اليمنُ العظيم سيظل داعماً لقطاع غزه وفلسطين من النهر إلى البحر

 

محمد الجوهري

كما أشرت في قراءة سابقة لا أظنها قد فارقت أذهان كُـلّ من يتابع تلك القراءات، التي هي حول إصرار أ. د. عبدالعزيز صالح بن حبتور، رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال بصنعاء، في مواصلة كتاباته عن القضية الفلسطينية عُمُـومًا وغزة هاشم خصوصاً هذه الأيّام، كجهد تنويري كفاحي مبعثه التزام بالنهج الوطني/القومي العروبي من لدن مثقف ثوري مشتبك مع قضايا شعبه وأمتيه العربية +الإسلامية.

فها هو اليوم يطالعنا بمقال جديد ليضم في سبحة سلسلة أعماله وأنشطته الفكرية والتنويرية، هذا المقال وسم بالعنوان “إعلان عدواني بحري،…، وعاشرها منتجع البحرين”، على قدر ما يحمله هذا العنوان من جدية إحاطة بمضمون المقال، على قدر ما يوضحه من روح تندر وفكاهة يحوزها كاتبنا الفذ، لجهة توافره كذلك على روح صراعية كفاحية في إدارة الأزمات مع الخصوم تنكيلاً بهم حتى في ميادين الفكر والإعلام وَ(الحرب النفسية) باقتدار الفرسان الأماجد.

بالعودة لمضمون المقال الذي ولجه للمرة الثانية بدون توطئة أَو مقدمة، نجد أن الكاتب ذهب مباشرة إلى تسطير توصيفي لزمان ومكان الإشهار والتدشين لانطلاقة ذلك الحلف المشؤوم، كذلك للإجراء العدائي بتعديد أركانه كما هي نواياه وأهدافه القريبة والبعيدة، ولم ينس التأصيل التاريخي لجذور وخلفيات دوله العدوانية كعتاة استعماريين أرهقوا البشرية نهباً وتقتيلاً وساموا عباد الله سوء العذاب عسفاً وتنكيلاً وقهراً.

يسترسل الكاتب في سرده موضحًا ذلك باستغراب، كيف يمكن لهذه الدول الاستعمارية وعلى وجه الخصوص تلك الثماني المذكورة، المشكلة للحلف المشؤوم (حارس الازدهار) كما أسموه تخفيفاً لبشاعة الدور العدواني والاستعماري الجديد المسند له، متسائلاً: كيف يمكن لكل هؤلاء المتغطرسين تنطعاً من الأغراب أن يأتوا إلى مياهنا الإقليمية، مستعرضين فائض قوتهم النارية وأسلحتهم الفتاكة الذكية منها والغبية، متوهمين القدرة على فرض إرادتهم وإملاءاتهم بمنع شعب يمارس حقه الإنساني والشرعي والأخلاقي في نصرة أشقائه ومساندتهم في محنة كارثية وحرب إبادة يواجهونها مصحوبة بحصار لمنع كافة مقومات الحياة الطبيعية؛ بهَدفِ القضاء على من لم تقتله الصواريخ والقنابل الأمريكية تحت ركام بيوتهم وعماراتهم السكنية، مواصلاً استغرابه كيف يتم كُـلّ ذلك في الألفية الثالثة بعد كُـلّ هذا الرقي التقني والمعرفي والذكاء الاصطناعي الذي بلغه العالم، وكلّ ما تم من تصديع لرؤوس البشرية بالعدالة والمساواة وحقوق الإنسان والمرأة والطفل خُصُوصاً، بينما يمارسون عكس كُـلّ ذلك بعيون وقحة وضمائر خاوية من أية دلالة إنسانية، ويظنون ظناً بائساً في إمْكَانية نكوصنا شعباً وقيادة ثورية/سياسية، عن نصرة المستضعفين من إخواننا الفلسطينيين، ولسان حاله كلسان حال الشعب اليمني بقضه وقضيضه يقول: (لا والله لن نرجع) عن واجبنا ولو فنينا عن آخرنا.

مقدماً شواهد حية لذلك الإصرار والتصميم اليماني من خلال التذكير بما لا ينسى، ألا وهو سنوات العدوان على وطننا وشعبنا، والذي لا زال شاخصاً بل وجاثماً عليهما حتى اليوم، عدوان التحالف الذي قادته المملكة السعوديّة بمعية 17 دولة في الصدارة ومعها مشيخة الإمارات المتحدة ومعهم أزلام مرتزِقة من قومنا يسند ظهورهم التحالف الإنجلوسكسوني والصهاينة من الخلف، شنوا حرباً عدوانية على بلادنا ظهيرة الخميس 25 مارس 2015م؛ بهَدفِ احتلال صنعاء عاصمة اليمن العظيم وإخضاع شعبها الباسل، اللذان وقفا بصمود وعنفوان ممرغا أنوفهم في العديد من أصقاعه خلال ما يقارب العقد من السنين تم فيها التدمير الممنهج لمقدرات وبنى تحتية دفع فيها شعبنا دم قلبه ونهبت خلالها ثرواته ولا تزال تنهب، (وبرغم كُـلّ ذلك لم نسع لإغلاق المضيق ولم نفكر بمنع الملاحة الدولية كذلك؛ لأَنَّنا اعتبرنا أن انتصارنا في تلك الحرب أمر مفروغ منه، كما تعاملنا معه كشأن بيننا وبين من يفترض أنهم أشقاء وجيران نتشارك معهم الجغرافيا والتاريخ)، وها هم اليوم قد أرسلوا سفير دولتهم للتفاوض حول الصلح واتّفاق سلام مستدام إنهاء الأزمة والتعهد بإعادة الإعمار ودفع التعويضات أَيْـضاً بإذن الله وتوفيقه.

