كُـلّ أكذوبة تحملُ معها جُرثومة فضيحتها.. وكُلُّ بنيان يحملُ معه جُرثومةَ فنائه

 

عبدالإله محمد أبو رأس

علينا أن نُسمِيَ الأشياءَ بمسمياتها الحقيقية، وأن نعطيَ مستوطنات الاحتلال حجمَها الحقيقي، وعندما نصل إلى تلك المرحلة من التحجيم الحقيقي لكيان العدوّ، نكون بذلك قد وقفنا على مشارف انتهاء الفصل الختامي من الدراما الكونية.

إسرائيل تلك الجنين – اللقيط – التي وُلدت لأبوين مجهولين، تم العثور عليها على قارعة الطريق، ومنذ بداية نشأتها وهي تعيش في الحضن – الماكر – الأمريكي على إرضاع صناعي، ولم يكن لها يوماً من الأيّام قوة ذاتية، وإنما قوتها كانت مُستعارة ومقترضة من هذا وذاك، ومُفاعِلها النووي استنساخ أمريكي، وصواريخها وطائراتها وغواصاتها ودباباتها وتغذيتها بالمال والسلاح والمساندة السياسية هي من رحم الدول الاستعمارية عبر حبل سُرِي لا يكفُّ عن ضخ المعونات، وهي ترضع الخلاصات من كُـلّ شيء، ثم تصرخ طالبةً المزيد.

إنها طُفيل مُدمِن التطفل يعيش على دماء غيره، ولا يكفُّ عن الصراخ والشكاوي من الاضطهاد والظلم، وهي في حَــدّ ذاتها الظلم الفاجر في ذروته وتبجحه، واليهودي اللحوح الذي يستنزفُ كُـلّ من حوله، ثم تشكو من الجوع والحرمان، والقلب المريض الذي لا يستطيع أن يعيش بدون تنفس صناعي، والذين يُغذُّونها ليسُوا أغبياء فهي تؤدي لهم دورًا لا غنى عنه.

لكن في النهاية هناك نقطة ضعف لكل شيء؛ ونقطة ضعف إسرائيل القاتلة -إنها تتنفس صناعياً، عن طريق جهاز تنفس صناعي في حاجه دائمة إلى مددّ وإنعاش بوسائل صناعية، وهي لا تستطيع أن تحارب إلَّا من وراء جدار، أَو من وراء دبابه أَو من نافذة طائرة، أَو من قمرة غواصه أَو بمددّ من آخرين، ولا تستطيع أن تباشر القِتال بالأيدي، ولا تستطيع أن تشتبك رجلاً لرجل، ولا تستطيع أن تصمد للمواجهة المباشرة.

وتلك هي نقطة ضعفها القاتلة؛ لأَنَّها لا تستطيع الحياة بدون عُكاز أَو تهديد نووي، أَو دولة قوية تساندها أَو مددّ يمدها بلا انقطاع، أَو ظهير أمريكي أَو بلطجي تحتمي بقوته وهذا الاحتياج سيكون مقتلها. وهذه المشاهد المقززة التي يباشرونها أمام عدسات التصوير لا يمكن أن تكون إلَّا نماذج من الترويع والتخويف لزرع الجبن في قلب كُـلّ فلسطيني يفكر في مجاراة المقاومة، وهو نهج قتالي تعلّموه في تدريباتهم، وينسى المقاتل الإسرائيلي أن ردة الفعل يمكن أن تأتي عكساً تماماً، ويمكن أن يزرع المشهد المقزز رغبة في الانتقام واندفاع جنوني نحو الفاعل لتمزيقه إرباً.

لا سِيما أن النيران المسّتعِرّة تتصاعد شرارتها بين قسوةً تتصاعد إلى درجة الوحشية وبين غضب محّورِيّ يتصاعد إلى درجة الانفجار البركاني، وبين التجمد المذعور والاندفاع المجنون خيط رفيع.

والمقامرة قد تطيرُ فيها رقاب، وما يجري على أرض المعركة – هو – عبارة عن ظلم طاحن في جانب يؤدي إلى تصاعد الغضب اللاهب في الجانب الآخر، ولا تجد الضحية سوى أن تنفجر في جسم جلاّدها ليتلاشى الاثنان في احتجاج مُدوً واستشهاد رهيب يصك آذان الملأ الأعلى في السموات وتصعد روح الشهيد إلى بارئها راضية مرضية.

