دولةٌ على قدر من طلبوها بدمائهم وأرواحهم

 

فهد الرباعي

كان البلدُ غارقاً حتى أُذنَيه في التبعية والوصاية، وكانت الثورةُ التي اندلعت شرارتُها في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م معنيةً بانتشاله من غياهب الفوضى وأنفاق الضياع، ووضعه حَيثُ يجب أن يكون، وكانت الظروف قد انتخبت لهذه المهمة المفصلية في تاريخ اليمن، قائداً جاء به القدر من أقصى الشمال، حاملاً بين يديه وصية أخيه في أن يُعيدَ لليمن توهُّجَه الديني وهُــوِيَّته الإيمانية، وللثورة مسارَها لمّا رآها قد حادت عن الصراط.

جاءت ثورة سبتمبر ٢٠١٤م تحمل في كينونتها حرية اليمن واستقلاله، وذلك ما أساء الجارة الكبرى التي لم تحترم يوماً حقوقَ جارها، ولم تنفك عن التدخل في شؤونه الداخلية وإشعال فتيل الخلافات بين أبنائه، ولم تتوانَ عن تعبيد الطرق التي تؤدي إلى الفُرقة والتشظي والشتات، وحين بُترت يدُها الممدودةُ بالوصاية على البلد، صرخت في العالم أنّ خطراً يتربَّصُ بها وبالمنطقة قادمًا من اليمن، وقالت للعرب وهي تقبع في حضن الغرب: إن اليمن قد هجر الحضن العربي وجافاه.. وأغدقت على القريب والبعيد بالمال والنفط، وحشدت قوةً عسكريةً لو سُخِّرت لفلسطين لأعادت لها أراضيها المغصوبة منذ 8 عقود.

وفي اليمن رجالٌ يتوارثون المجدَ كابراً عن كابر؛ فمنذ أن طرق الغزاةُ أبوابَ الوطن التفوا جميعاً وراءَ قائدهم السيد والأيدي قابضةٌ على البنادق، وتواثبوا يتزاحمون على شرف الدفاع عن الوطن، باذلين على ثغوره دماء أشرافهم، في ملحمةٍ هي الأكثر إشراقاً في التاريخ الحديث.

9 سنواتٍ بحساب الزمن، أحال فيها الشهداء أحلام الغزاة إلى أضغاث، وأطماعهم إلى أوهام، وغدت اليمن بفضل تضحياتهم في عِزٍّ لا يزاحمُها عليه أحدٌ.

9 سنواتٍ بحساب الزمن، قدمت اليمن فلذاتها، منهم من قضى نحبه وارتقى، ومنهم من لا زال على الثغور يراقب العدوّ، ويرقب خيارات السلام، يدُه قابضة على الزناد وجوارحُه رهنُ إشارة القائد لبدء معركة التحرير الكامل والشامل.

في كُـلّ بيتٍ من بيوت اليمن حكاية شهيد، حكايةٌ تبدأ من عظمة ما سطر الراحلون إلى الجنان، وتنتهي بفخر ذويهم لعظيم ما بذلوا، حكاية يتذكرها اليمنيون المتنقلون في رحاب الوطن وقد استتب الأمن والأمان، حكايةٌ يشعرُ بها الرامقون أوضاعَ إخوتنا في جنوب الوطن المحتلّ، حَيثُ الفوضى وغلاء المعيشة وانعدام الأمن والدولة، حكايةٌ يسرُدُها من يشعرون بالفخر أن اليمنَ قد غدا في طليعة المناصرين لقضايا الأُمَّــة، حكايةٌ يختزلها اليمنيون من كُـلّ عام في أسبوع خصَّصوه للشهداء يستأثرون فيه مواقفهم وتضحياتهم، يرتادون روضاتِهم، ويتفقدون أبناءَهم، يفتتحون معارِضَ حوت في جوفها صورَ العظماء ومواقف الأبطال، ويعكفون في لياليهم يتذاكرون بطولاتِ الشهداء التي لن تمحى من سجلات التأريخ.

بالأمس متحدث القوات المسلحة يؤكّـد الاستمرارَ في مناصرة الشعب الفلسطيني بكافة أشكال المناصرة إذَا ما عادت مشاهد الدمار في غزة من جديد، وهذا موقفٌ ما كان له أن يكون لولا دماءُ شهدائنا العظماء، ومَا كانت الشعوبُ العربية تتغنى بالموقف اليمني العظيم حين أقفرت بلاد العرب من موقفٍ مشرِّف تجاه فلسطين، لولا الدماء التي سكبت على هذا الطريق.

لقد أثمرت دماء شهدائنا نصراً وعزاً وكرامة، وبنت دولةً على قَدْرِ من طلبوها بدمائهم وأرواحهم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com