قرارٌ يمني تاريخي.. حصارٌ محكَمٌ على “إسرائيل”

المسيرة- خاص

تتصاعد وتيرة الأفعال اليمنية الضاغطة ضد الكيان الصهيوني؛ بهَدفِ إيقاف عدوانه المتوحش على المدنيين في قطاع غزة، في ظل الصمت العالمي المطبق.

وأعلنت القوات المسلحة اليمنية، يوم أمس، منع مرور السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني من أية جنسية كانت، مؤكّـدة أن هذا القرار سيظل ساري المفعول طالما ظلت غزة محاصرة ولم يدخلها الغذاء والدواء.

وتعد هذه أبرز خطوة تتخذها القوات المسلحة اليمنية في إطار المواجهة مع الكيان الصهيوني منذ عملية “طُـوفان الأقصى” التي بدأت في السابع من أُكتوبر الماضي، فبعد نجاح القوات المسلحة اليمنية في إغلاق البحر الأحمر ومضيق باب المندب أمام السفن الإسرائيلية ونجاحها في الاستيلاء على سفينة “غالاكسي ليدر” واستهداف سفينتين إسرائيليتين في البحر الأحمر، يأتي هذا القرار ليشكل حصاراً مطبقاً على “إسرائيل” ويمنع دخول السفن العالمية إلى ميناء “إيلات” في أقصى شمال البحر الأحمر.

ويرى رئيس مجلس إدارة مؤسّسة الثورة الكاتب والإعلامي عبد الرحمن الأهنومي، أن بيان القوات المسلحة اليمنية، يوم أمس، حمل جانبين مهمين، فالجانب الأول هو الإعلان بنجاح عن معادلة إغلاق البحر الأحمر والبحر العربي أمام سفن الكيان الصهيوني، في حين أن الجانب الثاني يتمثل في توسيع دائرة الاستهداف لتشمل السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني أياً كانت جنسيتها، وهو ما يعني فرضَ حصار بحري كامل وشامل على “إسرائيل” مقابل الحصار الإجرامي المفروض على قطاع غزة.

 

خطوة مدروسة لها ما بعدها:

وبالتأكيد فَــإنَّ قراراً كهذا ليس ارتجالياً أَو عبثياً، بل هي خطوة مدروسة، وستكون لها الكثير من التداعيات على الصعيد الإقليمي والعالمي، وسيكون الاقتصاد “الإسرائيلي” هو الأكثر ضرراً في كُـلّ ما يحدث.

ويؤكّـد نائب رئيس دائرة التوجيه المعنوي العميد عبد الله بن عامر، أن القوات المسلحة اليمنية لم تعلن عن هذا القرار، إلا بعد أن اتخذت ما يلزم من الاستعدادات لتنفيذ قرارها، وكذلك لمواجهة أية تطورات قد تحدث في الأيّام المقبلة، ومعها وإلى جانبها كُـلّ الأوفياء والأحرار شعب اليمن العزيز الصامد المجاهد.

ولعل ما يؤكّـد كلام العميد ابن عامر هي التحَرّكات الأمريكية المتسارعة لإنقاذ الكيان الصهيوني الغارق في المستنقع اليمني، حَيثُ أعلنت واشنطن قبل أَيَّـام عزمها عن إنشاء فرقة عمل بحرية لمرافقة السفن التجارية في البحر الأحمر، لمواجهة ما يسمونه التصعيد اليمني في البحر الأحمر، حَيثُ تأتي التحَرّكات الأمريكية في إطار ضغط متواصل على صنعاء لإيقاف مساندتها لإخواننا في قطاع غزة، ولترهيب اليمن وردعه عن الاستمرار في تحَرّكاته في البحر الأحمر، غير أن الرد اليمني على تشكيل هذه القوة جاء بتوسيع دائرة الاستهداف “لإسرائيل” ومنع مرور أية سفن مهما كانت جنسيتها إلى داخل الكيان الصهيوني.

