السيد عبدالملك الحوثي في محاضرته الرمضانية الثامنة:

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.
وَارْضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وَعَـــنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّـالِحِين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
وَتقبَّلَ اللهُ منَّا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال، اللهم اهدِنا وتقبَّلْ منا إنك أنت السميعُ العليمُ، وتُبْ علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
يقولُ اللهُ -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- في كتابِه الكريمِ: (لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22) وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ، إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ، وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ، إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ، نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ، إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا، إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ، إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ، وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ، إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ، ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا، إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ۗ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا) (39) صدق الله العظيم – سورة الإسراء.
شملت الآياتُ المباركة عَــدَداً من التوجيهات الإلهية المهمة جِــدًّا وابتدأت بأساسٍ مُهِمٍّ تبنى عليه كُـــلُّ التوجيهات والتعليمات في الدين الإسْـــلَامي، يقولُ الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- (لا تَجعَل مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَتَقعُدَ مَذمومًا مَخذولًا).
التوحيدُ لله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- هو الأساسُ والركنُ الكبيرُ الذي يقومُ عليه الدينُ الإسْـــلَامي بكله في كُـــلِّ تفاصيله وتشريعاته وتوجيهاته، وهو أَيْــضاً الركنُ والأساسُ في كُـــلّ رسالات الله إلى أنبيائه على مر التأريخ والله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- في كُـــلّ توجيهاته مع أنبيائه وفي أساس رسالاتهم ودعوتهم للبشرية كان العنوان الأول والعنوان الرئيسي هو التوحيد لله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-؛ لأَنَّه الأساسُ الذي إن آمن به الإنْسَــان والتزم به الإنْسَــانُ تستقيمُ عليه حياتُه في شتى المجالات على أساس من توجيهات الله وهدي الله وتعليمات الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-. كما أن الإخلالَ به يترتَّبُ عليه الانحرافُ ويتبعُه الانحرافُ في كُـــلِّ مجالات وشؤون الحياة ويتجه الإنْسَــانُ في حياته على نحوٍ منحرفٍ حتى يصلَ إلى سخطِ الله والعياذِ بالله.
لا تجعلْ مع الله إلها آخر، الحقيقةُ الكبرى في هذا الكون وفي هذا الوجود أنه لا إله إلا الله لا إله بالفعل إلهاً حقيقيًّا له الكمالُ المطلقُ تأله إليه البشرية تأله إليه المخلوقات هو رَبُّ السماوات والأرض هو ربُّ الكون هو ربُّ العالمين وهو المدبّرُ لشؤون السماوات والأرض وهو الذي يربي هذه المخلوقات أَو يدير شؤونها لا إله إلا الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- فإذا عمل الإنْسَــانُ واتجه في حياته إلى أن يؤله شيئاً آخر غير الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-، شيئاً آخر من الجمادات من الأصنام الحجرية ونحوها أَو من الحيوانات الأُخْــــرَى أَو من الكائنات الأُخْــــرَى فهو يرتكبُ أكبرَ خطأ ويتنكّرُ لأكبرِ حقيقة وهو يمارسُ عمليةً منحرفةً وزيغاً كَبيراً وضلالًا كَبيراً ونُكراناً وجُحوداً لأعظم حقيقة ويظلمُ نفسَه بهذا يظلم نفسه ويخالف الحَــقّ والعدل عندما تؤله غير الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- ويفعل هذا الكثيرُ من البشر، الأغلبيةُ من البشر اتخذوا آلةً أُخْــــرَى والتجأوا إليها كآلهة وهي ليست في واقع الحال آلهةً، في كثيرٍ من الحالات على مر التأريخ اتجه الكثيرُ من الناس من الأمم والأقوام إلى عبادةِ أصنام حجرية واعتبروها آلهةً شريكةً مع الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-، أشركوا بها مع الله وهي كما هي حجرٌ لا تضُرُّ ولا تنفعُ، يأتون إلى منحوتات من الصخر أَو منحوتات من جماداتٍ أُخْــــرَى أَو من الأشجار يصنعونها أَو يشترونها ممن صنعها ثم يجعلون منها آلهةً ينشُدون منها ويطلبون منها النصرَ والخيرَ والنفعَ ودفعَ الضر وما إلى ذلك، ويعتقدونها آلهةً، عندما اتخذوها آلهةً هي لا تتحوّلُ بالفعل إلى آلهة هي لا تتحوّلُ بالفعل إلى مصدر لجلب الخير ودفع الضر أَو توفير النصر أَو الرعاية لهذا الإنْسَــان، لا، يبقى ذلك الصنمُ الحجري على حاله لا يعطيهم شيئاً، لا عبادتهم له ولا اتّخاذهم له آلهةً يحوِّلُه بالفعل إلى مصدرِ رعاية لهم ومصدر نصر لهم ومصدر خير لهم ومصدر لدفع الشر والضر عنهم لا.
