نص خطاب السيد عبدالملك بدر الدرين الحوثي في ذكرى استشهاد الإمام زيد عليه السلام 1443هـ – 2021م

 

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.

وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَاتُ، الحَاضِرُوْنَ جميعاً:

السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

وعظَّم اللهُ لنا ولكم الأجرَ، وأحسنَ لنا ولكم العَزَاءَ، في ذكرى مُصابِ الإمَـام الشهيدِ السعيدِ، زيد بن الإمَـام زين العابدين علي بن الإمَـام الحسين، سبط رسول الله “صلى الله وسلم عليه وعلى آله”.

في هذهِ المناسبةِ الأليمةِ في شقها الأليم، وفي جانبها الأليم، وفي هذه المناسبة التي هي ذكرى عظيمة، لثورةٍ ونهضةٍ عظيمة، لعلمٍ عظيمٍ من أعلام الهدى، ورمزٍ عظيمٍ من رموز الأُمَّــة الإسلامية، نستلهمُ من هذه الحادثة ومن هذه الذكرى الدروسَ والعبِرَ، وَأَيْـضاً نستفيدُ منها كمحطةٍ تعبويةٍ وتوعويةٍ نتزود منها العزم، وقوة الإرادَة، وشحذ الهمم، بالإضافة إلى أنها ذكرى مهمة لإيقاظ كُـلّ الغافلين، وكل المقصِّرين، وكل المتنصِّلين عن المسؤولية؛ لمراجعة حساباتهم، وللتدقيق في خياراتهم الخاطئة والخاسرة.

هذه المناسبةُ -أيضاً- هي ذات أهميّة كبيرةٍ؛ لأَنَّها تربطنا وتذكِّرنا بنهضةٍ مباركةٍ، امتدت آثارُها وبركاتُها إلى يوم الناس هذا، نهضةُ الإمَـام الشهيد زيد بن عليٍّ “عليهما السلام” هي امتدادٌ لنهضة جده الحسين “عَلَيْــهِ السَّـلَامُ”، وهي أعطت للحق امتداداً واستمراريةً، لا تزال هذه الاستمرارية بركاتها حاضرة في أمتنا اليوم، وبركاتها قائمةٌ في واقعنا اليوم، فبهذه البركة بقي للحق صوته، وبقي له امتداده.

كما أنها كانت ثورةً لإنقاذ الأُمَّــة كُـلّ الأُمَّــة، الإمَـام الحسين “عَلَيْــهِ السَّـلَامُ”، رموز الهدى، وأعلام الهداية من آل بيت رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، كانت حركتُهم؛ مِن أجلِ الأُمَّــة كُـلّ الأُمَّــة؛ لإنقاذ الأُمَّــة، بدءاً من إنقاذها من الطغيان الأموي، والتسلط الأموي، الذي سام الأُمَّــة سوء العذاب، واضطهد الأُمَّــة، واستعبد الأُمَّــة، وأذل الأُمَّــة، وقهر الأُمَّــة، واستهدفها في دينها: تحريفاً، وإدغالاً، وإفساداً، واستهدفها في قيمها ومبادئها، وعمد إلى قهرها وإذلالها، وظلمها بكل أنواع الظلم.

 

البصيرة ثم الجهاد.. عنوانُ نهضة الإمَـام زيد عَلَيْــهِ السَّـلَامُ

فالإمَـامُ زيدٌ “عَلَيْــهِ السَّـلَامُ” بما يعنيه لنا كرمزٍ عظيمٍ من رموز الأُمَّــة الإسلامية، تعترفُ كُـلُّ الأُمَّــة بمختلف اتّجاهاتها، وتياراتها، ومذاهبها، بعظيم شأنه، وعلو مقامه، وبدوره الكبير في هذه الأُمَّــة، وما عمله؛ مِن أجلِ هذه الأُمَّــة لتصحيح مسارها، ضمن حركته بالإسلام الأصيل، في مبادئه، وقيمه، وأخلاقه، كما هو أَيْـضاً سليل بيت النبوة، وحليف القرآن، هذا الاسم الذي عُرِفَ به، والذي كان عنواناً لحركته ونهضته وجهاده، حليف القرآن بما يعنيه، من اهتدائه بالقرآن، من تأثره بالقرآن، من حركته بالقرآن، من سعيه لهداية الأُمَّــة بالقرآن، فكانت كُـلُّ مضامين حركته قرآنيةً، وهو يهدي، وهو يعلم، وهو يرشد، وهو يجاهد، وهو ثائرٌ لإنقاذ هذه الأُمَّــة، حتى في خياراته، كانت كُـلّ خياراته وقراراته قرآنية، استمدها من القرآن الكريم.

