السيدُ عبدالملك الحوثي في خطاب بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد 1445هـ – 2024م: إذا لم يتوقف العدوانُ والحصارُ على قطاع غزة سنصعِّــدُ أكثرَ فأكثرَ

 

الأمريكي يحاولُ أن يموِّهَ ويضعَ على بعض سفنه عَلَمَ “مارشال” وأصبح يتهرَّبُ في البحر

 

شعبُنا اليمني المسلم العزيز يقفُ اليومَ موقفًا متميِّزًا ويساندُ الشعبَ الفلسطيني المظلوم بفاعلية وتحَرُّكٍ شامل

ثمرةُ الانطلاقة القرآنية ونتائجُها ملموسةٌ وواضحةٌ في التحرّر الحقيقي والعزة والكرامة والاستقلال والفاعلية

الثقافةُ القرآنيةُ في الوعي والبناء هي سِـــرُّ صمود شعبنا وثباته واستعداده العالي للتضحية

جهودُ الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رضوانُ الله تعالى عليه- وما واجهه مشروعُه القرآني والمنتمون إليه نراها انتصرت

 

أُرَحِّبُ بكم جميعاً، وفي المقدّمة الآباء العلماء الإجلاء، أُرَحِّبُ بكل الحاضرين، وعَظَّمَ اللهُ أُجُورَنا وأجورَكم في هذه الذكرى المؤلِمة والحزينة.

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إبراهيم وَعَلَى آلِ إبراهيم إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أصحابهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ الحَاضِرُون:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛

يقولُ اللهُ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[غافر: 51-52]، صَدَقَ اللَّهُ العَلِيُّ العَظِيمُ.

في مثل هذا اليوم من الشهر، في السادس والعشرين من شهر رجب، لعشرين عاماً خلت، ارتقى شهيدُ القرآن السيدُ القائد/ حسين بن بدر الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” شهيداً، سعيداً، فائزاً، في عدوانٍ ظالمٍ جائرٍ استهدفته به السلطة الظالمة آنذاك؛ استرضاء منها لأمريكا، وتقرباً إلى أمريكا، استمر ذلك العدوان قريباً من الثلاثة أشهر باستثناء أربعة أَيَّـام، وبإشرافٍ وتحريضٍ أمريكي، وكانت تلك هي الحرب الأولى التي تلتها حروبٌ مُستمرّة ومتتالية ضد المشروع القرآني الذي تحَرّك به الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه”، كانت الحرب الأولى مطبوعةً بالطابع العدواني، والإجرامي، والوحشي، وبالتكبر، والطغيان، والظلم، عدوان بكل ما تعنيه الكلمة، لا مبرّرَ له، ولا مشروعية له، فما الذي فعله الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه”، ليشنّوا عليه تلك الحرب، وليستهدفوه بذلك العدوان، وليعملوا على قتله؟

قضيته: أنه تحَرّك بمشروعٍ قرآني، يُذَكِّر الناس بكتاب الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى”، ويقدم رؤيةً قرآنيةً تُرشد الأُمَّــة وتهدي الأُمَّــة لكيفية التصدي للخطر الداهم عليها، إثر الهجمة الأمريكية والإسرائيلية والغربية، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي هي بنفسها صناعة صهيونية؛ لتكون ذريعةً كبيرةً؛ مِن أجل تنفيذ مرحلة جديدة من مؤامراتهم، للسيطرة المباشرة على المسلمين، ومسخ هُــوِيَّتهم، واحتلال بلدانهم، ونهب ثرواتهم ومقدراتهم.

تحَرّك بمشروعٍ قرآني، وبخطواتٍ عمليةٍ على ضوء ذلك المشروع القرآني:

  • في بدايتها الشعار: هتاف البراءة من أمريكا وإسرائيل (الصرخة في وجه المستكبرين)، الذي هو من عبارات واضحة، هو:

الله أكبر

الـموت لأمريكـــا

الـموت لإسرائيل

اللعنة على اليهود

النصــــر للإسلام

هذا الهتاف، وهذه الصرخة في وجه المستكبرين: لكسر حاجز الصمت، ولمنع تكميم الأفواه، وللانتقال بالناس من حالة الاستسلام إلى الموقف، ولتحصينهم من التطويع والولاء لأعدائهم، وللارتقاء بهم نفسياً وذهنياً، وتهيئتهم للمواقف الأكبر التي يفرضها عليهم دينهم، وانتماؤهم للإسلام والقرآن.

  • ومع الهتاف بالشعار، المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية: التي هي ذات أهميّة كبيرة في المواجهة الاقتصادية؛ نظراً لما يستفيدُه الأعداء من بضائعهم التي تغزو الأسواق في بلداننا العربية والإسلامية، ويجنون من ورائها مليارات الدولارات، التي توظَّف كلها في العدوان على أمتنا، والاستهداف لشعوبنا.
  • ويترافق مع ذلك النشر للوعي القرآني.
  • والفضح والكشف للمؤامرات الأمريكية والإسرائيلية والغربية.
  • والتحصين لمجتمعنا الإسلامي من الخداع والتضليل والتدجين.
  • والتقديم للحلول العملية القرآنية، التي ترتقي بالأمة إلى مستوى التصدي لأعدائها والوقوف بوجه مؤامراتهم.

آنذاك كان الموقف السائد لمعظم الأنظمة والزعماء والحكومات العربية وغيرها في العالم الإسلامي، كان الموقف السائد أمام تلك الهجمة الخطيرة هو: الاستسلام، والتجنُّدُ مع أمريكا، والقبول بما تفرضه في كُـلّ المجالات، وانعدام التحَرّك المضاد والمناهض للهجمة الأمريكية الإسرائيلية والغربية، والتي أَيْـضاً تزامن معها آنذاك وتصاعد العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، والذي كان يقدمه العرب فقط وما يسمونه بمبادرات السلام، التي هي استسلام بكل ما تعنيه الكلمة.

التوجّـهات والسياسات التي تبنتها الحكومات والأنظمة، التي كانت تتمثل بالخنوع لأمريكا، وفتح المجال لها؛ لإحكام سيطرتها على شعوب الأُمَّــة:

