تجربتي مع صحيفة المسيرة

المسيرة – أنس القاضي

مثّلت صحيفةُ المسيرة محطةً هامّةً من حياتي العملية الصحفية والبحثية، كما أنها من وجهة نظري إضافةٌ نوعيةٌ إلى الصحافة اليمنية، ولا أقصد بالنوعية هنا المقارنة الفنية ما بينها وبقية الصحف اليمنية، بل أقصد بالنوعية هو أنها جاءت لتفتح المجال لخطاب سياسي ثقافي جديد في الساحة اليمنية لم يكن هناك قنوات صحفية تستوعبه.

وهو من جهة الخطاب الثقافي والسياسي القرآني الذي يمثل ثقافة قطاع واسع من الشعب اليمني بقيادة أنصار الله، والأمر الآخر هو الخطاب السياسي المعادي للولايات المتحدة الأمريكية والناقد للتجربة السياسية والحزبية اليمنية بدون أية محاذير، فعمليًّا كانت مختلفُ الصحف اليمنية في أدائها الصحفي من بعد المبادرة الخليجية إلى ما قبل ظهور صحيفة “صدى المسيرة” في 2014م، ذات سقف أدنى من الحرية والثورية، ولا تتجاوز خطوطاً معينة تعتبر ثوابت للنظام السياسي والأحزاب السياسية اليمنية التي كانت مشاركةً في حكومة “الوفاق” والتي تخلت عن تطلعات الشعب وتخلفت عن حراكه الثوري المستمر، ومن هذا الباب فقد لعبت صحيفةُ المسيرة دوراً في ثورة 21 سبتمبر 2014م ودوراً في استيعاب الخطاب الوطني الثوري الجذري.

أتذكر جيِّدًا حين تواصل معي رئيس التحرير الأُستاذ صبري الدرواني لأشارك في الكتابة في الصحيفة، في ذلك الحين كنت عضواً نشطاً في قطاع الشباب والطلاب الاشتراكي في تعز وأكثر تمسكاً بالفكر الماركسي، ووفق هذا المنهج الماركسي كنت أنشر في صحيفة الثوري التابعة للحزب، الدعوة التي جاءتني للكتابة في صحيفة المسيرة من الأخ صبري رغم معرفة المنهج الأيديولوجي الذي أكتب فيه، فاجأتني كَثيراً خَاصَّة وأن الصحيفة هي لتيار إسلامي، وقد اعتبرتُ هذه الدعوة مؤشراً على ديمقراطية أنصار الله من جهة ومن جهة أُخرى ففي نظري مثلت هذه الدعوة تجسيداً للروابط الطبقية ما بين العمال الذي يمثلهم الخطاب الماركسي والفلاحين الذي يمثله خطاب أنصار الله، هكذا فهمت الأمر يومها رغم أن الحقيقة أن الحزب لم يكن آنذاك ممثلاً صادقاً عن الطبقة العملة اليمنية، وخطاب أنصار الله لم يكن محصوراً في اهتماماته على مصالح فقراء الريف اليمني، كما مثلت هذه الدعوة مؤشراً على وحدة الحركة الوطنية اليمنية الجديدة ووحدة اهتماماتها الوطنية الثورية السيادية الاستقلالية وتطلعها للعدالة الاجتماعية من صعدة حتى تعز.

مثّلت صحيفةُ المسيرة تجربة مهمة في حياتي العملية، ففيها تعلمت التحرير الصحفي، ونشرت كتاباتي، وفيها أَيْـضاً كتبت أولى البحوث والدراسات وكانت تنشر على حلقات في ظل أفق رحب من حرية التعبير، ولم أنتقل إلى العمل في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني إلا بعد أن تصلب عودي في هذه الصحيفة، فكل الشكر للأخ صبري ولمختلف الزملاء والسلام للشهيد الزميل هلال الدرواني.

 

لتعد المسيرة للنشر الورقي

هنا يجب أن أُشير إلى الأهميّة الحاسمة لدور الصحافة في الحزب والحياة السياسية لأيِّ تنظيم، فالصحيفةُ تعمل على توحيد الروابط والاهتمامات الاجتماعية في سياسية موحدة، والصحافة تربط ما بين الكاتب والجمهور وما بين الكاتب والتنظيم السياسي وما بين الجمهور والتنظيم السياسي، أي أنها تقوم بلعب دور التعبئة والتنظيم والتوجيه والاستقطاب للجماهير.

فأنا في تعز أقصى الجنوب الغربي لليمن قبل أن أعرف أنصار الله والمسيرة القرآنية التي انطلقت من أقصى شمال اليمن عرفت صحيفة المسيرة، وعندما عرفت الصحيفةَ عرفت أنصارَ الله، فوجدت مقالات العجري وخطابات السيد وبيانات المكتب السياسي وتصريحات محمد عبد السلام وملازم الشهيد القائد ووجدت بدر الدين، وهذه الأدوار التي تقوم بها الصحافةُ هي أدوار التنظيم، والحزب الذي يعجز عن أدائها بشكل أمثل بدون أن يكون له صحيفة، إلى درجة أن لينين حين أعد كتاب “ما العمل” كسؤل طرحه الشيوعيون الروس كانت الإجَابَة الأولى قبل أي شيء قبل أي عمل تنظيمي حزبي: العمل هو أن نبني صحيفة للحزب ومسار توزيعها وإيصالها إلى العمل، فكان بناءُ الصحيفة وحركة جمع موادها وطباعتها ثم توزيعها السري ونشرها كانت هذه الحركة هي حركة تنظيمية هي حركة الحزب البلشفي، ومن هذا المنطلق أدعو إلى عودةِ صحيفة المسيرة للنشر الورقي في مناسبة ألفيتها الأولى.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com