وعندما تحَرَّكَ ونهض في أوساط هذه الأُمَّــة؛ لإنقاذها، ودفع الظلم عنها، وتخليصها من براثن الطغيان الأموي، رفع عنواناً عظيماً ومهماً، هو عنوانٌ قرآنيُّ، هو عندما قال: ((البصيرة البصيرة، ثم الجهاد))، هذا العنوان الذي تحتاج الأُمَّــة إليه اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، كانت الأُمَّــة بحاجةٍ إليه في كُـلّ مرحلةٍ من مراحل تاريخها، ولكنها اليوم أحوج إلى هذا العنوان المهم والعظيم.

الأمةُ، وهي تواجهُ طغيانَ الطغاة في كُـلِّ مراحل تاريخها، هي تواجهُ حملاتهم التضليلية، التي يستهدفونها بها في المقدمة، لتكون هي الوسيلة للسيطرة على الأُمَّــة، ولاستعباد الأُمَّــة، ففي مواجهة حملات التضليل، التي تكون هي الوسيلة الرئيسية والأولى للسيطرة على الأُمَّــة، تحتاج الأُمَّــة إلى البصيرة، إلى الوعي، الوعي الكبير، البصيرة التي تحتاج إليها الأُمَّــة في معرفة الواقع، في تشخيص الحقائق، تحتاج الأُمَّــة إليها في تحديد الخيارات، وبالذات في المراحل المصيرية، والمراحل الخطرة، في الأوقات والمنعطفات الخطيرة على هذه الأُمَّــة؛ لكي تكونَ خياراتُها، وقراراتُها، ومواقفُها، محسوبةً بمعيار القرآن الكريم، بمعيار الحق، بمعيار المصلحة الحقيقية للأُمَّـة، تحتاج إلى البصيرة، وإلا فقد يتخذُ الكثير من القرارات، ويحسمون الخيارات، على نحوٍ خاطئٍ وكارثيٍّ، يَجُرُّ عليهم الخزيَ والهوانَ في الدنيا، والعذابَ في الآخرة.

ولذلك تحتاجُ الأُمَّــةُ دائماً إلى البصيرةِ، البصيرة أَيْـضاً في تحديد الأولويات، البصيرة أَيْـضاً في مواجهة حملات التشويش، التي تستهدف الأُمَّــة عندما تتحَرّك في الاتّجاه الصحيح، فيأتي الكثير من هنا وهناك ليشوش عليها، في خياراتها، وقراراتها، ومواقفها المسؤولة.

لأهميّة البصيرة، ولأهميّة الوعي، يقول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” عن كتابه القرآن الكريم، وعن آياته المباركة في القرآن الكريم: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا}[الأنعام: من الآية104]، القرآن بكله، وهو نورٌ من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، يُخرِجُنا من كُـلِّ الظلمات، هو بصائرُ، بصائرُ نبصِرُ بها الحقائق، بصائرُ نستطيعُ على ضوئها أن نحدّدَ لأنفسنا المواقفَ الصحيحة، التي نضمنُ صحتَها، نثقُ بأنها هي تمثِّلُ فعلاً الموقفَ السليمَ، الصحيحَ، الحق، الذي هو لمصلحتنا بكل ما تعنيه الكلمة، فيه نجاتنا، فيه فلاحنا، فيه عزنا في الدنيا والآخرة، {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ}: آياتٌ من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”.

ولذلك الإمَـامُ زيدٌ “عَلَيْــهِ السَّـلَامُ”، وهو حليفُ القرآن، كان يعي جيِّدًا أن القرآنَ بصائرُ، أن ثمرةَ الارتباط بالقرآن، والاهتداء بالقرآن: أن نكون على مستوًى عالٍ من الوعي، من الفهم، من الإدراك الصحيح للواقع من حولنا، من المقدرة على اتِّخاذ القرارات الصحيحة، وحسم الخيارات الصحيحة، والاتّجاهات الصائبة.

اللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” يقول أَيْـضاً عن القرآن الكريم: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[الجاثية: الآية20]، فالقرآنُ الكريم هو بصائر، نكتسب منه الوعيَ على مستوى عالٍ، في مواجهة كُـلّ حملات التضليل، التي يتحَرّك بها الطغاة في كُـلّ زمن، وفي كُـلّ عصر.

واليوم ونحن نواجه الطغيان الأمريكي والإسرائيلي، وبكل من يدور في فلكه، نحن نواجه هذا الطغيان بالبصيرة ابتداءً، ثم بالجهاد ثانياً، البصيرة التي نستمدها من كتاب الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، البصيرة التي نستمدها من ثقافتنا القرآنية، البصيرة التي نكتسبها من الإدراك الصحيح للواقع من حولنا، ونحن نشاهد المصاديق والشواهد للآيات القرآنية جليةً أمام أعيننا، في كُـلّ ما يواجهنا في ساحتنا الإقليمية والمحلية، البصيرة التي نحتاج إليها في هذا الزمن، ونحن في مرحلةٍ لا تقل خطورةً عن تلك المرحلة التي نادى فيها الإمَـام زيد بهذا العنوان المهم: ((البصيرة البصيرة، ثم الجهاد))، فنحن نتحَرّك بهذه البصيرة، وننادي بها في أوساط شعبنا، وفي أوساط أمتنا، من إدراكٍ عميقٍ بما تعنيه هذه المسألة، وبأهميتها القصوى.

 

لا بديلَ عن البصيرة إلا العمى

نحن نرى الآخرين، الذين لم يكونوا على بصيرةٍ من أمرهم، تجاه هذه المرحلة، بكل ما فيها من أحداث ووقائع، وبكل ما فيها من تحدياتٍ ومخاطرَ، البديلُ عن البصيرة هو العمى، واللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” عندما قال في القرآن الكريم: {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا}[الأنعام: من الآية104]، البديل عن البصيرة هو عمى القلوب، الذي هو الأخطرُ بكثيرٍ من أن تكونَ مكفوفاً، لا تدركُ ببصيرة العين؛ ولذلك يقول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” في القرآن الكريم: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: من الآية46]، نحن نرى من لا بصيرة لديهم، وهم يعيشون حالة العمى بكل ما تعنيه الكلمة، العمى الذي يحجبهم عن إدراك الحقائق الكبيرة، الحقائق الجلية، الحقائق الواضحة.

فبمثل ما كان الطغيان الأموي مسألةً واضحة، لا التباس فيها، مستهيناً بكل المقدسات الإسلامية، الطغيان الأموي الذي دمّـر الكعبة، والذي دمّـر واستباح المدينة، والذي قتل عترة رسول الله، الطغيان الأموي الذي كان يُسَبُّ رسولُ الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في محضر ملوكهم وزعمائهم، فلا يبالون، ولا يغضبون، ولا يستنكرون، بل يستنكرون على من ينبري للدفاع عن رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، الطغيان الأموي الذي كان واضحًا في استعباده للأُمَّـة، وإذلاله للأُمَّـة، وتضليله للأُمَّـة، وتحريفه لمفاهيم الدين، وكان واضحًا في نهبه لثروات الأُمَّــة، كان مسألةً واضحةً آنذاك، لكن في مثل حالات العمى، وفقدان البصيرة، وفقدان الوعي، يمكن للإنسان ألَّا يبالي تجاه ذلك كله، يمكن للإنسان أن يتأثر بالكثير والكثير من التضليل الذي يبرّر كُـلّ ذلك، مهما كان سوؤه وبشاعته، ووحشيته وإجرامه.

 

بين الطغيان الأموي والطغيان الأمريكي والإسرائيلي!

كذلك في زمننا هذا لا يَقِلُّ الطغيان الأمريكي والإسرائيلي، ومن يدور في فلكه من المنافقين، من المنتمين إلى هذه الأُمَّــة، لا يَقِلُّ عن الطغيان الأموي، لا فيما يشكِّلُه على هذه الأُمَّــة من تهديد في دينها، وهو يُحَرِّفُ مفاهيمَ دينها، وتعاليمَ دينها، ومبادئَ دينها، ولا في واقع حياتها، فيما يشكله من تهديدٍ لها في أمنها، وسلمها، واستقرارها، واقتصادها، وحريتها، واستقلالها، وكرامتها.

