استثمارُ “اتّفاق الرياض” لكسب نقاط وهمية: محاولةٌ سعوديّةٌ للتهرب من التزامات السلام الفعلي!

 

المسيرة | ضرار الطيب

عاد النظامُ السعوديُّ إلى محاولة استخدام ورقة ما يسمى “اتّفاق الرياض”؛ لكسب نقاط سياسية وهمية، حَيثُ أعلن، أمس الاثنين، عن “وقف التصعيد” بين أدواته المتصارعة، في خطوة بدت، في هذا التوقيت بالذات، كمحاولة لصناعة دعاية “سلام” مضللة، الغرض منها صرف الأنظار عن التمسك بخيار استمرار العدوان والحصار والتهرب من التزامات السلام الحقيقي.

كالة الأنباء السعوديّة الرسمية أعلنت، أمس، أن السفير السعوديّ في اليمن محمد آل جابر –وهو الموكل بإدارة ملف الاتّفاق وفقاً لرغبات بلاده- ترأس اجتماعاً ضم فريقي حكومة الفارّ هادي (حزب الإصلاح) ومليشيات ما يسمى “المجلس الانتقالي” المدعوم من الإمارات، حَيثُ “اتفق” طرفا المرتزِقة على “وقف التصعيد” وعلى “الترتيبات اللازمة” لعودة حكومة المحاصصة التابعة لهما إلى عدن، و”استكمال تنفيذ اتّفاق الرياض” الذي لم يغادر مربع الفشل منذ التوقيع عليه.

يأتي هذا الإعلان بعد أَيَّـام من تصريح للسفير آل جابر، حول العمل على “تعجيل” عودة حكومة المرتزِقة إلى عدن.

وكالعادة، ظهر السفير السعوديّ “كحاكم فعلي”، وبدت أطراف المرتزِقة كأدوات بلا قرار، ولا غرابة في ذلك، فـ”آل جابر” هو من شكل حكومة المرتزِقة الأخيرة بنفسه، وهو المندوب السامي لبلاده في إدارة الصراع بين المرتزِقة، باعتراف الكثير من نشطاءهم ووسائل إعلامهم.

بالتالي، فَـإنَّ “وقف التصعيد” المزعوم بين مرتزِقة الإصلاح والانتقالي، كان “توجيهًا” سعوديًّا جديدًا يخدم مصالح المملكة، وليس “تفاهُمًا” بين طرفي المرتزِقة، وهو أمر لا يحدث للمرة الأولى، فمنذ البداية استخدم النظام السعوديّ ما يسمى “اتّفاق الرياض” كورقة لإدارة الصراع وليس لإنهائه، ليبقى الباب مفتوحاً أمام المملكة دائماً لاستغلال هذا الصراع “والاتّفاق” الناشئ عنه؛ مِن أجلِ التظاهر ببذل “جهود سلام” في اليمن.

ومن هنا، يرى مراقبون أن لجوء السعوديّة لحيلة “تنفيذ اتّفاق الرياض” وإعادة حكومة المرتزِقة إلى عدن، في هذا التوقيت، لا علاقة بالصراع بين الإصلاح والانتقالي، بل إنه يتعلق بشكل رئيسي بالموقف السعوديّ من مِلف السلام الحقيقي مع صنعاء، خُصُوصاً وأن هذا المِلَفَّ يشهدُ تحَرّكاتٍ مُستمرّة ملفتة مع دخول الوساطة العمانية على خط المحادثات.

هذه الفرضية أكثر واقعية بكثير من فرضية اهتمام السعوديّة بإنهاء الصراع بين مرتزِقتها، وليس ذلك لأن الفرضية الثانية خيالية تماماً فحسب؛ ولكن لأَنَّ الكثير من مؤشرات المشهد الحالي تدعم الفرضية الأولى بوضوح، فمع تصاعد وتيرة الحراك الدبلوماسي وزيارة الوفد العماني لصنعاء، اتجه النظام السعوديّ بشكل ملحوظ إلى تكثيف العمل على محاولة التلاعب بالرأي العام محليًّا ودوليًّا، وبدا أن ذلك النشاط يهدف لصناعة خلفية ما لموقف سياسي متعلق بتبرير استمرار العدوان والحصار؛ لأَنَّ الولايات المتحدة وبريطانيا أَيْـضاً أظهرتا انسجامًا واضحًا مع السعوديّة في هذا المسار.