  • عسكرياً:بالقواعد العسكرية، والسيطرة على الجيوش.
  • واقتصادياً:بالالتزام بإملاءات الأمريكيين، التي تعيق أية نهضة اقتصادية، بل تصنع الأزمات الاقتصادية، وفي نفس الوقت تعيق أي توجّـه جادٍ نحو الإنتاج، وتنهب ثروات الشعوب وتستأثر بها.
  • وأمنياً:بتسليط التكفيريين على الشعوب، ونشر الجرائم بكل أشكالها وأنواعها، وتغذية الفتن بين أبناء المجتمع.
  • وسياسياً: بالاستثمار في المشاكل السياسية، وصنع واقعٍ مأزوم، وبعثرة المجتمع بإنتاج المزيد والمزيد من الانقسامات السياسية، والتباينات، وتغذية الصراعات تحت كُـلّ العناوين: المناطقية، والعِرقية، والمذهبية، وغيرها، بما يحول دون أي استقرار سياسي.
  • وثقافيًّا وفكرياً:باستهداف الأُمَّــة في ذلك لإضلالها، وتزييف وعيها، وطمس هُــوِيَّتها؛ عبر سيطرتهم على المناهج التعليمية، بل على العملية التعليمية بكلها والتربوية، حتى في كُـلّ مراحلها، وعلى الكادر الإداري والتعليمي، ومنع ما يريدون منعه من الأنشطة التعليمية، التي لا تنسجم مع توجّـهاتهم، وسعو أَيْـضاً للسيطرة على الخطاب الديني وعلى المساجد، والسيطرة على الإعلام، وعلى مختلف الأنشطة التثقيفية، كُـلّ هذا؛ بهَدفِ احتلال الفكر، والسيطرة التامة على الإنسان بالسيطرة على تفكيره، وثقافته، وقناعته؛ وبالتالي على توجّـهاته.
  • وأخلاقياً:في حربهم الضروس على الأخلاق والقيم، واستهدافهم بشراسة للعفة والشرف والنزاهة، ونشرهم للفساد الأخلاقي والرذيلة، والجرائم، والمفاسد، وكل ما يساعدُ على ذلك ويهيِّئُ له من مقدماته، ومنها: التبرج، والفوضى في الاختلاط، والفوضى في العلاقات والروابط المحرمة خارج العلاقة الزوجية، وشرب الخمور، وتعاطي المخدرات، وغير ذلك؛ بهَدفِ تفكيك البنية الاجتماعية ولبنتها الأولى الأسرة؛ وبهدفِ نشر الإيدز والأمراض الفتاكة.
  • والسيطرة على القضاء، وإفراغه من الدور الأَسَاسي في تحقيق العدالة، وتحويله فقط إلى أدَاة من أدوات أمريكا، وتحويل الأجهزة الأمنية إلى أدَاة قمع فقط بيد أمريكا، والسجون إلى معتقلات بيدها.

ذلك كان برنامج أمريكا، الذي تحَرّكت به في بلدنا، وتتحَرّك به في الساحة الإسلامية بشكلٍ عام، والهجمة الأمريكية هي شرٌ مطلق، شرٌ مطلق بكل ما تعنيه الكلمة، ليس فيها أي خيرٍ لشعوبنا، ولا أية مصلحة لأمتنا؛ ولذلك فسياسة الأنظمة والحكام في التمكين لها بدلاً عن إعاقتها ليست حاميةً للشعوب، ولا في مصلحة الشعوب؛ إنما هي إغراء وتمكين وأطماع، وأن تقف الشعوبُ جامدةً مستسلمةً لذلك، فهو ما ليس في مصلحتها، ولا ينسجم مع هُــوِيَّتها وانتمائها، والنتيجة: ذلك الخسران المحقّق في الدنيا والآخرة؛ ولذلك كان المشروع القرآني ضرورة بكل ما تعنيه الكلمة، وهو لمصلحة الأُمَّــة.

فتحَرّك السيد حسين بدر الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” بالمشروع القرآني، في مواجهة تلك الهجمة الأمريكية الإسرائيلية اليهودية، وهو تحَرّك منطلقٌ من منطلقٍ قرآنيٍّ إيمانيٍّ، تحَرّك يُجَسِّد الموقف الصحيح، والرؤية الحكيمة، تحَرّك لمصلحة الأُمَّــة وإنقاذها، وكان موجهاً بكل وضوح ضد أعدائها، ومع ذلك راعى في الخطوات العملية:

  • ألَّا يكون هناك مبرّر للأعداء، لا للأمريكيين، ولا لعملائهم.
  • وأن تكون الخطوات العملية تلك -في نفس الوقت- فاضحةً لهم، في العناوين التي كانوا يتشدقون بها، مثل: عنوان الحُريَّة، والديمقراطية، وداخل عنوان الحرية: حُريَّة التعبير، وحُريَّة الكلمة، وكذلك عنوان الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وغير ذلك من العناوين.

وكانت تلك الخطوات العملية أَيْـضاً هادفة:

  • في تحصين المجتمع من اختراقهم؛ لأَنَّهميريدون أن يكسبوا ولاء المجتمع، أن يكون المجتمع متقبلاً لهم ولسيطرتهم، ومتقبلاً لكل برامجهم ومخطّطاتهم التي يستهدفونه بها بكل الأشكال.
  • وأن تكون تلك الخطوات العملية أَيْـضاً مبسطة، وغير معقدة، وأن تكون متاحةً للناس.

وكانت كذلك. الشعار كان كذلك، فضح الأمريكيين، وفضح عملاءهم، فيما يتشدقون به من حُريَّة تعبير، لم يتحملوا هذا التعبير، خمس كلمات يهتف بها، ويردّد بها؛ بينما كان من العناوين التي يركز، عنوان الحريَّة كان من العناوين التي يركِّز الأمريكيون بشكل كبير على خداع شعوبنا بها، فافتضحوا، أسقط عليهم الشعارُ عناوينَ أَسَاسية، كانوا يستخدمونها؛ بهَدفِ التضليل لمجتمعاتنا في العالم العربي وغيره من العالم الإسلامي، أين كانت تلك الحُريَّة؟ أين كانت تلك الديمقراطية؟ أين كانت قائمة الحقوق الطويلة والعريضة؟ أمام خمس كلمات واجهوها بكل أشكال الاعتداءات، كما سيأتي المزيد من التفصيل.

فضحتهم أَيْـضاً خطوة المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، العمل التوعوي لنشر الثقافة القرآنية، كلها خطوات مكفولة آنذاك في الحق القانوني والدستوري، وليس هناك ما يبرّر أن تواجه بكل أشكال الاعتداءات.

فكان ذلك فضحاً للأمريكيين ومن وراءهم، فضحاً للأمريكيين واللوبي اليهودي الصهيوني الذي يحركهم، وفضحاً لعملائهم أَيْـضاً، وفي نفس الوقت تحصين للمجتمع؛ لأَنَّه يجعل المجتمع في حالة معادية ومباينة للأمريكيين، ومحصناً من التقبُّل لما يأتي من جانبهم، وعلى درجة عالية من اليقظة والانتباه والتركيز، وتصويب الأنظار تجاه مؤامراتهم ومخطّطاتهم، والتنبُّه لها، والحذر منها، والوقوف ضدها، وهو في نفس الوقت يحمي الأُمَّــة من الولاء لهم، ومن التطويع لهم، والذي يعتمد عليها الأعداء كوسائل أَسَاسية للسيطرة على الأُمَّــة، هم يريدون أمتنا الإسلامية بشكلٍ عام أن تكون مدجنةً لهم، خاضعةً لهم، مطيعةً لهم، متقبلةً لسيطرتهم، خاضعةً لهم خضوعاً تاماً حتى على حساب دينها، وقيمها، ومبادئها، وأن تفرِّط في تعليمات الله، وفي القرآن الكريم، وفي كُـلّ شيء؛ مِن أجلِهم.

كان للشعار ولهذه الخطوات الثلاث أثر حقيقي، ملموس في كُـلّ الذين انطلقوا هذه الانطلاقة، كيف كانوا متميزين في وعيهم، في انتباههم، في موقفهم الجادِّ ضد الهيمنة الأمريكية، في جرأتهم، وفي نفس الوقت في خروجهم عن حالة الجمود، والاستسلام، والخضوع، والصمت، والحالة التي كانت مؤثرةً، أَو مستحكمةً على البعض: بسَببِ الرهبة، والخوف، واليأس، والعجز، والضعف، وفقدان الأمل، وعلى البعض الآخر: نتيجةً للأطماع، والأهواء، والمرض في القلوب الذي يتجه بالبعض نحو الولاء لأعداء الأُمَّــة.

