المستشفى لم يعد حكراً على جهة معينة بل صار لكل الشعب وخدماته توسعت بشكل كبير

الدكتور محمد الغشم -نائب مدير مستشفى 48 الطبي- في حوار مع صحيفة “المسيرة”:

 

على مدى عقد من الزمن، ظلَّ مستشفى 48 النموذجي أحد المنشآت والقلاع الطبية الهامة التي كان يتحكم بها متنفذو النظام السابق، وظلت خدماته الصحية تنحصرُ على فئات معينة في الجيش اليمني ما يعكس التفرقة والتمييز في صفوف منتسبي القوات المسلحة، على الرغم من أن الجميعَ كانوا يتسابقون لدعمه مادياً وتجهيزه بالأثاث والمعدات الطبية الحديثة، وكان يرصد له ميزانية ضخمة من قبل وزارة المالية بالإضافة إلى المناقصات الكبرى لتوريد الأدوية من خارج البلد؛ كونه تابعا لرموز النظام السابق.

ومع ثورة 21 من سبتمبر 2014، كان مستشفى 48 النموذجي كغيره من المستشفيات والمقرات والمؤسسات التي عادت إلى حضن الدولة، فما كان قبل الثورة ليس كما بعده، وبالتالي فتح المستشفى أبوابَه بوجه الجميع عسكريين ومدنيين رجالا وإناثا صغاراً وكباراً.

وبعد مضي خمس سنوات من العدوان والحصار، صار مستشفى 48 رمزاً من رموز الصمود والثبات في وجه العدوان، وكان له الدورُ الكبير في إنقاذ حياة الآلاف من المدنيين المتضررين جراء قصف العدوان، ناهيك عن تقديم المعاينة والعلاج للمئات يومياً وبالمجان، وكذا استقبال عشرات المصابين جراء حوادث الطرق وإجراء العمليات الجراحية بشكل يومي للمتضررين.

ورغم شحة الإمكانيات وغياب الدعم وانعدام الميزانية، يعمل مستشفى 48 النموذجي حسب متطلّبات معايير الجودة العالمية, ولديه هدفُ المشاركة المجتمعية الذي يسعى إليه من خلالِ تقديم خدمات جليلة للمجتمع, والجميعُ يستفيدُ من الخدمات التي يقدِّمها المستشفى بحكم موقعه الجغرافي الاستراتيجي، واستطاع زيادةَ سعته السريرية 200%, أي أنَّها تصلُ حالياً إلى 250 سريراً, إلى جانب 30 سريراً للعناية المركَّزة, كما أنه يجري من 40 إلى 50 عمليّة في اليوم, منها عمليّات نوعيّة في عدة مجالات كالعيون والمخ والأعصاب والفم والفكين والأوعية الدموية والجراحة.

وحول هذا الخصوص، قامت صحيفة “المسيرة” بالنزول الميداني إلى مستشفى 48 النموذجي للاطلاع عن قربٍ على الإنجازات والنجاحات التي تحققت خلال الفترة الماضية، حيث أجرت حواراً مطولاً مع الدكتور محمد الغشم -نائب المدير العام للشئون الفنيّة-، فإلى نص الحوار:

 

حاوره| هاني أحمد علي:

 

– بدايةً هل لكم أن تطلعونا على الخدمات التي يقدمها مستشفى 48 النموذجي؟

المستشفى يقدم خدماته للناس بشكل مستمرّ في ظل الأوضاع الحالية التي تمر بها اليمن جراء استمرار العدوان والحصار الدوائي والغذائي على مدى 5 سنوات، وأنا أعملُ في المستشفى منذ إنشائه, والخدمات التي يقدِّمها جليلة ونطاقها واسع في جميع التخصصات وبالأخص التخصصات النوعية, وقد استطاع المستشفى في ظلِّ الظرف الراهن أن يقدّم خدمات متميزة, وهو يعمل بحسب متطلّبات معايير الجودة العالمية تليها عناصر لقياس هذه المعايير, ومن ثّم عمل سياسات وإجراءات لتحديد عملية تقديم خدمات طبية ذات جودة عالية, وتحديد المخرجات التي تعتمدُ على مؤشرات الأداء.

