اليمنُ بين عوامل الانتصار وتطلُّعاتِ المرحلة المقبلة..بقلم/ حلمي الكمالي

 

لم يكن يُخيّل لأحد عشية انطلاق العدوان في الـ 26 من مارس 2015م، أن الشعب اليمني العظيم سيجسِّدُ ملحمةً أُسطوريةً في مواجهة تحالف دولي من 17 دولة تتقدمها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وممالك البترودولار.

اليوم وبعد 3000 يوم من الصمود الأُسطوري في وجه العدوان الكوني؛ يمكن أن نؤكّـد أن اليمن أسقط كُـلّ رهانات العدوّ، وصنع المعجزات في طريق التحرّر الوطني من قبضة قوى الرجعية والاستعمار، خاسفاً بأدواتها الإقليمية والمحلية تحت الرمال، وضارباً في صميم مؤامراتها ومشاريعها التخريبية، قاع المحيط.

وخلال مارثون الصمود اليمني الذي أذهل العالم، لم يتوارَ العدوُّ الأرعنُ في استهداف البشر والشجر والحجر وارتكاب أبشع الجرائم والانتهاكات وتشريد ملايين اليمنيين تحت طائلة القصف والحصار والتجويع، متجاوزاً بذلك كُـلّ المحرمات الإنسانية والدينية والأخلاقية، في محاولة بائسة لإخضاعهم، ولكن الإرادَة الشعبيّة الحقة المسنودة بالتضحيات الجسيمة، والقيادة الحكيمة، كانت أقوى من طائرات F16 والقنابل العنقودية، وبفضل الله تعالى، تحول الصمود في لحظة شعبيّة خالدة من ردة فعل إلى فعل مقاوم صريح ومؤثر، مفجراً ثورة علمية في مختلف المجالات والأصعدة.

 

أولاً: الانتصار في المجال الاقتصادي:

لقد تمكّن الشعب اليمني بفترة وجيزة رغم كثافة التهديدات والتحديات، من مجابهة إمبراطوريات العدوان والانتصار عليها في كافة ميادين وساحات المواجهة المفتوحة، فلم يتمكّن الحصار الجائر والخانق الذي تفرضه قوى العدوان الأمريكي السعوديّ، والذي تسبب في خسائر مهولة في القطاع الصناعي والتجاري تجاوزت 167 مليار دولار خلال 8 أعوام من العدوان على البلد؛ من تعطيل جبهة الصمود الوطني أَو تحقيق أية مكاسب سياسية أَو عسكرية، حَيثُ استطاع اليمن بفضل الله وتوجيهات القيادة الثورية الحكيمة، وبالإمْكَانيات المتواضعة، من التعامل مع ظروف الحرب والحصار وفرملة الغاية المنشودة من الاستهداف العدواني القذر، باتِّخاذ سياسة وطنية حقيقية طرقت الاعتماد الذاتي وشحذت الهمم والسواعد لتحقيق الاستقلال الاقتصادي، ورأينا الزراعة تنتشر وتتسع على امتداد الجغرافية الوطنية لتغطية الحرمان من الاستيراد، وبدأت الهيئات الاستثمارية الداخلية تعمل لتوفير ما يمكن توفيره في مواجهة التحديات الاقتصادية.

كما ساهمت الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها صنعاء، في التخفيف إلى حَــدّ كبير من تداعيات الحصار والحرب الاقتصادية الشعواء، وعلى رأسها الحفاظ على قيمة العملة المحلية بالرغم من استيلاء قوى العدوان على ما يقارب 90 % من عائدات الخزينة العامة للدولة، بما فيها إيرادات النفط والغاز، ونقل البنك المركزي إلى عدن وانقطاع المرتبات، حَيثُ أوجدت بدائلَ مناسبةً وعاجلة، كتأسيس دورة مالية نظمت علاقة العملة المحلية بالسوق وعملية البيع والشراء.

