السيد عبدالملك الحوثي في الدرس الـ2 من وصية الإمام علي لابنه الحسن عليهما السلام: مصلحة الإنسان أن يصلح مستقبله في الآخرة بصلاح وضبط أعماله في الدنيا

على الإنسان أن يحذر من حالة الغرور والتمادي فهذه حالة خطيرة على النفس الإنسانية ويجب أن يتذكرَ الإنسان سقوطَ الفراعنة والطغاة في التاريخ كي يأخذ العبرة من الآخرين

يجب أن يتذكر الإنسان أنه في أية لحظة قد يصبح في عداد الموتى والراحلين من الحياة وسيترك كُـلّ شيء اكتسبه فيها وتبقى التبعات ووزر الأفعال

من المهم التفكير بدار الآخرة وأن الخيرَ فيه خيرٌ خالص، والسعادة فيه لا يشوبها كدر، والعذاب أَيْـضاً فيه عذاب خالص وللأبد

من أكبر الخسائر أن يخسرَ الإنسانُ الجنةَ بما هي عليه من حياة أبدية دون هَمٍّ ولا غم وحيث يتوفر النعيم ويسلم الإنسان من عذاب الله

أكثرُ الناس في مواقع التواصل الاجتماعي يقولون ما لا يعرفون؛ لأَنَّهم لا يعتبرون كلامهم جُزءًا من الأعمال التي سيحاسَبون عليها

الفُضولُ هو من أمراض هذا العصر، ويجب أن تكون انطلاقةُ الإنسان مبنيةً على أسس ومبادئ، ثم يتحَرّك وهو على يقين وبصيرة

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم.

أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات:                         السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛

تحدثنا في درس الأمس على ضوء قوله “عَلَيهِ السَّلَامُ” في وصيته لابنه الإمام الحسن “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ ـ أَيْ بُنيَّ ـ وَلُزُومِ أَمْرِهِ، وَعِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ، وَالْاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ، وَأَيُّ سَبَب أَوْثقُ مِنْ سَبَب بَيْنكَ وَبَيْنَ اللهِ “عَزّوَجَلَّ” إِنْ أَنْتَ أَخَذْتَ بِهِ،  أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ، وَأَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ، وَقَوِّهِ بِالْيَقِينِ، وَنَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ، وَذَلِّلْهُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ، وَقَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ ، وَبَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا، وَحَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ))، وصلنا عند هذه الجملة،

تصدرت هذه التوصيات كما شرحنا بالأمس بالأمر بتقوى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ثم الحديث عن القلب، وأهمية القلب وما يتعلق به، فيما يساعد على الحفاظ عليه، وسلامته من المؤثرات السيئة، وفيما ينمي فيه الأشياء الإيجابية، من مشاعر إيجابية، من توجهات إيجابية، مما ينطوي عليه القلب، من عقائد ومبادئ، وإيمان يساعد الإنسان بحيث يمتلك الدافع في قلبه ونفسه للانطلاقة العملية على ضوء توجيهات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهذه مسألة هامة جدًا؛ لأن القلب هو أهم بضعة في الإنسان، كما في معنى الحديث النبوي: ((إذا صَلَح، صَلَح الجسد كله، و إذا فسد، فسد الجسد كله))، والمؤثرات التي تؤثر على القلب، ما ينطوي عليه، من عقائد ضالة، من مفاسد، من ميول سيئة جدًا وخطيرة على الإنسان، ومفسدة للإنسان، و ما يؤثر عليه فيما يتلقاه الإنسان من المؤثرات السيئة جدًا، أو نتاجا لأعماله السيئة، كما ورد في الآية المباركة: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين: 14]، أتى الحديث أيضًا عن الاعتصام بحبل الله، التمسك بكتاب الله وهديه، للاحتماء به، والامتناع به، من كل ما يضل الإنسان، وينحرف بالإنسان.