نحن نرى بوضوح أن الطغيانَ الأمريكي والإسرائيلي يستهدفُ أمتنا قتلاً وتنكيلاً بكل الأشكال، ما كان بشكلٍ مباشر، وما كان من خلال الأدوات، التي يشغلها ويستغلها في استهداف هذه الأُمَّــة.

يستهدفُ أُمَّتَنا في حريتها، واستقلالها، وكرامتها، وعزتها، واقتصادها، وثرواتها، يستهدفها بكل أشكال الظلم، وأنواع الاستهداف، ومسألته مسألةٌ واضحة، ليس هناك من أي شك في باطل أمريكا، وفي باطل إسرائيل، ولا التباس في ذلك، ولا التباس في أنها تستهدف أمتنا، وأن ساحتنا هي ساحة يخوضون فيها معركةً واضحةً ضد هذه الأُمَّــة في كُـلّ المجالات.

ومع ذلك -أيضاً- لا لبسَ فيما يقوم به عملاؤهم، وفي ارتباطهم بهم، هل هناك التباس في مدى ارتباط النظام السعوديّ بأمريكا، وولائه لأمريكا، وعلاقته بإسرائيل، وتحالفه مع أمريكا وإسرائيل؟! هذه مسألة معلنة، صريحة، واضحة، معترفٌ بها، لا يجادلون فيها، لا ينكرونها، هم يفتخرون بذلك، هم يتباهون بذلك، هم يعلنون ذلك، ولا فيما يفعله النظام الإماراتي كذلك، ولا من ينحو ويحذو حذوهم، مسألة واضحة لا التباس فيها.

لا التباسَ في أن كُـلّ ما يفعلونه في منطقتنا العربية والإسلامية، هو في هذا الإطار: في إطار تحالفهم مع أمريكا، في إطار علاقتهم بإسرائيل، في إطار تحالفاتهم مع أعداء الأُمَّــة، ما يفعلونه هم والتكفيريون معهم، سواءً في عدوانهم علينا في اليمن، سواءً فيما فعلوه في العراق، فيما فعلوه في سوريا، في عدائهم للجمهورية الإسلامية في إيران، في مؤامراتهم الشديدة والكثيرة والمتوالية على لبنان، فيما يفعلونه بشعب البحرين، في مؤامراتهم على شعوب هذه الأُمَّــة بكلها، وهم يزرعون الفتنة بكل أشكالها، ويثيرون الفرقة بين أبناء الأُمَّــة تحت مختلف العناوين، ويشتغلون لتوظيف كُـلّ الأزمات، وكل النزاعات، وكل الصراعات، لما يخدم أمريكا وإسرائيل، هذه أمورٌ واضحة، أمورٌ جلية لا لبس فيها.

عندما بدأ هذا العدوان على شعبنا، وإلى اليوم وهو يرتكب أبشع الجرائم: جرائم القتل الجماعية، الجرائم التي اعترف كُـلّ العالم بأنها جرائم بشعة، لم يستطع حتى أعداء الأُمَّــة، لم يستطع حتى الأمريكي، وحتى الأُورُوبيون، وحتى من ليسوا من أبناء هذه الأُمَّــة، لم يستطيعوا أن يغطّوا عليها، اعترف كُـلُّ العالم بأنها جرائمُ وحشيةٌ وبشعة جِـدًّا، وأُدرِجَت على أَسَاسها مراراً وتكراراً قوى العدوان وتحالف العدوان في مختلف القوائم، وقيل عنهم مختلف ما يقال عن المجرمين والظالمين والمفسدين، مع ذلك، مع وضوح هذه الجرائم، مع وضوح أهدافهم حتى من العدوان على بلدنا، ومع عدم الالتباس، لكن يمكن لمن يفقد البصيرة، لمن هو أعمى القلب، أن يتجاهل كُـلّ هذه الحقائق، وأن يتظاهر بالالتباس، وأن يتأثر بكل العناوين الأُخرى، التي ترفع إمَّا للتضليل، وإمَّا للتبرير، وإمَّا للتشويش، يمكنه أن يتأثر بها بكل بساطة.

