بينَ كربلاء الطف وكربلاء الجرف

 

محمد موسى المعافى

حلَّت علينا ذكرى استشهاد الشهيد القائد الحسين بن بدر الدين الحوثي -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ-، وهي فاجعة عظيمة ومأساة كبرى في تاريخ هذه الأُمَّــة، تذكرنا بواقعة استشهاد الإمام الحسين -عليه السلام- ومن الممكن أن نطلق على حادثة استشهاد الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- كربلاء الجرف، وكربلاء الجرف هي امتداد للطف وكلتيهما نَتاج لذلك الانحراف الذي حدث في تاريخ الأُمَّــة، وَالحديث عن كربلاء الجرف هو كالحديث عن كربلاء الطف، حديث عن الحق والباطل، حديث عن النور والظلام، حديث عن الشر والخير، حديث عن السمو في أمثلته العليا وعن الانحطاط.

في كربلاء الطف خرج الإمام الحسين -عليه السلام- في زمنٍ كَثُرَ فيه الفساد وَتولى أمر الأُمَّــة السفلة والأوغاد وَحكموا بغير ما أنزل رب العباد.

وفي كربلاء الجرف خرج السيد الحسين -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- في زمن سادت فيه أمريكا وخضع لها الجميع شعوباً وملوكاً، وَخافها العالم ونظروا لها سلطانًا غليظًا.

في كربلاء الطف خرج الإمام الحسين -عليه السلام- آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، داعياً إلى الحق، ناصحاً، طالباً الإصلاح لواقع أُمَّـة جده رسول الله صلوات الله عليه وآله.

وفي كربلاء الجرف خرج السيد الحسين -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- ليصدع بالحق في وجه الطاغوت، وَيواجه منكر أمريكا ويصفها بالجبت والطاغوت، وَيربط الأُمَّــة بالله، من بيده الملكوت.

في كربلاء الطف تركت الأُمَّــة الإمام الحسين -عليه السلام- مع أهله وأصحابه في وسط الصحراء وحاصروه ومن معه، بل وأشهروا سيوفهم ليسفكوا أقدس وأطهر وأزكى الدماء.

وفي كربلاء الجرف تركت الأُمَّــة السيد الحسين -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- وأهله وأصحابه بين تلك الجبال، وَحشد الظالمون لقتله الآلاف من أشباه الرجال ونشروا دعايات الكذب والزيف والضلال.

في كربلاء الطف منع جيش يزيد عن الإمام الحسين ومن معه الماء واحترقت أكبادهم من شدة العطش، أما في كربلاء الجرف فلم يكتف جيش يزيد العصر بمنع الماء بل استبدلوه بالبنزين سريع الاشتعال وأحرقوا الحسين ومن معه من رجال وأطفال.

في كربلاء الطف تحَرّك الإمام الحسين -عليه السلام- وفق توجيهات القرآن الكريم، وتحَرّك وحرك بالقرآن، وعندما نتفحَّص حديثه الذي نقلته كتب التأريخ نجده مليئًا بالآيات القرآنيَّة، وكأنَّه لا يتكلم إلَّا قراناً أَو لا يريدُ الحديثَ إلَّا بالقرآن الكريم؛ فهو كان دائم الاستحضار للذكر الحكيم في كُـلّ معتركات معركة الطف؛ ولذا كانت المواجهة بين الباطل والضلال من جهة والقرآن وقرينه من جهة أُخرى.

أما في كربلاء الجرف فقد كانت الحرب منذ بدايتها لمواجهة القرآن الكريم في رؤيته ودعوته وثقافته؛ لأَنَّ الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- عندما أعلن هذا المشروع قال: (هذا زمن القرآن) وقال: (إن وراء القرآن من أنزل القرآن)، وتحَرّك في أوساط الناس ليعيدهم إلى القرآن الكريم، العودة الجادة والواعية والمستبصرة والعملية، وتعزيز الثقة بالله من خلال معرفته الكاملة، وُصُـولاً إلى اتِّخاذ موقف عملي يندرج في مواجهة الطاغوت والاستكبار، لذلك استطاع -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- أن يغير بالقرآن تغييراً كَبيراً في واقع النفوس وبنى به أُمَّـة تحَرّكت على أَسَاسه.

في كربلاء الطف برز دور أهل البيت في مواجهة الطاغوت والضلال المتمثل في يزيد بن معاوية وحركته الضلالية في فصل الأُمَّــة عن الدين وإعادة الأُمَّــة إلى عصر الجاهلية، لم يقبل الإمام الحسين -عليه السلام- أن يجلس في مدينة جده رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يطعم الطعام ويفشي السلام ويصلي والناس نيام ويوفر على نفسه عناء مواجهة الضلال والظلم والانحراف، رفض ذلك وتحَرّك ليقوم بدوره ومسؤوليته كوارثٍ للكتاب، ولم يأبه بما قد يترتب على حركته تلك من مصاعب ومتاعب ومشاق وخسائر.

وَفي كربلاء الجرف برز دورُ أهل البيت في موقف الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- ففي ظل ذلك الواقع الذي عاشته الأُمَّــة في تلك المرحلة من هيمنة أمريكية على المنطقة واحتلال لعدد من البلدان العربية وارتكاب أبشع المجازر والجرائم، في ظل صمت لأنظمة وشعوب العالم برز -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- قائلاً: (في أوضاع كهذه يجب أن يكون أهل البيت هم أول من يدرك خطورتها، هم أول من يتحَرّكُ لمواجهتها، أن يكونوا هم أول المجاهدين، أن يكونوا هم أول الشهداء، أن يكونوا هم أول من يبذل دمائه وأمواله في سبيل الله والمستضعفين) لذلك تحَرّك -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- في الوقت الذي تخاذل فيه الجميع، وصرخ في الوقت الذي سكت فيه الجميع، وَبرز في الوقت الذي تراجع فيه الجميع، وشخّص مرض هذه الأُمَّــة وقدم الدواء في الوقت الذي عجز فيه الآخرون، واستطاع -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- كما وصفه بذلك السيد القائد -يحفظه الله- أن يحطّمَ جدارَ الصمت ويكسرَ حاجزَ الخوف ويُعِيدَ الأملَ والثقةَ في مرحلةٍ عصيَّة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com