ووفقاً لذلك، فَـإنَّ لجوء السعوديّة إلى الإعلان عن “وقف التصعيد” بين مرتزِقتها، يأتي كمحاولة لتسجيل “نقطة سلام” وهمية، في رصيد المملكة، خُصُوصاً وأن الغرب والأمم المتحدة، قد تواطأوا منذ البداية مع السعوديّة على إدراج ما يسمى “اتّفاق الرياض” ضمن “جهود السلام” على الرغم من أنه بعيدٌ كُـلَّ البُعد عن تلك الجهود؛ لأَنَّه حتى وإن كان “اتّفاقًا” حقيقيًّا، لا يعدو عن كونه صفقةً بين بَيْدَقَين متصارعين في معسكر واحد، بل إنه يمثل فضيحة لهذا المعسكر، وفضيحة للأطراف الدولية، التي تكشف بهذا التواطؤ، أن تصورها للسلام في اليمن مشوَّهٌ ولا علاقة بوقف الحرب والحصار؛ لأَنَّها تدعم بوضوح طرفاً واحداً وتحرص على تقوية جبهته الداخلية.

بإضافة هذه “الفضيلة” الوهمية التي تسعى الرياض لكسبها من خلال إعلان “وقف التصعيد” بين مرتزِقتها، إلى الجهود المكثّـفة المُستمرّة لـ”شيطنة” صنعاء (آخرها كان اختلاق خبر سقوط طائرة مسيّرة يمنية على مدرسة في عسير، وقيام الولايات المتحدة بإدانة ذلك)، يبدو بوضوح أن النظام السعوديّ وحلفاءَه في الغرب يعملون على شق طريق من الأكاذيب، قد يستخدمونه للتهرب من التزامات “السلام الحقيقي” الذي بات أكثر حضورًا على طاولة المناقشات، وبشكل يعيق خطتهم للضغط على صنعاء بالملف الإنساني.

 

العدوُّ يقفُ على أرضيةٍ غير مستقرة

على الرغم من أن نتائج الوساطة العمانية لم تُعلن بعد، ويبدو أن المناقشات ما زالت مُستمرّة، إلا أنه بات من الواضح أن الرياض وواشنطن تواجهان مأزقاً كَبيراً، حَيثُ تقفان على أرضية غير مستقرة، فخيار مواصلة الابتزاز بالملف الإنساني لا مستقبل له، وسيقود إلى فشل أية مناقشات، وبالتالي ترتفع احتمالات التصعيد اليمني الذي يخشاه الأمريكيون والسعوديّون، وخيار المواقفة على فصل الملف الإنساني عن الملفات العسكرية والسياسية يظل هو المخرج الوحيد، لكن السعوديّة ورعاتها يرون فيه هزيمة.

المؤشراتُ الحالية ترجِّحُ أن يختار العدوّ ما يظن أنه “طريق وسط” بين الخيارين، بما يتيح له ممارسة الألاعيب السياسية لكسب الوقت، وفي نفس الوقت، التمسك باستخدام المِلَفِّ الإنساني كورقة ضغط، وقد تكونُ هذه الخطة أكثرَ تعقيداً في تفاصيلها طبعاً، لكن كُـلّ سلوكيات العدوّ خلال الفترة القصيرة الماضية، بما في ذلك محاولة استثمار “اتّفاق الرياض”، تشير إلى توجُّـهه نحو طريق جديد من الخداع.

مع ذلك، لا يبدو أن هذه الخطة ستنجح؛ لأَنَّها تحتاج إلى طريقة مضمونة لكسب الوقت وتوقف الضغوط العكسية من صنعاء، بما في ذلك العمليات العسكرية، وهذا أمر شبه مستحيل؛ لأَنَّ صنعاء قد وضعت لذلك شروطاً واضحة، وقد حملت الضربات التي شنها سلاح الجو المسيّر مؤخّراً على مطار أبها وقاعدة خميس مشيط، تزامناً مع الحراك الدبلوماسي، رسائل واضحة بأنه لا يمكن الالتفافُ على تلك الشروط، وهو أَيْـضاً ما أكّـدته قيادات في سلطة صنعاء خلال الأيّام الماضية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com