العدوانُ جعل القصيدةَ تتوشَّحُ السيفَ وتحملُ الترسَ وتعلقُ كنانةَ السهام لتخوضَ معركةَ الدفاع المقدَّس

الشاعر عبدالباري عبيد في حوار خاص مع صحيفة المسيرة:

 

لعب الشعرُ دوراً بارزاً في مواجهةِ العدوان السعوديّ على البلد، وقد صوّر الشعراءُ الأحرارُ في شعرِهم، الواقعَ المؤلمَ الذي صنعه العدوانُ بالبلد من جرائم الحرب والإبادة وكذلك سفك دماء الأبرياء من المدنيين رجالاً ونساءً وصغاراً وكباراً، وشكّل الشعرُ دوراً هامًّا في رفعِ المعنويات لدى الشعب اليمني بشكل عام ومجاهدي الجيش واللجان الشعبيّة على وجه الخصوص، حيثُ عكس الشعرُ استبسالَ المجاهدين في الحروب وتهافتهم على تقديم البطولات، وتحقيقهم أروع الملاحم والانتصارات بمختلف جبهات العزة والكرامة، مستصغرين الحياةَ ومتاعَها الزائل.

ونظراً لمكانة الشعر التعبوي والشعراء الأحرار المجاهدين بسلاحِ القوافي، أجرت صحيفةُ المسيرة حواراً صحفياً مع أحد الشعراء الذي شكلت كلماتُهم صاروخاً بالستياً في وجهِ الطغاة والمعتدين.

الشاعر عَبدالباري عبيد من أبرزِ الشعراء الذين واجهوا العدوانَ وأسهموا في نشر الوعي في أوساطِ المجتمع، أوضح في حواره عديداً من الجوانب المتعلّقة بالشعر في مواجهة العدوان، نستعرضها في نصِّ الحوار:

 

حاوره: محمد ناصر حتروش

 

– بدايةً نرحّبُ بك أخي الشاعر كما نأمل سردَ نبذة تعريفية عنك؟

بسم الله الرحمن، أشكركم أولاً على الاهتمامِ بالشعر والشعراء.

وُلد الشاعر عبدالباري عبيد بمحافظة صنعاء، مديرية بني مطر، حيثُ نشأ وترعرع فيها وتلقّى تعليمَه الأَسَاسي والثانوي بمسقط رأسه، ثم انتقل إلى مواصلة الدراسة الجامعية ‘‘بجامعة صنعاء’’، ظهرَ إبداعُه الشعريُّ مبكراً، حيثُ كان مولعاً بالشعرِ مُنذُ نعومة أظافره، فانطلق يسرج صهوة الحروف ويطلق عنان الكلمات، سخّر أبياتَه في سبيلِ الله وَنصرة المستضعفين.

تأثّر ببيئته المطرية التي نشأ فيها تأثراً بارزاً، ظهر في جزالة أبياته المتسمة بطابع الشموخ، المأخوذ من شموخ جبال بني مطر الشاهقة، واستوحى أغلبَ أوزان قصائده من تضاريسها الوعرة وسلاسل هضابها الممتدة والمتصلة بأخاديد الأودية والشعاب الواسعة.

لدي العديدُ من المشاركات الشعرية المختلفة، شاركَ في مسابقة شاعر الصمود، وحصل على لقب (شاعر نُقم).

وشاركت أَيْـضاً في مهرجانِ الرسول الأعظم لسنة 1438ه، وحصلت على المركز الأول..

 

– ما الشعرُ من وجهة نظرك؟

الشعرُ مزيجٌ من الأحاسيس والمشاعر يُصبُّ في أكواب وأباريق إبداعية، له مذاقٌ خاصٌّ يناسب كُـلَّ ذائقة، ويصل بها إلى حدِّ الثمل، وَأَيْـضاً الشعرُ لسان يُعبر عن ما يدورُ في خلجات الأنفس، ومرآة تعكس صورةً واقعيةً للمجتمع، وهو إليه تأوي الأفئدةُ وتشنف لسماعه الآذانُ، وتطرب من زهوها القلوبُ؛ لذلك يُعدُّ الشعرُ سلاحاً فعالاً في كُـلِّ العصور والأزمنة.

