دبلوماسيون وخُبراءُ قانونيون لصحيفة “المسيرة”: التحَرُّكُ الأمريكي في البحر الأحمر يمثِّلُ عدواناً صريحاً على قواعد القانون الدولي والقانون الدولي للبحار

 

المسيرة: منصور البكالي:

شكَّلَ إعلانُ الولايات المتحدة الأمريكية إنشاءَ تحالف دولي لحماية السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر مؤخّراً جدلاً واسعاً على مستوى العالم بشأن هذا التحالف ومآلاته، وما سيترتب على ذلك من حرب أَو عسكرة في البحر الأحمر وتهديد واضح للملاحة الدولية.

من الناحية السياسية فَــإنَّ التحَرّك الأمريكي يأتي كإسناد واضح للكيان الصهيوني لرفع الحصار المفروض عليه من قبل القوات المسلحة اليمنية التي تشترط رفع الحصار على قطاع غزة، لكن السؤال الأبرز هنا: ما المشروعية القانونية للتحَرّك الأمريكي في البحر الأحمر، وهل يحق لواشنطن تشكيل تحالف دولي لحماية السفن الإسرائيلية؟ وما هي النظرة القانونية بشأن اليمن وحقها في مواجهة هذا التحالف؟

يقول الدكتور مشير عبد القوي العثماني، في كتابه “الأمن القومي اليمنيّ، مقاربة تطبيقية: المقومات، التهديدات، الحماية” إنه ووفقاً لاتّفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م، المادة (39)، الفقرة (ب) فَــإنَّ المرور العابر في المضايق، كما هو الحال في مضيق باب المندب، يلزم الدول التي تمر بسفنها أن “تمتنع عن أي تهديد بالقوة أَو أي استعمال لها ضد سيادة الدول المشاطئة للمضيق أَو سلامتها الإقليمية أَو استقلالها السياسي، أَو بأية صورة أُخرى”.

ويضيف أنه ووفقاً لأحكام القانون الدولي فَــإنَّ لدول المضيق أن تمارس سلطتها البحرية، فإذا ما تعرضت لاعتداء فَــإنَّ من حقها فرض حصار بحري على النحو الذي تم بالتنسيق بين اليمن والقوات المصرية في حرب أُكتوبر 1973م، حَيثُ وظف اليمن أهميّة موقعه البحري وجعله تحت تصرف المجهود الحربي المصري، وحق مصادرة سفن الأعداء التجارية، وضبط المواد الحربية التي تحملها سفن محايدة، وحق الزيارة والتفتيش.

ونستنتج من هذا الكلام أن العمليات النوعية للقوات المسلحة اليمنية تتم في إطارها القانوني بعكس التحَرّك الأمريكي الذي يهدّد بالقوة اليمن وهي دولة مشاطئة لمضيق باب المندب مع جيبوتي.

وفي هذا الصدد يؤكّـد الخبير في القانون الدولي سعادة السفير الدكتور أحمد العماد، أن التحالفَ الدولي الذي أعلنت عنه أمريكا من بعض الدول غير المعنية بأمن وسلامة البحر الأحمر للتدخل لحماية السفن الإسرائيلية بدعوى أن هناك ما يهدّد التجارة الدولية والأمن والسلم الدوليين أمر يتناقض مع تقرير الأمم المتحدة ذاتها، التي تؤكّـد أن العدوان الصهيوني على قطاع غزة هو الذي يهدّد السلم والأمن الدوليين، وهو ما تحدث عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عندما تحدث عن المادة (199) في القانون الدولي، منبهاً بأن الاستمرار في العدوان على غزة، يهدّد السلم والأمن الدوليَّين.

ويواصل حديثه بالقول: “اليمن يطالب بوقف الحرب ورفع الحصار على غزة، وَإذَا ما حدث ذلك سنرفع أيدينا على السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني، وبالتالي فَــإنَّ التحالف الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة الأمريكية هو مبدأ غير قانوني البتة وفقاً لنصوص الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية والحقوقية، ووفقاً للواقع الذي يؤكّـد عدم وجود أي مهدّد للملاحة البحرية من جهة اليمن باستثناء ملاحة الكيان الصهيوني”، مستشهداً بحديث رئيس قناة السويس الذي قال: إن الملاحة في البحر الأحمر آمنة ولم تتأثر السفن المارة منه ما عدا حوالي 55 سفينة غيرت مسارها باتّجاه رأس الرجاء الصالح، وهي سفن تابعة لكيان الاحتلال”، وهو ما يؤكّـد عدم وجود خلل في الملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر.

