فلسطين القضية: اليمنُ من الصرخة إلى الصواريخ ومن المَسِيرات إلى المُسَيَّرات

 

محمد فايع

أثبتت وقائع الأحداث في العديد من المراحل التاريخية التي مر بها اليمن بأن الشعب الأصيل بهُــوِيَّته الإسلامية الإيمَـانية الأصيل بعروبته سباقًا في حضوره الفاعل على مسار الانتصار للقضايا المصيرية والمحورية للأُمَّـة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وفي ساحات المواجهة والصراع مع معسكرات الباطل والنفاق تميز الشعب اليمني بصناعة المفاجآت والتحولات الاستراتيجية لصالحة الأُمَّــة والانتصار لقضاياها العادلة.

طالما كان اليمن بشعبه العربي المسلم الأصيل وبموقعه الجغرافي الاستراتيجي الحاكم على مستوى المنطقة والعالم وخَاصَّة على مسار معادلات الصراع مع قوى الاستكبار محل استهداف من قبل القوى الاستعمارية القديمة منها والحديثة والتي سعت اما للسيطرة عليه وعلى موقعه لضرب أَو لاحتواء دوره الريادي في صناعة التغيرات والتحولات على مستوى المنطقة والعالم.

منذ وقت مبكر عملت قوى الاستعمار الغربي بقيادة بريطانيا على زراعة كيانات وأنظمة في المنطقة العربية تابعها لها وعلى رأسها الكيان السعوديّ، كان وما زال من أولويات مهمات الكيان السعوديّ العمل على ضرب اليمن في هُــوِيَّته وأصالته وفي وحدته الاجتماعية وأمنه واستقراره وذلك للحيلولة دون ظهور أي مشروع أَو تحَرّك يمني من شانه أن يوحد الشعب اليمني وأن يوجه ما يتمتع به اليمن وشعبه من مقومات إيمَـانية واجتماعية أصيلة ومن مقومات جغرافية وتضاريسية بالشكل الذي يجعل من حضور اليمن وشعبه فاعلا وصانعا للتحولات على مسار الانتصار لقضايا الأُمَّــة في وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

قبل عقدين ونيف، أعلنت قوى الاستكبار العالمي بقيادة أمريكا شعار (من لم يكن معنا فهو ضدنا) كعنوان لمشروع حرب شاملة لتدمير الإسلام وإبادة أهله تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وأمام الصرخة والتحَرّك الأمريكي الصهيوني ظهرت المواقف العربية والإسلامية الرسمية منها والشعبيّة ما بين مواقفَ متسائلة ومواقف مذهولة إلى مواقفَ مسارعة إلى منح أمريكا الشرعية إلى مواقف سيطرت عليها حالة من الصمت والترقب.

وجاء من اليمن موقفٌ وتحَرّكٌ متميزٌ وشجاعٌ وحكيمٌ وصحيح ومناسبٌ لما تتطلبه الوضعية.. موقفٌ عبرت عنه صرخة إيمَـانية قرآنية حكيمة في وجه المستكبرين أعلنها السيد حسين بدر الدين الحوثي من جبل مران محافظة صعدة شمالي اليمن كعنوان ومنطلق لمشروع ثورة تثقيفية توعوية قرآنية موجهة للشعب اليمن خَاصَّة ولشعوب الأُمَّــة عامة وتهدفها إلى غايات ثلاث رئيسية:-

أولاً: تصحيح المفاهيم الثقافة المغلوطة التي كانت قد تراكمت في أوساطها لأجياله بفعل التقديم الناقص والمغلوط للإسلام بعيدًا عن الثقافة القرآنية الحاكمة

ثانيا: خلق وعيٍ جمعيّ بين أبناء الشعب اليمني وأبناء شعوب الأُمَّــة؛ بهَدفِ تحصينها من الاختراقات والخداع الأمريكي

ثالثا: لاستنهاضها للتحَرّك في إطار موقف موحد لمواجهة الحملة الشيطانية التدميرية والفتنوية الأمريكية الصهيونية التي تستهدفها في دينها ودنياها وفي فطرتها وأخلاقها وفي موقعها ومقدراتها.

وفيما كانت ردت الفعل داخل اليمن على صرخة وتحَرّك السيد حسين بدر الدين سلبي في الغالب كان ردة الفعل الأمريكي هو التحَرّك المبكر بقيادة أمريكا لإسكات الصرخة وقتل مشروعها القرآني في مهده ولم يوفر الأمريكي أية وسيلة أَو سلاح للحيلولة دون تعاظم مشروع السيد حسين بدر الدين الحوثي وصرخته وُصُـولاً إلى شن سِتِّ حروب على المشروع القرآني قيادة وأنصارا استشهد في أولاها القائد المؤسّس السيد حسين بدر الدين وثلة من المؤمنين معه في منطقة مران محافظة صعدة شمال اليمن.