وبالعودة لخاتمة المتن قبل المرتكزات السبعة والخلاصة، نجد كاتبنا الهمام يجمل توصيفات لافتة لجهة وضع أعمدة هذا التحالف العدواني رغم شراسته في حجمهم الطبيعي، غامزاً بإشارة معرفتهم بتضاريس بلادنا ونوعية رجالها كمستعمرين قدامى تم إخراجهم منها مذمومين مدحورين أذلاء، مُضيفاً تحليل لجوهر الصراع العربي/الإسلامي المقاوم مع كيان العدوّ الصهيوني يتلخص في كونه كيان احتلالي لأرض عربية ومقدسات دينية مسيحية/إسلامية، يزول ذلك الصراع بخروجه منها، ليلج بعدها إلى المرتكزات السبعة والخلاصة وفق ما يلي:

أولاً: يؤكّـد الكاتب ضمناً أنه بالرغم من أن الإدارة الأمريكية المتصهينة هرعت من اليوم الثاني لنجدة الكيان الصهيوني، إلَّا أنها بعد 75 يوماً مباركاً من انطلاقة #طوفان-الأقصى العظيم، (الذي قهر الجيش الذي لا يُقهر) بل وهدر كرامته العسكرية أمام صهاينة الكيان، وعلى رؤوس الأشهاد عالميًّا (برغم عدد الشهداء والمفقودين والجرحى بلغ المئة ألف نسمة)، تيقنت الدولة العميقة الأمريكية المتصهينة من قرب انهياره لو لم تتدخل بحلف متجحفل من الدول الاستعمارية الوازنة في الناتو، طالما والمقاومة الفلسطينية يدعمها محور مقاوم لن يتركها إلا منتصرة.

ثانيًا: يشير الكاتب إلى أن القائد الرسمي للحرب على غزة الصامدة (الإدارة الأمريكية المتصهينة)، بعدما تأكّـد لها صرامة ومصداقية قرار (يمن الشموخ الصادر من صنعاء) ورأت تطبيقاته الموجعة في البحر على عدد من السفن، سارعت بتشكيل حلفها الاستعماري التي تسعى من خلاله تخويف اليمانيين، كما ستحمله تبعات أي عمل طائش لربما يصيب اليمن، بعد سماع الصهاينة يزعقون من أثر الحصار الذي أضر باقتصاد دولة الاحتلال، والمشروط بفتح الحصار عن غزة المجد.

ثالثًا: في هذا المرتكز يوضح الكاتب أهم بواعث تأسيس قوام محور المقاومة العسكرية والأمنية والاستخباراتية والتي هي:

أ. الجانب العقدي الديني/العروبي.

ب. المظلومية من مشاريع الاستحواذ الصهيوني/طمس الهُــوِيَّة ونكران الحق الفلسطيني.

لذلك ستظل قضية مركزية حية في قلوب ووجدان المحور ومعه كافة أحرار العالم.

رابعًا: ها هو الكاتب يحدثنا عن حالة الانكشاف الجرمي الذي تشاركه الكيان الصهيوني، مع المتصهينين الأمريكان ودول الغرب الاستعماري والذي فضحه حجم التضامن الجماهيري في كافة قارات العالم ودوله، وخُصُوصاً في دول العدوان والاستكبار المتصهينة، وهو ما يؤكّـد أنها لا تزال شعوباً حية في ضمائرها وإن ضعف فعلها السياسي على تغيير الأوليجارشيات الحاكمة ببلدانها، وكذلك انكشاف هزالة وهشاشة النظامين الرسميين العربي/الإسلامي، وارتهان معظم قادتهما للأنجلوسكسون الصهاينة هُــوِيَّة وهوى، وارتباطهما باتّفاقيات ومواثيق علانية وسرية تجعلهم أقناناً منبطحين للإرادَة الصهيونية.

خامساً: في هذا المرتكز يوضح الكاتب كيف استفاد النظام الغربي المتصهين، من نتائج ما سمي بـ (الربيع العبري) في تدجين معظم ما تبقى من القادة العرب بعد التنكيل بعدد من الحكام العرب الذين كانوا الخصوم التقليديين للصهاينة، فتم إجبار المدجنين بالتخويف للسير مع قطيع التطبيع خوفاً من العزل والإقصاء عن عروشهم، وساروا بذلك (الفج) إلا من رحم ربي.

سادسًا + سابعًا: أما هذان المرتكزان فَــإنَّنا نجد أن الكاتب قد تعملق في تسطير السرد فيهما إلى درجة عرض المقاربات وتقديم المقارنات، بحيثُ إنه قد صعب عليّ الخوض في إيضاح ذلك التناول الرصين أَو حتى الإحاطة بهما، كي لا أفقد القراءة المتأنية هذه ألقها التفنيدي وإضاءاتها المرجوة، لذلك استميح القارئ الكريم عذراً في إحالته لنص المقال الأصيل مشكوراً.

الخلاصة:

أما الخلاصة فقد أوردها الكاتب هنا ببلاغة مكثّـفة، زادت المقال ألقاً على ألق حضوره المعتاد بتناولاته لقضية العرب/المسلمين المركزية (تحرير فلسطين)، التي هي جوهر بل وصلب مفاعيل حضور المحور المقاوم عربي/إسلامي الساعي لإفشال مخطّطات الكيان الصهيوني وداعميه المتصهينين، ففلسطين كما أوجز الكاتب هي مهوى ومهبط ومسرى وأغلى وأعز أرض الكون في وجدان وأفئدة الأماجد، الذين لن يسمحوا باستمرار دنس وَرجس الوجود الصهيوني على ترابها الطاهر، وتحريرها أصبح قاب قوسين بعون الله وتوفيق رضوانه.

* مدير عام بجامعة عدن

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com