ماذا بعد؟ وماذا بعد البعد؟

 

إبراهيم عبدالرحمن النجحي

الكثير ينظر للأحداث بنظره آنية وقصيرة الأمد، وأحياناً تكون نظرة سطحية، دائماً الحدث يكون ناتج عن أحداث سابقة وقاطعة الطريق عن أحداث مستقبلية.

فقد يتساءل البعض لماذا حدثت عملية “طُـوفان الأقصى” في هذا التوقيت؟ وما هي أبعادها وآثارها على المستوى القريب والبعيد؟ وهل ستحقّق النتائج المرجوة مع تقدير كلفة ما قد يحدث من أضرار ناتجة عن هذه العملية؟ وأضرار ما قد يحدث إذَا لم تقم هذه العملية أصلاً في هذا التوقيت!

أسئلة تدور رحاها وتحتاج التأمل في سلسلة أحداث لسنوات مضت وأحداث لسنوات آتية لتتكون لدى القارئ صورة شبه مكتملة، ومعرفة ما هو كائن وما ينبغي أن يكون.

فعندما نراجع سلاسة الأحداث العالمية والمتمثلة بحرب روسيا مع أوكرانيا أَو بمعنى أدق مع أمريكا..

سياسة أمريكا تجاه إيران!! واعتبارها قوةً خارجةً عن الصندوق (أي النظام العالمي الاقتصادي) وقوة نووية تهدّد أمن ووجود الطفل المدلل لأمريكا (إسرائيل)، سياسة أمريكا لتحجيم نفوذ روسيا وَإيران في إقليم الشرق الأوسط، وهي سوريا وَاليمن خُصُوصاً بعد التخلص من الأنظمة المعادية لها مثل العراق وليبيا!

عملية “طُـوفان الأقصى” وما تبعها من أحداث في غزة تعتبر جزءًا مهمًّا جِـدًّا من صراع قوى كبرى، وليست عملية عشوائية وغير مدروسة بل جاءت في التوقيت المناسب، جاءت كرد فعل لسياسة صهيونية وأمريكية في المنطقة تهدف إلى سرعة التطبيع مع الدول العربية والاعتراف بدولة إسرائيل علنياً وتغيب الدولة الفلسطينية عمليًّا، وإنشاء خط اقتصادي استراتيجي جديد يضمن حماية واقتصاد إسرائيل والمتمثل بخط الحرير الجديد، على حساب دول كبرى أهمها الصين وروسيا وإيران.

لكل ما سبق كان لا بدَّ من القيام بعملية “طُـوفان الأقصى” لقطع الطريق أمام السياسة الصهيوأمريكية في المنطقة وإن كانت الآثار تبدو مأساوية ولكنها ستحقّق نتائج هامة وستغير موازين القوى في العالم.

وبدخول محور المقاومة في خط الدفاع عن فلسطين والذي يعتبر الدور اليمني فيه هو الأبرز إقليمياً وعالميًّا؛ لما يمتلك من ورقة ضغط عالمية على التجارة الدولية، الأمر الذي مؤداه أن أمريكا ستسعى إلى تشكيل تحالف دولي لحماية البحر الأحمر، وبالمقابل ستسعى القوى الشرقية إلى إنشاء تحالف مقاوم للتحالف الغربي، بمعنى أدق أن العالم سينقسم إلى معسكرين الشرق والغرب، فكل من المعسكرين الشرقي والغربي يسعى لدعم نفوذه في المنطقة، هذا من منظور سياسي، أما منظور حركة الجهاد حماس ومحور المقاومة أن “من عظمة الإسلام أن يسخر الله أعداءك لخدمتك، وَبمفهوم سياسي أنه توجد مصالح مشتركة مع الدول العظمى في المعسكر الشرقي سواءٌ أكانت هذه المصالح نابعة من وجهة نظر دينية، مثل إيران أَو من وجهة نظر سياسية مثل روسيا، أَو اقتصادية مثل الصين”، ولكن في الأخير الجميع يسعى لما يحقّق أهدافه ومصالحه.

مما سبق ندرك أن الأحداث متسارعة ومرحلة التصادم المباشر أصبحت وشيكة جِـدًّا مع إصرار إسرائيل وأمريكا وحلفائها على القضاء على خط الدفاع الأول لمحور المقاومة (حماس)، ومع إصرار محور المقاومة على عدم السماح بذلك وأنه سيخوض حربًا شاملة إذَا ما أدرك أن 50 % من قوة حماس قد انهارت.

الأمر الذي مؤداه اندلاع حرب تدريجية إقليمية وانتهت بحرب عالمية مباشرة بين المعسكرين الشرقي والغربي في قعر دارهما، فالمسألة مسألة وقت لا أكثر، فالمعسكر الغربي يدرك أن النهاية قادمة لا محالة ويدرك تماماً أنه الخاسر فيها حتى وإن كانت الخسائر ستكون كبيرة في المعسكر الشرقي.

وما بيد المعسكر الغربي حَـاليًّا سوى تقديم أَو تأخير هذه النهاية الحتمية، فإذا ما قرّر تأخير هذه النتيجة الحتمية وَالخضوع ووقف الحرب على حماس والعمل على حَـلّ سياسي أياً كان هذا الحل هو حَـلّ الدولتين أَو غيره، فهذا يعني انسحابه من المعركة لفترة عقد أَو عقدين من الزمن ليستطيع من خلالها محور المقاومة توسيع نفوذه وتسليح مقاومته تمهيداً للخوض في معركة متكافئة مع المعسكر الغربي وبتكلفة أقل من ذي قبل يتم فيها استئصال السرطان الصهيوني الكائن في جسد البشرية جمعاء.

قال تعالى: (وَسَيَعلَمُ الَّذينَ ظَلَموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبونَ).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com