لقد دوَّنت صنعاء أهم انتصاراتها التاريخية في الحقل الاقتصادي؛ نظراً لبشاعة المؤامرة الغربية القذرة التي استهدفت أقوات اليمنيين وتاجرت بدمائهم في بورصات باريس ولندن وول ستريت.. وهذا الانتصار واضح وجلي على أرض الواقع، إذَا ما أخذنا مقارنة سريعة للأوضاع المعيشية التي يعيشها المواطنون في مناطق السيطرة الوطنية، ومن هم في المناطق المحتلّة، التي تشهد انهياراً مرعِباً في كُـلّ نواحي الحياة والمعيشية، وهي اليوم على شفا انتفاضة شعبيّة عارمة تتمخض في وجه التحالف والحكومة الموالية له.

 

ثانياً: الانتصارُ في المجال العسكري:

مسيرة التحرّر الوطني لم تتوقف عند تأمين أقوات اليمنيين وحسب، بل خاضت السواعد الوطنية مخاضاً عسيراً في مجال التصنيع العسكري، لتأمين الأرواح والأقوات معاً؛ بما يضمن أَيْـضاً تأمين حاضر ومستقبل اليمن، إذ تمكّنت بفترة وجيزة من إحداث ثورة كبيرة في عالم الصناعات العسكرية والحربية، بدءاً من إنتاج الذخيرة والأسلحة الخفيفة والمتوسطة إلى تصنيع الطائرات والصواريخ البعيدة المدى والأسلحة الاستراتيجية، والتي نسفت أحدَثَ التقانة الغربية بمختلف صنوفها وجنسياتها وطالت في عمليات نوعية عمق المسرح الأمريكي في المنطقة ضاربةً بدفاعاتها الجوية عرض الحائط، وهذا ما شكل علامة فارقة في مسرح المواجهة قلبت موازين القوى لصالح صنعاء، والتي باتت اليوم صاحبة الكلمة الفصل في ميدان المعركة، تفرض زمانها ومكانها وفق قواعد اشتباك جديدة، فيما بقي العدوّ يعد هزائمه وإخفاقاته المتراكمة.

وخلال السنوات الماضية من عمر الحرب، نفذت القوات المسلحة اليمنية عشرات العمليات الجوصاروخية في عمق دول تحالف العدوان، وقد أحدثت تلك العمليات صدى وتأثيراً كبيراً على المسرح الدولي بالنسبة لقوى العدوان، حَيثُ أصابت مركز وعصب اقتصادها إلى جانب استهداف كبرى قواعدها العسكرية، ومن تلك العمليات النوعية 8 عمليات توازن ردع ضربت أهم وأبرز المواقع العسكرية والاقتصادية في العمق السعوديّ، بالإضافة إلى ثلاث عمليات قاصمة استهدفت أبو ظبي وعدة مدن إماراتية، والتي شكلت تحولاً نوعياً في مسار المواجهة العسكرية.

وقد عكست تلك العمليات قدرة صنعاء على فرض توازنات الردع أمام قوى التحالف السعوديّ الإماراتي، في سياق مرحلة جديدة أكّـدت على أحقية وأهلية القوات اليمنية الوطنية في حسم المعركة العسكرية، ناهيك عن امتلاكها مخزونًا استراتيجيًّا من الأسلحة النوعية وعلى رأسها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة، المحلية الصنع.

أعلن قائد أنصار الله في اليمن، عبدالملك الحوثي، السبت، عن امتلاكهم صواريخ وأسلحة متطورة، مؤكّـداً أنها ستطال أي هدف في عمق دول التحالف.

يُذْكَرُ أن هذه الترسانةَ العسكرية الهائلة التي تمتلكها صنعاء، قد تضاعفت بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة، وهو ما يمكن مشاهدته من خلال العروض العسكرية والحربية الكبيرة التي نظمتها القوات المسلحة خلال فترة التهدئة؛ وهو ما أكّـده أَيْـضاً قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، الذي أشار في خطاب متلفز بمناسبة الذكرى الثامنة للعدوان على اليمن، إلى أنهم “قادمون في العام التاسع بجيش مؤمن منظَّم اكتسب الخبرةَ الميدانية من تجربة ثماني سنوات وتربى التربية الإيمانية“.