 

– ما نطاق الخدمة ومن هي الفئات المستفيدة من خدمات المستشفى؟

المستشفى اليوم باتت أبوابُه مفتوحة لكل أبناء الشعب دون استثناء، عسكريين ومدنيين، ولم يعد حكراً على جهة أو فئة محددة، وهو من الشعب وإلى الشعب، وبالنسبة للفئات المستفيدة من خدمات المستشفى هم جميع المواطنين دون استثناء بحكم موقعه الجغرافي الاستراتيجي، الذي يستقبل جميع حوادث الطرقات الممتدة من أطراف صنعاء وحتى خط تعز, والمستشفى شامل بنوعية الخدمة بحكم الموقع الجغرافي وحكم التوجه, وأبوابه مفتوحة لجميع الحالات سواءً مدنية أو عسكرية, فهو يقدم خدماتٍ للمواطنين ككل، والتميز النوعي أنه يقدم الخدمات للجرحى بشكل خاص ولجميع الحالات, وحتى العمليات النوعية التي تُجرى في مستشفيات أخرى تتحوّل إلى مستشفانا وتقدم الإجراءات بخصوصها.

 

– ماذا تعني لكم المشاركة المجتمعية؟

يعي المستشفى أهميةَ المشاركة المجتمعية في ظلِّ العدوان والحصار والمعاناة التي تعيشها النساء والأطفال عند القدوم من مناطق بعيدة إلى داخل العاصمة، رغم الضغط الموجود في مستشفيات العاصمة، وبالتالي كان لزاماً علينا تجهيز قسم يختص بتقديم خدمات الأمومة والطفولة وخاصة الولادة, وهذا القسمُ معد بجاهزيته الكاملة والعناية المركَّزة المستقلة وإجراء العمليات حسب المعايير المطلوبة وتقديم الخدمات على مدار الساعة.

وهناك عيادات خارجية لجميع التخصصات، يعمل المستشفى فيها على تقديم خدمات جليلة للمجتمع على مدار جميع الأيام في كل العيادات, ولدينا بحسب متطلبات الجودة عيادة الأسرة أو “Family Clinic”، حاولنا من خلالها أن نساهمَ في معالجة مشكلة سوء التغذية, ونحنُ نستقبلُ فيها الحالات التي تأتي بحسب نوعيتها لتقديم الخدمات للحالات المدنية, وقد نستقبلُ في عيادة الأسرة ككل من 25 إلى 50 حالةً في اليوم، أمّا بالنسبة للعيادة الاستشارية ومقابل الخدمات التي يقدِّمها المستشفى يتابع: “العيادة الاستشارية حسب المعيار تحتاج إلى استشاري ومساعد, وبعد الفحص المسبق للحالة يُقدَّم ملفها للاستشاري ليطلَّع عليه ويتَّخذ القرارَ المناسب للوصول إلى التشخيص الحقيقي لتقديمه إلى معالجة الحالات”.

 

– هل هناك رسوم مادية تحصلون عليها مقابل الخدمات الطبية التي تقدمونها؟

نقدم خدماتنا بشكل مجاني للمدنيين، وفي حالات إنقاذ الحياة والحوادث الطرقات لا نأخذ عليها أية رسوم, وجميع الإجراءات والخدمات مجانية بما فيها الرقود والعلاج والتغذية، معتمدين على ميزانيتنا المحدودة من قبل وزارة المالية.

 

– هل لا زالت جميع الأقسام تعمل في المستشفى؟

جميع الأقسام لدينا بمستشفى 48 النموذجي تعمل بكامل طاقتها وجاهزيتها، ولم تخرج عن الخدمة إلّا أقسام معينة وهي بحسب نوعية الخدمات نفسها, بمعنى لم تعد تأتي إلينا مثل هذه الحالات كمركز الأورام أصبح شبه مغلق؛ لأنه يوجد هناك مركزُ الأورام بالمستشفى الجمهوري يستقبل هذه الحالات, وحتى إن أتت إلينا مثل هذه الحالات يمكن أن نتبنَّى ونضع آلية معينة، لكن لا يمكن بحكم الواقع والمسافات والخطة حول مسألة استقبال الحالات, فنحن نواجه محدوديةً في الموازنة بالنسبة للاحتياجات.