كانت الخطواتُ التي كانت بإشرافٍ أمريكي ضد المشروع القرآني، وضد خطواته العملية، كانت خطوات الاستهداف: بدءاً بالاعتقالات، وكان هناك اعتقالات في محافظة صعدة، في جامع الإمام الهادي “عَلَيْهِ السَّلَام” وفي أماكن أُخرى، وفي الجامع الكبير استمرت إلى حين بدأت الحرب الأولى، فكانت الاعتقالات هي من إحدى الوسائل التي حورب بها المشروع القرآني، للمنتمين إلى هذا المشروع، والمتحَرّكين في إطار هذا الموقف. الاعتقالات التعسفية، الفصل من الوظائف، الحرب الدعائية الإعلامية، إغلاق بعض المدارس التي فشلوا في إسكات هذا الصوت فيها، التشويه بين أوساط المجتمع بالدعايات الكاذبة، والافتراءات الشنيعة والرهيبة، ولكن فشلوا، بالرغم من أنهم ملأوا السجون، في مقدمتها سجون الأمن السياسي آنذاك، امتلأت بالمكبرين، هكذا عُرِفَ الذين يهتفون بالشعار، وينطلقون في إطار هذا الموقف القرآني، كان يقال عنهم آنذاك هذا التوصيف (المكبرين)، مُلِئَت سجون الأمن السياسي بهم؛ لأَنَّهم هتفوا بهذا الشعار، وخرجوا عن السياق الذي أرادته أمريكا، في أن تكون الساحة أمامها بدون أي تحَرّك مضاد لمؤامراتها، ولكل برنامجها المدمّـر والكارثي، الذي تستهدف به شعوب أمتنا.

بعد أن فشلوا في إيقاف هذا الصوت، وكان يتنامى وينتشر إلى مناطق ومحافظات أُخرى، اتجهوا إلى عدوانٍ عسكري، استهدفوا به الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” إلى منزله في مران (في منطقة مران – في مديرية حيدان – محافظة صعدة)، فاتجهوا بحملة عسكرية كبيرة وجيشٍ جرار، إلى مران، لاستهداف مران والمناطق المجاورة لها كهدف أَسَاسي للعملية، وَأَيْـضاً لاستهداف المناطق الأُخرى، التي كان فيها تحَرّك جيد وواسع في إطار هذا المشروع القرآني، مثل: منطقة نشور في همدان، ومناطق أُخرى في همدان، وفي آل الصيفي، وفي عدة مناطق في خولان عامر، ومناطق أُخرى.

آنذاك، وإزاء تلك الحرب وذلك الهجوم الكبير لم يكن لدى الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” أي تشكيل عسكري، ولم يكن لديه جيش منظم، ولا إمْكَانيات عسكرية، ولا ترتيب عسكري، لم يكن هناك أية ترتيبات لوضع عسكري، وكان الهجوم الذي شنته السلطة يستهدف الأهالي أصلاً، يستهدف المواطنين إلى منازلهم، إلى قراهم، يعني: لم يكن هُجُوماً؛ لأَنَّ هناك جيشًا، أَو هناك كما يردّدون عبارة (ميليشيات)، لم يكن هناك ميليشيات، ولا جيش منظم، ولا شيء من هذا، الحرب كانت تستهدف القرى، المنازل، البيوت، الأهداف العسكرية هي البيوت بنفسها، منزل الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” هدف عسكري، منزل فلان، ومنزل فلان، والمسجد في تلك القرية، والمدرسة في تلك القرية، وتلك القرية بما فيها من المساكن هي الأهداف العسكرية لتلك الهجمة، ولذلك الحرب، ولذلك العدوان.

فكان الهجوم الذي تشنه السلطة هو فعلاً يستهدف الأهالي والمواطنين إلى منازلهم، وإلى قراهم، وبكل جبروت، وباستخدام كُـلّ أنواع الأسلحة: الجوية: كُـلِّ أنواع الطيران الحربي والمروحي شارك منذ اليوم الأول في ذلك الاعتداء الظالم. والأسلحة البرية: الصواريخ، الدبابات، المدفعية، كُـلّ أنواع السلاح، وبتدميرٍ شامل، وزحفٍ بالآلاف من الجنود، وحصارٍ تام لمنع الغذاء، ولمنع الدواء ولمنع حتى دخول حبة قمح، أَو حبة دواء إلى مران.

إلى حين استشهاد الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” مع أكثر من مئتي شهيد، وحينها تصور الأمريكي وعملاؤه أنهم بعدوانهم ذلك، وبقتلهم للشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” ومن معه من الشهداء، وبزجهم بالمئات في السجون، قد حقّقوا هدفهم في القضاء على المشروع القرآني.

ولكنَّ المشروع القرآني استمر، بالرغم من استمرار الحروب، فبعد الحرب الأولى تلتها حروب أُخرى متوالية، في مقدمتها الحرب الثانية، استهدفوا بها فقيه القرآن، السيد العالم الكبير/ بدر الدين بن أمير الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه”؛ نظراً لدوره، وثقله، وتأثيره في التحَرّك بهذا المشروع القرآني، وهو المربي والمعلم، فشلوا في قتله، كانوا يريدون قتله بشكلٍ واضح، بالرغم من أنه من كبار علماء البلد المعروفين، بل من كبار علماء العالم الإسلامي، بالرغم من كبره في السن، لم يحترموا له لا منزلته ومكانته العلمية على مستوى العالم الإسلامي، ولا شيخوخته، ومرضه، وظروفه الصحية، وهو أَيْـضاً في سياق ووضعية مستقرة، مستقر في منطقة نشور، ليس في حالة حرب عليهم، كان هناك هدنة بعد الحرب الأولى في نشور، فشلوا في قتله آنذاك، واستمرت الحروب بعد ذلك.

واستمرت الممارسات العدوانية لستة حروب شاملة، بإشراف وغطاء أمريكي، ودعم إقليمي معلن، وتعتيم إعلامي كبير، بل وتزييف للصورة الحقيقية عن أسباب تلك الحروب، وكانت بكلها أَيْـضاً مطبوعة بالطابع الإجرامي، ما شاهده شعبنا في فترة العدوان الأمريكي السعوديّ على بلدنا على مدى تسعة أعوام من جرائم: قتل للأطفال والنساء، استهداف للناس المواطنين في منازلهم، تدمير للمساجد والمنازل، حصار، كُـلّ أنواع الإجرام كانت سلوكاً يستخدمها آنذاك المعتدون في عدوانهم في الحروب الست، ولا زالت هناك الكثير من مشاهد الفيديو التي وثقت نماذج من تلك الجرائم، ومن تلك المآسي التي كانت المعاناة منها كبيرة في كُـلّ تلك المراحل.