وأوضح السيد الحوثي أنهم “قادمون في العام التاسع بترسانة صاروخية فتاكة بعيدة المدى دقيقة الإصابة قوية التدمير تطال كُـلّ منشآت الأعداء التي يعتمدون عليها“، مؤكّـداً امتلاك القوات اليمنية “طائرات مسيّرة تتجاوز كُـلّ الدفاعات الجوية، وقدرات بحرية تطال كُـلّ هدف في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي وكافة الجزر”.

 

ثالثاً: الانتصارُ في المجال الأمني:

مثلما جسّد اليمن انتصاراته العسكرية، وضع بصماته وإنجازاته الاستراتيجية في المجال الأمني والاستخباراتي، حَيثُ اتجهت القيادة الثورية لإجراء تغييرات هامة في الأجهزة الأمنية السابقة لمعالجة الاختلالات والاختراقات العميقة فيها، والتي تسببت بتدهور الأوضاع الأمنية وجعلت الجغرافية الوطنية مسرحاً للجماعات المتطرفة والهجمات الإرهابية طوال فترة الأنظمة السابقة.

كما أدخلت أساليب ووسائل علمية متطورة في مكافحة الإرهاب والجريمة، تتماشى مع الظروف وتتناسب مع الواقع؛ وهو ما مكن الأجهزة الأمنية الوطنية، من إرساء مبادئ الأمن والاستقرار على امتداد مناطق السيطرة الوطنية، على الرغم من كثافة وحِدَّة الهجمات الأمنية القذرة التي شنتها قوى العدوان الأمريكي السعوديّ واستهدفت كُـلّ اليمنيين، حَيثُ تمكّنت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية اليمنية من بتر مشاريع قوى العدوان وقطع دابرها في مرات عديدة.

ووفقاً للإحصائيات التي أعلنتها وزارة الداخلية اليمنية في صنعاء، فَــإنَّ الأجهزة الأمنية حقّقت نحو 288 ألفاً و866 إنجازاً أمنيًّا خلال ثمانية أعوام من العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن، بينها ضبط 1310 خلايا تابعة لقوى العدوان كانت تخطط لتنفيذ مخطّطات تخريبية واغتيالات في العاصمة اليمنية صنعاء، والمحافظات الحرة، وضبط وتفكيك 320٧ عبوات ناسفة كانت قد أعدتها العناصر التابعة للعدوان لاستهداف حياة المواطنين في الطرقات والأماكن العامة، وكذلك ضبط 24956 عنصراً جندتهم قوى التحالف للقيام بعمليات تخريبية تستهدف الأمن والاستقرار، كما نفذت الأجهزة الأمنية 12634 عملية ضبط ناجحة لمواد مخدرة، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من العمليات الأمنية النوعية التي ساهمت في تعزيز الأمن والاستقرار على امتداد مناطق السيطرة الوطنية.

 

أخلاقياتُ وقِيَمُ القوى الوطنية خلال الحرب:

كلّ هذه الانتصارات الاستراتيجية التي دوّنتها السواعد اليمنية في مختلف المجالات والساحات، هي انعكاس مباشر للعديد من الأخلاقيات والمبادئ والقيم التي اتسمت بها القوى الوطنية في صنعاء خلال الحرب، والتي شكلت الركيزة الرئيسية لعوامل الصمود اليمني الأُسطوري.

وفي جولة سريعة نستعرض أبرز هذه الركائز بالنسبة للقوى الوطنية في صنعاء، مع توضيح أوجه التناقض بينها وبين أدوات العدوان الأمريكي السعوديّ، كما هو موضح في التالي:

– أولاً: يخوض الشعب اليمني ملحمة الصمود إيماناً منه بقضيته العادلة وحقه بالدفاع عن الوطن ضد الغزاة والمحتلّين، كما يمتلك مشروعه الوطني بهُــوِيَّة جامعة، تحتضن وتعبر عن كافة أبناء الشعب اليمني بكل أطيافه.

لقد اصطفت الجماهير اليمنية الحرة بمختلف توجّـهاتها تحت لواء واحد هو لواء الوطن، وتحت ذات القيم والمبادئ الدينية والأخلاقية والوطنية، كما أن كُـلّ قطرة دم قدمها الشعب اليمني دفاعاً عن الأرض والعرض هي دماء يمنية خالصة من الزيف وفي سبيل الهدف الواحد وهو تحرير الجمهورية اليمنية من قوى العدوان وتحقيق الاستقلال الكامل على كافة التراب الوطني المحتلّ.

