الأسير المجاهد عبدالرزاق المؤيد في حوار لصحيفة المسيرة: حققوا معي أكثر من 50 مرة وكانوا يركزون على المشرفين الثقافيين وما يتم تدريسه في الملازم 

عبدُالرزاق المؤيد أحد الشباب المجاهدين في جبهات العزة والكرامة والشرف ضد قوى العدوان الأمريكي السعودي، التقته صحيفةُ المسيرة في دردشة عابرة عما واجهه أثناء وقوعه في الأسر في جبهة الجوف، وكيف يعامل مرتزقة العدوان الأسرى لديهم، وتركيز المحققين على معرفة المشرفين الثقافيين وأين مقراتهم وما الذي يتم تدريسه وأين مخازن الأسلحة وما إلى ذلك.. حول ذلك وغيره خلال الأسطر القادمة:

حاوره / عبدالرحمن مطهر

– حدثنا بالتفاصيل عن المعركة التي جُرحت فيها وَتفاصيل إصابتك؟

المعركةُ كانت فترتُها طويلةً جداً، بدأت منذ حوالي الثامنة الليل وحتى الثانية بعد الظهر في اليوم الثاني، المرتزقة طوّقوا المعسكر من مختلف الجهات، وأنا ومعي عدد من المجاهدين، لم ننسحب أَوْ نتراجع، فاستمريت من جانبي في القتال حتى أُغمي عليّ من العطش وحر الشمس، فجاء المرتزقة وأنا مغميٌّ عليّ، فأطلق الرصاصة الأولى في رجلي اليسرى ولم أشعر بها، لكني استيقظت ونهضت أقاوم، ثم اتبعها بالطلقة الثانية في رجلي اليُمنى، وأنا أشحن السلاح بالذخيرة، وشعرت كأنها مخدرة ولم أعلم أنها أصابتني إلا بعد شاهدت الدماء وهي تنزف منها.

 

– معنى أنك لم تشعر بها؟

نعم لم أشعر بها الحمد لله.

 

– والسبب؟

لا أعلمُ، سبحان الله من ربك ولم أعلم أنها أصابتني إلا عندما شاهدت الدماء تنزف من رجلي في الطلقة الثانية في رجلي اليمنى، حين كمّلت الذخيرة وأنا أحاول اشحن سلاحي بالذخيرة وكنت قد شعرت ان رجلي مخدرة لا أستطيع تحريكها، لكن كما ذكرت لكم لم أعلم أنها طلقة رصاص؛ لأن الاشتباكات قد كانت من كُلّ الاتجاهات وحاولت أشحن سلاحي بالذخيرة حينها شاهدت البنطلون كله بالون الأحمر؛ بسبب كثرة الدم الذي نزف من رجلي، في هذا الوقت تواجهت أنا والمرتزقة من الأمام، لكن جاء أحد المرتزقة من الخلف في الخندق الذي كنت أتمترس فيه، وصوّب نحوي بطلقة أخرى، وكانت المسافة بيني أنا وهو قريبة جداً، فضرب عليّ طلقة وعلّق عليه السلاح، بعد ذلك اشتبكت معه بالأيدي، لكن للأسف كنت ظمآن وأَيْضاً كانت المواجهات والمعركة متواصلة من بداية الليل فأغمي عليّ مجدداً خَاصَّة أني مصاب وقد نزفت الكثير من الدماء. بعدها استيقظت وقد تم تجريدي من السلاح والجعبة وبعدين أغمي عليّ مرة ثانية، كنت استيقظ ويغمى عليّ أكثر من مرة.

بعد ذلك استيقظت وأنا في المستشفى وقد تم تركيب المغذيات وقربة دم، ولم أكن أعلم حينها في أي مستشفى أنا، هل أنا في صنعاء أم في مأرب لم أكن أعلم أين أنا. تقريباً استمريت في ذلك المستشفى حوالي أربعة أيام، وأنا في حالة اللاوعي ولا لي علم كيف معاملتهم ولا أعلم بشيء، وفي المساء دخل عليّ اثنان ملثمان كان الوقت حينها حوالي الساعة العاشرة في الليل، دخلوا عليّ وباشروا بنزع المغذيات عني بكل جلافة ودون رحمة ولم يستدعوا حتى الطبيب أَوْ الممرض لنزع المغذيات.

 

– لماذا؟ 

حينها عرفت أني أسير بين يدي المرتزقة، وأن الملثمين جاءوا كي يحقّقوا معي، فأخذوني في سيارة بعد أن غطّوا على عيوني وذهبوا بي إلى أحد المنازل، وكنت لا أزال متعباً ومريضاً؛ بسبب الرصاص التي أصابوني بها، سألوني عن اسمي واسم منطقتي، وأتذكر أنهم كانوا يسألوني إلا أن حالتي ساءت ولم استطع أن أرد على أسئلتهم، بعدها قاموا بأخذي إلى السجن وليس إلى المستشفى.

