الهروبُ من الفشل واحتواءُ الضغط الداخلي يجعلُ العدوّ “الإسرائيلي” يخفِّضُ منسوبَ أهدافه في غزة

 

المسيرة | عبد القوي السباعي

منذُ بداية معركة “طُـوفان الأقصى”، كان أولُ هدفٍ لكيان العدوِّ “الإسرائيلي” في هذه المعركة هو القضاءَ على حركة “حماس”، وعلى سلاحها، وتدميرَ معاملها الدفاعية، وقطعَ سلاسل إمدَادها، ومع مرور قرابة أربعة أشهر عليها، ما زالت حماسُ وبقية القوى والفصائل الفلسطينية في غزة تُبدِي القوةَ القتالية نفسها، والاستعدادَ العسكري ذاته، في دلالةٍ واضحة على أن الهدفَ الرئيسَ لهذه الحرب لم يتحقّق، ولا ترجّح مصادرُ تابعةٌ لكيان العدوّ أنه قد يتحقّق يوماً.

في التفاصيل، قال الرئيسُ الأسبق لجهاز الأمن الداخلي “الإسرائيلي” “الشاباك” كرمي غيلون: “أجزم أنّ الحرب على غزّة انتهت، والهدفُ الوحيدُ الذيْ مِن أجلِه يجِب إبقاء قوّاتٍ من الجيش في قطاع غزّة هو ضمان تحرير الرهائن الإسرائيليين، الذين وقعوا في أسر حماس، وانتهاء الحرب بهذا الشكل ما هو إلا فشل صهيوني وانتصار استراتيجي للفلسطينيين، فـ”المقاومة الفلسطينية تفوقت على “الجيش الإسرائيلي” في القطاع”.

رئيس الموساد “الإسرائيلي” الأسبق، يوسي كوهين، بدا أقل حدة من غيلون لكنه أوضح، “إذا أرادت إسرائيل مواصلة الحرب في غزة، فعليها الاستماعُ إلى الولايات المتحدة ومواصلة المساعدات الإنسانية لمواطني القطاع؛ حتى لا تخسر الدعم الدولي؛ بسَببِ وقوع كارثة إنسانية في غزة”.

غير أن قادةَ العدوّ “الإسرائيلي” يريدون أمراً ويصرون عليه –وهو القضاء على حماس– والذي يبدو أنه مستحيل التحقّق لأسباب عديدة ذاتية وموضوعية، فرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يقول: “سنستمر في الحرب حتى النهاية وتحقيق النصر الكامل”، ووزير دفاعه يوآف غالانت يقول: إنه “لا نية لديهم لوقف القتال في غزة، وإن الاعتقاد بأن إسرائيل في طريقها لوقف القتال غير صحيح”، مُضيفاً إنه “إذا لم نحقّق انتصارا في حرب غزة فلن نتمكّن من العيش في الشرق الأوسط”، لكن إدارة بايدن تريد حَـاليًّا عقد صفقة تبادل، ووقف مؤقت للحرب.

في هذا الصدد، بدأ وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، اليوم الأحد، جولة شرق أوسطية تشمل السعوديّة ومصر وقطر وفلسطين المحتلّة، وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية في واشنطن أن “بلينكن يواصل المساعي للتوصل إلى صفقة تبادل، والاتّفاق على هدنة إنسانية تتيح إدخَال المساعدات بشكلٍ مستدام ومتزايد إلى المدنيين في قطاع غزة”، ومن المقرّر أن تستغرق زيارة بلينكن في المنطقة نحو خمسة أَيَّـام.

وبالتوازي سيصل إلى “إسرائيل” الأسبوع الجاري المبعوث الأمريكي “عاموس هوخشتاين”؛ بهَدفِ دفع اتّفاق إلى الأمام يمنع حرباً في الجبهة الشمالية.

