الرؤيةُ الوطنية بين الواقع النظري والتطبيقي

 

منير الشامي

يقالُ في المَثَلِ الشعبي اليمني “المخرِّب غلب ألف عمّار”.. وهذا المَثَلُ الشعبي هو حقيقة فعلاً، فرجل واحد يستطيع أن يغلب ما ينتجه ألف مدار مهما بلغت طاقتهم وسرعة إنتاجهم دون أن يتعب ودون أن يبذل 10 % من الجهد الذي يبذله مدار واحد.

وكذلك هو حالُ الفساد في مؤسّسات الدولة، فبقاءُ مفسد واحد في موقع مسؤولية يستطيع أن يتغلب على ألف موظف نزيه ويستطيع أن يبدد جهد ألف محارب للفساد، ويستطيع أن يضيع جهود وزارة كاملة وأن يعرقل كُـلّ خطوات التصحيح والإصلاح ويبعثر كُـلّ الجهود المبذولة لمحاربة الفساد، ويستطيع أَيْـضاً أن يوقف تنفيذَ خطة الرؤية الوطنية في المؤسّسة التي يتواجد فيها ويشتت جهود تنفيذها ويخلق أمامها ألف عائق وعائق بسهولة ويسر ودون أي عناء منه، وبطرق شتى ووسائل كثيرة.

هذه الحقيقة يجب أن تكون في نصب أعين قيادتنا، وعليها أن تدرك أَيْـضاً أنها مهما اجتهدت في محاربة الفساد وفي تنفيذ الرؤية الوطنية ومهما بذلت من جهود للقضاء عليه وتسهيل تنفيذ الرؤية، فلن تستطيع تحقيق ذلك إلا عبر أُسلُـوبين فقط لا غير، وهما كما يلي:-

الأُسلُـوب الأول:- ويتمثل هذا الأُسلُـوب باتباع النهج الذي نفذه الرئيس الحمدي في التصحيح وبنفس الخطوات، وهي معروفة ومجربة وذات نتائج إيجابية سريعة، إلا أن الظروف الوطنية التي نعيشها اليوم تختلف عما كانت عليه أَيَّـام الحمدي؛ بسَببِ العدوان والحصار، ما يجعل اتّباع هذا الأُسلُـوب نوعاً من المخاطرة في ظل هذا الوضع.

الأُسلُـوب الثاني:- وهو الأُسلُـوب الذي انتهجته قيادتنا السياسية واتبعته على النحو الذي بدأ فيه الرئيس الشهيد صالح الصماد -رضوان الله عليه-، بتأسيس القاعدة الأَسَاسية اللازمة لتوفير بيئة سليمة للحد من الفساد ولتنفيذ الرؤية الوطنية.

وتأسيس القاعدة الأَسَاسية في مؤسّسات الدولة ليس بالأمر السهل ولا بالأمر الصعب، ويمكن وصفه بالأمر السهل الممتنع، فهو لا يحتاج سوى اتِّخاذ القرارات الصائبة وتوفر الإرادَة الصلبة للتنفيذ والعزيمة الصادقة وعبر الخطوات التالية:-

1- تطبق أهم المبادئ الإدارية الرامية إلى الارتقاء بالعمل المؤسّسي والدفع بالتنمية الإدارية، ومعالجة الاختلالات فيها، ومن أهم تلك المبادئ الإدارية: وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وتفعيل مبدأ تقييم الأداء بكل مكتب ومعالجة التكدس الوظيفي، ومن ثم تطبيق مبدأ الثواب والعقاب ومبدأ ربط التعيين بالأداء والكفاءة والأمانة، ومبدأ التدوير الوظيفي الدوري وغير ذلك من المبادئ الإدارية، والالتزام بمبدأ الحزم والضرب بيد من حديد ضد كُـلّ من يثبت تورطه في أية عملية فساد أَو يعيق أية خطوة ترمي إلى التصحيح أَو تحول دون تنفيذ الرؤية الوطنية في أية مؤسّسة من مؤسّسات الدولة، كائناً من كان.