 

– لماذا لم يردوك إلى المستشفى خَاصَّة أنك كنت ما تزال مريضاً؟

لم يردوني إلى المستشفى إلا بعد 20 يوماً، وعندما وصلنا إلى السجن كان هناك دكتور يعمل على مجارحة المصابين وفي بعض الأحيان وعند شعورنا بالألم الشديد كان يعطينا حبة مهدئة.

وبعد ان تحسّنت حالتي الصحية قليلاً بعد حوالي أربعة أيام، جاء المحققون وحقّقوا معي من أين جيت ومن اللي جابك و… و العديد من هذه الأسئلة، وجابوا لي ورقة وقلم وقالوا أكتب لنا كُلّ شيء من بداية ما تحركت حتى أصبت في المعركة، فقلت للمحقق لا أستطيع ان أكتب أنا تعبان أكتب أنت، بعد ذلك استمر المحقق يسألني أسئلة كثيرة عن المشرف من هو وأين هو وأين المقرات وأين الأسلحة، وكانت أكثر الأسئلة تتمحور حول : أين تتواجد الأسلحة؟، ومن تعرف من القياديين الحوثيين، وأين مقراتهم، وأين تقع بيوتهم، مثلاً ترد عليه أعرف القائد الفلاني، والذي يعمل بالعمل الفلاني، فيسألك أين بيته ويحاول استخراج معلومات عن القيادات، أيضاً كانوا يركزوا كثيراً على الجانب الثقافي.

 

– كم عدد التحقيقات التي عملوها معك؟

التحقيقات كثيرة.. أعتقد أنها أكثر من 50 تحقيقاً.

 

– كم بقيت أسيراً لديهم؟

جلستُ حوالي سنة، احتبست في شهر رجب، وخرجت في 28 شعبان من السنة الثانية. المهم بعد حوالي الشهرين جاء الشاوش حق السجن قال به واحد يسأل عن علي المؤيد، يمكن يا مؤيد صورتهم يشتوا يتعبوك أَوْ يضربوك أَوْ يذبحوك، وكل هذا في إطار الحرب النفسية التي كانت تمارَس ضدنا، والشاوش احنا عارفين أنه منهم إلا أنه يحاول يمثّل علينا دور الناصح والمسكين والراحم لحالنا، فقال لي: جهّز نفسك يا مؤيد يسألوا عنك.

وفي الساعة العاشرة مساء جاءوا وأخذوني وعصبوا على عيوني وركّبوني في سيارة ووصّلوني إلى غرفة لا أدري أين تقع، وأول ما فعله المحقق ضربني بالبندق حقه بقوة على صدري، كان معاه بندق تبشك طبعاً، ضربني به على صدري.

بعد ذلك نقلوني إلى سجن الأمن السياسي، وهذا السجن لا يدخل إليه إلا الذي قدهم يعني يائسين منه، وعندما وصلت وجدت المساجين من أنصار الله بيصرخوا الله أَكْبَر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسْلَام، صحيح أنهم كانوا بيعذبوهم بشدة، لكن للأمانة كانت معنوِيات الأسرى مرتفعة إلى السماء ولا تهز فيهم شعرة بالرغم من كُلّ هذا العذاب، وأنا من أَول ما شاهدتهم ارتحت نفسياً وفرحت كأني خرجت من السجن وأعظم، حتى أنني قلت لو أنا عارف أننا كلمتهم بالحقيقة من أَول شيء حتى ينقلوني لهذا السجن عند هؤلاء العظماء.

وطبعاً المساجين في الأمن السياسي كانوا يعذبونهم وأَيْضاً يمارسون عليهم حرباً نفسية كبيرة، مثلاً أنهم أمسكوا بالسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي وأنهم دخلوا صنعاء وأنهم في السبعين وأن الباقي فقط منطقة الجراف وأنهم بصدد تصفية المنطقة، وبعد ما وصلت عندهم جلست يمكن يومين وأنا حذر ما بين أكلم أحد، وأيضاً هم كانوا حذرين مني قوي، وما أحد يأتي يسألني إلا شخص واحد أَدّى لي كلمتين رؤوس أقلام، أَيْضاً كان هناك في السجين واحد مؤمن لا يذل ولا يخاف أبداً، كان اسمه أبو عاصم وهو من ضحيان.

المهم قال لي هذا أبو عاصم، تعالى بجانبي يا صاحبي، كلمني ما عليك منهم كلهم، ولا تخاف إذا هم يشتوا يضربونا يضربوا قد احنا مساجين، ايش ما ودهم احنا مستعدين، أهم شيء اجلس كلمني، كانت معنوياته مرتفعة.