الإجراءات والحروب الأمريكية عبر استخدام النظام الحاكم في اليمن وشركائه، وُصُـولاً إلى استخدام الأدوات الأمريكية على مستوى المنطقة بدلا عن أن تتمكّن من القضاء على المشروع القرآني أسهمت في انتشار وتوسع رقعته الاجتماعية والجغرافية وفي تعاظم حضوره وصداه متجاوزا اليمن إلى المستويين الإقليمي والعالمي ليغدوَ بعد ذلك مشروعا وصرخة ثورة شعبيّة يمنية تمكّنت في النتيجة إسقاط وإفشال المشروع الأمريكي وكل ما كان قد بناه وهيَّأه الأمريكي في اليمن على مدى عقود.

عقب انتصار المشروع الثوري القرآني التحرّري للشعب اليمني لم يلبث الأمريكي حتى أعلن تحالفا عدوانيا على اليمن رأس حربته الكيان السعوديّ وفي مقدمته تحالف الاستكبار العالمي بصموده ثم بصناعته للمعادلات وللمتغيرات والتحولات الاستراتيجية على مسار المواجهة وُصُـولاً إلى النصر، ليغدو اليمن بشعبه وبقيادته وبقوته الضاربة رقما مؤثرا على مسار الصراع والمواجهة مع قوى الاستكبار والانتصار للقضية الفلسطينية شعبا ومقاومة ومقدسات.

من موقع الرصد الواعي للشعب اليمني وقيادته للتحَرّكات الأمريكية الصهيونية في المنطقة أتى إدراك ووعي اليمن قيادة وشعبا وقوة ضاربة لطبيعة المرحلة ولطبيعة الصراع وساحاته القادمة مع تحالف الاستكبار العالمي ومن ثم كان اليمن سباقا بموقفه الإيمَـاني والمبدئي تجاه القضية الفلسطينية شعبا ومقاومة ومقدسات وعبَر قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي عن موقفه وفي أكثر من مناسبة أعلنها الشعب اليميني على لسان قيادته الثورية ومنها وفي كلمة له بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين عام 1442هـ أوضح السيد القائد أن الشعب اليمني وهو يتحَرّك مع عملية سيف القدس في جمع التبرعات بالرغم من الظروف الصعبة، مؤكّـداً أن الشعب اليمني سيستمر وفي كُـلّ المجالات وبكل ما يستطيع في الثبات على موقفه في إطار التنسيق مع محور المقاومة للتصدي للمؤامرات الأمريكية والإسرائيلية، مؤكّـد أن «الشعب اليمني حاضر للمشاركة في أية مواجهة مقبلة مع العدوّ الإسرائيلي»، إلى إعلان قائد الثورة بأن الشعب اليمني لن يتردّد في إعلان الجهاد في سبيل الله ضد العدوّ الإسرائيلي وتوجيه أقسى الضربات ضد الأهداف الحساسة في كيان العدوّ، وُصُـولاً إلى إعلان قائد الثورة بأن اليمن سيكون جزء لا يتجزأ من المعادلة التي أعلنها السيد حسن نصر الله في أن التهديد للقدس يعني حربا إقليمية في إطار محور المقاومة.. مُضيفاً “أننا سنكون حاضرين بكل ما نستطيع وبكل فاعلية في إطار محور المقاومة وفي إطار معادلة القدس”.

بعد تنفيذ المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس عملية طوفان القدس الاستباقية الاستراتيجية وَغير المسبوقة وتحَرّك واستنفار تحالف الغرب بقيادة أمريكا إلى جانب العدوّ الإسرائيلي كان اليمن بشعبه وقيادته وقوته الضاربة وبموقعه البحري الاستراتيجي حاضرا وعلى أهبةِ الاستعداد لصناعة التحولات والمعادلات والمفاجئات على مسار المواجهة لتحالف العدوان الصهيو أمريكي على الشعب الفلسطيني ومقاومته، فأعلنها سيد القول والفعل قائلاً: “نحن مستعدون للمشاركة حتى على مستوى القصف الصاروخي والمسيرات والخيارات العسكرية”، مؤكّـداً أن “عملنا على مستوى القصف بالصواريخ والمسيرات سيستمر، تخطيطنا لعمليات إضافية في كُـلّ ما يمكن أن نناله من أهداف صهيونية في فلسطين أَو في غير فلسطين، فلن نتوانى عن فعل ذلك، حينها شاهد العالم كله كيف أن الصرخة اليمانية في وجه المستكبرين (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت إسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام) أصبحت اليوم صواريخ بالستية ومجنحة وكيف أن مسيرات شعبه المنتصرة للقضية الفلسطينية قد غدت مسيرات جوية تصنع عمليًّا الموت لأمريكا ولإسرائيل.