 

بصيرةٌ وجهاد.. الخيارُ الصحيحُ والموقفُ الحق

لا التباسَ أبداً في أنَّ موقف شعبنا، وأنَّ مواقف شعوب أمتنا، وهي تتصدى للطغيان الأمريكي والإسرائيلي، وتتصدى للفتن والمؤامرات التي ينفِّذها عملاء أمريكا وإسرائيل، أنَّ هذا التصدي، وأنَّ هذا التحَرّك بالوعي والبصيرة والجهاد، هو الموقف الحق، هو الخيار الصحيح، الذي ينسجمُ مع القرآن الكريم، ينسجم مع انتمائنا للإسلام، ينسجم مع مصلحتنا الحقيقية، لأَنْ نكونَ أُمَّـة حرةً مستقلة، وأن نكون أَيْـضاً شعباً حراً مستقلاً عزيزاً، المسألة -أيضاً- واضحة لا التباس فيها.

ومع ذلك نجد من لديهم خيارات أُخرى: خيارات الانضمام في صف الموالين لأمريكا وإسرائيل، والتحالف معهم، والتعاون معهم، أَو خيار الاستسلام، والخضوع، والخنوع، والسكوت، خيارات كلها لا تبنى على بصيرة، لا تبنى على وعي، لا تنطلق من مسؤولية، لا تنسجم مع الضمير الإنساني، ولا مع الانتماء الإيماني، ولا مع القيم، ولا مع الأخلاق، ولا مع العزة، ولا مع الكرامة، خيارات خاطئة بكل ما تعنيه الكلمة.

كما ردّد الإمَـامُ الشهيدُ زيد بن عليٍّ “عَلَيْــهِ السَّـلَامُ”، ببصيرته العالية، بإحساسه العالي بالمسؤولية، قولته الشهيرة، ومقولته العظيمة، يوم برّر الآخرون سكوتهم؛ لأَنَّهم فقدوا البصيرة، فقال كلمته العظيمة الشهيرة: ((واللهِ ما يدعني كتابُ الله أن أسكت))، ((كيف أسكت وقد خُوْلِفَ كتابُ الله، وَتُحُوكِمَ إلى الجِبْتِ والطاغوت)).

نحن اليوم ببصيرتنا كشعبٍ يمني، بإيماننا، بجهادنا، بهُــوِيَّتنا الإيمانية، نقول لكل أصحاب الخيارات الأُخرى: خيارات الاستسلام، والخنوع، والخضوع للأعداء، وخيارات الولاء للأعداء، والانضمام في صف أعداء الأُمَّــة، نقول لهم: لا يمكن أن نسكُتَ، واللهِ ما يدعُنا كتابُ الله أن نسكُتَ! كيف نسكت في مواجهة الطغيان الأمريكي والإسرائيلي؟! كيف نسكت وأمتنا تستباح؟! كيف نسكت وشعوب أمتنا تظلم، من فلسطين، إلى اليمن، إلى لبنان، إلى سوريا، إلى العراق، إلى البحرين… إلى مختلف شعوب أمتنا الإسلامية؟! كيف نسكت وشعبنا يعتدى عليه، ويقتل أبناؤه، وتحتل أرضه، ويستباح عرضه، ويحاصر ويجوَّع؟! لا يجوز أن نسكت، لا يدعنا كتاب الله أن نسكت.

كتاب الله الذي يقول لنا: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: من الآية194]، كتاب الله الذي يقول لنا: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأموالكُمْ وَأنفسكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ}[التوبة: من الآية41]، كتاب الله الذي يقول لنا: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ}[التوبة: الآية14]، كتاب الله الذي يقول لنا: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئك مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى: الآية41]، كتاب الله الذي يقول لنا: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: من الآية8].

لا يدعُنا كتابُ الله أن نسكُتَ، نحن حسمنا خيارنا، واتخذنا قرارنا، وحدّدنا موقفنا ببصيرة، وعلى بصيرة، البصيرة التي نستشفها، ونستهديها، ونقتبسها، ونأخذها من كتاب الله تعالى، ومن إدراكنا السليم لهذا الواقع الذي نعيشه.