 ثم في سياق الحديث عن القلب قال “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((وَبَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا))؛ لأن الإنسان أحيانًا قد يكون جريئًا ومتماديًا وراء شهوات نفسه، أو طموحاته، حتى فيما يتجاوز به الحق، فيما يخالف به تعليمات الله وتوجيهاته، قد تكون لدى الإنسان أحيانًا اندفاعة شديدة نحو الشهوات، الشهوات النفسية، أو الطموحات، مَن هو في منصب، أو يسعى وراء منصب معين، أو يريد أن يحقق لنفسه مكانة معينة، أو يحقق لنفسه مصالح معينة، فتدفعه الأطماع إلى أن يتجاوز تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيندفع وفق هوى النفس، تتحرك تلك الرغبات بشدة، فتؤثر عليه فلا يتمالك نفسه، ولا يسيطر على مشاعره، وبالتالي يندفع دون أي التفاتة لنهي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هي حالة خطيرة، فالإنسان حتى لا يغتر بالحال الذي هو فيه، وقد يكون من أسباب تماديه، من أسباب عناده، من أسباب إصراره، من أسباب تجاهله لتوجيهات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، تلك الحالة التي أنت فيها يمكن أن تتغير، إذا كنت في صحة، يمكن أن يتغير حالك تمامًا إلى البلاء، إلى السقم، إلى العلل، حتى تفقد قوتك وطاقتك وراحتك، وتعيش في حياتك في أشد المعاناة من الآلام والأمراض وغير ذلك، إذا كنت في غنى، والكثير من الناس يطغيهم الغنى والإمكانيات، إذا امتلك قدرة مادية، إذا امتلك إمكانيات معينة، يطغى بسبب ذلك، فيندفع لتلبية شهوات نفسه؛ فيما يخالف توجيهات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيما فيه انتهاك لمحارم الله “عَزَّ وَجَلَّ”، يمكن أن يتغير حالك ذلك تمامًا، يمكن أن تفتقر بعد الغنى، وأن تُسلَب تلك النعمة التي بيدك، أو حتى إذا بقيت بيدك، يتغير حالك فلا تهنأ بها أبدًا.

 وكم من الناس في واقع الحياة، وقد يلحظ الناس ذلك في مجتمعاتهم، (فلان) كان غنيًا وافتقر، كان صاحب ثروة وإمكانات، وتغير حاله تمامًا، وأصبح يعيش البؤس، وضنك المعيشة، والظروف الصعبة، وغير ذلك، إذا كنت في موقع، منصب معين، أو تمتلك وجاهة معينة، استطعت من خلالها أن يكون لك تأثير ونفوذ، فيمكن أن يتغير حالك تمامًا، كم من الناس كان في منصب، بعضهم كان في منصب كبير، ملك، أو رئيس، أو زعيم، أو وزير، أو غير ذلك، كم من الناس كان له نفوذ، له تأثير، له سطوة، وتغير حاله تمامًا، وذَلَّ بعد عزة، وهان بعد رفعة، وتغيرت أحواله تمامًا، الحوادث نفسها، قد يكون الإنسان يشعر بالاطمئنان والأمن، وكأنه لا خطر عليه من حوادث أو مشاكل أو غير ذلك، يصيبه حادث من حوادث الدنيا هذه، وما أكثرها، يُصاب بحادث معين، وما أكثر الحوادث، أو يُنكَب نكبة معينة، في مشكلة معينة، أو موقف معين، فكم يمكن أن يفاجئك في هذه الحياة، وكم فاجأ غيرك.

خُذ العِبرة من غيرك، مما حل بغيرك، فلا يكن ما أنت فيه من نعمة سببًا لطغيانك، تتنكر لله، تتنكر لنعمته “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ثم يدفعك ذلك إلى التمادي، إلى الغرور، إلى التكبر، إلى الجُرأة على انتهاك محارم الله، إلى أن تتناول ما ليس لك بحق، فالقلب يحتاج إلى التذكير بهذه الأمور؛ لأن البعض من الناس تشتد في قلبه مشاعر الطمع، أو دوافع الشهوة، أو الأطماع تشتد في قلبه إلى درجة لا يتمالك نفسه، البعض من الناس يتملكه الغرور، كأن حاله سيبقى على ما هو عليه دائمًا أبدًا، لا ينتبه، لا يلتفت إلى أنه كما تغيرت أحوال غيره فستتغير أحواله، سِيَّما مع تنكُّره لنعمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مع ما هو فيه من استرسال وراء هوى النفس، وراء طموحاتها، حتى فيما ينتهك فيه محارم الله، أو يخالف به توجيهات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أو يتناول ما ليس له بحق، فالإنسان بحاجة إلى أن يعالج هذه المشكلة في قلبه؛ لأنها إذا بقيت في قلبه فهو لا يتقبل النصح، لا يتقبل التذكير، ولا يستجيب لداعي الحق والإنصاف، يبقى متعنتًا، يبقى لجوجًا، يبقى مُصِرًّا على ما هو عليه، فهي حالة خطيرة.