وتصاعدت العمليات الاستراتيجية للقوات المسلحة اليمنية باتّجاه عمق كيان العدوّ الإسرائيلي وأهداف أمريكية وبما يعكس قراراً سياسيًّا حازماً وحاسماً بأنه لا يمكن الاستفراد بغزة، ويؤكّـد أن العروض العسكرية لم تكن لمُجَـرّد استعراض القوة ولم تكن المسيّرات والصواريخ العابرة للحدود والمتعددة الطرازات والمديات لمُجَـرّد الحرب النفسية، بل كانت ولا تزال ليومها، وجاء يومها وتوقيتها المناسبة؛ إذ غدت اليمن قوة إقليمية، تفرض معادلات عابرة للحدود، وأصبحت السيادة وقضايا الأُمَّــة الكبرى، خطوط حمر لا تنازل عنها، ولا قبول بالمساس بها، ذلك ما ترجمته القيادة اليمنية، عبر القوة الضاربة، القوات المسلحة اليمنية، وغدت صرخة الموت لأمريكا فعلا عمليًّا عسكريًّا حينما حلقت طائرة مسيرة أمريكية من نوع إم كيو ناين في أجواء المياه الإقليمية اليمنية، لممارسة أعمال عدائية تجسسية، لتبادر الدفاعات الجوية فورًا ومن دون تردّد بإسقاط الطائرة المتطورة من نوع إم كيو ناين غالية الكلفة.

ومضى اليمن قيادة وشعبا وقوة ضاربة على مسار صنع المفاجئات والمعادلات ليس فقط في تجاوز الصواريخ والمسيرات اليمنية منظومات الدفاع الأمريكية في البحر والخليج؛ فذلك أمر اعتدنا عليه في الحروب السابقة، لكن أن تصل إلى عمق الكيان وتتجاوز أحدث منظوماته الدفاعية ومن بينها حيتس، فذلك تطور مهم يضع المنظومات الإسرائيلية على لائحة المنظومات الفاشلة، التي لم تستشعر مطلقاً قدوم صواريخ أَو مسيرات، ولم تطلق صفارات الإنذار

لم يكتفِ الشعب اليمني بقيادته وقوته الضاربة بذلك فجاء إعلان السيد القائد عن معادلة جديدة على مسار الاستهداف للكيان الصهيوني عبر فتح مسار جديد ونوعي واستراتيجي يترجم عمليًّا باستهداف أية سفينة حربية أَو تجارية للعدو الإسرائيلي في البحر الأحمر، مشدّدًا على أن عيوننا مفتوحة للرصد الدائم، والبحث عن أية سفينة إسرائيلية، وليعلم العالم، لتسارع بعد ذلك القوات المسلحة اليمنية إلى التأكيد بأنها على أهبة الاستعداد والجاهزية لتنفيذ توجيهات السيد القائد وجاء في بيانها بأنَّ القواتِ المسلحةَ وضمنَ عملياتِها العسكريةِ ضدَّ العدوّ الإسرائيلي تؤكّـد البَدءَ في اتِّخاذ كافةِ الإجراءاتِ العمليةِ لتنفيذِ التوجيهاتِ الصادرةِ بشأنِ التعاملِ المناسبِ مع أي سفينةٍ إسرائيليةٍ في البحرِ الأحمر.

لم يمضِ على بيان الجاهزية للقوات المسلحة اليمنية إلَّا يوم حتى كان العالم كله والعدوّ الإسرائيلي والأمريكي خَاصَّة على موعد من مفاجأة ومعادلة جديدة هي في الحقيقة تجسيد عمليّ لصرخة الموت لإسرائيل واللعنة على اليهود ترجمتها القوة الضاربة للشعب اليمني بالاستيلاء على سفينة إسرائيلية في عملية جريئة شجاعة وغير مسبوقة جعلت من أمن غزة وسلامة أبنائها قضية أمن وسلام دوليين، كما صنعت معادلة جديدة مضمونها ــ السلام والأمن الدوليين في البحر الأحمر مرهون بتوقف العدوان والحصار على غزة.

وبحسب كُتَّابٍ ومراقبين تكمن أهميّة هذه العملية وغيرها من العمليات المسبوقة والتي ستأتي بعدها في أنها تنزع ما تبقى من أمن في كيان العدوّ، وتثبّت معادلة لا أمن للعدو من دون أمن غزة، كما أنها تفقد أم الرشراش أَو ما يسميها العدوّ بـ “إيلات” قيمتها السياحية وحتى الاقتصادية؛ فرأس المال جبان ولن يستقر في بيئة تتعرض للضربات بين حين وآخر.

والمفاجآت الأصعب على ما يبدو لم تأت بعدُ؛ فالقوات المسلحة تلوح بمزيد من العمليات نصرة لمظلومية الشعب الفلسطيني حتى يتوقف العدوان على غزة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com