ولكن مع كُـلّ ذلك، مع الحروب المتوالية، مع النهج الإجرامي في استهداف المشروع القرآني، والمحاربة له، بالقتل، والتدمير، والتعذيب، والاضطهاد، والسجن، والتشويه الإعلامي، والدعايات الكاذبة، والافتراءات الرهيبة، الحرب بكل الأشكال، الحصار التام، كُـلّ أشكال الحرمان، كانت المفارقات العجيبة، والتي هي آية من آيات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ودلالة واضحة على عظمة المشروع القرآني: أنه كلما حورب ازداد قوةً وتمكيناً، وكانت النقلات الواضحة بين كُـلّ حربٍ وأُخرى، منذ الحرب الثالثة إلى الحرب السادسة، ومن بعدها إلى اليوم، نقلات كبيرة، نقلات بانتصارات عظيمة، وانتصارات أَيْـضاً ووضوح وتجلٍ للحقائق؛ لأَنَّ الحرب بالدعايات، والافتراءات، والتشويه ضد المشروع القرآني، كانت حرباً كبيرةً جِـدًّا ولا تزال، ولا تزال إلى اليوم، تعتيم على حقائق، ونشر صورة مزيفة، وتشويه وافتراءات على المستوى الإعلامي، وبكل وسائل الدعاية، لكن النقلات، في تحقيق الانتصارات والتمكين الإلهي، وَأَيْـضاً التجلي الواضح للحقائق كانت مُستمرّة، ومن مصادق الآية المباركة: {وَاذْكُرُوا، إذ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرض تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[الأنفال: الآية26]، ومن يذهب في هذه الفترة لزيارة مران، لزيارة المناطق التي شهدت الأحداث الكبيرة، مثل: ضحيان، وبني معاذ، وهمدان، ومناطق كثيرة، وكذلك في سفيان، في مناطق خولان عامر بشكلٍ عام، معظم المناطق في محافظة صعدة، في آل سالم، كذلك بقية المناطق التي شهدت أحداثاً ساخنة -لسنا في سياق الحصر- ويتأمل طبيعة الأحداث وما جرى، وحجم ما عاناه المنطلقون في هذا المشروع القرآني، وما واجهوه من تحديات، ثم ما تحقّق بالرغم من كُـلّ ذلك من انتصارات عظيمة، يلمس المصاديق الواضحة لهذه الآية المباركة: {وَاذْكُرُوا، إذ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرض تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ}.

في كُـلّ الحروب الست كان التحَرّك بالمشروع القرآني بدون أي دعمٍ خارجي، وكان المنطلقون في هذا المشروع القرآني أكثرهم من أضعف الناس إمْكَانيات، من أبناء مجتمعنا اليمني، الذين يعانون من الفقر والبؤس والظروف الصعبة جِـدًّا، ولم يكن أَيْـضاً هناك أي أجندة خارجية لهذا المشروع القرآني، ليس لتحقيق أجندة لصالح دولة هنا، أَو دولة هناك، أَو لصالح أي طرف خارجي، بل هو تحَرّك أصيلٌ بأصالة انتماء شعبنا اليمني للإيمان، وللهُــوِيَّة الإيمانية، وانتمائه الإسلامي، هو تحَرّك أصيلٌ مشروعٌ، ليس تحَرّكاً بالباطل، ليس تحَرّكاً بما فيه فساد، بما فيه ضر بهذا البلد، بهذا الشعب، هو تحَرّك بالحق؛ لأَنَّه على أَسَاس القرآن الكريم، وتعاليم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وضرورةٌ حتمية، هناك حاجة لهذا التحَرّك، هناك ضرورة لهذا التحَرّك، ليس تحَرّكاً عبثياً لإثارة مشاكل، أَو مُجَـرّد ضجيج في الهواء، ليس له داعٍ، ليس له قيمة، هناك هجمة كبيرة جِـدًّا من أعداء هذه الأُمَّــة، على أمتنا بشكلٍ عام وعلى شعبنا العزيز، وواجبنا الديني والإنساني والأخلاقي أن نتحَرّك؛ لأَنَّها هجمة تستهدفنا جميعاً، بكل هذه الأُمَّــة، وتستهدف شعبنا بكله، ولم يكن هذا التحَرّك القرآني موجهاً ضد أحد من أبناء هذه الأُمَّــة، كان واضحًا في تحديد من هو العدو: أمريكا وإسرائيل، اليهود والنصارى، اللوبي اليهودي ومن يتحَرّك في فلكه، ولم يكن أَيْـضاً مشروعاً عنصرياً، ولا فئوياً، ولا مناطقياً، ولم يكن هناك أبداً ما يبرّر الاستهداف له.

هذا المشروع القرآني ينطلق من القرآن الكريم، من الكلمة السواء التي يؤمن بها كُـلّ المسلمين، ولا يمكن لإنسان أن يعبِّر أَو يقر على نفسه بالانتماء للإسلام، إلَّا وهو يقرُّ بإيمانه بالقرآن الكريم، وهذه الرؤية مستندة إلى مبادئ هذه الأُمَّــة، المبادئ الإسلامية، مبادئ الإسلام، قيمه، وتتحَرّك لتبني قضايا هذه الأُمَّــة، فيما يعنيها، وفي مقدِّمتها: القضية الفلسطينية.

بالرغم من كُـلّ التشويه ضد هذا المشروع القرآني، ما بين الحرب عليه بكل الأشكال: عسكريًّا، وأمنيًّا، وتشويهاً بالدعاية وبالإعلام، وثقافيًّا… كُـلّ أشكال المحاربة، وما بين محاولة الاستخفاف به، والسخرية منه، والاستهزاء به، والتقليل من قيمته، والتثبيط عنه، والازدراء له، والتشويش على النوايا والأهداف، إلَّا أنَّ هذا المشروع القرآني –بتوفيق الله تعالى، بنصره، بمعونته- أثبت أنَّه مشروعٌ ناجح، ثبت في الواقع -بتأييد الله، بمعونته- أنَّه مشروعٌ ناجحٌ، ومُهِـمٌّ، وضروريٌّ ولمصلحة الأُمَّــة، وتحقّقت النجاحات الواضحة بشكل كبير.

هذا المشروع بكل وضوح هو ينطلق من انتماء هذا الشعب وهُــوِيَّته، ليس هناك ما يريب تجاه هذا المشروع أَو يقلق، أَو أن يرى فيه الإنسان أنَّه مغاير لانتماء هذا الشعب، لهُــوِيَّة هذا الشعب، ليس مشروعاً دخيلاً على هذه الأُمَّــة، القرآن، وموقف من أعداء هذه الأُمَّــة، وبراءة من أعدائها، وعداء للأعداء الواضحين الحقيقيين، وتحَرّك عملي يبني هذه الأُمَّــة في وعيها، وثقافتها، وواقعها السياسي والاقتصادي، وفي واقعها العسكري، وفي واقعها في كُـلّ المجالات، لتكون بمستوى مواجهة أعدائها؛ ولذلك هو مشروع ينسجم انسجاماً تاماً مع هُــوِيَّة هذا الشعب؛ لأَنَّه منبثقٌ من انتمائه الإيماني، وليس نكرةً عليه، وليس دخيلاً عليه، كما أتت مشاريع أُخرى استُهدف بها شعبنا كانت واضحة في كم هي نكرة على هذا الشعب، لا تنسجم مع هُــوِيَّته، مع قيمه، مع مبادئه، وهي دخيلة بكل وضوح على هذا الشعب؛ أمَّا هذا فهو مشروع أصيل؛ ولذلك انطلق فيه أبناء شعبنا العزيز انطلاقةً فاعلة، يتَّخذون الموقف الواضح من الأعداء الواضحين والحقيقيين للأُمَّـة، ويتبنى أبناء شعبنا في انطلاقتهم هذه قضايا الأُمَّــة الكبرى، وفي مقدِّمتها: القضية الفلسطينية بوعي، وبصيرة، وشعورٍ عالٍ بالمسؤولية.