بينما تفتقر أدوات المرتزِقة لأية هُــوِيَّة وطنية أَو اجتماعية، وليس لها أي وازع ديني أَو أخلاقي، غير أنها أدوات مشتتة وجماعات منفصلة لا تجمعها أية أيديولوجية، ولا تملكُ رؤيةً أَو أُفُقًا ولا تؤمن بالوطن، وتعمل وفق أجندات وحسابات الخارج فقط، حَيثُ تقاتل هذه الأدوات دون قضية مركزية.

وما يجمعها هو منطق العمالة والدفع المسبق، ويمكن أن تتواجد في أية بقعة للقتال؛ مِن أجل المال، وهو ما يفسر ازدحام المرتزِقة والعملاء والمغرر بهم من مختلف الجنسيات داخل معسكر التحالف السعوديّ الإماراتي.

– ثانيًا: يواجه الشعب اليمني تحالف العدوان، ضمن لُحمة وطنية حقيقية وواسعة، وهو بجانب قيادته الثورية والوطنية التي لم تتخلَّ عنه لحظة واحدة ولم تتوارَ عن الوقوف بجانبه في أحلك الظروف، يتشاركون معاً لحظات الحزن والانتصار ويصنعون المجد سوياً.

بينما تقبع قيادة وفصائل التحالف والحكومة الموالية له في فنادق الرياض وأبو ظبي منذ أكثر من 8 سنوات، ولم تكلف نفسها أن تشارك أدواتها في الداخل لحظة واحدة من لحظات الخيبة والانكسار، ناهيك عن مسلسل الاقتتال القائم بين فصائل التحالف السعوديّ الإماراتي في مناطق سيطرتها والمتصاعد بشكل مُستمرٍّ منذ بداية العدوان.

– ثالثًا: جسد الحضور والحشد الشعبي في ظل القصف والحصار والأزمات الخانقة التي يصنعها العدوّ مراراً وتكراراً، أمراً محيراً ومثيراً للدهشة، وهذا ما يفعله اليمنيون الذين لم يتركوا مناسبة واحدة إلا ونراهم يتوافدون بالآلاف إلى الساحات في مختلف المحافظات وهم يدعمون الجبهات بالرجال والأموال، ويتمسكون بخيار المواجهة، وأن النصر خيارهم الوحيد، إلى جانب تفاعلهم المُستمرّ وحضورهم في مناصرة قضايا الأُمَّــة.

وبالرغم من القصف والحصار، لم يتوارَ اليمنيون عن التضامن مع قضايا الأُمَّــة العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، بتظاهرات ومسيرات جماهيرية واسعة، بالإضافة إلى إرسال المساعدات المادية، في صورةٍ مدهشة تلخص حجم الإرادَة والتحدي التي يجسِّدُها هذا الشعبُ المِغوارُ الذي قهر الصِّعَابَ.

بينما رأينا في مناطق سيطرة قوى العدوان الأمريكي السعوديّ وفصائلها، وضعاً مسترخياً وركوداً جماعياً لا تحَرّكه سوى الحوالات البنكية، ولم نرَ تظاهرة شعبيّة واحدة في المناطق المحتلّة تناصر شرعيتها المزعومة، باستثناء عدة تظاهرات مناهضة لها ومندّدة بسياسة قوى العدوان ومطالبة بإسقاط الحكومة الموالية لها.

وفشلت قوى العدوان وفصائلُها طوالَ السنوات الماضية أن تحشدَ تظاهرةً واحدةً مؤيدة لها، في وقت عجز أبواقها عن حشد ولو تظاهرة إلكترونية واحدة تليق بمقام خزائن العُملات الصَّعبة.

– رابعًا: اعتمدت صنعاء على تكريس الحقيقة على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية منتهجة مبدأً راسخاً، وهو أن الوقائع دائماً ما تصنعها الحقائق لا الأكاذيب.. وأن الإنسان اليمني الحق؛ باعتباره أَسَاس الثورة القومية هو ركيزة الصمود وعمود النصر لا الشخصيات الوهمية في العالم الافتراضي؛ وهو ما يفسر حرصها على إيضاح كُـلّ الحقائق بالأدلة والأرقام في كُـلّ ما يخص المعركة أَو جوانب الحياة اليومية أَو حتى مجازر العدوّ أَو خسائره في ميادين المواجهة.