حينها تتفتتُ القلوب في إسرائيل ذُعرًا وهلعاً وخوفاً، ويطحن نتنياهو على أضراسه من الغيظ ويمتلكه الرعب وهو يرى زهرة شباب إسرائيل تذوب وتختفِ أمام عينه، ويصعد نتنياهو من فرط الجنون والتخبط الشيطاني معلناً الاجتياح البرّي للطرف الغزاوي، ويفاجأ بكتائب الموت تتسابقُ إلى الموت في فدائية مرعبة وأفخاخ مُحكمة ومواجهة شرسة تفجر الأرض من تحت أقدامهم براكين، ليسقطوا قتلى وجرحى وجثث متعفنة تنهش لحومهم الطيور والكلاب المسعورة.

ثم يعود ويفكر – نتنياهو – مرةً ثانية في تمزيق أرض غزة إلى كنتونات محاصرة من جميع المنافذ فيتبادر إلى ذهنه أنه الوقت المناسب للاجتياح البري، حينها يفاجأ من جديد بالأرض التي يقف عليها تهتز من تحته والابنية تنهار على جنوده، وصراخ جنوده من تحت الركام يلعنُ نتنياهو والأيّام والزمن الذي ابتلاهم به.

لا مفر ولا مخرج منها يا نتن ياهو، ما الحل؟ فإذا به يفكر مرة أُخرى عن حل! وَإذَا بالحل يتبادر إلى ذهنه مسرعاً عليك أن تحزم أمتعة الخيبة والانكسار والسفر إلى أمريكا للارتماء في أحضانها آملاً الحل منها، ويفاجأ بالرد من الحضن الماكر، هذا كُـلّ ما عندنا من دعم فماذا نفعل أكثر من ذلك؟ غير توبيخك لفشلك الذريع، ثم يعود منكسرًا وَإذَا بالإخبار تنهمرُ عليه من كُـلّ مكان، أنباء عن انفجار بركاني جديد راح ضحيته الكثير من القتلى والجرحى الصهاينة، ودماؤهم ملطخة على أعمدة الصحف والمجلات، ويتكور على نفسه من الألم وقد تلاشت خططه وتبخرت الأفكار من دماغه. وعِداد الموت لا يتوقف، وتمسي تل أبيب على انفجارات دموية وقتلى وأشلاء مبعثرة، وتتحول شوارع فلسطين إلى جنازات شهداء تُدوي بتهويم التسابيح كخلية نحل لا تعلو فيها إلَّا كلمة “الله أكبر”.

وتفقد إسرائيل كُـلّ يوم شيئاً أخطر من شبابها، تفقد السمعة التي تتاجرُ بها، سمعة الشعب المظلوم المضطهد الضحية وتلاحقها صفات الشعب الكذاب الدجال القاتل السفاح الدموي، وتصبح الوجهُ القذر الذي يُطلُّ علينا كُـلّ يوم بأكاذيبه وجرائمه ووحشيته وتبجحه.

وتتحول إسرائيل إلى ذلك المتهم المراوغ والبغيض الذي يدفع عن نفسه سوابق الظلم والتعدي والإجرام، وتُجرّجر إسرائيل معها شريكها الأمريكي في كُـلّ مصيبة ويتحول اسمها إلى غول مُلوث يقطر دماً وإلى مُحتال مُدلس مُحترف يقتاتُ بالأكاذيب، وكيان مفلس تُفقِدُ رصيدها كُـلّ يوم وتُفقدُ شبابها وتُفقدُ سمعتها وتفقدُ ماضيها وتتحول إلى مسخ كُريه مرفوض حضارياً ومرفوض سياسيًّا وإنسانياً، وجرائمها تلقي بظلمها على الشريك الأمريكي وعلى الشريك الأُورُوبي وعلى شُعوب العالم المتفرج والصامت كله.

وهناك تحول تاريخي إلى افتضاح كُـلّ دعاوِيها وأكاذِيبها، وهناك رفض لوجودها ينمو ويتأصل على جميع الجبهات، وهذه القنبلة الصامتة هي أخطر تحول سوف يأكل الرصيد الزائف من الأكاذيب اليهودية وسوف ينسفُ البنيان الإسرائيلي من أَسَاسه، أنه الوعد الذي ينمو من رحم المأساة.