عندما نتأمل منذ ذلك اليوم وإلى اليوم، يعني: الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” تحَرّك لثلاث سنوات لم تكتمل منذ بداية المشروع، استعجل الأعداء، وتحَرّكوا لمواجهته، وحاولوا إنهاء هذا المشروع باستهدافهم له، وسعيهم لقتله، لم تكتمل له ثلاث سنوات كاملة للتحَرّك بهذا المشروع، ثم تلا ذلك الحروب الشرسة، الجهود العجيبة جِـدًّا، الأمريكي كان يحرِّكهم، وهم بغبائهم، وضلالهم، وظلمهم، كانوا يتَّجهون بجديَّة عجيبة، في محاولة لإنهاء هذا المشروع، ومحاولة لإنهاء هذا الصوت، ولكن مع ذلك نجح هذا المشروع وإلى اليوم.

عندما نتأمل في الخيارات الأُخرى، نجد أهميّة هذا المشروع، وإيجابيته الكبيرة، ونجاحه العظيم، الأعداء (الأمريكيون، والإسرائيليون، والبريطانيون) الذين هم أذرع أخطبوط الشر، والظلم، والطغيان، اللوبي اليهودي، الذي يحمل راية الشيطان، وتحَرّكه امتداد لأجندة الشيطان نفسه، في الاستهداف للمجتمع البشري، والمعادَاة للإسلام والمسلمين، هم يتحَرّكون بمشاريع عمل، وليس بمواقفَ لحظيةٍ وعادية، حتى تكون المواجهة معهم مُجَـرّد مواجهة عارضة، وأمتنا كانت مستهدَفةً على مدى قرون من أعدائها، من اليهود والنصارى، من الكافرين، من غيرهم، وتطوَّر واقع اللوبي اليهودي وهو يحمل راية الشيطان، وتمكّن من السيطرة على المجتمعات الغربية، وتوظيف قدرات الدول هناك، وفي المقدِّمة: أمريكا، توظيف كُـلّ قدراتها وإمْكَاناتها لخدمته، واتَّجه ليزرع في خاصرة أمتنا الإسلامية، في العالم العربي نفسه، ليزرع إسرائيل، عدواً خطيراً، وعدواً سيئاً، وعدواً مجرماً، وبأهداف كبيرة، ولم تكن المسألة مقتصرة بحسب ما يتصوره البعض؛ أمَّا البعض فهم لا ينظرون إلى هذه الأمور أصلاً، لا يكادون يعون أصلاً ما يفعله الأعداء، لكن البعض ينظر إلى أجندة ومؤامرات ومشاريع الأعداء وكأنها أحداث عارضة، يحصل في مرحلة معينة على حسب تعبيرنا المحلي: [تشعوبة] أمريكية لاستهداف ذلك البلد، أَو لاحتلال ذلك البلد، أَو مشكلة وكأنها مشكلة استجدت هنا أَو هناك. هناك خطط استراتيجية للأعداء، وهذه مسألة معروفة، معروفة في التاريخ الحديث؛ وإنما تغيَّب أصلاً، تغيَّب من المناهج الدراسية، تغيَّب من وسائل الإعلام، هناك اتّفاقيات، وخطط، وبرامج، وأنشطة، وقرارات، وسياسات، ودراسات، ويتحَرّك الأعداء على ضوئها في مراحل متتالية، وخطوات متتابعة؛ لتصل إلى تنفيذ هدفٍ أَسَاسيٍّ لهم: في السيطرة التامة على أمتنا الإسلامية، والتخلص بشكلٍ نهائي من الإسلام؛ حتى لا تتحَرّك به الأُمَّــة، وتنهض الأُمَّــة على أَسَاس تعليماته ومشروعه العظيم في الحياة.

اللوبي اليهودي الصهيوني لا يرى عائقاً حقيقيًّا أمامه تجاه أهدافه الشيطانية والإجرامية، وهو ينشر الفساد في الأرض، وهو يظلم، وهو يفسد، وهو يستعبد الشعوب، ويقهرها، ويرتكب الجرائم، لا يرى عائقاً حقيقيًّا أمامه إلَّا الإسلام، كُـلّ المشاريع الأُخرى، والعناوين الأُخرى يستطيع أن يتغلَّب عليها، والإسلام في واقعه الحقيقي، الإسلام الحقيقي القرآني، وليس المزيف، الذي يخضع للتحريف والتزييف من خلال عملاء الأعداء، وهو يخشى العالم الإسلامي، يخشى المسلمين؛ لأَنَّه يدرك أنهم إن عادوا إلى دينهم، إلى قرآنهم، إلى هدي ربهم؛ سيحظون برعاية الله، بتأييد الله، بنصر الله، وسيتحَرّكون بمبادئ هذا الإسلام، بقيمه العظيمة، برسالته، التي هي رسالة عظيمة، رسالة أخلاق، وقيم، وحق، وعدل، وهي التي ستتصدى لظلم وطغيان وإجرام وفساد أولياء الشيطان، وعلى رأسهم اللوبي الصهيوني اليهودي؛ ولذلك هو يسعى لاستهداف هذه الأُمَّــة، وُصُـولاً إلى ضمان السيطرة التامة عليها في كُـلّ شيء: فكرياً، وثقافيًّا، وسياسيًّا، وإلى أن يصنع لها واقعاً يبعدها كُـلّ البعد عن أي نهضة من جديد، واقعاً ضعيفاً، يكون فيه أبناء هذه الأُمَّــة قد وصلوا إلى مرحلة رهيبة من الضياع، من ضياع المبادئ والقيم والأخلاق، من التفرق والتمزق والتشرذم، من الضعف، من الشتات، بل أن يتحَرّكوا كغنيمةٍ له، يستغلهم في مؤامراته وأهدافه، حتى إذَا أراد أن يتحَرّكوا تحت عنوان ديني كالجهاد، فيكون في خدمته، مثل ما عملوا في أفغانستان سابقًا؛ مِن أجل أمريكا ضد الاتّحاد السوفيتي وهكذا.