 

– لماذا يُعدُّ الشعرُ سلاحاً فعالاً؟

لما له من تأثيرٍ بالغِ الأثر على النفوسِ، ولكن لا جدوى من هذا السلاح إذَا لم يدافع عن قضية عادلة ومحقة، وسيظلُّ مجرّدَ كلام موزون ومقفَّىً، ضرُّه أكبرُ من نفعه ولا خيرَ في شعرٍ لا يحمل صاحبُه قضيةً يذودُ عنها، قال تعالى: (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا)، الشعراء ومسألة التأثير على النفوس مسألةٌ بالغة الأهميّة، فقد يكون الشاعرُ مصدرَ إغواء وإضلالٍ لغيره، ويُحشرُ يوم القيامة مع المضلين والمفسدين.

 

– ما القصيدةُ التي تألق الشاعرُ عَبدالباري عبيد من خلالها؟

سأدع إجابةَ هذا السؤال للجمهور؛ واكتفي بالقول: إن الفضلَ يعودُ إلى الله أولاً وأخيراً فيما وصل إليه عبدالباري عبيد.

 

– اذكر موقفاً تفتخرُ به في الحياة وتعتبره مصدرَ اعتزازٍ؟

سأذكر موقفين الأول: وقوفي في مواجهةِ العدوان الصلف، الذي جمع على شعبنا اليمني شذّاذَ الآفاق من كُـلِّ حدب وصوب، والثاني: أفتخرُ أني لم اكتب حرفاً في سبيل الطاغوت منذُ أن كتبت الشعرَ ولم أمدح ظالماً أَو مستكبراً، ولم أُجند قصائدي في خدمة الباطل، وأحمد اللهُ على هذه النعمة.

 

– اشتهر زاملُ “مع الله بانغزي” بشكلٍ كبيرٍ.. ما الحدثُ المتزامنُ مع الزامل والذي جعلك تنظم كلماته؟ وما أبرزُ القصائد التي نظمتها؟

الزاملُ لم يرتبط بحدثٍ معين على وجه الخصوص، بل حمل الصيغةَ العامةَ والظروفَ العامةَ التي يكابدها شعبُنا في مواجهة العدوان، ولم أُقيده بمنطقة أَو جبهة بحدِّ ذاتها، مما جعل دائرة انتشاره أوسع، فمن وجهةِ نضري الزاملُ الذي لا يحمل الصفةَ العامةَ يتلاشى ويندثرُ مع تقادم الزمن.

الزوامل كثيرةٌ ولا أستطيع حصرَها، فكُلُّ عملٍ شعري أُنتجه في سبيل الله أعتبره بارزاً..

 

– من أين تستمد موضوعات قصائدك؟

أستمدُّ موضوعاتي وأفكاري ممن لا تنفذُ كلماتُه، من ربي الذي شرحَ صدري وأشعل جذوةَ فكري، وأزال الغشاوةَ من عيني بعد أن كحّلها بإثمد هدايته، أستمدُّ من أنين الضحايا وصرخات الثكالى ودمعات اليتامى ومن بقايا الأشلاء الممزقة تحت الأنقاض ومن أزيز الرصاص وَدوي القذائف، أستمدُّ من قوافل الشهداء وتضحيات الجرحى وعناء الأسرى وثبات المجاهدين، أستمدُّ من مظلومية الشعب اليمني..

 

– ما الذي أضافه العدوانُ إلى القصيدة في داخلك؟

العدوانُ جعل القصيدةَ تتوشّح السيفَ وترتدي لامةَ الحرب وتحمل الترسَ وتعلق على منكبها كنانةَ السهام، لتخوضَ معركةَ الدفاع المقدَّس بجدارة، بل إن صحَّ التعبيرُ، العدوانُ جعل القصيدةَ تدخل دورةً عسكريةً بامتياز.

بعد أن كانت تُعاني من مشاكل السمنة وترهل العضلات الذي لحق بها إثر جلوسها عاكفةً على مطالعة آراء المدارس الشعرية المتضاربة، فخرجت من هذه الدورة بلياقةٍ بدنيةٍ عاليةٍ وقد أجادت كُـلَّ فنون القتال، واليومَ بفضلِ الله تعالى أصبح حالُ القصيدة الشعرية، كحال وحدة التصنيع العسكري في الجيش والجان الشعبيّة، وصلت إلى مراحلَ متقدمة ولا زالت في تقدّمٍ مستمرّ، وهذه من السنن الإلهية في الكون بأن الإبداعَ لا يولد إلّا من رحم المعاناة.