البعضُ أَيْــضاً اتخذوا آلهةً أُخْــــرَى وجعلوا آلهةً أُخْــــرَى إما من الملائكة، وهذا حال بعض الأقوام عبدوا الملائكة وعبدوا بعضاً من الملائكة وجعلوا منهم آلهةً، والحالُ نفسُه كذلك لا يجعل منهم في الواقع آلهة، الملائكةُ في أنفسهم عبيدٌ لله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- يعبّدون أنفسَهم تعبيداً تامًّا لله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- وهم أرقى المخلوقات في عبوديتها لله -جَـــلَّ شَأْنُــهُ-، ولا يتعامل معهم الملائكةُ على أساس أنهم جعلوا منهم آلهةً، بل يمقتونهم ويكرهونهم ويتبرّأون منهم، ويتبرأون من شركهم بهم، البعضُ جعلوا آلهتَهم من الأنبياء كما هو حالُ مَن جعلوا من نبي الله عيسى عليه السلام إلهاً ورَبًّا وهو كذلك يعبّدُ نفسَه لله ويعتبر نفسَه عبداً لله ويؤكدُ على ذلك وكانت أولُ عبارة نطق بها الدعوةَ إلى عبادة الله والتأكيد على أنه عبدٌ لله (قال إني عبدُالله)، وكان كُـــلُّ اهتمامِه في حركته بالرسالة الإلهية الدعوةَ إلى العبادة لله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- وتعبيد الناس لله -جَـــلَّ شَأْنُــهُ-، البعضُ جعلوا من بعضِ الكواكب والنجوم آلهةً، والبعض جعلوا من الشمس آلهةً، البعض جعلوا من كائنات وجمادات أُخْــــرَى أَو حيوانات أُخْــــرَى آلهةً، والضلال في واقع البشر في هذا الجانب ضلالٌ كبير جِــدًّا، البعضُ جعلوا أَيْــضاً من الأصنام البشرية من الطغاة والجبّارين والظالمين والمتكبرين آلهةً، والانحرافُ في هذا الجانب له شكلان: الشكلُ الأول: الانحرافُ العقائدي مثلما شرحنا في من اعتقدوا في شيء من الجماد أَو شيء من الكائنات الأُخْــــرَى أنها آلهةٌ وشريكةٌ لله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- في الألوهية والربوبية، وهذا انحرافٌ عقائدي وشركٌ عقائدي.
الشكل الثاني: وهناك انحرافٌ في الواقع العملي، الانحراف في الواقع العملي عندما تطيعُ الآخرين في معصية الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- وتُؤثِرُ طاعتَهم على طاعة الله -جَـــلَّ شَأْنُــهُ-.
فحالةُ الانحراف هذه في أن تجعلَ مع الله إلهاً آخر هي حالة خطيرة جِــدًّا على الإنْسَــان وتمثل أكبرَ خطورة على الإنْسَــان؛ لأَنَّ الإنْسَــانَ سيبني مسارَ حياته بكله على جُرْفٍ هارٍ على خطر كبير على غير أساس؛ ولهذا يقول الله -جَـــلَّ شَأْنُــهُ- (فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا)، مبدأُ التوحيد مبدأٌ عظيمٌ لصالح الإنْسَــان نفسه؛ لأَنَّ معناه أنك تثقُ في الله -جَـــلَّ شَأْنُــهُ- وتعتمد عليه وهو الإلهُ الحَــقّ الذي لا إله إلا هو، الذي له الكمال المطلق، الذي هو على كُـــلِّ شيء قدير وبكل شيء عليم، الذي هو ربك ورب العالمين ورب السماوات والأرض ورب الناس والملك لهذا العالم والمتحكم والمدرب لشؤون هذا العالم، فأنت عندما تؤلّهُه هو وهو الإله الحَــقّ وتلتجئ إليه وتعبده هو -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- ولا تتخذ معه آلهة أُخْــــرَى تعتمد عليه وتثق به وتلتجئ إليه ترجوه هو بالخير ولدفع الشر والضر تعتمد عليه، تسير في هذه الحياة على أساس توجيهاته وتعليماته الحكيمة التي هي من منطلق رحمته وبحكمته وبعلمه وهو المحيط بكل شيء علما فأنت تعتمدُ على مصدرِ القوةِ مصدرِ الخير الذي يملكُ لك النفعَ ويملك لك دفع الضر عنك ويملك لك الخير والذي يقدر على ما لا يقدر عليه غيره وبالتالي أنت تعتمد على من ينفعك وعلى من يدفع عنك الشر والضر وعلى من يجلب لك الخير وعلى من يهديك ويعلمك ويرشدك