فالإنسان بحاجة إلى أن يسيطر على قلبه، من خلال ما ذكره أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، بدأ بذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والذكر لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” مسألة مهمة في تزكية المشاعر الإنسانية، مسألة مهمة جدًا، الله جعل لنا جزءًا واسعًا من العبادات هي أذكار، الصلاة هي من الذكر لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، تلاوة القرآن من الذكر لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الأذكار المتنوعة من تسبيح وتهليل وغير ذلك، وردت مأثورة عن النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، وعلَّمنا الله في القرآن الكثير والكثير مما نذكره به، ومما يذكِّرنا بعظمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بقدرته، بوعده ووعيده، بعلمه المحيط بكل شيء، برقابته “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” علينا في كل أحوالنا، بقدرته “جَلَّ شَأنُهُ”، على كل شيء، وهكذا حديث واسع حول هذا الجانب، أتى أيضًا نقاط مهمة تساعد الإنسان على السيطرة على مشاعره، فيما سبق من الجمل.

((وَحَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ))، الإنسان- كما قلت- قد يكون متماديًا مطمئنًا، إلى ما هو عليه، ومغرورًا بما هو عليه وما هو فيه، فليحذَّر قلبه ويذكر نفسه، أن حاله قد يتغير تمامًا، قد يصول عليه الدهر، قد يأتيك في قادم الأيام، ما لم تكن تتوقعه، مما يغلبك ويقهرك ويكسرك، ويحطمك ويحطم ما أنت فيه، من الغرور واللامبالاة، وعدم الانتباه، ما أنت فيه من حالة التغافل عن العواقب السيئة، التي ستنالك نتيجةً لما أنت فيه من البغي، ما أنت فيه من التجاوز لحدود الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فالذي يُهِّدئ من غرورك، من مشاعرك المتأججة المؤثرة عليك، الدافعة لك إلى الاتجاهات الخاطئة والأعمال السيئة، وتناول ما ليس لك بحق، حَذِّر قلبك صولة الدهر حتى يهدأ.

((وَفُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي وَالأيَّامِ))؛ لأن التقلبات والمتغيرات التي تأتي في الزمن، قد تكون أحيانًا إلى حد لم يكن يتوقعه أحد، تقلبات كبيرة، مثلما يقولون مئة وثمانين درجة، تقلبات بالكامل، الإنسان قد يكون في موقع نفوذ وسلطة وجاه ومال، البعض يكون رئيسًا أو ملكًا، تأتي المتغيرات لتتغير أحواله، فيتحول إلى إنسان ذليل لا يمتلك شيئًا، لم يعد يمتلك شيئًا مما كان له، لا نفوذ، لا تأثير، لا قوة، لا إمكانات، في وضع مختلف تمامًا، يتحول إلى إنسان ذليل مقهور، البعض من الناس كذلك، يتغير حاله من سطوة وجبروت إلى ذلة وهوان وضعف وعجز، كم في التاريخ المعاصر والتاريخ على امتداده في الماضي، من أمثلة كثيرة، أمثلة لأُمم وأمثلة لأشخاص، أمثلة فيها العبرة الكبيرة للإنسان، فعلى الإنسان أن يحذر حالة الغرور، حالة التمادي، الحالة التي يتصور فيها الإنسان أنه قد أصبح في وضع يساعده على تحقيق طموحاته، حتى فيما ليس له بحق، حتى فيما فيه ظلم، حتى فيما فيه باطل، أو أن ينال شهواته حتى في الحرام، هذه حالة خطيرة على الإنسان، ليذكر نفسه وليعتبر.

((وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ))، أحيانًا لا يكفي أن تذكَّر نفسك بهذه المسألة كقضية عامة، أو كمبدأ معين، أو كحقيقة واقعة في الحياة، إنما مع ذلك تعرض عليه أحداثًا معينة، تتذكر الرئيس فلان، تتذكر ما كان فيه، ذكِّر نفسك، ما كان فيه من قوة، من نفوذ، من جاه، كيف تغير كل ذلك، كيف سقط، كيف خسر، كيف آل مصيره إلى نهاية مخزية في ذل وضعف وعجز تام، تذكَّر ملك من الملوك، زعيم من الزعماء، مسؤول من المسؤولين، تذكر شخصية كان لها وجاهة ونفوذ وتأثير، تغير حالها وانتهى أمرها، تذكر أيضًا أممًا من الأمم، عرض الله في القرآن الكريم قصة عدد من الأمم، قوم نوح، عاد وثمود، وأمم أخرى في القرآن الكريم، فراعنة وطغاة- في التاريخ- ذلُّوا وهانوا وسقطوا، وانتهى ما كانوا فيه من أبهة وكبرياء، وملك ونفوذ، وقوة وإمكانات هائلة، تغير كل ذلك مما كان بأيديهم، ذكِّر نفسك على مستوى التاريخ المعاصر، استفد مما لتجار معينين، لأشخاص معينين، لمن كانوا في صحة فتغير حالهم إلى سقم وبلاء ومرض، وهكذا خذ العِبرة، ذكِّر نفسك واستعرض أحداثًا وأخبارًا مما كان قبلك.

((وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ))، إذا لم يكفِك أن تتذكر بعض التفاصيل والأحداث، فَسِر في ديارهم؛ لتأخذ العبرة أكثر، ولتأخذ الدرس من معاينةٍ لما كانوا فيه، مما بقي من آثارهم، ((وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ))، البعض منهم ترك القصور، ترك المساكن الضخمة، ترك ما كان له معاقل يستند إليها في سطوته وجبروته، تركها وانتهت، ((وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ، فَانْظُر فيْمَا فَعَلُوا))، ما فعلوه أيام حياتهم، وما آل إليه أمرهم بسبب ذلك،

((فَانْظُر فيْمَا فَعَلُوا وَعَمَّا انْتَقَلُوا، وَأَيْنَ حَلُّوا وَنَزَلُوا، فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ))، انتقلوا عن أحبتهم، من كان يحبهم، من كان قريبًا لهم، ((وَحَلُّوا دِيَارَ الْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ))، وكأنك عن قليل؛ مدة الحياة في واقع الأمر هي قليلة، هي مدة يسيرة، والإنسان لا يعرف كم سيعيش في هذه الحياة، كم من الناس يرحلون من هذه الحياة وهم في شبابهم، البعض قبل ذلك؛ وهم في طفولتهم، البعض وهم في عز شبابهم وزهرة شبابهم، ولو عُمِّر الإنسان إلى حدود ثمانين عامًا، سبعين عامًا، المئة عام، هي تعتبر مدة؛ تتلاشى تنتهي، ثم يرحل من هذه الحياة، فأنت ذكِّر نفسك بأنك عن قليلٍ قد صرت كأحدهم، تصبح في عِداد الموتى، في عِداد الراحلين من هذه الحياة، تركت كل شيء، إذا كنت في هذه الحياة تناولت ما ليس لك بحق، أو استرسلت في شهوات، أو ظلمت، أو ارتكبت مفاسد معينة، أو نهبت وتناولت ما لا يجوز لك تناوله، ستترك كل شيء، تبقى التبعات، يبقى الوزر، يبقى الحِمل، يبقى السؤال، يبقى الجزاء، وهذه الحياة محدودة، انتهى كل شيء مقابل مدة زمنية يسيرة، ثم تصبح في عِداد الموتى، في عِداد الراحلين من هذه الحياة.

((فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ، وَلَا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ))، أصلح مستقرك الأبدي، ومستقبلك الدائم، الذي أنت صائر إليه حتمًا، أنت لا تستطيع أن تمتنع، لا تستطيع أن تخلُد في هذه الحياة، وأن تستقر فيها للأبد، الرحيل منها هو حتمي بالنسبة لك، ولا يستطيع أحد مهما كان ملكه، مهما كانت إمكاناته، مهما كانت قدراته، مهما كان علمه، مهما كانت خبرته، مهما كانت فطنته، مهما كان ذكاؤه، أن يخلد نفسه في هذه الحياة، ولا حتى أن يغير من الحقيقة الحتمية في أجله، فالمسألة فوق مستوى قدرتك.

