ذكرى المولد النبي.. حياة إبداع لا مشجب ابتداع

 

عبدالله القديمي

تعاودنا ذكرى مولد نبي الطّهر وَالمرحمة، قمراً بهيّاً -في ليل زماننا الذي يحلو لك بممارسات الناكبين من أبناء أمتنا- فنجد أنفسنا في إحيَاء هذه الذكرى الشريفة نرتشف من دِيمها، وَنغترف من دأمائها ما يربطنا بصاحبها عليه صلوات الله وَعلى آله، وَلا نلتفت فيها إلى المأفونين الذين يَنفسون علينا إظهار عظمة يوم مولده العظيم الذي به كانت ليلة القدر خير من ألف شهر، يقول الحق تقدّس مجده: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)، فما بالهم يُبدّعون الاحتفاء وَالفرحة برحمة الله؟! إننا مدعوون للفرح برحمة الله، وَأية رحمة تعدل رحمة الله العامة للعالمين؟! ألم يقل الحق جل جلاله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) وَلو شاء لقال.. لرحمة العالمين، وَإنما جعل رسولنا الكريم وَنبينا العظيم رحمة للعالمين، إذ ذلك الرحمة لغةً مصدر الفعل: رحم، يرحم فإذا نُعِتَ المنعوت بالمصدر دلّ ذلك على استغراقه لما نُعِت به وَجاز أن يكون نعته اسماً له وَعَلَماً عليه.

نُقل عن الإمام الشافعي-رضي الله عنه- قوله: كُـلّ أمرٍ له أصل شرعي ليس ببدعة وَإن لم يعمل به السّلف، وَمع مطاطية مفهوم السّلف عند أصحاب الصّلف من أمتنا، فعليهم أن ينظروا إلى الأصل الشرعي فمشروعية بل محمودية الفرح برحمة الله ثابتة مؤكّـدة بالنّص القرآنيّ، وَكفاهم، بيد أنهم محرمون من هذا الفضل وَيجدّفون خارجاً ثم يقعون في براثن التناقض وَمزالق التطفيف، فلقد أقاموا قبل زهاء عقدين من الزمن ذكرى احتفائهم بإمامهم محمد بن عبدالوهَّـاب، كما لا نجد لهم عزماً في التثريب على مملكتهم، مملكة أحفاد مردخاي بن موشي، عندما جعلوا متحفاً لآثار مؤسّس مملكتهم وَفيها نعاله! وَمع هدمهم لكل أثر نبوي، نجد دهاقنة حكمهم يحتفظون بحصن عدو الله كعب بن الأشرف في منطقة السدّة في المدينة النبوية المنورة وَكتبوا عليه (آثار ملَكية)!. فأين نكيرهم وَتبديعهم؟! يحكي العلامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي، في ترجمته لأبيه في كتابه (هذا والدي) أن أباه الملا رمضان البوطي، روّح الله روحهما في دار التهاني، كان قد تاقت نفسه للتبرك بموضع مولد مولانا رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- بعد أن طُمس وَحِيْلَ إلى مدرسة تحفيظ القرآن!، فاضطُر الملا رمضان وَهو من هو في علو كعبه إلى أن يلتحق بمدرسة التحفيظ!! ثم دخل المدرسة وَجعل يتبرك بالمكان وَيمسح بجبينه جدران المكان خاشعاً مستشعراً عظمة المكان بعظمة المولود فيه فما أشقاهم وَأعنَتهم! أليس عاراً وَشناراً على أهل الشنار أن ينصف رسولنا الكريم أمثال الفيلسوف الهندوسي رام كريشنا راو، الذي أفرده في كتابه (النبي محمد) وَالفيزيائي الفلكي الأميركي مايكل هارت، الذي ربّع رسولنا الكريم على عرش الخالدين المئة في التاريخ، على الرغم من أن مايكل هارت كما وصف نفسه بأنه عنصري يؤمن بتفوق البيض الأُورُوبيين، أن يؤثّر المقام الجليل لرسولنا العظيم في قامة الفيلسوف السوفيتي السامقة ليو تولستوي وَالفيلسوف الفنان الانطباعي الايرلندي الشهير جورج برناردشو، وَالمفكر السوري الباذخ ميشيل عفلق وَغيرهم يستعصون على الحصر، ثم نجد مشيخة من أمتنا يضِنّون علينا بإحيائنا ذكرى ميلاده التي هي واقعاً ذكرى ميلاد الإسلام، بل يضنون عليه بأي مديح يتصاغر أمام مديح الله له بقوله جل ذكره: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} فهو السّراج المنير يقيناً بيقين القرآن الكريم، وَهو الذي اعتلى الخُلُق العظيم رفعة وَمجداً، وَعندما نجد أنفسنا نتصاغر عن استغراق وصفه نلوذ بالصّمت عندما يتّسع المعنى لتضيق العبارة وَكما قال البوصيريّ في بردته الشهيرة:

فَـإنَّ فضل رسول الله ليس له.. حَــدٌّ فيعـرب عنـه ناطق بفمِ

إن رتبة النبوة أعلى من الشهادة وَالصّديقية وَلا ريبة أَو مثنوية في هذا، وَكم نحتفي بشهدائنا الذين عنونوا بتضحياتهم لحياة عزيزة وَكانوا أكرم من في الدنيا وَأنبل بني البشر، فمن الطبيعي بل الأدعى وَالأحرى حفاوتنا بمن كُـلّ شهداء الحقّ وَسفراء العدل إلى دار الكرامة كلّهم في صحيفة وَميزان سيد ولد آدم صلوات الله وَسلامه عليه وَعلى آله.

إننا في يمن الإيمان وَالعزة لا نعبأ بمن غلبت عليه شقوته وَيريد أن يُرينا ما يرى وَيُقحّمنا طروحاته الفجّة، وَحسبهم هذا التفاوت بيننا، عندما تشرئب نفوسنا وَتتوق إلى ميلاد الهدى وَانبلاج ظلام الجاهلية بمولده الميمون بأبي هو وَأُمّي، وَلله الحمد أثلجت اليمن صدور قوم مؤمنين محبين لرسولهم الكريم فأشادوا بفرادة نموذجنا اليمني في إحيَاء هذه الذكرى الاستثناء.

إن الذي علينا وَنحن نحتفي بميلاد أنوار الهدى، أن نخلفه وَنتمثّله وَلو بقدر القطرة إلى البحر وَحصى الخذف إلى الجبل وَكما قال وليّ المؤمنين وَمعجزته البشرية الكبرى عليه السلام كما جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد في المجلد 9-ص233: (… فما أعظم مِنّة الله عندنا حين أنعم علينا به سلفاً نتبعه، وَقائداً نطأ عقبه…)، وَإن أصدق أمارات الحب الاتباع، فَـإنَّ المحب لمن يحب مطيع.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com