خبراءُ عسكريون ومحللون سياسيون لصحيفة “المسيرة”: استمرارُ العدوان على غزة سيدشّـنُ حرباً إقليمية ومآلاتُه ستكونُ وخيمةً على الغزاة والمستعمرين

 

المسيرة – محمد الكامل

يترقَّبُ العالَمُ بأسره التطوُّراتِ المتسارعةَ؛ جراء العدوان الصهيوني على قطاع غزة والجرام المتوحشة بحق الأطفال والنساء في القطاع.

ومع اتساع دائرة الإجرام الصهيوني بالقطاع، بدأ محور المقاومة بالتدخل منذ الأيّام الأولى لعملية “طوفان الأقصى” وذلك عن طريق “المشاغلة” للعدو كما يفعل مجاهدو حزب الله اللبناني على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلّة، أَو عن طريق استهداف القواعد الأمريكية في العراق وسورية.

وإلى جانب ذلك كان لافتاً إعلان وزارة الحرب الأمريكية “البنتاغون” عن اعتراض صواريخ وطائرات مسيَّرة انطلقت كما يقولون من اليمن باتّجاه الكيان الغاصب، ثم ما تلاها من أحداث وتداعيات كبيرة لا تزال تشكل مؤشراً هاماً في توسع دائرة المواجهة لتشمل المنطقة العربية بالكامل.

ومما يزيد المخاوف أكثر من اشتعال المعركة هو تحريك حاملات الطائرات الأمريكية إلى المنطقة، والزيارات المكثّـفة للرؤساء الغربيين إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتأكيد على مساندتهم في هذه المعركة، وإرسال التهديدات المباشرة وغير المباشرة لحزب الله اللبناني وللجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن دخولهم في هذه المعركة ستكون له عواقب وخيمة.

وأمام هذا الواقع فَــإنَّ المنطقة على صفيح ساخن، وهي بمثابة برميل بارود قد ينفجر في أية لحظة، لا سِـيَّـما أن الصهاينة يريدون خوض هذه المعركة بدون توقف حتى تتحقّق أهدافهم المتمثلة في تهجير سكان قطاع غزة والضفة الغربية وتصبح فلسطين بأكملها دولة محتلّة للكيان الغاصب.

وتحمل هذه العمليات العسكرية المختلفة رسائلَ واضحةً ودلالاتٍ تؤكّـدُ أن محورَ المقاومة في المنطقة ليس بمنأىً عن هذه الأحداث، وهو على تنسيق مباشر وعالي المستوى فيما بينهم لدراسة المعطيات والأوضاع العسكرية والميدانية خطوة بخطوة، وقد تم وضع آليات عمل وخطط مشتركة للمسار العملياتي ورسم خطوط حمراء مضمونُها أن أيةَ تجاوزات لها سيكون تدخل المحور مباشر ودون سابق إنذار.

وفي هذا الشأن يؤكّـد الخبير في الشؤون العسكرية زين العابدين عثمان، أن “تصاعد وتيرة المجازر الوحشية التي يرتكبها كيان العدوّ الصهيوني بدعم أمريكي غربي ضد إخواننا الفلسطينيين في غزة ومع وصول مستوى إجرامه إلى ممارسة سياسة الأرض المحروقة بدعم وتعاون أمريكي مباشر وارتكاب الإبادات والقتل الجماعي بحق آلاف المدنيين، من ضمنها ارتكابه للمذبحة الكبرى بمستشفى المعمداني التي راح ضحيتها نحو 1000 فلسطيني تشير إلى أن المواجهة قد تتسع إلى ما هو أبعد من غزة”.

ويشير عثمان في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” إلى أن “تقييم محور الجهاد والمقاومةِ للأوضاع حاضرٌ باستمرار؛ وهو يتجه نحو تفعيل ردود الفعل المباشرة في مسار تصاعدي للعمليات، وكانت البداية من حزب الله اللبناني الذي نفذ وينفذ سلسلة عمليات هجومية يومية باتّجاه مواقع وثكنات جيش كيان العدوّ الإسرائيلي على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلّة”.

ويضيف أنه “مع ارتكاب كيان العدوّ الصهيوني مذبحة مستشفى المعمداني وزيارات بايدن والقيادات الأمريكية والغربية لتل أبيب اتجه محور المقاومة إلى البدء بالخطوة التالية: وهي تفعيل عمليات هجومية متعددة الأقطاب لضرب القوات الأمريكية والصهيونية تدخلت فيها المقاومة الإسلامية في العراق وسورية التي وجّهت ضربات على القواعد الأمريكية، بالإضافة إلى اليمن الذي وجّه عملية هجومية بسلاح الجو المسيَّر والصواريخ -لم يُعلَنْ عنها بعدُ- لاستهداف إحدى البوارج الأمريكية في البحر الأحمر يو إس إس كارني (DDG-64)، طراز Arleigh Burke واستهداف العُمق الإسرائيلي، كما أكّـدته قيادات الجيش الأمريكي ووسائل إعلام الصهاينة”.