ثم مسألة رحيلك إلى الدار الآخرة، إلى مستقبلك الأبدي، ومستقرك الدائم المهم جدًا، الذي الخير فيه خيرٌ خالص، السعادة فيه سعادةٌ لا يشوبها كدر، والعذاب فيه عذاب خالص، الشقاء فيه شقاء خالص، وللأبد أيضًا، مستقبل مهم جدًا، يجب أن تلتفت إليه، أن تفكر فيه، أنت هابط بعد رحيلك من هذه الحياة، وعند بعثك يوم القيامة، إما تتجه إلى الجنة، وإما إلى النار، إما إلى أرقى سعادة، وللأبد، وإما إلى أشد شقاء، وللأبد، والعياذ بالله، مستقبل مهم، يجب أن تنظر إليه باهتمام، أن تفكر فيه، أن تفكر كيف تتجه الاتجاه الذي يصل بك إلى تلك السعادة الأبدية، إلى الفوز العظيم، الذي تحظى فيه برضوان الله وجنته، وبرفقة أوليائه وأنبيائه، هذه مسألة يجب أن تأخذها بعين الاعتبار، وأن تقارن: أين هو الأبقى لك؟ أين هو الخير لك؟ أن تتجه في هذه الحياة لتسترسل وراء شهواتك ونزواتك في الحرام، أو لترتكب المظالم والمفاسد، وتطغى، ثم هي مدة يسيرة بسيطة، قد تكون إذا كثرت عشرات السنين، وشابها الكثير من المنغصات، ولن تبلغ فيها مستوى ما تؤمل، ولا مستوى ما ترغب، تبقى دائمًا تشعر بأنك لم تنل ما ترغب به بمستوى ما ترغب به، ثم ينتهي كل شيء، ثم تكون خسارتك في الآخرة أن يكون مصيرك إلى نار جهنم، للعذاب الدائم، للشقاء الدائم، للهوان الدائم، وتخسر مع ذلك رضا الله والجنة، أو أن تعيش في هذه الحياة وأن تضبط نفسك عن المحارم، عن المفاسد، عن المظالم، وأن تدرك أن الله قد جعل لك في مستوى ما هو حق، في مستوى ما هو حلال، ما فيه الكفاية، وإذا حصل نقص عليك في ذلك، ففي مقابل وأنت متجه الاتجاه الصحيح، أن تحظى بما هو خير منه، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الشورى: من آية:36]، لكن تكون قد ضمنت مستقبلك الأبدي والدائم، ليكون مصيرك إلى الجنة، إلى الحياة السعيدة التي فيها أرقى سعادة، التي تتحقق لك فيها الآمال والرغبات بأرقى وأعظم وأكبر مما تتخيله، مما تأمله، فوق مستوى طموحاتك، وأعظم مما تتخيل، {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: من آية:17].

قارن وهي مقارنة مهمة، تجد أن من مصلحتك أن تصلح مستقبلك بصلاح عملك هنا، بصلاح توجهك هنا، بضبط أعمالك وتصرفاتك هنا، ((وَلَا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ))، والكثير من الناس- للأسف- يبيع آخرته، يضحي بها، من أكبر الخسارة أن تضحي بالجنة، تخسرها، تخسر الجنة، تخسرها بما هي عليه، مستقبلك هناك، الذي فيه الحياة الأبدية، من دون مرض، ولا هم، ولا غم، ولا هرم، ولا خطر، ولا قلق، يتوفر النعيم بكل أصنافه على أرقى مستوى، تُجاور في الجنة أنبياء الله وأولياء الله، تسلم من عذاب الله. فتختار لنفسك أن تخسر الجنة، أن تخسر الحياة السعيدة الأبدية، مقابل ماذا؟ مقابل شيء تافه هنا في هذه الحياة، مقابل شيء من الدنيا، مال معين، مقابل أن تخضع للشهوات في الحرام، مقابل أن تحصل على منصب معين، خسارتك خسارة رهيبة جدًا، ستخسر نفسك تخسر أهلك، تخسر الحياة، تتحول إلى وضعية سيئة في نار جهنم، {لَا يـَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى} [طه: من الآية74]، حالة عذاب للأبد. ((وَلَا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ))؛ لأنه أكبر الغبن وأعظم الخسارة: أن تبيع آخرتك بدنياك.

