إضاءةٌ على الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة

وليد الحسام
اعتادت الشعوبُ -خَاصَّــةً العربية- على ديمومةِ البناءِ الداخلي والخارجي القديم جداً للدولة، وحتى مع تعاقب الأنظمة والثورات فإن النظامَ الخَلَفَ يحلُّ محلَّ السلَفِ دون أي تغيير في بناء الدولة ولا يكون هناك من جديد سوى بعضِ قراراتٍ رئاسيةٍ تهدفُ إلى تحقيقِ مصالحِ النظام الجديد أَو لتحافظ على استمرار بقائه فترةً أطولَ، ومهما تغيَّرتِ التوجّــهاتُ السياسيّة للأنظمة المتعاقبة في الدولة الواحدة فإن بناءَ الدولة يبقى هو ذلك الهيكلَ العتيقَ المتهالكَ؛ ولهذا فإن تلك تبقى عبرَ العقود والأحقاب الزمنية أقربَ إلى الانهيار، واليوم ها نحن أمام تجربةٍ سياسيّةٍ متفردةٍ على المستوى الدولي، حَيْثُ تُعِدُّ قيادة الدولة رؤيةً وطنية ومشروعاً استراتيجياً لبناء الدولة وفق أُسُسٍ دينية ووطنية وقومية بأبعادٍ حديثةٍ وتصوراتٍ ورؤىً متطورةٍ، من شأنها النهوضُ بالدولة إلى المسار الصحيح المتجه إلى البناء والتنمية، ها نحن اليوم أمام نتاجٍ مما أنتجته ثورة 21 سبتمبر 2014م في سبيل الدفاع عن سيادة الوطن وكرامة شعبه، والتحرّر من الوصاية الخارجية، وبناء الدولة اليمنية، ويتمثل ذلك في الخطوة الأولى التي يتجه بها المجلسُ السياسيّ الأعلى لوضع لبناتها الأولى من خلال مشروع الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة التي نأملُ نجاحَها وتجسيدَها على أرضِ الواقع في الأَيَّــامِ القادمةِ.
من خلال التركيز على هذه الرؤية نلاحظ أن الراعي لهذا المشروع هو المجلس السياسيّ الأعلى ممثلاً بفخامة الرئيس المشير / مهدي المشّاط، ونلاحظ كذلك أن الرؤيةَ انطلاقةٌ أولى نحو التنفيذ العملي لمشروع (يدٌ تحمي ويدٌ تبني) الذي أطلقه الرئيسُ الشهيد/ صالح الصمّــاد، وتبدو هذه الرؤية -بالإضَافَــة إلى أُسسها الوطنية- سهلة وواضحة وغير معقدة وليست صعبةً كبعض المشاريع التي تنتهي غالباً بالفشل، بل مبنيةٌ على منهجية تتجهُ بالنتائج إلى الواقعية مراعية المنطق ومعطيات أرضيتها السياسيّة والإدارية، ومستندة على مرجعيات ثابتة تتفق عليها كُــــلّ القوى والمكوّنات والأحزاب السياسة؛ ولذلك فإن هذه الرؤيةَ عن كُــــلّ المشاريع السياسة من حَيْثُ أنها مبنيةٌ على رؤىً معقولةٍ ومتوازنة مع ظروف الواقع ومتطلباته ومراعاة التوجّــهات السياسيّة الوطنية العامة والجزئية، أي الخَاصَّــة بالقوى المشاركة في تشييد الدولة الحديثة، كما أنها –الرؤية- صاعدةٌ لتتجه إلى أعلى الهرم، وكل ذلك يتضح من خلال تقسيمها في ثلاثة أقسام رئيسة هي:
_ الإطار العام للرؤية.
_ الرؤية.
_ تنفيذ الرؤية.
فالإطار العام عبارة عن مجموعة من المبادئ العامة التي تعتبر محدّداتٍ وخطوطاً مغلقة تحتوي بداخلها الرؤية ومحاورها وسياسات تنفيذها.
سأحاول هنا أن أسلِّطَ الضوءَ على مادتها الأَسَاسية، ومنهجية طرحها، ومدى انعكاسات نتائجها المتوقعة نحو تحقيق المصلحة الوطنية العامة، ومادتها هي محتوى القسم الثاني منها المتمثل في الرؤية ومرتكزاتها ومحاورها، فالرؤية -كما يبدو- عبارة عن خطوط عريضة تتضمن ملخصاً مكثّــفاً للمبادئ والأسس الوطنية القائمة على المرجعيات الثابتة والتوافقية من قبل الجميع وهي (الدستور والاتّفاقات والحوارات والمبادَرات)، وهذه المرجعيات محل توافق من جميع المكوّنات والأطراف السياسيّة، حَيْثُ أنها –جميعاً- شاركت وأسهمت في إعداد تلك المرجعيات وصوتت ووقعت عليها، وفي هذا ما يعزز الثقة بأن العمل هنا تشاركي وفق ما جاء في مبادئها العامة، أي أن تجسيد الرؤية على الواقع قائمٌ على المشاركة في العملية السياسيّة التي تهدف إلى بناء الدولة والاستناد في ذلك إلى مرجعيات متفق عليها من قبل جميع الأحزاب والمكوّنات.