ويتفق الكاتب السياسي علي جاحز، مع طرح العميد ابن عامر، ويؤكّـد في منشورٍ له عبر منصة “إكس” أن “هذا القرار قد أعدت له اليمنُ عُدَّتَه”.

وقال: “هل تعتقدون أن قراراً تاريخيًّا واستراتيجياً بحجم قرار استعادة حق السماح والمنع للمرور من باب المندب وَالملاحة في مياه البحرين الأحمر والبحر العربي تم اتِّخاذه هكذا طيشاً وارتجالاً بدون استعداد عسكري وتكتيكي؟ وهل تعودنا من القائد سيد القول والفعل إعلان قرارات ارتجالية غير قابلة للتنفيذ؟”.

ونصح الجميع قائلاً: “اقرأوا تاريخ السيد القائد العلم وستجدون الأجوبة الشافية.. هذا فضل الله علينا وعلى الأُمَّــة”.

 

خيار عسكري استراتيجي:

من الناحية العسكرية وطالما أن القرار صدر عبر الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية فَــإنَّ تداعياتِهِ العسكريةَ ستكونُ كبيرةً جِـدًّا، كما يرى الخبراء والمحللون العسكريون.

ويقول الخبير العسكري العقيد مجيب شمسان: “إن صنعاء اليوم وصلت إلى مستويات متقدمة، وأصبحت قادرة على تنفيذ هذه القرارات وأبعد لهذه التحذيرات التي أطلقتها لسفن تابعة للكيان الصهيوني أَو سفن أُخرى يستخدمها العدوّ مستعارة لمرور بضائعه الاقتصادية”، مُضيفاً أن القوات المسلحة اليمنية تستخدم هذه الورقة؛ باعتبارها مهمة جِـدًّا لكسر الحصار الصهيوني على غزة لما لمضيق باب المندب من أهميّة استراتيجية على الملاحة الدولية والعالمية.

ويواصل شمسان في تصريحٍ لـ “المسيرة” أن بعد البدء في تنفيذ هذا القرار وبعد التوجيهات الصادرة من السيد القائد كانت الصدمة لدى الإسرائيلي والذي يدفعه أن يحاول بقدر ما يمكن أن يقلِّلَ من جدوائية وتأثير وتداعيات هذه الخطوة، لافتاً إلى أن العدوّ يعرف من تاريخ الصراع بأن إغلاق باب المندب كانَ ورقة تستخدمُها جيوشٌ ودول عربية مكتملة ومجتمعة، وأن اليمن الجريح بعد عدوان وحصار 9 سنوات تمكّن من إغلاق باب المندب منفرداً، مؤكّـداً أن هنا كانت الصدمة للأمريكي فيما الذي يمتلكه اليمن من القدرة والجرأة لاتِّخاذ هذا القرار.

ويرى أن الأمريكي بات يقرأ هذا التحول وكأن هذا الأمر عامل أَسَاسي في تردّده لاتِّخاذ موقف تجاه اليمن، متمثلة بأن هناك مفاجأة ربما تخبئها القوات المسلحة اليمنية ضد أية محاولة أمريكية أَو بريطانية لكسر الحصار المفروض على العدوّ الصهيوني في مضيق باب المندب.

ويؤكّـد شمسان أن على كيان العدوّ أن يدرك بأن اليمن اليوم غير اليمن التي اعتاد التعامل معه طيلة العقود السابقة، وأن هناك قيادة شجاعة لم يسبق أن واجه الأمريكي مثلها من قبل في إدارة الحرب خلال هذه المرحلة، وأن هناك إرادَة شعبيّة صاعدة سخرت كُـلّ الإمْكَانات والطاقات للقضايا الأَسَاسية على مستوى الوطن والأمّة.

ويشير إلى طريقة التدرج الصهيوني والأمريكي تجاه هذه المواقف بدءاً من الإنكار إلى الاعتراف الجزئي إلى إيقاع المسؤوليات على الأمريكي وُصُـولاً إلى الحديث بتشكيل تحالف بحري؛ مؤكّـداً أن كُـلّ ذلك لن يجدي نفعاً أمام القرار اليمني في إغلاق باب المندب أمام السفن الصهيونية والمتجهة إلى الكيان من أية جنسية كانت.