فيما اعتمد العدوان في حربه على صنع جميع أشكال المكائد والمؤامرات والشائعات وبيع الوهم لأتباعه كمنهج رئيسي للمواجهة، فحشد العدوّ أبواقه على الفضائيات ومنصات المواقع الاجتماعية والإخبارية الإلكترونية لهذا الغرض، حتى أصبحوا جميعاً مع الوقت بفعل الهزائم والفضائح مادة للسخرية والتندر أمام العالم، وغير جديرة بأية ثقة، في وقت تفند صنعاء كُـلّ شائعة بالدليل العلمي والمادي.

– خامسًا: اتسمت القوات المسلحة اليمنية وقياداتها في صنعاء، بأخلاق عظيمة أذهلت العالم خلال فترة المواجهة.

وقدمت نموذجاً مثالياً في الأخلاق من خلال تعاملها الراقي ونشاطها السلس على كافة المستويات من نبذها لدعوات العصبية والكراهية وفتح أبوابها للعائدين والمغرر بهم والدعوة الدائمة إلى حوار يمني يمني… إلخ، وهو ما انعكس بشكلٍ واضح في جوهر المقاتل اليمني الجسور، الذي لم يحترم قواعد الحرب من نابع وطني وديني وإنساني، فلم يقتل بشراً ولم يحرق شجراً، وهذا واضح من خلال مئات العمليات العسكرية في عمق دول التحالف والتي لم تسجل قتيلاً مدنياً واحداً، في المقابل قتلت طائرات التحالف قرابة 50 ألف مدنيٍّ في اليمن، ناهيك عن تعامله الراقي مع الأسرى.

بينما نسف العدوّ وأدواته كُـلّ الأخلاقيات فلم يحترموا أي عهود أَو مواثيق إنسانية في الحرب فقصفوا القرى السكنية وقتلوا الأسرى، وعملوا على زرع بذور التفرقة بين اليمنيين وتأجيج الفتن الطائفية والعرقية، وتوجيه خطابات تحمل طابعاً عنصرياً، وكلّ ذلك مدون ومسجل ضمن إحصائيات وحقائق رسمية.

 

اليمنُ يفرضُ توازناتِ ردع جديدة خارج حدود الجغرافية الوطنية:

تأثير الصمود اليمني لم ينحصر في ردع العدوان عن البلد ووقف عجلة المؤامرة الغربية، وحسب، بل فرض توازنات ردع جديدة خارج حدود الجغرافية الوطنية، واستطاعت البندقية اليمنية، نقل المعركة التي حاول العدوّ حصرها في الداخل اليمني، إلى عمق دول التحالف، وتهديد مصالحها الحيوية والاستراتيجية، وهو ما دفع قوى العدوان لاحقاً إلى الموافقة في الدخول في مسار التهدئة لتفادي الضربة القاضية، وهذا أَيْـضاً ما ساهم في انكماش “انتفاشة” المشروع الأمريكي في المنطقة، وتراجع هيمنة الولايات المتحدة في ملعب وكلائها الإقليميين إلى حَــدٍّ كبير خلال الآونة الأخيرة.

لا شك أن التسويات السياسية القائمة في المنطقة، والتحالفات الجديدة التي تتشكل اليوم خارج العباءة الأمريكية وتضم بعض وكلائها، لم تكن لتحدث لولا صمود محور المقاومة وبينها اليمن، في وجه المشروع الصهيوأمريكي.

هذا الصمود الذي خلط الأوراق وشتت مخطّطات الأعداء قبل تأصيلها في ذاكرة الأجيال، وفرض واقعاً مغايراً أمام الأطماع الاستعمارية؛ يحتم علينا مواصلة طريق الصمود والتحدي والعمل على مواكبة الانتصارات وترسيخها في واقع الأُمَّــة بما يمهد لدول المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام، مستقبلاً نقياً خالياً من التبعية والهيمنة الأمريكية الغربية.

