– سلام الله عليهم.. الوالد الكريم برأيكم ما هو سِرُّ التمسُّكِ بالجهاد وسر حب الشهداء الثلاثة لنيل الشهادة في سبيل الله؟

السر في ذلك هو الإيمان بالله والثقة بالله والتولي الصادق لله ولرسوله محمد والإمام علي ولأعلام الهدى والاقتدَاء بهم في الجهاد والصبر والمسارعة والإحسان والإيمان بوعد الله ونصره والتقرُّب إلى الله بالأعمال الصالحة والتي من أعظمها وأسماها الجهاد في سبيل الله ومعرفة عظمة الشهادة ومقامها، كُـلُّ هذا جعلَ الصادقين يتمسكون بالجهاد في سبيل الله محقّقين بذلك إما النصر أَو الشهادة.

وقد برز المجاهدين لقتال قوى الإجرام والاستكبار وهم على يقين تام بالنصر أَو الشهادة وهم مدركون أن في كلتا الحالتين الفوز الذي لا يقبل الخسارة؛ لأَنَّ قلوبهم قد امتلأت حباً لله وتوكلوا عليه ومستعينين به في كُـلّ الظروف، وعرفوا حقيقة الدنيا التي متاعها زائلٌ وعرفوا أن ما عند الله هو خيرٌ لهم وهو النعيم الأبدي الخالد.

لذلك انطلقوا كالصواريخ لا يخيفهم ولا يعيقهم شيءٌ، وليس لديهم أي شيء يستحقُّ أن يخافوا عليه في الدنيا أمام وعد الله ووعيده في الآخرة.

 

– إضافةً للمواقف العظيمة التي ذكرتموها لنا سابقًا.. هل لكم أن تخبرونا عن مواقف أُخرى حقّقها الشهداء الأبطال وهم في ميادين البطولة والاستبسال؟

لقد سطَّروا أعظمَ المواقف التي ترفع الرأس وتبيِّضُ الوجه وهم في ميدان الشرف والكرامة، فقد قام الشهيد طه والشهيد دحان ورفاقهم بالعديد من الغزوات والاقتحامات بدءاً من معسكر لبوزة والسيطرة على قاعدة العند وقاموا بأسر وزير دفاع المرتزقة، محمود الصبيحي وفيصل رجب وناصر منصور هادي وواصلوا في القتال حتى سيطروا على قصر المعاشيق والمطار، وكانوا ينطلقون في المقدمة قبل أفرادهم وقد خاضوا غمار الحرب في مقدمة الصفوف لا يهابون الأعداءَ ولا يحسبون لهم أيَّ حساب، وخاضوا غِمارَ الحربِ في مقدمة الصفوف وسطّروا الملاحم البطولية وبذلوا أغلى ما لديهم في سبيل الله.

أضف إلى ذلك أنهم كانوا يتناوبون على المتراس والمرابطة بحيث لا يتركون للعدو أيةَ ثغرة حتى للحظةٍ واحدة.

وبما أن مواقف الشهداء جميعهم هي مواقف ينذهل منها الأعداء سواءً في مهارة القتال والقنص أَو في التخطيط وإدارة المعارك والغزوات، فقد تحقّق هناك أَيْـضاً الكثيرُ من المواقف الجهادية التي لا يسعُ المجالُ لذكرها.

 

– وكيف تلقيتم نبأ استشهاد أولادكم الثلاثة وكيف كانت مشاعركم حينها؟

كنا متوقعين لذلك في أية لحظة وتلقينا نبأ الاستشهاد بكل صبر واحتساب وإيمان شاكرين حامدين لله على توفيقه ومنه وفضله أنه أختارهم شهداء ونسأل الله أن يرفع مقامهم وأن يلحقنا بهم.

كما كنا نتذكر مأساة كربلاء وما نال أهل البيت -عليهم السلام- من مآسٍ فتهون علينا المصائب وليس هناك من مقارنه، حَيثُ كانت مشاعرنا في سعادةٍ ورضا بما قسم الله وازددنا ثقةً ويقيناً بالله تعالى.

 

– وهل شعرتم يوماً ما بالحزن والندم على أبنائكم الشهداء الثلاثة؟ ولماذا؟

لم يحدث ذلك على الإطلاق ولن يكون وليس هناك خسارة مع الله فكل أعمالنا هي خالصه لله وحده ونحن نشعر بالرضا والطمأنينة ونشعر بأننا ما زلنا مقصرين أمام الله ونسأل من الله أن يكتب لنا الشهادة في سبيله وأن يجعلنا من أوليائه السائرين على صراطه المستقيم.