 

– هل لكم أن تطلعونا على السعة السريرية لديكم بالمستشفى؟

معايير الجودة التي ذكرتها مسبقاً تتكلم عن نسبة وتناسب, فالتوازنُ ما بين الأقسام الحرجة والأقسام العادية في الفترة الماضية كان محدوداً، وكنَّا نعمل على سعة سريرية محدودة, أمّا الآن رغم استمرار العدوان السعودي الأمريكي البربري والحصار الجائر والوضع الاقتصادي الصعب والميزانية المحدودة، إلّا أن المستشفى استطاع زيادة سعته السريرية بنسبة 200%, أي أنها تصل حالياً إلى 250 سريراً, إلى جانب 30 سريراً للعناية المركَّزة, فالنسبة والتناسب حسب معايير الجودة يجب أن يكون لكل 10 أسرَّة سرير واحد عناية مركَّزة.

 

– هل لدى المستشفى سياسة معينة في تعاملها مع الحالات المرضية؟

للمستشفى سياسات معينة تعمل عليها، ومن تلك السياسيات أن أيَّ حالة تصل إلينا تُجرى لها جميع الإجراءات خصوصاً حالات إنقاذ الحياة أو ما يسمَّى بحالات “Life Saving”, فنحنُ نستقبل أحياناً عدداً كبيراً من حالات حوادث الطرقات وتُعمل لهم جميعُ الإجراءات, وتوجد إحصائيات كبيرة لحوادث الطرقات على مستوى الدولة، ولمستشفى 48 نصيب كبير في استقبال هذه الحوادث, وعندما نستقبلها لا يمكن نقلُها لمستشفى آخر؛ لأنها عملية إنقاذ حياة, وبعدها إذا أراد ذوو المريض نقله لمستشفى أو مكان آخر لا نسلمهم إياه لنقله, بل نقوم نحن بنقله بواسطة سيارة إسعاف إلى المكان الذي يرغبون بنقله إليه, فهذه سياسات وإجراءات نقوم باتباعها دائماً.

ونحن في المستشفى قادرون على رفعِ درجة الاستعداد إلى أقصاها, وفي أي وقت يمكن أن نستقبل جميع الحالات بحسب سياسات وإجراءات معدَّة, ويكون الطاقم الطبي في ظرف زمن قياسي متواجدا في المستشفى.

 

– هل لا تزال المخيمات الطبية التي كان يقيمها مستشفى 48 النموذجي سابقاً موجودة؟

مخيمات المستشفى ما زالت موجودة في الوقت الراهن كما كان في السابق ولم تغب، لا سيما في ظلِّ انهيار المنظومة الصحية وتدهور الكبير؛ بسبَبِ استمرار العدوان والحصار, وقد عمل مستشفى 48 في هذا الجانب أكثر من السابق وخصصنا الميزانيات المطلوبة لتنفيذ هذه المخيمات بعد التنسيق مع وزارة الصحة ومعرفة طبيعة المنطقة وما هي الحالات الأكثر تضرراً هناك.

ولدينا مستشفيات ميدانية ضخمة جدًّا, ونستطيعُ فتحَ سعة لتقديم خدمة متميّزة في أي مكان, حتى لو أتتنا توجيهات بعمل مستشفى ميداني, المسألة هي مسألة الجاهزية والاستعداد والإمكانيات وجاهزيتنا والحمد لله على مستوى عالٍ, ويمكننا في ظرف 6 – 8 ساعات أن نجهّز مستشفى ميدانيا متكاملا يقدِّم جميعَ الخدمات, إنما بحسب الظروف الحالية لنا وضعنا وخططنا المدروسة التي يفرضها الواقع.

 

– ما طبيعة العمليات الجراحية التي يجريها 48 الطبي؟

لدينا كادر طبي متكامل ومتميز واستشاريين وكوادر فنية متميزة في جميع المجالات, ونجري من 40 إلى 50 عمليّة في اليوم, منها عمليات نوعية في عدة مجالات، كالعيون والمخ والأعصاب والفم والفكين والأوعية الدموية والجراحة.