 

تطلُّعاتُ المرحلة المقبلة.. فتحُ قنوات التواصل مع العالم الجديد:

اليوم، واليمن على أعتاب نصر استراتيجي كبير، يجب أن نستلهم عوامل الصمود والتحدي ونستحضر العزيمة والإرادَة الوطنية، للتعاطي مع المتغيرات والتطورات السياسية التي تشهدها المنطقة والعالم والتي أحدثتها بنادق الشرف وسواعد الكرامة ومنها البندقية اليمنية الأصيلة على امتداد المعمورة؛ للانخراط كجزء أصيل وفعال في العالم الجديد متعدد الأقطاب؛ الذي يتشكل في الأفق على أنقاض الأحادية القطبية الأمريكية.

وهذا يتطلب الكثير من العمل والجهد على المستوى الرسمي والشعبي، والشروع في تحقيق التالي:

1- الاستمرار في مقاومة العدوان بكل أشكاله السابقة والجديدة، المباشرة وغير المباشرة، ودعم خيارات القيادة الوطنية بما يخدم تطلعات الشعب اليمني واستكمال معركة التحرير وتحقيق الاستقلال الكامل، سلماً أَو حرباً، والضغط على العدوّ لتنفيذ الاستحقاقات الإنسانية ودفع المرتبات، وبما يضمن تنفيذ كافة مطالب صنعاء المشروعة، وعلى رأسها إيقاف العدوان ورفع الحصار بشكل كامل، وسحب القوات الأجنبية، وإعادة الإعمار ودفع التعويضات.

وهذا يتطلب تحقيق العديد من الأمور، أهمها:

– الاستمرار في رفع مستوى اليقظة والتأهب والاستعداد لمواجهة أي تصعيد عسكري أَو أمني، ورصد كُـلّ أشكال ومؤامرات العدوّ، وتحَرّكاته المشبوهة في المناطق المحتلّة، والعمل على مواجهتها وكبحها بالشكل والزمان المناسبَّين.

– الاستمرار في تطوير القدرات العسكرية والحربية ومواصلة التحشيدات العسكرية.

– الاستمرار في معالجة الأزمات الاقتصادية المركبة التي تفرضها قوى العدوان على الشعب اليمني، ومواصلة البحث عن وسائل البناء وجبر الضرر الداخلي وتداعيات العدوان بما أمكن.

2- تفعيل الجهود الدبلوماسية الخارجية وفتح قنوات تواصل مع مختلف دول العالم، ومخاطبة الرأي العام الدولي، ونقل واقع اليمن أولاً من منطق الحق الذي تفرضه الشرائع والقوانين السماوية والإنسانية والدولية في دفاع اليمنيين عن بلادهم، ومن منطق القوة والحزم، والذي ينذر بدولة حقيقية قادمة قادرة على حماية شعبها وأرضها، والمشاركة في تحقيق السلم والأمن الدوليين.

3- مد جسور التواصل بين صنعاء وعواصم المقاومة بشكل أكبر، على أن تتجاوز الاتصالات المواقف السياسية إلى العمل الميداني الملموس، وفتح المجال أم تبادل الخبرات في مختلف المجالات، وتشارك الهموم والحلول في كُـلّ ما يخص الأزمات والتحديات المشتركة، وبما يخدم أَيْـضاً تعزيز المواقف الوطنية تجاه نصرة قضايا الأُمَّــة العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

4- توطيد العلاقات الثنائية مع القوى العالمية الصاعدة، وعلى رأسها الصين وروسيا ودول شرق آسيا ودول أفريقيا وأمريكا اللاتينية، بما يشمل التعاون والتبادل التجاري والاستثماري المشترك، وبما يتيح لليمن الجديد إمضاء دوره الفعال في مساعدة تقدم الشعوب وتحرّرها من قيود الاستعمار والثقافات المغلوطة والهدامة.

وكذلك الانخراط في المجموعات والبرامج الاقتصادية الدولية الجديدة المرتبطة خارج أسوار الوصاية الأمريكية الأُورُوبية ومخلفات العالم الغربي البائد، والقائمة على الندية والمصالح المشتركة وليس على التبعية والهيمنة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com