وفي الحقيقةِ، أغلبُ الشعراء الأحرار الذين كنت أعرفهم قبل العدوان وكنت أقرأ لهم، تطوّر مستواهُم الشعريُّ بشكلٍ ملفت للنظر، وظهرَ هذا التطوّرُ في نصوصِهم الشعرية على حجم مظلومية الشعب اليمني، كذلك التأييدُ والعونُ الإلهيُّ أذكى قرائحَ الشعراء، بل جعل الشعراءَ يكتبون قصائدَ في سنين الحرب لا يكتبها شعراء غيرهم إلّا بعد تجربةٍ شعريةٍ لأكثرَ من خمسة عقود.

 

– هل لديك ظروف معينة لكتابة القصائد؟

هناك حالةٌ وهميةٌ تتجسّد في أذهانِ البعض من الشعراء، وفي حقيقةِ الأمر ليس لها تأثيرٌ في كتابة الشعر مطلقاً، هناك عاملان يؤثران في كتابة القصائد وهما: صفاء ذهنية الشاعر من الأفكار المشتتة، وسلامة مزاجه من التعكير، إذَا توفر هذا العاملان يستطيع الشاعرُ كتابةَ القصيدة دون عناءٍ وتكلّفٍ.

 

– من هي الجهة التي توجّـهُ اللومَ لها لعدم اهتمامها بالشعراء؟

“وزارةُ الثقافة” وأكتفي بذكرِ البيت الشعري القائل: لقد أسمعتَ لو ناديت حيًّا.. ولكن لا حياةَ لمن تنادي.

 

– بماذا تعد الجمهور؟

أَعِدُ جمهوري العزيز بما يبيضُ الوجهَ أمامَ الله ثم أمامَهم، وأستغلُّ وقوفي على منبر صحيفتكم الموقرة لأزيح الستارَ عن قصيدةٍ جديدةٍ أسميتها (بيرق النصر)، ستبث بأذن الله في جميعِ القنوات اليمنية خلال هذا الأسبوع..

 

– هل من كلمة أخيرة لكم؟

الكلمةُ الأخيرةُ لمن له الفضل بعدَ الله سبحانه وتعالى في تنوير بصائرنا وإنقاذنا من وحل الضلال والتيه، من أحيا سيرةَ جده وأعاد للإسلام مجدَه، سيدي الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -سلامُ الله عليه-، وأقول له:

يا سيدي قد حصدت المجـد والسؤدد

وكلُّ مؤمن بنا لك وسطَ قلبه ضريح

علـمتنا كـيف نصـمد ما نـهـاب الــردى

وندحـر الحلفَ الأمريكي اللئيم القبيـح

نعاهدك عهـداً ما تذهـب جـهـودُك سُـدى

لا بُـدَّ مـن أرض بقـعـا للضـلالة نــزيـح

وأقولُ لعَلَمِ هذه الأمة، من على يديه ستكشف الغمةُ، الناطق الرسمي باسم الله في أرضه، سيدي ومولاي عبدالملك بدر الدين الحوثي: يا سيدي والله لو انهارت السماءُ على رؤوسنا وانهمرت نجومُها علينا كزخات المطر، ما تركناك وحدَك تقارع قوى الطاغوت، وهذا عهدٌ مني ومن كُـلِّ الأحرار، نظمته شعراً وأقولُ فيه:

ورب السـمـاء والطـور وكـتـابه المسطـور

بـأني مـعـك يا سيـدي في الـوغى بـسـري

ولـو تستمـر الحـرب لا يـوم نـفـخ الصـور

أقـاتل بني (صهيون) في ساحة الحـشري

 

وأقولُ لك أَيْـضاً يا سيدي بلسان الشعب اليمني:

 

احـنا المـدد سيـدي ابشـر وشـد الحـزام

لو مننـا تطلـب الزهـرة وكــوكـب زحـــل

نسعـى لتـنفيـذ توجـيهك بكــل التـــزام

ولا نفــرط بكــلـمة لــو رجــعـنا وُصَــــل

واللهُ على ما نقول شهيد.

وفي الختامِ أتوجّـه بالشكر باسمي وباسم كُـلِّ الشعراء، لسيدي عبدالملك بدرالدين الحوثي، الذي لم يألُ جهداً في الاهتمام بالشعراء، فقد كان ولا يزال صاحبَ الدور الأبرز في تأسيس (اتّحاد الشعراء والمنشدين)، واختياره للقيادة الواعية والرشيدة لرئاسة الاتّحاد الممثّلة بالأخ/ ضيف الله سلمان، الذي لم يتوانَ للحظةٍ في خدمةِ الشعراء والمنشدين.

لا يسعني في الأخير إلّا أن أدعوَ بالرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والحرية للأسرى.

والنصرُ لشعبنا الصابر والمظلوم، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com