((وَدَعِ الْقَوْلَ فِيَما لَا تَعْرِفُ))، بدأ يدخل في تفاصيل كثيرة، نجد في هذه الجمل ما يأتينا من جمل، كل جملة مهمة جدًا، تتحدث عن موضوع مهم جدًا، من أكبر ما يشكل خطورة على الإنسان، هو عندما يستخدم لسانه بشكل غير منضبط، لا يلتزم بتقوى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فيما يقول؛ لأن اللسان هو من أسهل الأشياء استخدامًا لدى الناس، ومن أكثرها استخدامًا ،أكثر من بقية الجوارح، فالإنسان قد يتكلم كثيرًا، ويتكلم في مختلف المواضيع، مواضيع دينية، مواضيع تتعلق بالمواقف، مواضيع تتعلق بما هو حق أو باطل، بما هو ظلم أو عدل، بما هو خير أو شر، بما هو صلاح أو فساد، بما هو يتعلق بكثير من تفاصيل حياة الناس.

فالإنسان عليه أن يكون منتبهًا لما يقول، ويدخل في ذلك المعرفة أولًا، أن تكون عارفًا بما تريد أن تتكلم عنه، تعرف عنه المعرفة الصحيحة، حتى تتكلم بشكل سليم، بشكل صحيح، تعرف أن هذا حق، فتتحدث عنه بحق، تعرف أنه باطل، فإذا قلت عنه باطل، يكون قولك صحيحًا، ولا تقل أيضًا ما يساند الباطل، تعرف أن تلك حقيقة واقعة ستتحدث عنها، فتحدثت عنها وأنت تعرف من منطلق معرفتك: فهو يضبط لنا القول، أن يكون قولنا مبنيًا على معرفة صحيحة، وبالتالي يكون قولًا صحيحًا، منطلِق على أُسس صحيحة، هذه المشكلة في هذا الزمن، وكانت ما قبل ذلك في الأزمنة الماضية، من أكبر المشاكل، أن الكثير من الناس يقول ما يريد أن يقول في أي موضوع، وفي أي مجال، وفي أي قضية، وفي أي موقف، من دون استناد إلى معرفة صحيحة، من دون تثبت، من دون مراعاة للحق والحقيقة، من دون مراعاة للضوابط الشرعية تجاه ما يقول الإنسان، وما ينطق به الإنسان، فمثلًا قد تجد الإنسان العامِّيّ أو الذي لا يعرف بالشرع الإلهي، قد يتحدث عن بعض الأمور بالفتوى، يتحول إلى مفتي مثلًا، ]هذا يجوز، هذا لا يجوز، هذا حرام، هذا حلال، هذا..[، وهكذا يجازف، وكأنه قد أصبح من كبار العلماء، ومن ذوي الاختصاص في هذا المجال، قد يتحدث ويقول في مواضيع هي مما يتعلق بالحق أو يتعلق بباطل، فيتكلم عن الحق معارضًا، أو ينسب الحق إلى الباطل، أو ينسب الباطل إلى الحق، قد يتكلم تجاه مواضيع لا يعرف عنها شيئًا، تجاه قضايا أو أحداث لا يعرف عنها معرفة حقيقية، إنما تأثر بدعايات أو شائعات، فهو يتكلم في أي موضوع، في أي قضية، في قضية قد يتكلم فيها بولاء أو عداء، قد يتكلم فيها بتَبنٍّ لشيء معين؛ تبنِّيه تَبنٍّ للحق أو تَبنٍّ للباطل، قد يتكلم بما فيه ظلم، فيظلم بما يقول، يتعدى بما يقول، يسيء بما يقول، يتحمل وزرًا بما يقول.

والإنسان عليه مسؤولية كبيرة فيما يقوله، ولهذا أتى التأكيد في القرآن الكريم والتنبيه والتبيين على أهمية هذه المسألة، وخطورة الانفلات في التعبير في الكلام، ويتبع ذلك الكتابة، الكتابة هي أحد اللسانين، هي تتبع الكلام، وهذا العصر عصر الإنترنت، عصر مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثر الناس فيها هكذا يقولون بما لا يعرفون، بدون استناد إلى معرفة صحيحة، وضوابط صحيحة، وأسس صحيحة؛ لأنهم لا يجعلون الكلام ولا ما يقولون ولا ما يكتبون، جزءًا من أعمالهم التي سيحاسبون عليها، يعني كأنه مُباح، كأن اللسان لم يرتبط به شيء من المساءلة والمحاسبة والمسؤولية أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فالإنسان يقول أي شيء يرغب بأن يقوله، مجرد رغبة في أن يقول شيئًا فيقوله، وقد يقول بعض الأشياء رجمًا بالغيب، لا يعرف حقيقتها، لا يتثبت من صحتها، لا يتثبت من صحتها، ولا يعرف حقيقتها، فالإنسان في مختلف القضايا، سواء القضايا الشرعية، المسائل الدينية، الأحداث، القضايا، الدعايات، الأخبار، عليه أن يتثبت، وأن يستند فيما يقوله إلى المعرفة، وأن يكون متحريًا.