كلمته على الانتصارات التي يحققها الجيش واللجان في تعز وفي عدد من الجبهات وان أنصار الله في نجران وجيزان وعسير، وان هناك مواقعَ وقرى سعودية سقطت في يد الجيش واللجان الشعبية في كلٍّ من نجران وجيران وعسير.. وهو كان إنْسَاناً مؤمناً ما يذل ولا يخاف، يعني تربية السيد القائد حفظه الله، لا يخاف أبداً لا من الضرب ولا من غيره، وبعدين جلست اكلمه أين قد وصلوا رجال الله وأين تصل صواريخنا البالستية التي وصلت إلى الرياض وإلى جدة، فقال لكنهم يقولوا لنا إنهم -أي المرتزقة- قدهم في صنعاء، قلت له يا خبير صلِّي على النبي، أين صنعاء الرياض اقرب، ويرجع يسألني أنا من جد قد المجاهدين أصحابنا من أنصار الله على مشارف نجران وهناك قرى ومواقع سعودية سقطت في يد أبطال الجيش واللجان الشعبية.

بعد ذلك قال أبو عاصم: تعالوا تعالوا يا جماعة، اسمعوا هذا الكلام الذي يرفع الراس، تعالوا اسمعوا وارفعوا رؤوسكم إلى عنان السماء، فجاءوا كلهم إلى جنبنا اجتمعوا، وقال لي أبو عاصم اشرح لهم يا صاحبي اشرح، وأنا ما قصّرت جلست اشرح لهم وأكلمهم على الانتصارات وكيف الصواريخ البالسيتة، وأين قد وصلت وأين قد المجاهدين وجلست أشرح واتكلم لوما صرخوا الله أَكْبَر.. وجاء المرتزقة وخرجونا الحوش وضربونا ضرب عنيف، ولم يكن في همنا، أصحابنا ما عاد همهم في الضرب اللي كانوا يضربوهم، وكانوا يقولوا اضربوا كيفما تشتوا ما ذلحين، حرام ان فرحتنا اليوم تسوى الدنيا وما فيها، وكأننا خرجنا من الحبس، الأمر الذي أصاب المحققين بالهستيريا.

 

– وكيف كان خروجك من الأسر؟

في الحقيقة إننا خرجنا في صفقة تبادل قامت بها اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى برئاسة الأستاذ/ عبدالقادر المرتضى، وكنت أنا من ضمن هذه الصفقة، استدعاني الشاوش حق السجن، وقال لي جهّز نفسك، بيشلوك، اليوم يوم الدبور عليك.

أنا خرجت وما كنت أعتقد أن خروجي هذا هو تحرري من الأسر، توكلت على الله والتجأت إليه، وفجأةً سلّموني لشيخ كان هو في الوساطة، مشيت معه، حتى وصلت إلى أَول نقطة للجيش واللجان الشعبية وبدأت أحس بنسيم الحرية، وأتنفس هواء ملؤه الحرية والعزة والشموخ، وفور وصولنا إلى تلك النقطة خرجت من السيارة وصرختُ بأعلى صوتي بالشعار “الله أَكْبَر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسْلَام”، وكانت لحظات لا توصف كأني ولدتُ من جديد.

 

– بعدَ خروجك من الأسر هل كنت تفكر بالعودة إلى الجبهات؟

إي والله، وعاد احنا في السجن، أقسمت على نفسي عندما أخرج أن أعود إلى الجبهات فوراً، وفي أَول لقاء بأحد أبناء عمي سالته عن رفاقي من المجاهدين وتفاجأت أنه في نفس اليوم الذي تحررت فيه من الأسر استشهد أعز صديق لي الشهيد أبو عبدالملك “هلال” وسألتهم عن فلان شهيد وفلان شهيد، وكان أغلب زملائي شهداء ولم يتبقَّ الا القليل.

 

– كم مكثت بعد تحررك من الأسر مع والدك وأسرتك؟

في الحقيقة كما قلت لكم كان تحرري من الأسر متزامناً مع استشهاد أبو عبدالملك “هلال” رضوان الله عليه، زُرْنا الوالد والوالدة وجلست أسبوع فقط، حتى أتاني نبأ استشهاد أخي “علي” في جبهة ميدي، فحمد الله وشكرته على هذا الفضل العظيم، وقررت أن أنطلق إلى الجبهات فور الانتهاء من العزاء، والحمد لله أوفيت بما وعدت، وانطلقت إلى جبهة ميدي.

ونقول للأعداء كما قال سيدي عبدالملك رضوان الله عليه، والله لأن نُبعثر ذرات في السماء أشرف إلينا وأحب إلينا من الجلوس أَوْ القعود أَوْ الاستسلام لأولئك المجرمين الأنذال الطغاة.

 

– ما هي رسالتك الأخيرة؟

رسالتي الأخيرة لكل الشباب الذي أعرفهم والذي لم أعرفهم، أقول لهم: إن الجهادَ بابٌ من أبواب الجنة، فتحه الله لخَاصَّة أَوْليائه، فهو لباسُ التقوى ودرعُ الله الحصين..

فالبدارَ البدارَ إلى جبهات العزة والكرامة، فالنصرُ أمامكم، شدّوا عزمكم، وقاتلوا عدوَّكم وانصروا ربَّكم ينصركم.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com