من جانبه يقول الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي العميد عزيز راشد: “هذا القرار المهم جاء عقب الفيتو الأمريكي والموقف الغربي في مجلس الأمن بالتصويت على وقف العدوان على قطاع غزة، ومن هذا المنطلق لم يكن أمام الإخوة في قطاع غزة غير الانتظار للموت بالقصف والقتل والعدوان والحصار والتجويع”.

ويؤكّـد العميد راشد في تصريحٍ خاص لصحيفة “المسيرة” أن “القيادة اليمنية استطاعت من خلال هذا القرار توجيه القوات المسلحة بتوجيه منع كافة السفن الذاهبة إلى كيان العدوّ الصهيوني، لقطع الأغذية والأسلحة وكافة أنواع الدعم العسكري واللوجستي عن الكيان، والجميع يعرف بأن الدعم اللوجستي مهم جِـدًّا بالنسبة للجيوش، وقد انهار الاحتلال البريطاني أمام الثورة الأمريكية عندما تم قطع الإمدَادات عليهِ مباشرةً؛ بسَببِ الدعم اللوجستي الذي هو ركيزة أَسَاسية ومهمة لتأمين الإمدَاد العسكري والغذائي والدوائي، والإسعاف، ولاستمرار إدارة الحرب”.

ويتابع راشد “استطاع هذا القرار ضرب كيان العدوّ على مختلف المسارات العسكرية والاقتصادية والسياسية، والمعنوية والنفسية، إلى جانب تعميق الأزمة في الداخل الصهيوني ضد قيادته، المُستمرّة في عدوانها على قطاع غزة، ولما لذلك من تبعات تمس معيشتهم وحياتهم اليومية، وقطعهم عن الاتصال بالخارج، ولما لذلك من خسائر باهظة للمستثمرين الصهاينة والأجانب في فلسطين المحتلّة”.

وأردف أن “هذا القرار صفعة سياسية مدوية أمام العالم أجمع في وجه كيان الاحتلال ومن يقف خلفه، مفادها أن هذا الكيان المتغطرس يؤدَّبُ من قبل اليمن بهذه القرارات، الواحدة تلو الأُخرى، وبعمل تصاعدي وعسكري مدروس، من التكتيك إلى الاستراتيجية، التي استطاعت استخدام القوات البحرية والجوية والبرية، إلى جانب المعلومات الاستخباراتية والمعلوماتية، وحتى في الاشتباك الفضائي عبر صواريخ البركان والطوفان”.

وفي جانب فرض معادلة الحصار بالحصار يقول راشد: “استطاعت القوات المسلحة اليمنية فرض حصار خانق على كيان العدوّ، تقول لكافة الدول المتخاذلة والصامتة، نحن الآن نحاصِرُ الكيان الصهيوني، ولن يستمر في التفرد واللعب بأمن المنطقة وأمن فلسطين المحتلّة، وحياة شعبها، كما نقول لمحور المقاومة فِي فلسطين والمنطقة: نحن هنا ولستم وحدكم واليمن يقف إلى جانبكم، أيها الأشقاء العرب أيها المجاهدون المقاومون”.

ويصف العميد راشد هذا القرار بالقرار الاستراتيجي المهم لأمن المنطقة، موضحًا أنه “عندما تمنع أية سفن أجنبية من المرور عبر المياه اليمنية لدعم وإسناد كيان الاحتلال الصهيوني، فأنت ضربته وحاصرته وقطعت عنه المَدَد، وفرضت أمام العالم معادلة إنسانية تفضي إلى سرعة التحَرّك لوقف العدوان على قطاع غزة وفتح جميع المعابر لإدخَال المساعدات الإنسانية والدوائية”.