فالأمريكي يشتغل بمشاريع، والإسرائيلي كذلك، البريطاني، اللوبي اليهودي يتحَرّك وهو يحمل راية الشيطان بمشاريع، وبأهداف، وبخطط طويلة المدى، وليست المسألة مسألة احتكاكات عارضة، [حصل مشكلة مع العراق واحتلوه، وسيصلحون بينهم وتنتهي المشكلة، حصل مشكلة مع الفلسطيني وعقدوا مؤتمر سلام وانتهى الأمر، حصل اختلاف مع تلك الدولة أَو ذلك البلد، وكان عبارة عن سوء تفاهم سيتم حله]، لا، هناك أجندة كبيرة للأعداء، مؤامرات كبيرة، خطط بعيدة المدى يشتغل عليها الأعداء وبشكل مزمَّن، ومنظَّم، ومتتابع، ويحقّق نتائج إثر نتائج، ليصلوا إلى مستوى معين، وأهداف معينة، لترى في الأخير العالم الإسلامي -وهو إمَّا مليار وثمانمِئة مليون، وإلا اثنين مليار، وإلا أكثر- لتراه عالماً ضعيفاً، ليس له وزن وثقل، حفنة من اليهود الصهاينة احتلوا أرض فلسطين، ويعذِّبون الشعب الفلسطيني، الذي هو جزء من هذه الأُمَّــة، أمامك خمسين دولة، وأكثر من خمسين دولة، لها إمْكَانات مادية هائلة، لها مقدرات هائلة، من بينها الدول الأكثر إنتاجاً للنفط، مقدِّرات وإمْكَانات هذه البلدان، هذه الأُمَّــة، بشكل هائل جِـدًّا، وعدد كبير جِـدًّا، ثم تكون المعادلة: أن يكون مقابل كُـلّ يهودي واحد في فلسطين، أكثر من مِئة وخمسين ألف مسلم، وعاجزون عن فعل أي شيء، يتفرَّجون على جزءٍ منهم، ممن ينتمي إلى دينهم، ممن هم منهم، يتفرَّجون عليهم وهم يقتلون بكل وحشية وإجرام، هذا الشكل الذي تراه لأمتنا اليوم، أُمَّـة كبيرة جِـدًّا، لها أهم مواقع جغرافية، لديها موارد اقتصادية هائلة جِـدًّا، ومع ذلك أُمَّـة مكبَّلة، ضعيفة، عاجزة، غير فاعلة، يرهب الأمريكي أكثر بلدانها، وأكثر زعمائها، وأكثر جيوشها بكلمة تهديد، أَو وعيد، يُحذِّر الإسرائيلي زعماءها؛ فيرتعدون، وترتعد فرائصهم من الخوف، والجبن، والفشل، تخضع جيوشها وأنظمتها وشعوبها، وتتحير، وتتكبل، وتتجمد أمام ما يستهدفها أعداؤها به، هذا الشكل هو الذي يسعى له الأعداء وأكثر منه سوءاً، وأكثر منه سوءاً، ولتكون أُمَّـة تنجح أي مؤامرة يستهدفها بها الأعداء، يستهدفونها بعنوان الإرهاب وما الإرهاب، وكم يحدث من مآسٍ في داخل هذه الأُمَّــة نتيجةً لهذه المؤامرة، يستهدفونها بأدَاة من أدواتهم: التكفيريين والقاعدة، فتعاني هذه الأُمَّــة الويلات والويلات، كلما تنزل من مؤامرة، تجد بيئة مختلة، بيئة ضعيفة، بيئة مشتتة، بيئة غير محصَّنة، بيئة ليست في واقع منعة، فتنجح فيها المؤامرات، وتصل بالأمة إلى معاناة كبيرة جِـدًّا، حتى يحصل الوعي في مستوى متدنٍ أَيْـضاً، هذا هو ما يسعى له الأعداء.

إذاً فليست المسألة في مواجهة اللوبي اليهودي الصهيوني، وأذرعه، أذرع الشر والإجرام، ثلاثي الشر والإجرام: (أمريكا، وإسرائيل، وبريطانيا)، ليست المسألة مُجَـرّد موقف لحظي، حصل اجتماع وصدر بيان وعاد الناس إلى بيوتهم وانتهى الأمر، لا بُـدَّ من مشروع عملي مُستمرّ، يبني الأُمَّــة، يرتقي بها، يغيِّر واقعها، يعالج نقاط ضعفها، يحصِّنها، يرتقي بها في كُـلّ المجالات، ولهذا كان المشروع القرآني بهذه الميزة العظيمة؛ لأَنَّه يقابل مشاريع من جهة الأعداء، ومؤامرات واسعة، ولهذا على مدى ثلاث سنوات قدَّم شهيد القرآن “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” مئات المحاضرات، والكلمات، واللقاءات، والجلسات، وهو يتحدث بشكلٍ تفصيلي؛ لفضح مؤامرات وخطط الأعداء، وتقييمهم، وكشفهم، وتعريتهم من خلال القرآن الكريم، والوقائع والأحداث، وَأَيْـضاً لتقديم الحلول والرؤى التي تغيِّر واقع هذه الأُمَّــة، وترتقي بهذه الأُمَّــة لتكون في مستوى الوعي العالي جِـدًّا تجاه مؤامرات الأعداء، ولتكون في إطار الموقف والفعل والعمل في التحَرّك ضد أعدائها، لتدفع الشر عن نفسها، لتدفع الخسران في دنياها وآخرتها عن نفسها، وهذه ميزة عظيمة للمشروع القرآني.

ولذلك عندما نجد الفارق اليوم بشكلٍ كبير بين موقف شعبنا العزيز تجاه ما يجري على غزة من عدوان همجي، إجرامي، شنيع جِـدًّا، عدوان إجرامي بشكل رهيب للغاية، يراه كُـلّ العالم، والعالم بكله يعترف أنَّ ذلك عدوان همجي رهيب جِـدًّا، ولكن أين الموقف؟! شعوب أمتنا الإسلامية في العالم العربي وغيره هم مئات الملايين، مئات الملايين، أمتنا ليست قليلة العدد، ولا ضعيفة الإمْكَانات والعدة، الجيوش لوحدها لو تُجمع الأرقام لجيوش المسلمين في كُـلّ البلدان الإسلامية، في المنطقة العربية وغيرها، كم سيصل الرقم؟! لو تجمع أرقام إمْكَاناتهم، كم يمتلكون من طائرات، من دبابات، من مختلف الأسلحة والعتاد؟ إمْكَانات هذه الأُمَّــة ومواردها كشعوب وأنظمة وحكومات بشكل رسمي وبشكل شعبي، كم ستكون؟ لكن أين هو الموقف العملي؟ شعبنا العزيز وبالرغم من أنه بعد عدوان استمر عليه لتسع سنوات، ولم ينتهِ حتى اليوم، وتحت حصار، وقف موقفاً مميزاً، تحَرّك تحَرُّكاً شاملاً.

لماذا شعبنا العزيز لم يرهب من أمريكا؟ كثير من البلدان، كثير من الأنظمة، هم خافوا من أمريكا، هدّدتهم أمريكا؛ فخافوا، وكان خوفهم إلى درجة ألَّا يقفوا أيَّ موقف مشرِّف، أَو أن تكون مواقف هزيلة، ضعيفة، محدودة، لا ترقى إلى مستوى المسؤولية، ولا تصل إلى ما ينبغي تجاه تلك المأساة في فلسطين في غزة، لماذا ذهب هذا الخوف الذي كبَّل شعوباً أكبر عدداً من شعبنا، أكثر إمْكَانات من بلدنا؟! لماذا غاب هذا الخوف من شعبنا؟! لماذا يخرج أطفال شعبنا وهم حتى هم أطفال شعبنا لا يخافون من أمريكا، ولا يخافون من إسرائيل، ولا يخافون من بريطانيا، الملايين من أطفال شعبنا عندما يخرج الرئيس الأمريكي بنفسه، أَو قادة الجيش الأمريكي بأنفسهم، يهدّدون، ويتوعَّدون، ويحذِّرون، لا يؤثِّر عليهم شيئاً، الملايين من أطفال شعبنا، يعني: قل له قل لهذا الطفل: [الرئيس الأمريكي هدّد وتوعَّد، وقال كذا، قادة الجيش الأمريكي يقولون كذا]، لا يرعبه شيء، ولا يكترث لذلك أصلاً، فما بالك بالملايين من رجال هذا البلد، الذين يتحَرّكون من منطلقٍ إيمانيٍّ قرآني.