 

نحن نعي حقيقةَ المعركة وخطورةَ التفريط

ومعلومٌ لدينا -مهما كانت العناوين والذرائع- ما يريده الآخرون، على مستوى العدوان على بلدنا، رفعت عناوين لتبرير هذا العدوان، ولكن عندما دخل الأعداء إلى المهرة؛ ليجعلوا فيها قاعدةً عسكريةً أمريكيةً بريطانية، وأتى السعوديُّ والإماراتي إلى المهرة، إلى حضرموت، إلى سقطرة، إلى ميُّون، ونرى التراتبية في العمالة، وطبيعة الأدوار في هذا العدوان، لنرى الذين هم من أبناء البلد، وخانوا وطنهم، وخانوا شعبهم، وخانوا أمتهم، ليسوا سوى أدوات رخيصة، يقدمونهم هم في المعارك؛ ليكونوا هم من يُقتَل، ومن يُجرَح، ومن يَخسَر، ومن يضحي بنفسه ويفدي بنفسه المحتلّ الأجنبي، وليأتي من خلفهم السعوديّ والإماراتي، ومن خلف السعوديّ والإماراتي يأتي الأمريكي، ويأتي البريطاني، سواءً في قاعدة الريان بحضرموت، أَو في القاعدة في الغيضة في المهرة، أَو في سقطرة، أَو في ميُّون، ليأتي من خلف أُولئك؛ لأَنَّهم ليسوا سوى مُجَـرّد أدوات، الهدف من كُـلّ ما يفعلونه وما يقدمونه هو تمكينه هو.

ولهذا نحن نعي حقيقةَ هذه المعركة، ونعي خطورةَ التفريط فيها، وأننا لو فرَّطنا فيها؛ لكانت القواعدُ العسكرية للأمريكيين والبريطانيين والإسرائيليين في وسط صنعاء، ولكانت في مختلف بلدنا، في كُـلّ المناطق الاستراتيجية من هذا البلد، ولأذلوا شعبنا، ولأهانوا وقهروا شعبنا، ولما بقي لنا لا كرامة، ولا حرية، ولا استقلال.

ولكننا نرى اليوم كم أننا نعيشُ العزة، ونُجسِّدُ الحريةَ موقفاً صادقاً، وموقفاً حراً، وموقفاً قوياً، هذه الروح الثورية، وهذا التحَرّك الصادق، هو الذي سيصل بنا إلى النتيجة الحتمية التي وعدنا الله بها، وهي: النصر، والله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى” لن يخلف وعده، هو القائل: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: من الآية7].

بهذه الروح الثورية والجهادية، وبهذه البصيرة، سنحرّرُ كُـلَّ بلدنا، ونستعيدُ كُـلَّ المناطق، التي احتلها الأعداء؛ مِن أجلِ أن يخضعوها للأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، وسنكون حاضرين للتكامل مع كُـلّ أحرار أمتنا في كُـلّ قضايا أمتنا الكبرى، وسنضمن لبلدنا أن يكون حراً مستقلاً، لا يخضعُ لأي احتلال من أي عدوٍّ خارجي، ولا يخضع لأية وصاية، لا تحت البند السابع، ولا تحت البند التاسع، ولا تحت أي بندٍ من البنود التي تكتب بأقلام الجائرين، وبإملاءات الطغاة والمستكبرين.

بهذه الروح الثورية والجهادية، وبهذه البصيرة، لا يمكنُ أن نُستذَلَّ، ولا أن نُضامَ، ولا أن نُقهَرَ، ولا أن نداس، ولا أن نخضع للتبعية لأعدائنا من الكافرين والمنافقين.

بهذه الروحِ الثوريةِ والجهادية والبصيرة لن نكون شحاتين على أبوابِ أمراء آل سعود، ولا آل نهيان… ولا أي أحد في هذا العالم، سنكونُ شعباً حراً، كريماً، عزيزاً، وسنواصلُ مشوارَنا في التصدي للعدوان على بلدنا، وفي نُصرة أمتنا في قضاياها الكبرى، لا نتراجعَ أبداً؛ لأَنَّنا اتخذنا قرارَنا ببصيرة، وعلى بصيرةٍ، والخزيُ والذُّلُّ والهوانُ والعارُ على المستسلمين، واليائسين، والخانعين، والمتنصِّلين عن المسؤولية، والعزة للمؤمنين، والعاقبة للمتقين.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com