في الذاكرة مشاهدُ ومواقفُ لا تُنسى

 

أسماء الجرادي

عند الساعة الثانية عشرةَ منتصف ليلة ٢٦ من مارس ٢٠١٥ كانت الفاجعة؛ إذ صحا عدد من أبناء الشعب اليمني على قصف عنيف يهز أرجاء المكان في صنعاء وتعز وعدد من المحافظات، لم يكن الجميع يعلم سببه قبل أن يفتح شاشات التلفاز ليشاهد الوجوه المشؤومة وهي تتحدث عن انطلاق عاصفة الحزم بقيادة السعوديّة وعضوية عدد كبير من الدول، كان إعلان انطلاق هذه العملية بلسان السفير السعوديّ في أمريكا عادل الجبير ومن أروقة البيت الأبيض.

في الساعات الأولى من هذه العملية كانت وسائل الإعلام العالمية تسرد الأخبار باستبشار لما يصفونها بالإنجازات التي حقّقتها هذه العاصفة في الدقائق والساعات الأولى، حَيثُ كان المتحدث العسكري للتحالف (عسيري) يتحدث عن الإنجازات المتوالية بداية بإخراج أجهزة الدفاع الجوي والرادارات عن الخدمة والسيطرة على اليمن جواً وبراً وبحراً وكذَلك عن قصف القصر الجمهوري في صنعاء وتعز ومعسكرات الأمن الخَاصَّة وتدمير مخازن الصواريخ وعدد من المؤسّسات، وكذَلك يتحدثون عن استهداف لعدد من القادة والمسؤولين، وفي الجانب الآخر كانت وسائل الإعلام الوطنية تنقل إنجازات التحالف من أرض الواقع فقد كانت أول مجزرة نُشاهدها أرتكبها هذا التحالف الأرعن في منطقة بني حوات في العاصمة صنعاء، وتوالت الأحداث والمجازر، وكذب وهرطقات دول العدوان بحيثُ إنهم وبكل مجزرة يرتكبونها على المواطنين كانوا يعلنون أنهم استهدفوا قادة ومسؤولين ومخازنَ لصواريخ.

طافت الطائرات أجواء اليمن شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، ولم يتركوا منطقة إلا وقصفوها ودمّـروا فيها بيتاً أَو مؤسّسة أَو مزرعة أَو حتى شجرة، ولم يسلم منهم حتى مرتزِقتهم والألوية الموالية لهم فقد تم قصف إحدى مراكز الألوية العسكرية التابعة لهم في محافظة حضرموت، ونعود بالذاكرة إلى ساعات العدوان الأولى، حيثُ انتظر الشعب اليمني الفرج من جانب آخر وهو أنه قد آن الأوان للشعب وأحزابه ومؤسّساته بالتوحد جميعاً لرفض هذا العدوان الهمجي والاعتداء السافر على السيادة اليمنية والشعب ومؤسّساته، ولكن كانت المفاجأة والصدمة الأُخرى غير المتوقعة التي أتت من أشخاص وأحزاب طالما أخترناهم ووقفنا معهم، فقد أصدرت بيانات تأييد لقتلنا لانتهاك سيادتنا وحرماتنا، كانت هذه البيانات طعنة أُخرى في خاصرة اليمن شَعر بها كُـلّ مواطن مخدوع بهم، فوقف الشعب اليمني وحيداً بقلب مخذول ومنكسر يرجو النصر والجزاء من رب السماوات والأرض، ولقساوة الموقف وشدة القصف وكثافة الطلعات الجوية التي وصلت إلى المئات في اليوم الواحد لم يتوقع الكثير من أبناء الشعب أنه سيبقى على قيد الحياة لأسبوع قادم سوى بلطف الله، فقد كانت الأُسَر اليمنية تجتمع معظم وقتها وفي الليل ينامون في غرفة واحدة حتى إذَا ضربهم الطيران يستشهدون جميعاً ولا يبقى منهم أي واحد فيفقد البقية، لقد رأينا الأطفال يمسكون بأُمهاتهم معظم وقتهم ليس خوفاً من الطيران فقط إنما لكي يستشهدوا مع أُمهاتهم وإخوانهم وجداتهم، وبالفعل فقد ارتكب العدوان الكثير من المجازر التي لا تُحصى بحق الأُسر اليمنية في بيوتها وهناك قصص مؤلمة جِـدًّا للأسر اليمنية أثناء القصف والعدوان على الوطن.

مشاهد ومواقف كثيرة حفرت في الذاكرة ولن تُنسى، مشاهد القتل والفقد، ومواقف الخذلان والجبر من البعض لا تُنسى، مشاهد الرد من قادتنا وقبائلنا ورجال اليمن واقتحام المواقع بأقدام حافية وسلاح شخصي ومن بين الغارات الجوية الكثيفة، كانت ملائكة الله ترافق المجاهدين ورأينا آيات تتوالى والحمدُ لله.

لن ننسى الكلمات التي رفعت من عزائمنا وإصرارنا واستبشارنا بالنصر، وقادمون في العام الثاني، وهي تتواصل كُـلّ عام وللآن، وقادمون في العام العاشر، ونحن ومع كُـلّ ما يحصل من عدوان علينا نزداد قوة وهذا فضل وكرم من الله للمظلومين، ولن ننسى مشاهد الفقد المؤلمة سواء من المواطنين البسطاء أطفال ونساء وشيبان أَو فقداننا لعدد من قادتنا المميزين، ولكن ها قد أثمرت الدماء نصراً لهذا الوطن، والنصر العظيم قادم بإذن الله.

من لم يكن بيننا في الأعوام الأولى للعدوان يستغرب اليوم لحالنا وكيف أننا أصبحنا أقوياء مستبسلين مصرين على النصر والنصر فقط، لا نخاف الأعداء أَو نهابهم مهما كانت قوتهم؛ فالله أقوى، وقد رأينا آيات الله وعونه بأعيننا، لقد عشنا لأَيَّـام وأشهر وأعوام بين جثث وأشلاء ودماء ودموع، فلا تستغربوا فقط لتخرسوا، وأبقوا مكانكم بعيدًا ولا تدنسوا هذه الأرض التي ارتوت بدماء أبنائها المخلصين.

والحمدُ لله أولاً وأخيراً.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com