البريطانيون هم الداعم الأبرز لانفصال اليمن والقبض على خلية تجسس بصنعاء خطوةٌ جريئة وإنجاز سياسي وأمني كبير

أكاديميون وسياسيون وإعلاميون لصحيفة “المسيرة”:

 

المسيرة| محمد ناصر حتروش

حاكمت صنعاءُ مؤخّراً خليةَ تجسس بريطانية، وهو ما أثارَ الكثيرَ من التساؤلات حول الدور البريطاني في مسار العدوان على بلادنا، وما هي مصالح لندن في ذلك؟

وعلى الرغم من أن بريطانيا تدَّعي عدمَ مشاركتها في العدوان على بلادنا، إلَّا أن بصمات كثيرة تؤكّـد تورطها، منها بيع الأسلحة للعدو السعودي، والإمساك بالملف اليمني في مجلس الأمن الدولي، وغيرها.

وكان جهازُ الأمن والاستخبارات قد تمكّن الأسبوع الماضي -بعون الله وفضله- من القبض على عدد من الأفراد في خلية تجسسية تابعة لبريطانيا، مكونة من ستة أشخاص تم تجنيدهم وتأهيلهم وتدريبيهم من قبل الجهاز الاستخباراتي البريطاني في مختلف المحافظات اليمنية، فضلًا عن تجهيزهم وتزويدهم بوسائل الاتصال والتواصل والبرامج والتطبيقات الفنية المتطورة في مجال الرصد والتعقب وتحديد المواقع وتأكيد ورفع المعلومات والإحداثيات التي عملوا من خلالها على المساس بالأمن الوطني القومي للبلد خدمة لبريطانيا.

ويرى الناشط السياسي عبد العزيز أبو طالب أن الشعبَ اليمني لم يتفاجأ بوجود التدخل والمشاركة البريطانية في العدوان عليه والحصار الخانق وتزويد النظامين السعودي والإماراتي بالسلاح والقنابل الفتّاكة والمحرّمة التي يقتل بها أطفال اليمن وتدمّـر منازلهم؛ بسَببِها.

ويبيّن أبو طالب أن الشعبَ اليمني مر بتجربة مريرة مع الاحتلال والمؤامرات بحق الشعب اليمني بل والأمة الإسلامية كلها، مؤكّـداً أن بريطانيا هي العدوُّ التاريخي للأُمَّـة العربية والمسلمة ومصدرُ نكبات العرب والمسلمين، وأنها جاءت محتلّةً للبلدان العربية والإسلامية ونهبت ثرواتها ونشرت الجهل والفقر والتخلف فيما سمي بالاستعمار.

ويستذكر أبو طالب مؤامراتِ سايكس بيكو التي اقتسم بموجبها البريطانيون والفرنسيون البلادَ العربية، وَأنها صاحبة وعد بلفور المشؤوم الذي أعطى اليهود الحق في اغتصاب فلسطين العربية ومن قام باحتلال فلسطين والسماح لليهود بالهجرة إلى الأراضي الفلسطينية، منوِّهًا إلى أن بريطانيا زودت إسرائيل بالسلاح لتكوين عصابات إجرامية قامت بارتكاب المجازر الشهيرة بحق المواطنين العزل في بلدات وقرى فلسطين، مذكراً أنه حينما توجّـهت الجيوشُ والشعوب العربية لمحاربة تلك العصابات قامت ببيع سلاح “فاشل” يقتل العربي المقاوم بدلا عن أن يقتل الصهيوني، ثم ساندت قيام الكيان الصهيوني.

ويقول أبو طالب: بريطانيا هي من أسست ممالك الخليج كدول وظيفية تقوم بمهام لصالحها وتلتزم بدفع الأموال على الدوام مقابل الحماية، مُضيفاً هذا ما تقوم به دول الخليج دون حياء ولا خجل ولا اعتبار للسيادة والاستقلال.