وفيما ذكرت القناة الـ12 العبرية أن رئيس الموساد “ديفيد برنيع” كشف أمام مجلس الحرب “الإسرائيلي” “وثيقة مبادئ” للصفقة، تشمل في المرحلة الأولى إطلاق سراح 35 محتجزا إسرائيلياً في قطاع غزة من النساء والجرحى وكبار السن، مقابل هُدنة لـ35 يوماً.

قال زعيمُ المعارضة “الإسرائيلية”، يائير لابيد: “إن صفقةَ تبادل الأسرى ستكون مؤلمةً”، وَأَضَـافَ، “أنه يجبُ إعادتُهم إلى ديارهم”، وكانت هيئةُ البث العبرية أفادت الأحد، نقلاً عن رئيس الموساد الإسرائيلي السابق يوسي كوهين، أنه “يتعين على تل أبيب دفع ثمن باهظ لاستعادة الأسرى”.

على المقلب الآخر، تداولت وسائلُ إعلام عربية أنباءً تحدثت عن النجاحات التي حقّقتها كُلٌّ من “قطر ومصر” في سياق التفاهمات حول الهدنة القادمة، بعد أن كان رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية قد أعلن أن حركته “تسلمت مقترح الصفقة الذي تم تداوله في إطار مساعي وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأنها بصدد دراسته”.

في الأثناء، أكّـد نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، محمد الهندي، الأحد، أن “وقفَ العدوان على غزة، وإعادة الإعمار بندان رئيسان قبل أي اتّفاق”، وأشَارَ إلى أن “نتنياهو لا يريد إنهاء العدوان على قطاع غزة”، مؤكّـداً أن “هناك توترًا كبيرًا في الكيان “الإسرائيلي”؛ بسَببِ الخسائر الكبيرة في الميدان وضغط المستوطنين النازحين”.

ولفت الهندي إلى أن “المجازر الإسرائيلية لم تتوقف حتى بعد قرار محكمة العدل الدولية”، موضحًا أن “الكيان يريد احتواء الضغط الداخلي من خلال تسريبات صفقة التبادل”.

في السياق، يؤكّـد مراقبون أن حكومة كيان الاحتلال لم تستطع في حربها الإجرامية على قطاع غزة أن تحقّق أياً من أهدافها الاستراتيجية أَو المرحلية والتي كان أهمها القضاء على حماس والترتيبات الأمنية في القطاع، ونزع السلاح من غزة، إضافة إلى سلام بشروط إسرائيلية خَاصَّة.

وفي مشهدٍ يوضح مدى الاحتقان وعدم الثقة بين أركان نظام الكيان يقول غيلون: “أنا لا أعوِّل على رئيس الوزراء نتنياهو بأنْ يتصرّف من منطلق المسؤوليّة الوطنيّة”، مشدّدًا على أنّ الدولة العبريّة باتت يمينيّةً جِـدًّا، وأنّ هذا التحوّل ما زال مُستمرّا حتى اللحظة، وسيستمّر في قادم الأيّام”.

إذ لم يتوقع غيلون أنْ يظلّ الهدوء سائدًا في “إسرائيل” خلال الأربعين سنة القادمة، مُشيراً إلى أنّ “أيّة حكومةٍ تتولّى زمام الأمور في البلاد، سواءٌ أكانت من اليمين أَو اليسار، تفعل ما في وسعها لإخفاء الحقيقة”.

وبالنتيجة فقد بات كيان الاحتلال يدرك جيِّدًا حجم الفشل الذي وصل إليه في الوصول إلى أهدافه الرئيسة في هذه الحرب الإجرامية على القطاع، وباتت الحرب منتهية؛ إذ لا جديد يمكن أن يقدمه الكيان، فهو ما زال يدمّـر ويقتل ويفتك منذ قرابة الأربعة أشهر دون أن يصيب هدفه، فما زالت المقاومة الفلسطينية قادرة على الوقوف في وجهه وقتاله، وفرض واقع استراتيجي يغير في مجرى الصراع العربي “الإسرائيلي” ولا سيما في جانب محور المقاومة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com