الله يقول في القرآن الكريم؛ ليبين لنا المسؤولية فيما نقول، ورقابةَ الله علينا فيما نقول، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: 18]، يحصي علينا ما نقوله، رقابة دائمة على كل ما نقول، من خير أو شر، تجد أيضًا في القرآن الكريم التنبيه في آية مهمة على هذه المسألة في قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء: 36]، المشكلة في هذا الجانب مشكلة خطيرة، مع أن لذلك آثار ونتائج في الدنيا، كم يحدث من مشاكل نتيجة لهذا؟! نتيجة القول فيما لا تعرف، قد يجرك هذا إلى مشكلة، مع الإثم مع الوزر قد يكون له نتائج واقعية، في مشاكل، في أحداث، في تبعات وقضايا معينة، فعلى الإنسان أن يستشعر المسؤولية فيما يقول، وأن تكون مسألة المعرفة والتأكد والتثبت والصحة لما تقول، وأيضًا الضوابط لما تقول، حتى يكون ما تقوله في إطار الحق، في إطار ما أذن لك الله به، في إطار ما لا يكون له تبعات عليك أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ثم على مستوى الحكمة، الإنسان الذي هو حكيم، الإنسان الذي هو راشد، هو متنبه لما يقول، يزن ما يقول، ولديه معايير لما يقول، وأُسس لما يقول، لا [يهذرف] بلسانه من دون انتباه ولا إدراك للمسؤولية التي ترتبط بذلك.

((وَالْخِطَابَ فِيَما لَمْ تُكَلَّفْ))، دع الخطاب فيما لم تكلف، الإنسان أحيانًا قد يتكلم ويتخاطب في أمور ليس مكلفًا بها، هي لا تعنيه، أو هو ليس في مستوى أن يتكلم عنها، ليست من اختصاصه، من يتكلم في ذلك الموضوع يجب أن يمتلك معرفة معينة، أو فهمًا معينًا، أو علومًا معينة، فيأتي الإنسان ليتخاطب فيما لا يعنيه، فيما ليس إليه، هذا أيضًا من الفضول، لكن الفضول الذي له تأثيرات سيئة، وهذا أيضًا من مشاكل العصر، من أمراض هذا الزمن، ما أكثر من يتخاطب فيما لا يعنيه، فيما ليس إليه، فيما ليس مؤهلًا أصلًا، أن يتكلم عنه، أو أن يتخاطب فيه، وهذا له تأثيرات سيئة في واقع الناس، وله نتائج تثير إشكالات كثيرة في الواقع، فاعرف قدرك، واعرف ما أنت معني به، وما عليك أن تقول، ومتى تقول، ومتى تتخاطب.

((وَأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلَالَتَهُ، فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلَالِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الأَهْوَالِ))، عليك أن تكون متثبتًا فيما تتحرك فيه، وتتجه فيه، أنك تتحرك على أساس من الهدى، وفي الاتجاه الصحيح، على أساس من هدى الله وتعليماته “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فلا تكن مجازفًا في تبني أي قضية أو موقف أو اتجاه، تتحرك فيه هكذا بالعمى، عليك أن تكون متبينًا، الإنسان المؤمن حقًا هو حريص أن يكون في مسيرة حياته، في اتجاهاته التي يتحرك فيها، في مواقفه التي يتحرك فيها، على هدى من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعلى بصيرة ووعي وبينة، لا يتبنى موقفًا بالمجازفة، لا يتجه في طريق سواءً على مستوى عمل معين أو اتجاه معين، اتجاه سياسي، اتجاه ثقافي، اتجاه معين، أفكار معينة، ليس مجازفًا ومتلقفًا لما يأتيه، أو لما يطلع عليه، أو لما يقدم إليه، فيتأثر بأي شيء ويتجه بالمجازفة، هو يتحرك على أساس هدى من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، على بينة، على بصيرة، على وعي، وهذه قضية مهمة جدًا؛ لأن الكثير من الناس لا يحرص من البداية أن يكون في توجهه، مواقفه، اتجاهه في هذه الحياة، على المستوى الثقافي، على المستوى الفكري، على المستوى العملي، على المستوى السياسي، أن يكون على هدى، على حق، على بينة من ربه، أن يكون منطلقًا من خلال أسس ومبادئ يستوعبها، يفهمها، يطمئن إلى أنها الحق، بدلائلها الواضحة البينة، ثم يكون حينئذٍ متجها ثبات ويقين وبصيرة، البعض من الناس هو يجازف في هذا الاتجاه، قد يتأثر ويتجه عمليًا في مواقف، أو في أعمال، أو في توجهات معينة، بالمجازفة، فيضل، فتكون النتيجة أن يضل.