ترتكز الرؤية -كما يبدو- على إحاطةٍ شاملةٍ للطبيعة التكوينية للوطن الذي تم تحديدُ تكوينه في ثلاثة مرتكزات هي الجانب الإداري وتطوراته والجانب الاجتماعي والشعبي وتكويناته والجانب الاقتصادي والخَدَمي والمعرفي والعلمي والإبداعي والفني، ويتضح من خلال المستهدفات الرئيسية للرؤية أن النتيجة الأَسَاسية تتمحور في تحسين وتطوير ونمو كُــــلّ المجالات والشؤون العامة التي تنهض بالمجتمع اليمني وتحقّــق متطلبات الحياة من خلال تأسيس البنية التحتية وتطويرها وتحسين أدائها وفق رؤية جديدة بحيث تظهر النتيجة في نِسبٍ ومعدلاتٍ تراكمية متصاعدة تعكس مدى ارتقاء الأداء ومستوى تحقّــق النجاح.
اعتباراً لمرتكزاتِ الرؤية ووفقاً للتحديات وظروف الواقع وما تفرضه المرحلة فقد تم صياغةُ (12) محوراً تتوزع تلك المحاور في إطار المرتكزات؛ ولهذا فإن الرؤيةَ تبدو سلسلةً مترابطةً من الإجراءات والخطوات والأنشطة، وتترابط الرؤية بشكل كلي فيما بين أهدَافها والإجراءات والنتيجة المحقّــقة والمعايير أَو المؤشرات التي تعرض مستوى تحقّــق الأهدَاف، ربما أن لغياب عنصر الزمن عن المحاور دلالة واضحة مفادها أن الرؤية غير مقيدة بزمن أَو بمرحلة سياسة بل مفتوحة ليستفيد منها الجميع وفي ذلك أيضاً ما يؤكّـــد جدية التوجّــهات إلى البناء المؤسّسي والمعرفي والاقتصادي، حَيْثُ أن البناءَ من الأنشطة المرحلية التي تتطلب مراحل زمنية.
بالنظرة العامة وحتى بالقراءة المعمّقة والتحليل لمضامين غايات وأهدَاف محاور الرؤية نستلهم حقيقة لا يمكن إنكارُها هي أن المحاورَ تخدُمُ المصلحةَ الوطنية العليا، وما دام هذا المشروعُ موجَّهاً باتّجاه واحد يصب كُــــلّ مخرجاته في بناء البلاد فقد جاءت الغايات والأهدَاف دون أية تجزئة للمصالح أَو انحيازٍ باتّجاه مكوّن سياسيّ أحادي وكذلك دون تعدي طرفٍ أَو تخطيهِ وجود الآخر، بل تشملُ المحاورُ كُــــلَّ القضايا والطموحات العامة وتلبي مطالب المجتمع اليمني بكل فئاته وأطيافه، وتتميز المحاور بالشمولية واحتواء المِـلَـفّ كلياً من خلال الربط بين الحلول السياسيّة (المصالَحة والمشاركة) من جانب وعمليات النهوض والبناء من جانب آخر، وهذا يؤكّـــد أن الخبراء الذين صاغوا محاور الرؤية وضعوا في الاعتبار مراعاة نقطة هامة في تحقيق ما تهدف إليه الرؤية وهي أن الحلول والمصالحة السياسيّة حجر الأَسَاس لعملية البناء التي من أهمّ أسباب نجاحها العمل التشاركي والمبادرات والتكاتف من جميع الأطراف والمكوّنات، وتبرز ملامح حيادية المحاور من خلال مضمون الغاية التي وُضعت لكل محور لتخلص القيمة العامة لمخرجات كُــــلّ محور من الاثني عشر محوراً، وتظهر جودة المنهجية التي وضعت المحاور على أَسَاسها من خلال دِقة اختيار المحاور وما تضمنته من قضايا جزئية لها من الأهميّة ما تعود نتائجها بالمصلحة العامة للبلاد، ومما يؤكّـــدُ اقترابَ المحاور من واقع النجاح ما يتمثل في الأهدَاف الاستراتيجية لكل محور والدقة في اختيار المؤشرات المناسبة التي تعكس مدى تحقّــق تلك الأهدَاف، وكذلك اتّساق المبادرات والإجراءات والخطوات مع الغايات والأهدَاف والمؤشرات، كما أن المبادرات تبدو ذات طبيعة مرنة وفي ذات الوقت تتسم بأنها إلزامية أي ملزِمة لكل المشاركين في تنفيذ الرؤية على التحَــرّك والعمل والانضباط واستشعار المسؤولية الوطنية من قبل الجميع.
الرؤيةُ بشكلٍ عام وبما تحمل من أُطروحاتٍ وأبعادٍ استراتيجية مترابطة تبدو نتائجُه مضمونة بنسبة كبيرة لما فيها من مساعٍ جادة نحو توفير المناخ الملائم لتقارب المكوّنات والأطراف والأحزاب والفئات السياسيّة والثقافية والإعلامية وتكثيف الجهود من أجل الحلول والتعاون على البناء والتنمية، وهذا –ربما- أهمّ تطلعات أبناء الشعب اليمني الذي أصبح يحلم باتّفاق المكوّنات وتقاربها وتعاونها من أجل إعَادَة بناء اليمن وإعمارها في أجواء آمنة ومستقرة وفي ظل استقلالية سيادة الوطن؛ ولذلك يجب على جميع الأطراف والقوى السياسيّة أن تتحمل المسؤولية وتستشعرها وتتجهُ نحو هذا المشروع الوطني بجدية وتفاعل صادق لتثبتَ من خلاله إخلاصَها لله وللوطن وتثبتَ حُسنَ نيتها نحو تحقيق تطلعات شعبنا اليمني العظيم، ورفع معاناته والظلم المحدق به جراء العدوان والحصار.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com