وأعلنت “المقاومة الإسلامية في العراق أنها استهدفت جنوداً أمريكيين فيما هدّدت القوات المسلحة في اليمن بمهاجمة مصالح وبوارج أمريكية على خلفية دعم واشنطن لتل أبيب منذ الهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية على الكيان الصهيوني في السابع من الشهر الجاري؛ فالتهديدات التي أعلنتها صنعاء محذرة من استمرار العدوان على غزة وبأنها لن تقف في موقف المتفرج، دخلت حيز التنفيذ؛ وهو ما أكّـدته وسائل إعلام العدوّ الصهيوني من خلال قيام القوات المسلحة اليمنية باستهداف القوات الأمريكية المتمركزة في البحر الأحمر، حَيثُ نشرت البحرية الأمريكية التابعة للبنتاجون خفايا مهمة عن الصواريخ والطائرات المسيَّرة التي أطلقت من اليمن في 19 أُكتوبر”.

ويؤكّـد عثمان أن “هذا التطور العملياتي لمحور الممانعة في مستوى تفعيل العمليات ومنها اليمن يأتي ضمن التنسيق العملياتي المشترك الذي سيأخذ مساراً تصاعدياً لا يتوقف عند تنفيذ العمليات المحدودة أَو التحذيرية، فكلما اتجه كيان العدوّ الصهيوني والأمريكي في تصعيد عملياتهم الإجرامية ضد المقاومة وضد أهلنا في غزة، كلما أخذت عمليات دول محور الممانعة ومنها قواتنا المسلحة نطاقاً أكبر وأوسع في سياسة استخدام القوة الهجومية لاستهداف القوات والقواعد الأمريكية وتوجيه الضربة المدمّـرة نحو عمق كيان العدوّ الصهيوني لذلك هذه معادلة ثابتة”.

ويضيف عثمان أنه “من المؤكّـد حتماً أن استمرار الغطرسة والدموية الأمريكية الإسرائيلية ورفع مستوى التدخل الأمريكي والغربي مع كيان العدوّ ضد المقاومة سيقابَلُ بانخراط محور الممانعة في المواجهة جنباً إلى جنب مع إخواننا في المقاومة الفلسطينية، وتدشين مرحلة الحرب الإقليمية المنتظَرة التي ستتجه بكل قوة إلى تدمير كُـلّ القواعد الأمريكية في البحار والمنطقة وسحق كيان العدوّ الصهيوني ومسحه من الخارطة”.

 

تحذيرات قائد الثورة رسالة عملية:

ومع بداية “طُوفان الأقصى” حَذَّرَ قائد الثورة السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، في خطاب له من استمرار العدوان على غزة وأن العدوّ لن ينعم بسلام، مؤكّـداً بالقول: “إننا على استعداد تام للمشاركة بما نستطيع وبذل أنفسنا للدفاع على فلسطين المحتلّة” موجِّهًا بالتنسيق التام مع محور المقاومة حتى النهاية”.

ولاقت تحذيرات قائد الثورة أثراً وصدىً واسعاً، سواء على المستوى الدولي والمحلي والشعبي، حَيثُ تناقلت وسائل الإعلام الغربية الخطابَ بجدية تامة، وَأكّـد معلِّقُ الشؤون العسكرية في “القناة 13” ألون بن ديفيد أن اليمن جبهة خامسة تشغل كيان الاحتلال الصهيوني.

أما على المستوى المحلي والشعبي فقد قال رئيسُ المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي محمد المشاط، مخاطباً العدوّ الصهيوني: “ستسمعون زَئيرَنا ولن يردعَكم إلا حملُ البندقية”.

وإلى جانب ذلك لم يتردّدِ الشعبُ اليمني الذي خرج في مسيرات جماهيرية كبرى في عموم محافظات الجمهورية في تفويض السيد القائد لأي خيار يتخذه في هذه المرحلة للتضامن ومناصرة الشعب الفلسطيني.

وفي هذا السياقِ، يقول المتحدث باسم الأحزاب السياسية المعارضة للعدوان، الدكتور عارف العامري: “على الرغم أنه إلى الآن لم يعلن رسميًّا عن دخولنا المباشر في المواجهة مع الكيان الصهيوني إلا أن خطاب السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، يعد رسالة عملية تؤكّـد وتثبت للعالم مرة أُخرى بأننا جزء لا يتجزأ من معادلة الأقصى، ومحور المقاومة الرافض للاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين وأننا حاضرون في الميدان قولاً وعملاً”.

ويرى العامري في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن “هذا يثبت جدية خطاب القيادة الثورية وموجِّهاتها والخطوط الحمراء التي وضعتها إلى جانب دول المحور”، مؤكّـداً أن “هذا الأمر دفع بالإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني إلى إعادةِ حساباتهم والبحث عن حلول لخروجهم من المنطقة؛ كون دول المحور لن تصمُتَ أَو تبقى على الحياد”.