الحالة السائدة في بلدنا لدى الرجال والنساء: وعي عالٍ، تفاعل حقيقي مع الأحداث من داخل قلوبهم، بكل وجدانهم ومشاعرهم، هذا الضمير الحي، هذه المشاعر الإنسانية والإيمانية الراقية التي تأبى لهذا الشعب أن يتفرَّج على مأساة الشعب الفلسطيني في غزة، تأبى عليه أن يسكت، أن يصمت، أن يتخذ المواقف الهزيلة الضعيفة، كما يفعله البعض بالاكتفاء بمُجَـرّد بيان بارد تافه، لم يصل موقف بعض الأنظمة العربية الكبرى، من أكبر الأنظمة العربية، إلى مستوى الإدانة الصريحة الواضحة لما تفعله إسرائيل، كانوا سابقًا يصدرون بيان إدانات، لحد الآن لا يصدرون بيان إدانات، حتى في هذا المستوى، وهو مستوى تافه، لا يفعل شيئاً للفلسطينيين.

النقلة الكبيرة التي تحقّقت في واقع شعبنا: أنَّ هذا الشعب وثق بالله، توكل على الله، اطمأن إلى الوعد الإلهي، عندما يقرأ المنطلقون الانطلاقة الإيمانية من أبناء شعبنا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: الآية7]، فَــإنَّهم ينظرون إلى أمريكا كما قال الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه”؛ باعتبارها قشة، وليست عصاً غليظة.

الثقافة القرآنية التي كان من أول وأكبر أهدافها أن ترسِّخ الثقة بالله، هذه الثقة بالله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى”، والاعتزاز به، والاطمئنان إلى وعده بالنصر، والاستصغار لكل أعدائه، هي التي جعلت شعبنا في هذا المستوى المتقدِّم، والموقف العظيم، والجرأة التي تميَّز بها في مواجهة أمريكا وإسرائيل، ونحن فعلاً بهذه الروح الإيمانية، بهذه الثقافة القرآنية، بهذه الانطلاقة الإيمانية القرآنية، تحَرّكنا في مواجهة أمريكا وإسرائيل وبريطانيا، ثلاثي الشر، اخطبوط اللوبي اليهودي الصهيوني، ونحن نثق بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بل أرجى ما نكون لنصره، وعونه، وتأييده، كلما نظرنا إلى مستوى شرهم، وإجرامهم، وطغيانهم، وإفسادهم في الأرض، وجبروتهم، وفظيع جرائمهم؛ كلما كان أملنا، وكلما كانت ثقتنا بنصر الله أكبر وأكبر.

الحالة الإيمانية التي ينطلق بها الإنسان وهو حاسمٌ لخياره، ومتخذٌ لقراره في الموقف الحق الصادق، الذي يرضي به الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، حاضرٌ للتضحية، لبذل النفس والمال والروح في سبيل الله تعالى، مستشعرٌ لمسؤوليته، يعي أهميّة هذه المسؤولية، قدسية هذه المسؤولية، إيجابية هذه المسؤولية، مع الاستعداد العالي للتضحية، ولتقديم الشهداء، ونحن في معركة مقدَّسة: (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، إلَّا أننا نثق كُـلّ الثقة بنصر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، حاضرون للتضحية واثقون بالنصر؛ لأَنَّ هذا هو وعد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ندرك قيمة الموقف، وأهميّة الموقف لمصلحتنا الحقيقية في الدنيا والآخرة؛ لأَنَّ المؤمن له هذين الحسابين: يحسب حساب الدنيا والآخرة، ولا يحسب فقط حساب الدنيا، حسابات المؤمن يحسب فيها الآخرة، وليس فقط تتجه آماله إلى ما يتحقّق له في هذه الدنيا.

الفارق اليوم كبير ويثبت نجاح المشروع القرآني وإيجابيته، أنَّه مشروعٌ عظيم، فعَّال، رأينا أثره في حماية أبناء شعبنا العزيز من الولاء لأمريكا، بدلاً من الولاء لأمريكا هم يهتفون بـ (الموت لأمريكا)، هم يعرفون قبح أمريكا، مكائدها، عدوانيتها، إجرامها، ينظرون إليها بعين القرآن، ينظرون إليها النظرة الحقيقية الصحيحة، ولا ينخدعون لها، ولا يكترثون لها، وليسوا أبداً قابلين بأن تهيمن عليهم، وأن تتحكم بهم، وأن تسيطر عليهم.

سابقًا وعلى مدى عقود من الزمن تعاقب السفراء الأمريكيون في صنعاء على التحكم بالمسؤولين، بدءاً من الرئيس، عادةً ما يخضع ويخنع للسفير الأمريكي، وُصُـولاً إلى مرحلة أعلنت فيها الوصاية رسميًّا على بلدنا، وبفضل هذا المشروع القرآني لا وصاية لأمريكا علينا، لا هيمنة لها علينا، لا تحكم لها في قراراتنا ومواقفنا، نحن أحرار بكل ما تعنيه الكلمة، نحن نجسِّد الحُريَّة الحقيقية، نحن نجسِّد الحُريَّة الحقيقية بعبوديتنا لله تعالى، وتحرّرنا الكامل من هيمنة أمريكا، وتدخل أمريكا فينا، وانظر إلى واقع كثيرٍ من البلدان الإسلامية، هل هم في حُريَّة من أمريكا، من نفوذها، من هيمنتها، من تدخلها في شؤونهم، من تحكمها بهم؟ نحن أحرار أمام أمريكا، وأمام إسرائيل، وأمام بريطانيا، وأمام غيرهم، الفارق كبير جِـدًّا.

وهتاف الصرخة في وجه المستكبرين، من المرحلة الأولى التي انطلقت فيها هذه الصرخة، بالرغم من حجم الاستضعاف، والظروف الصعبة، والمحاربة الشديدة، لكن هذه الصرخة اليوم يهتف بها الملايين، ووصل صداها وسمعها ووصلت هي إلى مختلف أرجاء الدنيا، في مواقف متحرّرة لهذا الشعب، مواقف عزة، مواقف كرامة، مواقف تنسجم مع الهُــوِيَّة الإيمانية، بل تنطلق من الانتماء الإيماني لشعبنا العزيز.

الصرخة هذه التي كان يسجن من يهتف بها، أَو يحمل لاصقها، وقد يقتل، وكثيرٌ قتلوا واستشهدوا نتيجة لذلك، اليوم يُصرَخ بها عند إطلاق الصواريخ الباليستية والمجنحة؛ لأَنَّها نتاج لثمرة هذه الرؤية القرآنية.

ويُصرَخ بها أَيْـضاً في الاستهداف بالمسيَّرات، في مختلف الأسلحة والعتاد الحربي المتميز، في القوة التي وصل إليها شعبنا العزيز، والفاعلية التي أعطاه الله تعالى إياها، هُتِف بها فوق دبابات الإبرامز الأمريكية، هُتِف بها في ميادين الشرف، في ميادين التضحية والفداء، واليوم يعي كُـلّ العالم ماذا تعني هذه الصرخة، ماذا يعني هذا المشروع، أنَّه مشروعٌ تحرّريٌّ بكل ما تعنيه الكلمة، بل إنَّه الذي يحقّق الحُريَّة الكاملة، والخلاص من التبعية والهيمنة الأمريكية واليهودية والإسرائيلية والبريطانية بشكلٍ تام، يفصلك عن التبعية لأعدائك على كُـلّ المستويات: ثقافيًّا، وفكرياً، وسياسيًّا… وفي كُـلّ المجالات، ويجعلك في الموقف المشرف، وأنت تواجههم ولا تخنع لهم، ولا تستسلم لهم.