تجد البعض أيضًا في هذا الزمن في عصر الإنترنت، في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، في عصر القنوات الفضائية، قد يتأثر بما يسمع، أو بما يطلع عليه، فيغير ثقافته، ويغير مبادئه، يغير عقائده؛ لأنه تأثر على الفور، ولم يكن ابتداءً، قد اتجه وحرص على أن يكون اتجاهه من الأساس، على أساسٍ صحيح، على هدى من الله، على بينة من الله، ولهذا نجد الكثير من الناس سُرعان ما ينقلب، البعض ينقلب حتى عن الإسلام بكله، يرتد عن الإسلام، إما يتحول إلى ملحد، أو يتحول إلى بهائي، أو يتحول إلى فرقة أو فئة من فئات الضلال والباطل، بكل بساطة، بكل سهولة، هو يتجه في هذه الأمور لتقبل أي شيء، أو الاتجاه في أي شيء، بكل بساطة، لا يدرك أهمية هذه المسألة، قد يتأثر بمقال أو بجملة، البعض قد يكفر بجملة قرأها في مواقع التواصل الاجتماعي فتحول إلى ملحد، أو تحول إلى ضال في أي فئة من فئات الضلال، قد يتأثر بشخص معين، فيؤثر عليه ويقنعه بالباطل، الإنسان عليه أن يكون متنبهًا متثبتًا، يحرص من البداية أن يكون اتجاهه- في هذه الحياة- الفكري والثقافي والعقائدي والعملي والسياسي، مسيرته العملية مبنية على أسس صحيحة من هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن تعليماته، أن يستوعبها حتى يصل إلى درجة اليقين، حتى لا يكون كالصحن اللاقط الذي يتأثر بأي شيء، يستقبل أي شيء، هذه حالة سيئة لدى الإنسان، ولهذا قال هذه العبارة المهمة: ((وَأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلَالَتَهُ))، امسك، لا تجازف وتتجه في أي اتجاه بمجرد أن تتأثر بأبسط تأثير، إذا توقعت أنه قد يكون طريقًا تضِل فيه، تخرج فيه عن طريق الحق، فأمسِك، لا تتجه ذلك الاتجاه الذي تخرج فيه عن طريق الحق.

((فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلَالِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الأَهْوَالِ))، وأخطر شيء على الإنسان أن يضل عن الحق، عن موقف الحق، ولو في موقف قد يحرك ذلك إلى موقف آخر، حتى تخرج عن الطريق تمامًا، وهذا يحصل للكثير من الناس، فلذلك يجب التثبت والكف، كُفّ عن ذلك الاتجاه، الذي هو اتجاه قد يكون اتجاهًا يخرجك عن الحق، أو عن الموقف الحق، تجنبه، ابقَ على الجادَّة، ابقَ على الطريق الواضح، الذي تسير فيه على هدىً واضح، على أُسس واضحة، على مبادئ واضحة، اثبت عليه واستمر فيه، ولا تجازف، البعض يجازف، يكفيه شبهة معينة، يكفيه إشكالية معينة لتخرجه عن الطريق بكله، وهذه حالة خطيرة على الإنسان، ((فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلَالِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الأَهْوَالِ))؛ لأن طريق الضلال الذي تضل فيه عن الموقف الحق أو التوجه الحق، هو يتجه بك إلى الأهوال الخطيرة، إلى الشقاء، إلى الضياع، إلى أن تخرج عن طريق الحق بكل ما لذلك من تبعات، تضل في هذه الحياة، فيكون لذلك تبعات في هذه الحياة، ثم تبعات في مستقبلك يوم القيامة.

نكتفي بهذا المقدار.

وَنَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه؛؛؛

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com