والزمن الآن ضد إسرائيل وليس معها والتاريخ ضدها وليس معها، والعالم الذي فطن إلى أكاذيبها سوف يكون عونا لنا ضدها ولن يكون معها. وقد تعرّت إسرائيل الآن وظهرت للجميع عورتها وأحشاؤها وأباطيلها وأطماعها، والذين يشهدون معها سيشهدون ضدها، والذين يعملون لبقائها سيعملون لزوالها.

لقد برح الخفاء وانكشف الخواء، وهناك جنين تاريخي اسمه الحقيقة ينمو ويتكامل مع الزمن، جنين لشيء بغيض كُريه لن يختلف على كراهيته اثنان، وغداً سوف يخطو التاريخ على بصيرة، وسوف تتحول جميع المؤشرات لتكن ضد إسرائيل، وسوف ينال الجرمُ الإسرائيلي عقابه، وهذا الحتفُ لاشك فيه والوعود الإلهية هي من حدّدت العاقبة، والشواهد العينية في إسرائيل هي من تؤكّـد ذلك، لا سِـيَّـما أن الخلاف قد بدأ داخل البيت الإسرائيلي نفسه، وصوت الاعتراضات على تطرُِفِها من داخلها، وهناك محاذير تظهر على استحياء في الصحف العالمية هنا وهناك عن التطرف الإسرائيلي وعواقبه الوخيمة.

وإسرائيل تخطو خطوةً في جرِمها إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف، وفي أُورُوبا يشاهدون الفلسطيني يفجر نفسه! ويشعرون بالدهشة لماذا يفعل؟ ويتساءلون بحكم فطرتهم العقلانية هل يمكن لهذا الفلسطيني الذي يفجِّر نفسه ليموتَ كذابًا!! استحالة! هذه لحظة يستحيل فيها الكذب، هذا رجل يقدمُ نفسه وحياته مصداقا لِكُلّ حرف يقوله ولا يمكن إلَّا أن يكون صادقا.

والقضية تعود لتطرح نفسها من جديد رغم أنف الإلحاح الإسرائيلي والكذب الإسرائيلي والدجل الإسرائيلي، وبين ألف واحد مخدوع يقفون إلى جانب إسرائيل، سوف يقفُ عشرات ومئات مع هذا الذي يفجر نفسه ليعيدوا قراءة الحقيقة من جديد.

والظلم الظهير يخرق العين ويفجر القلب ويوقظ العقل، ولن يستطيع الكذب والاحتيال أن يملا وعاء الحقيقة بعد ذلك أبدا، وإسرائيل تقامر على وهم، وسوف تبدل إسرائيل كُـلّ يوم جلدها الإنساني إلى جلد خنزيري أسود، وسوف تخسر كُـلّ يوم حليفا وسوف ينكشف زيفها وكذبها، وكل يوم سوف يتقدم الفلسطيني خطوة ويكسب حلفاء جدد وأعوان جدد.

وسوف ترتد إسرائيل إلى الوراء خطوات ومع كُـلّ شهيد فلسطيني يسقط يتقدم بنا أجيالا، ونحن نسيرُ إلى الأمام رغم كُـلّ العوائق، والمستقبل مستقبلنا والأرض أرضنا والحق حقنا، وأما إسرائيل فهي كائنه إلى زوال وإلى بوار وخسار.

والقضية موقف عالمي أولاً، وقناعة عالمية سوف تتغير من النقيض إلى النقيض، من الجاني؟ ومن الضحية ومن القاتل ومن هو القتيل؟ ومن هو ضحية الاكاذيب والدعايات؟ ومن هو الذي يشوهُ التاريخ ويروج للخرافة؟ خرافة الشعب اليهودي المضطهد المظلوم المكلوم إلى آخر هذه المفتريات، ومن هو العنصري حقا؟ ومن يلقي بتهمة العنصرية على غيره؟ ومن هو الظالم الذي يلقى بجرِيرة ظلمه في وجه البشرية؟ كلها حقائق كثيرة سوف تتغير، وسوف تعود الأسماء الحقيقية إلى مسمياتها الطبيعة، وغداً تسوَدُّ وجوهٌ وتبيَضُّ وجوهٌ.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com