ويؤكّـد العماد أن مسؤولية الملاحة في البحر الأحمر تقع على عاتق الدول المشاطئة وليس على الدول المشكلة للتحالف الأمريكي، مبينًا أن جميع هذه الدول المشاطئة لم تشارك في هذا التحالف ولم تتعرض مصالحها لأي خطر من جهة اليمن، وَمن حقها أن تضطلع بحفظ أمنها القومي، وجميع هذه الدول مجمعة على عدم وجود أي مهدّد للملاحة البحرية في البحر الأحمر، والتجارة الدولية، بل إن التحالف الأمريكي هو المهدّد الحقيقي للتجارة الدولية والملاحة البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهذا ما يؤكّـده الطرف اليمني.

ويعتبر العماد أن الإعلان الأمريكي لتشكيل تحالف بحري لمواجهة اليمن في المياه اليمنية فاقد لأي مسوغ قانوني بقدر ما يعبر عن الغطرسة الأمريكية وعدم اكتراثها للقانون الدولي، فيما اليمن انتصرت للقانون الدولي والقيم العالمية، وللإنسانية والمجتمع البشري، من خلال وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني، بل إن اليمن تنتصر لبيان الأمين العام للأمم المتحدة، ولما تبقى من ضمير في العالم، مؤكّـداً أن الرد اليمني على أي تحالف يستهدفها في مياهها الإقليمية حق مشروع سواءٌ أكان وفق الأمم المتحدة وقوانين البحار أَو وفق الشرائع السماوية، وهذا هدف مشروع، واليمن اليوم يقف في وجه السفن التي أعلنت عدوانها على اليمن.

ويرى الدكتور العماد أن الحل واضح وهو ما تردّده اليمن والقيادة ويتمثل برفع الحصار على قطاع غزة وإدخَال المساعدات والماء والغذاء؛ ليتم رفع الحصار عن الموانئ الصهيونية في البحر الأحمر.

ويتساءل الدكتور العماد: “أين هم المتغنون بالقيم الإنسانية وحقوق الإنسان، وَأين هم أصحاب المنظمات الحقوقية والإنسانية، وَأين هم الناشطون والناشطات أمام ما يحصل من الجرائم في قطاع غزة؟ وَلماذا تخرس دول العالم تجاه أمريكا وإسرائيل في حين ينتصر اليمن للدفاع عن مظلومية الشعب الفلسطيني ويطالب بوقف العدوان والحصار؟”، مُشيراً إلى أن ما تقوم به الأمم المتحدة اليوم لم يعد مجديًا أمام الفيتو الأمريكي.

 

القانونُ الدولي يكفلُ إجراءات اليمن:

من جانبه يقول الخبير الاستراتيجي في القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة القاضي عبدالوهَّـاب الخيل: إن “الإجراءات التي اتخذتها اليمن ضد السفن الإسرائيلية أَو المتجهة إلى موانئ العدوّ الصهيوني هي مشروعة ويكفلها القانون الدولي، واتّفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م، المادة (39)، الفقرة (ب) التي تنص على أن المرور العابر في المضايق، كما هو الحال في مضيق باب المندب، يلزم الدول التي تمر بسفنها أن “تمتنع عن أي تهديد بالقوة أَو أي استعمال لها ضد سيادة الدول المشاطئة للمضيق أَو سلامتها الإقليمية أَو استقلالها السياسي، أَو بأية صورة أُخرى”، مؤكّـداً أنه لا شرعية للتواجد الأمريكي في المياه الإقليمية اليمنية، أَو لأي تحالفات بحرية تزعزع الأمن البحري في المنطقة خدمة لتامين السفن الصهيونية.

ويؤكّـد الخبير القانوني الخيل في تصريحٍ خاص لصحيفة “المسيرة” أن “الشرعية القانونية للإجراءات اليمنية المتخذة ضد كيان العدوّ الإسرائيلي في البحر الأحمر وبحر العرب ومضيق باب المندب، تنطلق من أن اليمن أحد أعضاء الأمم المتحدة ومن بين شعوبها، والذي تعهد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة في عهد ينص على “أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن نؤكّـد من جديد إيماننا بالحقوق الأَسَاسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نبيّن الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي”.

ويواصل القاضي الخيل: “كُـلّ أعضاء الأمم المتحدة تنصلوا عن هذا العهد تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه، ولم يكن هناك غير الموقف اليمني الذي وقف في وجه الغطرسة الأمريكية الإسرائيلية الغربية المُستمرّة في إعاقة أي جهود سياسية ودبلوماسية لوقف العدوان على غزة”، لافتاً إلى أن “اليمن اليوم يلعب دوراً محوريًّا في تحقيق العدالة واحترام حقوق الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة، من خلال حصاره للموانئ الفلسطينية المحتلّة، بما يرفع الظلم عن غزة ويردع الكيان الصهيوني عن جرائمه؛ باعتباره كياناً إجرامياً يشكل خطراً على الإنسانية”.