ويوضح أن “أيَّ استهدافٍ من قبل الجيش واللجان الشعبيّة على القطع البحرية الأمريكية أَو غيرها من قوات عسكرية أجنبية هو حقٌّ مشروعٌ تكفله القوانين والاتّفاقيات الملزمة بعدم دستورية وقانونية وجودها على غير أرضها، وتعتبر هدفاً للجيش إذَا ما حاولت المساس بأمن الوطن ليس اليمني فقط، ولكن حتى محاولة التدخل العسكري في مواجهة الشعب الفلسطيني”.

ويؤكّـد أن “عليهم التفكير ألفَ مرة في أية محاولة للتدخل، حول مآلات ذلك ستصبح وخيمة على الغزاة والمستعمرين، وسيصيب دول الإقليم المحايدة في مقتل ولن تكون في مأمن من الاستهداف العسكري والشعبي”، مُشيراً إلى أن “كُـلّ الأهداف والمصالح الأمريكية مباحة”.

 

رسالةٌ حازمةٌ من اليمن:

وبفعل التجارِبِ المتعاقِبة فَــإنَّ تهديداتِ القيادةِ الثورية والسياسية لا تأتي للاستعراض الإعلامي، كما يفعل البعض، فالقول يتبعه عمل؛ ولذا فَــإنَّ انخراط اليمن في هذا المعركة واردٌ لا مَحَالَةَ.

وفي هذا الجانب يشير المدير التنفيذي لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني، عبد العزيز أبو طالب، إلى تداول وسائل الإعلام الغربية والصهيونية معلومات عما سموه اعتراض بارجة أمريكية لعدد من الصواريخ والطائرات المسيَّرة التي كانت في طريقها إلى الأراضي المحتلّة حسب تقديرهم.

ويضيف أبو طالب في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أنه “يلاحَظُ من التصريحات المتضاربة عن عدد الطائرات وعدد ما تم اعتراضُه حالةُ عدمِ اليقين التي تسود المتحدث العسكري والإعلامي الغربي والصهيوني”، لا فتاً إلى أنه “خلال الأيّام الماضية لم تعلن القوات المسلحة اليمنية عن أية عملية عسكرية تجاه الكيان الصهيوني؛ ما يعني أن اليمنَ تركت الإعلامَ الغربي يتخبَّطُ في ذكر الأعداد؛ فتارةً ذكرت وزارةُ الحرب الأمريكية “البنتاغون” أنه تم اعتراض أربعٍ وعشرين طائرةً، وتارة تقول خمسَ عشرةَ، وتارة يعلن عن اعتراض عدد من الطائرات بدون تحديد”.

ويقول: “ليس بالضرورة صحة ما ينشره إعلام العدوّ الصهيوني والأمريكي والغربي بشكل عام، ولكن المؤكّـد صحته أن تصريحات السيد القائد عبد الملك الحوثي، معروفة بالمصداقية الكاملة لدى الصديق والعدوّ، وأنه فعلاً رجل القول والفعل، خَاصَّة فيما يتعلق بقضية مهمة كالقضية الفلسطينية التي تمثل القضية المركزية للأُمَّـة والشعب اليمني على سواء”.

ويشير إلى إعلان رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال عبد العزيز بن حبتور، أن “صواريخَ وطائراتٍ مسيَّرةً يمنيةً كانت في طريقها نحو الأراضي المحتلّة لدعم المقاتلين والمدنيين في غزة”، مُضيفاً أنه “تم اعتراض بعضها بينما أصابت البقية أهدافها في الكيان المحتلّ”.

ويؤكّـد أن “هذه التصريحات تدُلُّ على مصداقية اليمن -حُكومةً وشعباً وقائداً- بالالتزام الأخلاقي نحو القضية الفلسطينية والمندرج حَـاليًّا ضمن محور المقاومة الذي يقف بحزم وفاعلية عسكرية وميدانية مع المقاومة الفلسطينية”، منوِّهًا إلى أن “هذه الضربات تهدف إلى إيصال رسالة حازمة للعدو الصهيوني أنه لا يمكن أن يستفرد بالمقاومة الفلسطينية وأن محور المقاومة من منطلق ديني وأخلاقي سيعمل على ردع الكيان الصهيوني”.

ويرى أن “مفهومَ وحدة الساحات سيكون واقِعاً على الأرض، ليس على مستوى الجغرافيا الفلسطينية، ولكن سيتجاوز ذلك إلى المستوى الجغرافيا العربية والإسلامية، ويدلل على ذلك تزامُنُ إطلاق الصواريخ والطائرات المسيَّرة مع استهداف القواعد الأمريكية في العراق وسوريا والاشتباكات اليومية التي يقوم بها حزبُ الله مع العدوّ شمالي فلسطين المحتلّة”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com