وتتغيّر الخطةُ من وضع لآخر، فنضطر أحياناً إلى أن نستقبلَ الحالات الواردة من متشفيات أخرى إلينا في مجال الأورام وكل المجالات, ونقدم لها العمليات النوعية، وقد زادت تلك الحالات خلال الفترة الماضية واستطاع المستشفى توفيرَ إمكانياتها، حيث تصل أحيانا قيمةُ العمليات إلى مبالغ تحسب بالدولار، لكننا في ظلِّ الوضع الحالي استطعنا بفضل الله ومن ثم بفضل جهود وكفاءة الإدارة، أن نوازنَ وأن نصلَ إلى مستوى معين من تقديم خدمة متميّزة ومستقرة.

 

– هل لا يزال المستشفى يعمل بكامل طاقمه الطبي والتمريضي؟

مرّت فترة زمنية معينة بدايةَ العدوان عانى منها المستشفى كثيرا؛ بسبَبِ انعدام الميزانية والحرب الاقتصادية التي يشنها العدوانُ على الشعب اليمني وتتمثل في قطع المرتبات، وبالتالي لم يشهد مستشفى 48 النموذجي أيَّ عجز في عدد الأطباء والكادر أو هجرة العقول والكفاءات كما حدث في المستشفيات الأخرى، ونؤكد هنا أن نسبةَ الولاء الوظيفي في مستشفى 48 عالية جداً على مستوى جميع التخصصات, وبما أن المستشفى يعمل بخطة التأهيل والتدريب، فإن الموظفَ يشعر أن لديه ولاء عاليا, وقد استطعنا أن نتخطَّى كلَّ الصعوبات والعوائق، وبحمد الله توفقنا وصرِفت المرتبات وأصبح الوضع مستقراً ولم يكن لدينا نسبة من العجز في الأطباء.

 

– ماذا عن جاهزية المعدات والأجهزة والطبية؟

أعود لنفس الفكرة التي ذكرتها سابقاً وهو أن أيَّ مستشفى يعمل بحسب متطلبات ومعايير الجودة ولديه إدارة عليا قوية، يستطيع أن يتجاوزَ مثل هذه الأمور، وكثير من المستشفيات خرجت فيها الأجهزة والمعدات الطبيّة عن الخدمة، إما ناتجة عن عدم وجود صيانة دورية أو أن عمرَها الافتراضي انتهى, ونحنُ في مستشفى 48 واجهنا صعوبةً في هذا الموضوع، لكننا استطعنا تجاوزَ هذا بعمل الصيانة الدورية للأجهزة وتلافي مثل هذه الأمور التي قد تعيق تقديمَ الخدمة، ولدينا خطة في مسألة الاحتياج للأجهزة بحكم العمر الافتراضي، وقد عملنا جاهدين في أن نحافظَ على الوضع وتقديم الخدمة بطريقة مثلى وليست لدينا معوّقات كبيرة في هذا الخصوص.

 

– هل لديكم دعم من قبل المنظمات الدولية تؤهلكم لاستمرار أدائكم؟

نحن من المستشفيات المحرومة من أي دعم محلي أو دولي, وليس لدينا أيُّ دعم مالي من جهات أخرى أو منظّمات كبقية المستشفيات, ونعمل فقط في إطار الميزانية المرصودة لنا من وزارة المالية, ومن خلال توجّه الإدارة وعملية تقنين الميزانية والدعم اللامحدود بالعمل بروح الفريق الواحد من قبل العاملين، والاقتناع بمسألة الواقع المالي استطعنا أن نوازنَ في ميزانيتنا، لكنّنا ما زلنا بحاجة إلى الدعم.

وبدورنا كقيادة للمستشفى، نفكّر في عدة بدائل بما أن الميزانية محدودة وليس لدينا دعم من المنظّمات, وندرس جهات مماثلة عملت بالكثير من الأمور كالمشاركة المجتمعية وغيرها, وما زلنا ندرسها حتى الآن، بحيث نحاول التحسين من الواقع الحالي, وتركيزنا الأكبر الآن على وجود الميزانية التي تُصرف لنا من الدولة في ظلِّ انعدام الدعم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com