ويشير إلى أن “قيام الجمهورية اليمنية وقواتها المسلحة بمنع السفن الإسرائيلية من المرور في البحر الأحمر وبحر العرب، وكذلك السفن المتجهة إلى إسرائيل، والمطاردة الحثيثة لها، حتى في المياه الدولية والاقتصادية، وضبطها والتحقيق مع طاقمها، هو حق تكفله اتّفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار؛ باعتبارها دولة ذات سيادة تفرض سيادتها على المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر، وتشمل هذه السيادة مضيق باب المندب وبحر العرب، وتمتد إلى المجال الجوي فوق البحر الإقليمي، وإلى قاعه وباطن أرضه”.

ويشير الخيل إلى أن “الأطراف الأعضاء في الأمم المتحدة اعترفت في اتّفاقية قانون البحار بالمراعاة الواجبة لسيادة جميع الدول الأعضاء، وهنا يحق لليمن؛ باعتبارها دولة مشاطئة لمضيق باب المندب، أن تمارس سيادتها وولايتها عليه، ولها أن تفرض قوانينها وأنظمتها بشأن حق المرور البريء للسفن الأجنبية، وتمنع السفن الحربية أَو التي تستخدم لأغراض عسكرية لدولة أَو كيان يكون في حالة عداء مع اليمن، ولا تجوز المطالبة بالإفراج عن أية سفينة احتجزت داخل حدود المياه الإقليمية اليمنية واصطحبت إلى ميناء تابع للدولة لغرض التحقيق معها أمام السلطات المختصة”.

 

هيمنةُ القطب الواحد:

بدوره يقول الخبير في القانون الدولي الدكتور حبيب الرميمة: إن “التحَرّك الأمريكي في البحر الأحمر يأتي من باب المساندة الأمريكية للكيان الصهيوني وفقاً لمفهوم الهيمنة الأمريكية التي اعتادت الولايات الأمريكية استخدامها كعلاقة استثنائية في تعاملاتها مع الدول الأُخرى، خُصُوصاً منذ انتهاء الحرب الباردة وسقوط المنافس السوفيتي حينها”.

ويضيف في حديثه لصحيفة “المسيرة”: “ومن ثم سعت أمريكا إلى استغلال ما يسمى بالنظام الدولي أحادي القطبية وَتسخير العلاقات الدولية بما يحقّق مصالحها والتعامل مع بقية الدول بدونية، لا بما تفرضه قواعد العلاقات الدولية، المتفق عليها في مواثيق الأمم المتحدة، خُصُوصاً فيما يتعلق باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”.

ويشير إلى أن “هذا السلوك كان واضحًا باندلاع الكثير من الصراعات والنزاعات الدولية أَو الحروب الأهلية، وكان له ارتداد سلبي سواءً على مكانتها كدولة عدوانية مارقة، أَو من حَيثُ استنزافها؛ وهو ما أتاح النمو لدول أُخرى أبرزها روسيا والصين بالنهوض كقوى دولية منافسة لها”.

ويؤكّـد الخبير الرميمة أن “التحَرّك الأمريكي غير قانوني في المنطقة والعالم وهو مرتبط بمفهوم آخر وهو سيطرة الأفكار الإنجليكانية داخل أروقة المؤسّسات الأمريكية، وما ينبثقُ عنها من سلوكياتٍ تتعلَّقُ بأمن الكيان الصهيوني، حتى وصل الحالُ إلى المجاهَرة بهذه العلاقة دون تحفظ من بعض المسؤولين الحاليين وعلى رأسهم “بايدن” الذي يفاخرُ لأكثرَ من مرة أنه صهيوني، وهذا التيار بالتأكيد يشكل خطورة على مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية”.

ويزيد قائلاً: “من ثم فَــإنَّ كلا المفهومين لا يمثلان أي مسوغ قانوني للتحَرّك الأمريكي سواءً في البحر الأحمر أَو في غيرهِ، بل إن هذا التحَرّك يمثل عدواناً صريحاً لقواعد القانون الدولي، والقانون الدولي للبحار، خُصُوصاً وأن اليمن أعلنت موقفها الصريح والواضح والمتعلق بحماية الملاحة البحرية لكل دول العالم عدا السفن المتجهة للعدو الصهيوني؛ باعتبار أن هذا الكيان يرتكب جرائم عدوان، وإبادة جماعية وجرائم حرب تحتم على كافة الدول استشعار مسؤوليتها القانونية والأخلاقية تجاهها، والعمل على وقف العدوان وتلك الجرائم التي يرتكبها في قطاع غزة والضفة الغربية”.

ويؤكّـد أن “ما يقوم به اليمن مكفول في القانون الدولي ويعبر عن روح اتّفاقية البحار ونصوصها المشروعة، وأن التحَرّك المضاد لأي تحالف يحاول ثني اليمن عن استخدام حقوقه المكفولة يقود إلى المزيد من الاستهداف للمنظومة الدولية والاتّفاقيات والمواثيق المجمع عليها بين كافة الدول الأعضاء”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com