فعندما ترى أنك قدمت في سبيل الله من أولادك طمعاً في رضوان الله وجنته ومغفرته لن تندم وأنت تتصفح آيات القرآن الكريم المليئة بوعد الله وما أعد لمن استجابوا له من النعيم الدائم.

 

– هنيئاً لكم هذا المقام والدنا الكريم.. ونحن مقبلون على هذه المناسبة العظيمة كيف تقيمون الاستعدادات والتحضيرات لإحياء الذكرى السنوية الشهيد؟

نحن في هذه المناسبة نقوم بزيارة أسر الشهداء وتفقد أوضاعهم وحل إشكالياتهم، كما نقوم أَيْـضاً بزيارة معارض الشهداء وزيارة الروضات ونحضر ونشارك في الفعاليات الخَاصَّة بالمناسبة نلتقي بأسر الشهداء.

فعندما يرى أهالي الشهداء أننا نقوم بزيارتهم تهون عليهم الأحزان وفراق أولادهم ويشعرون بالعزة والكرامة ويرون أن لهم معزة ومكانة في قلوب الناس.

 

– كيف تنظرون إلى الدور الذي تقومُ به الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء تجاه أسر وذوي الشهداء؟ وما رسالتكم لهم؟

الهيئةُ العامة لرعاية أسر الشهداء تقومُ بدورٍ مهم وفاعل وناجح رغم العوائق وقلة الإمْكَانات وشحة الموارد رغم ذلك تعمل لتوفير احتياجات أسر الشهداء وتأمين الجانب الصحي.

 

– رسالتُكم للسيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي -يحفظُه الله-؟

إننا على العهد باقون وسنبذُلُ فلذاتِ أكبادنا وأنفسَنا وكل ما نستطيع في سبيل الله حتى تكون كلمة الله هي العليا ويتحقّق النصر والفتح المبين، وأننا متمسكون بهذا المنهج العظيم تحت راية السيد القائد ولن نذل ونستكين ولن نضعفَ أمام أولياء الشيطان.

ونقول لعلم الزمان نحن رهن إشارتك، معلنين بالولاء والسمع والطاعة حاضرين في كُـلّ حين لخوض غمار الحرب حتى آخر لحظة في حياتنا.

 

– رسالتُكم للشعب اليمني كافة، ولأولياء الأمور على وجه الخصوص؟

أن يستمروا في الصمود والمواجهةِ وبذلِ المال والرجال والوفاء لدماء الشهداء فمسؤولية الدفاع عن الوطن وعن الدين هي على كُـلّ إنسان، فسارعوا لتنالوا شرفَ البطولة ووسام العزة ليخلِّدَ التاريخُ في صفحاته مواقفَكم المشرِّفة؛ لأَنَّكم تدافعون عن قضيةٍ عادلة ومحقَّـة وتواجهون تحالف العدوان والإجرام.

 

– رسالتُكم لقوى العدوان والطغيان والنفاق؟

نقول لهم : إن الشهداءَ الذين سقطوا هم أغلى وأحبُّ ما لدينا، فلن نتخلَّى عن الجهاد وعن الثأر لهم من قوى العدوان، ووراء كُـلّ شهيد المئات من عشاق الشهادة وقد عاهدوا الله بالسير على خطى الشهداء وليس لهم في هذه الدنيا من رغبة إلَّا رضا الله والجهاد في سبيل الله وكلهم شوق ولهفةٌ لملاقاة العدوّ ليذوق على أيديهم أشدَّ العذاب، ونحن أسر الشهداء على أتم استعداد باذلين أنفسنا وأولادنا وأحفادنا في سبيل الله ولن تروا أحرارَ هذا الشعب إلَّا حَيثُ تكرهون رجالاً أشداء أولي بأس شديد يحملون إيماناً منقطع النظير.

 

– كلمة أخيرة تودون إضافتها عبر صحيفة “المسيرة”؟

في هذه الذكرى العظيمة في مقام الشهداء الأبرار الذين بذلوا أرواحَهم مِن أجلِنا فينبغي على الجميع استشعار المسؤولية ومواصلة الجهاد وتحقيق الأهداف التي رسمها الشهداء بدمائهم لينعَمَ الناسُ بالأمن والإيمان والاستقرار ويتحقّق العدل ونجني ثمارَ هذه الدماء الزكية الوفية بالحُصُول على النصر.

وأن نتذكَّرَ رعايةَ الله وعونَه وتأييدَه لنا خلال ثماني سنوات من العدوان، ونقابلها بتقوى الله والالتزام بتوجيهاته واتباع آياته والالتجَاء الدائم إليه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com