ويشير إلى أنه وخلال ست سنوات يقوم النظامان السعودي والإماراتي ومعهم بقية دول الخليج (ما عدا سلطنة عُمان) بشن العدوان على الشعب اليمني ومحاصرته وقتل أبنائه والتسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، لافتاً إلى أن كُـلّ ذلك يحدث بمباركة ودعم بريطاني متعدد كالتسليح وَالاستخبارات وَالدعم اللوجيستي وتأجير الأقمار الصناعية، كما يؤكّـد أنه أُعلن أكثر من مرة عن وجود خبراء وجنود على الأرض في جبهات القتال لمساندة العدوّ السعودي والإماراتي ضد الشعب اليمني، موضحًا أنه بعد إعلان الولايات المتحدة تعليق بيع السلاح للسعودية والإمارات أصرت لندن على مواصلة إجرامها وبيع الأسلحة لقتل اليمنيين دون اعتبار للقوانين الدولية أَو الإنسانية أَو حتى مطالبات منظمات بريطانية ودولية لوقف تسليح دول العدوان.

ويواصل أبو طالب قائلاً: من يتتبع تصريحاتِ السفير البريطاني في اليمن أَو وزير الخارجية البريطاني يلمس مقدار العداء الذي يكنُّه أُولئك تجاه الشعب اليمني الذي رفض الوصاية من أشقائه، مُشيراً إلى أن تصريحات السفير البريطاني توحي برغبة بريطانية في العودة إلى الجنوب وخَاصَّة إلى عدن التي غادرتها وهي مجبرة ومكرهة وأنها ما زالت تحُنُّ للعودة إليها محتلّة وأنها حَـاليًّا تستخدم طريقة جديدة في الاحتلال وذلك من خلال أدواتها الرخيصة دول العدوان.

إن الرغبة البريطانية في السيطرة على السواحل اليمنية لم تتوقف يوماً وخَاصَّة ساحل البحر الأحمر -كما يقول أبو طالب-، موضحًا أن عمليات بريطانيا العدائية قبل مِئة عام في البحر الأحمر تجسد مدى أهميّة المنطقة جغرافياً واستراتيجياً ومدى رغبة الغرب عُمُـومًا في السيطرة عليها.

ويأتي النشاط الاستخباري البريطاني كدليل على فشل القوة العسكرية التي يقودها الأمريكيون والبريطانيون من خلف الشاشات في غرفة قيادة العمليات العسكرية العدائية في الرياض ضد الشعب اليمني الذي عزم على المقاومة والصبر وإفشال كُـلّ المؤامرات بحقه -حسب ما يفيده أبو طالب-.

ويوضح أبو طالب أن بريطانيا لجأت إلى أساليبها القذرة المتمثلة في تحريك عملائها والجواسيس على الأرض لجمع المعلومات والقيام بأعمال تخريبية ضد الوطن، موضحًا أن العيون اليقظة والمتنبهة دوماً لكل مؤامرات العدوّ ألقت القبض على تلك العناصر العميلة والخائنة، وأن اليد اليمنية التي امتدت لتلطم وجه السعودي والإماراتي وصلت إلى وجه البريطاني المتستر خلف القناع، وأن اليد البريطانية التي وصلت إلى اليمن ستُقطع وتُقطع قبلها الأيادي الخائنة والقفازات الخليجية أَيْـضاً.

 

البريطانيون.. خبراء لأمريكا

بدوره، يؤكّـد دكتور الفلسفة بجامعة صنعاء، أحمد الصعدي، أن بريطانيا كانت من أكثر الدول الاستعمارية الغربية نفوذاً في اليمن منذ أن وطأت أقدام جنودها عدن في 19 يناير 1839 إلى أن غادرها آخر جندي محتلّ في 30 نوفمبر 1967.

