طحينُ الدم..!

 

مراد راجح شلي

الساعة الثانية فجر الخميس 29 فبراير 2024 م، يشاهد سكان دوار النابلسي بشارع الرشيد على الجنوب الساحلي جنوب غرب مدينة غزة وسط القطاع حافلة محملة بالمساعدات تصل للدوار.

وكز الحاج زهري ذو الخامسة والستين عاماً بمرفقه حفيده أحمد ابن الثانية عشرة والذي كان قد غفا؛ فالاثنان ظلا ساهرين ينتظران وصول حافلة المساعدات هذه، التي أخبرهم شباب الحي عن وصولها الليلة.

بدأ أحمد بإخراج عربة الكارو وهي عربة معروفة بعجلتين خلفيتين تستند عليها قاعدة حديدية لحمل الأشياء وعجلة أمامية تشبه الدراجة النارية، وبسبب انعدام المشتقات النفطية في القطاع؛ بسَببِ العدوان والحصار تم استبدال العجلة الأمامية والمقود بالحمار لجرها.

في حالة الحاج زهري لم يكن بمقدورهم شراء حمار لهذا يقوم هو بنفسه بجر العربة.

خرج الحاج زهري وحفيده أحمد ليشاهدا مئات الأشخاص يهرعون باتّجاه حافلة المساعدات.

يحدث أحمد جده: يا حجي كم يا بشر خرجوا فيش فينا نلحق لينا شيء كيس.

يلتفت جده الذي يجر عربة الكارو ويقول له: يا جدو تفاءل بالخير، إخوانك بيموتوا جوع..

ليمضيا باتّجاه حافلة المساعدات…

*         *         *

الساعة الثالثة إلَّا ربع فجر يوم الخميس 29 فبراير 2024 م.

يقف الجندي الصهيوني شالوم داخل الدبابة مع زميله موفييك يشاهدان المئات من أبناء دوار النابلسي يلاحقون حافلة المساعدات التي لم تتوقف عن الدوران وكأنها تجرهم لمكان معين.

يحدث زميله: حسناً حان الوقت ابلغوا الشاحنة أننا سمحنا لهم ببدء إنزال المساعدات.. لتتوقف هنالك ولتبدأ بإفراغ المساعدات على هؤلاء الحيوانات.

ابلغ موفييك بالجهاز الخليوي من على الحافلة بالتعليمات وفور انتهاء الاتصال يشير سائق الحافلة بيده لعمال الحافلة المتواجدين على ظهرها برمي الأكياس على المواطنين المتجمعين هنالك.

كان الحاج زهري والذي يقف يمين أسفل الحافلة كيس طحين يحاول جره مع حفيده ليصلا لعربة الكارو ويخبره أن يسرع ليفرحا إخوان أحمد ويلحقا صلاة الفجر بالمسجد، وفجأة..

إطلاق نار كثيف ومباشر من الدبابات المتواجدة على شكل نصف دائرة والمتمركزة خلف الحافلة باتّجاه المواطنين الذين بدأوا بتحميل أكياس المساعدات على عشرات عربات الكارو ليستشهد العشرات وتختلط دمائهم مع أكياس الطحين التي أصيبت كذلك وتناثرت ويصطبغ الطحين الأبيض بدماء القتلى الحمراء.

يسمع الحج زهري صوت إطلاق الرصاص ويشاهد الناس يتساقطون من حوله فيقفز على صندوق العربة ويحتضن حفيده أحمد وكيس الطحين ويتمتم بالدعوات.. فجأة طلقة نارية تخترق ظهره مباشرة خلف قلبه تماماً وتستقر في كيس الطحين.. بدأ أحمد بهز جده مراراً لكنه لم يعد يحرك ساكناً؛ لأَنَّه استشهد على الفور.

الساعة الرابعة وخمس وأربعون دقيقة فجر الخميس 29 فبراير، تصدح مساجد دوار النابلسي بأذان الفجر معلنة فجر يوم عدوان جديد على أهالي غزة مخضب بالدم والطحين!

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com