2- الاستعانة بالمبادئ الإدارية التي تضمنها عهد الإمام علي -عليه السلام- إلى مالك الأشتر -رضي الله عنه-، ففيه كافة المبادئ الإدارية الحديثة والمعايير السليمة للإدارة الناجحة، وتضمن أَيْـضاً المعايير الإدارية الكفيلة بالقضاء على كافة أشكال الفساد وعلى المعالجات الإدارية التي تمنع حدوثه مستقبلاً، وهو ما عرف حديثاً بالرقابة المسبقة التي تقوم على التنبؤ بالأخطاء واتِّخاذ الإجراءات المناسبة لمنع وقوعها.

3- التوجيه بمراجعة وتعديل المنظومة القانونية المعمول بها ومعالجة أسباب الفساد المختلفة؛ باعتبَار أن منظومة الفساد ليست محصورةً في الفساد المالي أَو الفساد الإداري، فقط بل هناك أشكال أُخرى وخطيرة مثل الفساد القانوني الذي تبنى عليه منظومة الإجراءات الإدارية والمالية في مؤسّسات الدولة، ما يعني ويؤكّـد من ضرورة إلزام الحكومة بمراجعة القوانين السارية وتقديم مشاريع تعديلات بالمواد التي تشرعن الفساد وتخلق الروتين الإداري الممل وتطيل في الإجراءات، وَتخلق التضارب والازدواجية بين قانونين أَو أكثر، وتقضي على التداخل في الاختصاص بين جهة وأُخرى، وكذلك المواد التي تمثل ثغراتٍ أمام المفسدين للإفلات من المساءلة والعقاب، إضافة إلى سن القوانين التي أفرزت مجريات الأحداث ضرورتها كقانون الإيجار وغيره.

ومن المهم جِـدًّا أن لا تصدر قرارات التعيين طبقاً للوساطة أَو المحسوبية أَو وفقاً للرغبات أَو حسب المطالبين بها والراغبين والتواقين إلى المناصب والكراسي، بل من المناسب أن يتم انتقاءُ رجال المسؤولية ممن يخشون الله وحده وتتوفر فيهم المعايير الإدارية والقانونية لشغلها، ومثل هؤلاء موجودون في كُـلّ مؤسّسات الدولة إلا أنهم في الغالب مقصيون ومهمشون؛ بسَببِ مواقف سابقة لهم ضد الفساد والمخالفات أَو نتيجة لرفضهم المشاركة فيها فمثل هؤلاء يجب إلزامهم بتحمل المسؤولية إجباريًّا.

وبمعنى آخر يجب أن تنظر قيادتنا إلى قرارات التعيين كما لو كانت ولائمَ فتدعو إليها من يأباها، وتترك عنها من يريدها، فالمسؤولية أمانة والأمانة لا يؤديها إلا من يخافها ومن يخاف الأمانة فهو بلا شك يتهرّب عنها لا يطلبها؛ ولذلك فيجب على القيادة السياسية أن تبحث عن الكفاءات المؤهلة علميًّا ونفسيًّا لحمل المسؤولية، وهناك ألف طريقة وطريقة تستطيع من خلالها تحقيق ذلك.

ولها في الرئيس الشهيد صالح الصماد -رضوان الله عليه- قدوة مثلى وأسوة حسنى، حيث ضرب في هذا الصدد أعظم موقف وأصدق قرار بتوقيفة لآلاف القرارات ورفضه لها ومناقشته العلنية لها مع الحكومة وقيامة بطرح مبرّرات ذلك واقتناع الحكومة بكل ما طرح لها.

إن تنفيذَ الرؤية الوطنية كبرنامج يترجم مشروع الرئيس الشهيد صالح الصماد يتوقف بشكل جوهري على النقاط التي تحدثنا عنها سابقًا، فهذه النقاط هي القاعدة الأَسَاسية التي تمثل البيئة السليمة والمناسبة للتنفيذ، ولا يمكن أن ترى هذه الرؤية النورَ وتخرج من الواقع النظري إلى الواقع العملي إلا إذا توفرت لها هذه القاعدة الأَسَاسية؛ كون اتّباع هذا الأُسلُـوب إجباريًّا علينا.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com