لو نأتي إلى الخيارات والتوجّـهات الأُخرى، ماذا لو كانت هي السائدة في البلد؟ خيار السكوت والجمود والاستسلام، ألن يكون موقف شعبنا أمام ما يجري الآن في غزة، كحال بعض البلدان التي لا نسمع لهم صوتاً، ولا تحس لهم ركزاً، ولا يكاد يكون لهم وجود، كأنهم ليسوا بأحياء، كأنهم ليسوا على الخارطة، كأنَّهم غيرُ موجودين في هذه الدنيا؟

بالتأكيد كان سيكون الموقف لولا هذا التحَرّك القرآني، والمشروع القرآني، وهذه الثقافة، وهذه الانطلاقة الإيمانية لشعبنا العزيز، لكان الكلُّ ساكتاً يتابعُ الأحداث بتهيب، لا يجرؤُ على أن يقولَ كلمةً، الموقف في الحد الأعلى بيان ركيك ضعيف، بدون أي تحَرّك ولا خطوات عملية، بل لكان هناك من يتجنَّد، كما يتجنَّد البعض من المرتزِقة مع الأعداء، مع الإسرائيلي، مع الأمريكي، مع التبرير لجرائمهم، مع خدمتهم، مع التحَرّك كبوق إعلامي لهم، أَو حتى التحَرّك العسكري.

كيف أصبح البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، ولأول مرة بهذا المستوى من الفاعلية والضغط على الأعداء؟ ما الذي وصل بالأمريكي والبريطاني أن يدخلوا في العدوان على بلدنا، وأن يتورَّطوا في الحرب ضد بلدنا، مع أنَّ ذلك ليس لمصلحة شعوبهم، ولا بلدانهم، لكنهم أدوات بيد اللوبي اليهودي الصهيوني، والانزعَـاج شديد جِـدًّا لفاعلية وتأثير موقف بلدنا فيما يتعلق بالبحر الأحمر.

لو أنَّ الخيارات الأُخرى: خيار العمالة والخيانة، الذي كان يسيطر على بلدنا، هل سيكون هناك موقف مثل هذا الموقف؟ لا، أبداً، ولا أي موقف مشرِّف، ولا مظاهرات، ولا مسيرات… ولا أي شيء من هذا؛ لأَنَّ الأمريكي لو مشى برنامجه الذي اشتغل به، لكان قد وصل بهذا البلد وبهذا الشعب إلى مستويات خطيرة للغاية، كان يشتغل بوتيرة عالية، واهتمام كبير، وله أدواته، وله عملاؤه، لكن أفشله هذا المشروع القرآني فشلاً تاماً على مستوى هذا البلد، وهو الآن يقارعه على مستوى الساحة العالمية في المواقف المشرِّفة، والتوجّـهات الصحيحة.

فإذاً شعبنا اليمني المسلم العزيز يقف اليوم موقفاً متميزاً، ويساند الشعب الفلسطيني المظلوم بفاعلية، وتحَرّك شامل على كُـلّ المستويات، ويقف بوجه ثلاثي الشر (أمريكا، وإسرائيل، وبريطانيا) بكل جرأة، وشجاعة، وثبات، من هذا المنطلق في الانتماء الإيماني، والثقافة القرآنية، يقدِّم الشهداء، ويحقّق الانتصارات، ويضرب الأعداء بكل جرأة.

في فجر اليوم كان هناك ضربات لسفن أمريكية وبريطانية بكل جرأة، وشعبنا لا يتردّد عن فعل ما يجب أن يفعل.

هكذا هي الانطلاقة القرآنية الإيمانية، انطلاقة قائمة على الثقة بالله تعالى، والتوكل عليه، والتمسك بهديه، والجهاد في سبيله، انطلاقة واعية، وعملية، ومبدئية، نعتمد فيها على الله تعالى، ووعده الصادق بالنصر، وثمرتها ونتيجتها ملموسة وواضحة، في التحرّر الحقيقي، والعزة، والكرامة، والاستقلال، والفاعلية، والتأثير، وفي الوعي والبناء، وهي سرُّ صمود شعبنا وثباته واستعداده العالي للتضحية.

ولذلك فنحن في هذه الذكرى نرى مع هذه النقلة والمتغيِّرات المصداق الكبير، وأحد المصاديق للوعد الإلهي في قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[غافر: 51-52]، جهود الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ”، وصرخته، ومعاناته، وتضحيته شهيداً في سبيل الله، معاناته الكبيرة، ما واجهه من كُـلّ أشكال الحرب والاستهداف، ما واجهه مشروعه القرآني والمنتمون إليه من كُـلّ أشكال الاستهداف، نرى أنَّ هذا المشروع انتصر، وهذه ثمرته ملموسة وواضحة في الموقف، والمستوى، والفاعلية التي عليها شعبنا العزيز هذا اليوم، في هذه المرحلة، أمام هذه الأحداث.

ولذلك نؤكّـد في هذه الذكرى، نؤكّـد على ثباتنا على موقفنا المبدئي القرآني في مساندة الشعب الفلسطيني، والتصدي للعدوان على بلدنا، ومهما فعله ثلاثي الشر؛ لن يؤثِّر على موقفنا، ولن يحُدَّ من قدراتنا وعملياتنا بإذن الله، ولن يكسر إرادَة شعبنا.

اليوم -كما قلنا- بتوفيق الله تم ضرب سفن أمريكية وبريطانية، والشيء الظريف الذي نبشركم به، أنَّ الأمريكي يتجه حَـاليًّا للتمويه، مثل ما يفعله الإسرائيلي، الأمريكي يحاول أن يموِّه حركته في البحر، الأمريكي وضع على بعض سفنه علم مارشال، دولة مغمورة في آخر الدنيا، وأصبح يتهرب في البحر، هذا هو واقعه أمام الانطلاقة القرآنية الإيمانية الواثقة بالله، المتوكلة على الله، المستندة إلى نصره وتأييده.

إنني أحذرهم وأقول: أنَّ عليهم أن يوقفوا أولاً عدوانهم الهمجي الوحشي الإجرامي على غزةَ، وأن يكفوا عن حصارهم للشعب الفلسطيني، الذي يمنعون عنه الدواء والغذاء في قطاع غزة؛ وإلَّا فسوف نسعى إلى التصعيد أكثر فأكثر، معتمدين على الله تعالى، واثقين به، وواثقين بنصره، وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا.

سيواصل شعبنا العزيز كُـلّ أنشطته في إطار موقفه الحق والمشرِّف، من تعبئة عسكرية وعامة، والنشاط في مجال التعبئة هو من أهم الأنشطة، ومن مظاهرات وفعاليات وفي كُـلّ المجالات، وفي مقدِّمتها: التوعية القرآنية، ونشر الثقافة القرآنية.

إن شاء الله أَيْـضاً سيكون لنا كلمة في يوم الخميس الآتي.

السَّلَامُ عَلَى شَهِيْدِ القرآن وَالشُّهَدَاء الأَبْرَار.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ -أَيُّهَا الإِخْوَةُ- وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com