مأرب والدروسُ القيادية الحكيمة

 

عبدالقوي السباعي

اليومَ لا يحتاجُ المتأمِّـلُ العادي إلى دليلٍ دامغٍ، أَو مؤشرٍ واضحِ المعالم، يسترشدُ به أيَّ الطريقين هو الصراط المستقيم، أيَّ الفريقين يُجسِّدُ الخيرَ والحقَّ والنور، وأيَّهما الشر والباطل والضلال، ففي معركة تحرير مأرب قد اتضحت الرؤية، وتجلت الحقائق، والدرس الذي أراد من خلاله قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي أن يصل، ليس إلى أهل مأرب وكل اليمنيين فحسب، بل إلى العالم أجمع، وقد وصل بالفعل وفهم الجميعُ الدرس.

فمن المعلوم أنهُ كان بإمْكَان أبطال الجيش واللجان الشعبيّة اجتياحُ مأرب في غضون أَيَّـام محدودة، إن لم تكن ساعاتٍ معدودة، في إطار بلوغ الهدف التكتيكي، بَيْدَ أن مبادرةَ السيد القائد جاءت من إدراكِه الواعي للهدف الاستراتيجي، بأن هناك وبين ثنايا قوى العدوان القابضة بالحديد والنار على مأرب، بقيةً من خير، أناساً مخدوعين، مغرَّراً بهم، وأراد أن يتريث الأبطالُ بعضَ الوقت، حتى يقضيَ اللهُ أمراً كان مفعولاً، وأن يتجرد الشر كله من هذه المدينة الغالية ليتمحَّصَ خالصاً، ويذهبَ بتلك القوى وحدَها هالكةً، لا تتلبس بها ذرةٌ من خير تذهب في غِمار المواجهة والصدام، وهو الأمرُ الذي برهنتهُ الأيّامُ مع توافد أبناء القبائل الشرفاء وإعلانهم نفضَ غُبارِ التبعية من تحالف العار والعدوان، بل وسارعوا للانضمام إلى صفوف الجيش واللجان الشعبيّة، عبر إعلان النفير العام في مواجهة قوى العدوان وأدواته.

أدرك الجميع، حتى أُولئك المتحمسون والتواقون إلى خوض غمار الاجتياح بقوتهم وعنفوانهم المعهود، قد أدركوا ذلك، فلو أن أبطالَ الجيش واللجان الشعبيّة هزموا كُـلَّ جموع البغي والعدوان والضلال في هذه المحافظة دفعةً واحدة، لم يتسنَّ كَشْفُ زيف تحالفهم للناس تماماً، قد يجدوا لهم أنصاراً من المخدوعين في أماكنَ أُخرى، لم يقتنعوا بعدُ بعمالتهم وارتزاقهم وفسادهم وضرورة زوالهم، بعد هروبهم كما هو المعتاد، فتظل لهم جذورٌ في نفوس الأبرياء والبسطاء والسطحيين الذين لم تنكشف لهم الحقيقة، ويظل يقول القائل منهم: “والله ما درينا أين الحق؟”، فشاء اللهُ أن يبقى تحالفُ العدوان ومرتزِقتُه وأوراقُه، حتى تكشَّفَ عارياً تماماً لأبناء قبائل مأرب وسكانها، بل ولكل اليمنيين في الداخل والخارج، فذهب وسيذهبُ من هذه المحافظة وغيرها بكل براثنه وقُبحه وجرائمه جملةً واحدةً غير مأسوفٍ عليه، وإلى مزبلة التاريخ.

ولعلنا اليومَ أكثر استيعاباً لدرس السيد القائد ولحكمته، الذي أراد أن يقول لنا: إن البيئةَ التي كانت موجودةً في مأرب قبل أَيَّـام، وكما هي بعضُ مناطقنا المحتلّة، قد شابها الكثيرُ من الاستهداف الثقافي الممنهج المعزز بالحقد والكراهية، بالانتقامية والثأر، بالتفرقة والانسلاخ، فكانت غيرَ مهيأةٍ بعدُ لاستقبال ثقافةِ الحق والخير والعدل والتسامح والتصالح، الذي تجسده المسيرةُ القرآنية المباركة، فلو دخل المجاهدون مأربَ وانتصروا، حينئذٍ للقوا معارضةً شديدةً من البيئة التي لا تزال تجهلُهم، تجهل رسالتَهم، تجهل أخلاقياتهم التي أذهلتهم، فلا يستقرُّ لهم معها قرار، فيظل الصراعُ قائماً عن جهل.

لكن معَ الأيّام وتتابُعِ الأحداث وتتالي المراحل التي هيَّأها اللهُ سبحانَه وتعالى، والروحيةُ اليمانية والهُــوِيَّةُ الإيمانية المتجذرة في كُـلّ اليمنيين على امتداد خارطة تواجدهم، تهيَّأت النفوسُ من حولهم لاستقبال الحق الظافر، وشاهدنا قبائلَ مأرب وذلك الاستقبالَ والاستبشارَ بقدوم المجاهدين أبطال الجيش واللجان الشعبيّة، وتلك الحفاوةَ والترحيب، الذي تُترجَمُ إلى اصطفاف واحد وتخندق جامع، كتفاً لكتف، يداً بيد حتى تحريرِ شامل لكل الأرض اليمنية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com