 

 تداعياتٌ اقتصادية كبرى على الكيان:

من الناحية الاقتصادية يرى الخبير والمحلل الاقتصادي رشيد الحداد، أن قرار القوات المسلحة اليمنية منع أية سفينة مهما كانت جنسيتها من المرور إلى “إسرائيل” يؤسس لمعادلة اقتصادية جديدة، تؤكّـد أن قواتنا المسلحة لديها العديد من الخيارات الكفيلة بإلزام الكيان الصهيوني ومن يقف إلى جانبه الأمريكي والبريطاني لوقف العدوان على قطاع غزة من جانب، ومن جانب آخر السماح بدخول المساعدات الغذائية من كافة منافذ فلسطين المحتلّة.

ويقول الحداد في حديثٍ خاص لصحيفة “المسيرة”: “إن القرار يضع الجميع أمام ورقة ضغط فعالة ومهمة وكبيرة جِـدًّا، سوف تؤدي إلى خنق الاقتصاد الإسرائيلي الذي كانت تمر من تجارته بما يقدر بـ 60 مليار دولار سنوياً عبر مضيق باب المندب، قبل قيامه بالعدوان على قطاع غزة، ويضع الكيان الغاصب في مأزق كبير جِـدًّا، سبق وكان لديه هامش قبل اتِّخاذ القوات المسلحة اليمنية لهذا القرار، وكانت تدخل بعض السفن الأمريكية والبريطانية والفرنسية، التي تتجه بعد مرورها من باب المندب إلى ميناء أم الرشراش المحتلّ”.

ويتابع الخبير الاقتصادي الحداد: “القرار يطمئن الشرِكات الدولية والمجتمع الدولي، وكلّ السفن التجارية المتعلقة بالشحن وناقلات النفط أنها تحت حماية القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر، باستثناء السفن المتجهة إلى موانئ الكيان الصهيوني”، معتبرًا تأكيدَ البيان على أن هذا القرار سيتم تنفيذُه في البحرَينِ العربي والأحمر يؤكّـدُ على قدرة القوات المسلحة اليمنية على تنفيذ هذا القرار ليس فقط في البحر الأحمر أَو في المياه الإقليمية، وإنما سيمتدُّ إلى المحيط الهندي، خَاصَّةً أنه سبق لقواتنا أن استهدفت مواقعَ لقواتٍ صهيونية وإماراتية في جزيرة سقطرى، مُشيراً إلى أن “هذا يضع أمام الخبراء والمحللين الكثير من المؤشرات، وأنه بإمْكَان القوات المسلحة استهداف أية سفينة حتى وإن خرجت من ميناء “إيلات” بالطائرات المسيَّرة والصواريخ البالستية التي وصلت إلى جنوب فلسطين المحتلّة في “أم الرشراش””، كما يؤكّـد أن “هذه المعادلة هي خيار آخر بعد خيار منع مرور سفن كيان الاحتلال من المرور من مضيق باب المندب، كما أنه وسع جانب المنع للسفن الإسرائيلية إلى منع كُـلّ السفن من الوصول إلى الكيان، وكبح المعاذر، وفرض معادلة إدخَال المساعدات إلى أهلنا في قطاع غزة مقابل، السماح لبعض السفن الأجنبية”.

ويشير الحداد إلى أن “تغييرَ العدد الكبير من السفن لمسارها، وخَاصَّة سفن الكيان عبر الرجاء الصالح؛ يعني تحويل الطرقات مسافة 11 ألف ميل، وهناك الكثير من التأمين الخارجي، والكثير من المخاطر، لكن اليوم يتم توجيه وتحديد، عبر إعلان رسمي، على المستوى العالمي لكل الشركات، وهناك حركة تجارية كبيرة ما بين الاتّحاد الأُورُوبي وبين كيان الاحتلال الصهيوني تصل إلى 35 %، وهناك حراكٌ تجاري كبير ما بين صادرات وواردات بين السوق الأمريكي وكيان الاحتلال، بنسبة 36 % من صادرات الكيان، وكذلك يقومُ بتصدير عدد كبير جِـدًّا من الواردات الأمريكية إلى الأسواق الدولية؛ فهذه المعادلة ضيقت الخناق بشكل كبير جِـدًّا على العدوّ”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com