ويجزم الصعدي أنه وبعد الحرب العالمية الثانية، بدأ النفوذ الأمريكي يحتل مكانة بريطانيا في منطقتنا بالتدرج وأن بريطانيا لم تتخل نهائيا عن أطماعها وعن إرثها الاستعماري، مُشيراً إلى أن بريطانيا تتميز بمعرفتها الجيدة بشؤون اليمن وبمجتمعه وتاريخه وأوضاعه المعاصرة وأنها توظف خبرتها وصداقاتها القديمة لتحقيق مصالحها، وأن بريطانيا تعمل في الوقت نفسه مرشداً وخبيراً للأمريكيين في الساحل الغربي على سبيل المثال، حَيثُ كانت تحتل الحديدة في بداية عشرينيات القرن الماضي، وكانت حاضرةً بقوة إلى جانب ابن سعود في حربه على اليمن عام 1934، مستذكراً مراسلات القنصل السعودي في جدة إلى الحاكم البريطاني لعدن بصورة مباشرة إلى مصلحة بريطانيا في انتصار ابن سعود على الإمام يحيى.

ويحكي الصعدي أن إحدى رسائله تؤكّـد أن سيطرة ابن سعود على عسير تعني أن جزر فرسان ستؤول إليه وأنها ستكون تحت تصرفنا.

ويرى الصعدي أن أطماع بريطانيا ومصالحها في اليمن متعددة ولا تقتصر على ثروات اليمن وموانئه، بل تمتد إلى محاولة الظهور بمظهر الخبير الذي لا تستطيع واشنطن أن تفعل شيئاً بدونه.

وَفيما يخُصُّ الإعلانَ عن القبض على خلية مخابراتية بريطانية وتقديمها للمحاكمة يؤكّـد الصعدي أن ذلك يعد إنجازاً أمنيًّا وسياسيًّا مهماً، مؤكّـداً أن كل جواسيس الدول العظمى يسرحون ويمرحون ولا يجرؤ أحد على المس بهم، واصفاً القبضَ على الخلية بالخطوة الجريئة التي تحتاج إلى اطلاع الرأي العام ببعض تفاصيلها من خلال محاكمة الجواسيس.

 

أطماع متجددة

وخلال السنوات الماضية، كانت أعين لندن على اليمن، وتحلُمُ بالسيطرة على مقدرات بلادنا وثرواته، لتجدد استعمارها القديم.

ويقول الدكتور فتحي السقاف -رئيس المركز الوطني للرقابة وتعزيز الشفافية والنزاهة-: إن المين كان ولا يزال محطَّ أنظار كثير من الدول الطامعة في إرساء قواعد لها على البحر الأحمر والخليج العربي، ومن ثَمَّ السيطرة على المحيط الهندي، والحصول على السيطرة الاقتصادية والسياسية في تلك المنطقة، مؤكّـداً أن اليمن حَـاليًّا يشهدُ استعماراً بريطانياً جديدًا، وأن بريطانيا تؤجِّجُ قصةَ انفصال الجنوب عن الشمال، موضحًا أن وجود القوات السعودية بالمهرة يأتي وسطَ حماية أمريكية بريطانية عززتها الإدارة السابقة للولايات المتحدة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب الذي غادر البيت الأبيض مؤخّراً.

ويشير السقاف إلى أن محافظة المهرة أَو ما يُطلق عليها البوابة الشرقية لليمن والمطلة على بحر العرب بشريط ساحلي يعد الأطولَ في البلاد بطول560 كم والمحاذية لسلطنة عُمان من الشرق والسعودية من الشمال، مُشيراً إلى أن تقارير الباحثين والمختصين والخبراء تؤكّـد أن المهرة تحتضن في باطنها الثرواتِ الهائلةَ النفطية والغازية والمعدنية، فضلاً عن موقعها الجغرافي الاستراتيجي، الذي يجعلها في مرمى أطماع الدول العظمى عبر البوابة الشمالية التي يأمل قادتها في أن ينالهم شيء من القسمة ويحقّقوا أطماعاً قديمة.

ويقول السقاف: منذ قدوم القوات السعودية إلى مدينة الغيضة مركز محافظة المهرة، في نوفمبر تشرين الثاني 2017م والمحافظة تشهد حراكاً شعبياً واسعاً رافضاً للوجود العسكري للمملكة، رافعاً مبرّرات وأسباباً وصفها مراقبون بأنها واقعية ومنطقية، معتبرًا أن قوات العدوّ السعودي تنتشر بكثرة في كُـلّ مديريات الساحل المهري كُـلّ ذلك بدعم بريطاني وأمريكي كبير.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com