ويوجهك في مواجهة متاعب هذه الحياة وتحدياتها وصعوباتها إلى ما هو الخير لك يأتيك الخير منه في تدبيره وفي خلقه وفي تشريعه وفي هدايته وفي توجيهه وإلى من حياتك بيده ورزقك بيده وموتك بيده ومصيرك إليه فأنت تتجهُ على أساسٍ صحيح، أما عندما تجعلُ معه آلهةً أُخْــــرَى وتلتجئُ إلى غيره وتعتمدُ على غيره فأنت عطّلت على نفسك هذا الخيرَ الكبيرَ، ولم تعتمد على المصدر الحقيقي للقوة وللخير وللسعادة وللفلاح ولدفع الشر ولجلب الخير ومعناه أنك المتضرر (فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا) تكون مسيرتُك في هذه الحياة غيرَ معتمدة على المصدر الحقيقي للخير والقوة فتكون مسيرة قائمة على الضعف على العجز على الخذلان تفصل نفسك أنت عن الرعاية الإلهية الشاملة وتتجه إلى من لا يمنحك هذه الرعاية لا في جانب التدبير ولا في جانب الخلق ولا في جانب الهداية ولا في جانب التشريع وتعيش مذموماً تستحقُّ الذم؛ لأَنَّك اتجهت اتّجاهاً خاطئاً ومنحرفاً في أكبر عملية انحراف في أسوأ حال من الجحود والنكران للحق والتنكر للنعمة وللمنعم العظيم وللرب الكريم وأنت في حالة من العصيان وفي حالة من الخذلان التي تستحق معها الذم والعقاب مخذولا فقدت هذه الرعاية الإلهية.
(وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا) تبنى على هذا الأساس المهم وهذا الركن العظيم الذي هو التوحيدُ لله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- تبنى عليه كُـــلُّ التوجيهات والتعليمات؛ لأَنَّ الإنْسَــانَ بعد أن يتوجّــه في حياته على أساس توحيد الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- فثمرةُ التوحيد وثمرةُ مبدأ التوحيد وعقيدة التوحيد هي ثمرةٌ عمليةٌ، وهذه مسألة من أهمّ المسائلِ على الإطلاق التي تحتاجُ إلى ترسيخها لدينا كمسلمين في أنفسنا كمسلمين أن الثمرةَ للتوحيد هي ثمرةٌ عمليةٌ تعودُ إلى الواقع العملي، وإلا سنخسر مثلما يخسر الآخرون الذين اتخذوا آلهةً أُخْــــرَى غيرَ الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- وإن بقي لنا من الانتماء للإسْـــلَام فوائدُ ومكاسبُ تكون محدودةً بجانب إذَا ما رسخنا هذا المبدأ وانطلقنا على أساسه عملياً في مسيرة حياتنا.
تأتي مجموعةٌ من التعليمات والتوجيهات الإلهية المهمة جِــدًّا والتي أتى التوجيهُ بها من الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- تحت هذا العنوان (وَقَضى رَبُّكَ) وتشملُ مسائلَ متعددةً سنأتي على ذكرها كما سمعناها في الآيات المباركة وقضى ربك يعني هذا التعبير أن هذه التوجيهات الإلهية التي وردت بعد هذا الأمر من الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- هي إلزامية لا مجالَ فيها للنقاش ولا تساهل تجاه الإخلال بها أي شيء من هذا التوجيهات التي ستأتي وهي جملةُ توجيهات تتجهُ إلى جوانب ومجالات الحياة على المستوى الاجتماعي وعلى المستوى الاقتصادي وعلى مستويات متعددة وفي مجالات متنوعة، هذه التوجيهاتُ بمجموعها هي إلزاميةٌ إذَا أخلَّ الإنْسَــانُ بشيء منها يهدمُ إيْمَــانه ويعاقَبُ ولا مجال للتساهُل فيها.
(وَقَضى رَبُّكَ) أمَرَ اللهُ -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- أمراً ملزماً ومؤكداً ومحتوماً من موقع ربوبيته، هو رَبُّنا -جَـــلَّ شَأْنُــهُ-، ليس فضوليًّا يريدُ أن يتدخلَ في شؤوننا فنقول له وأنت ما الذي يعنيك فينا حتى تأتي وتقول افعلوا ولا تفعلوا، يلزمنا بإلزامات معينة، لا، هو -جَـــلَّ شَأْنُــهُ- ربُّنا المالكُ لنا والمربي لنا والخالق لنا، ومن موقع ربوبيته -جَـــلَّ شَأْنُــهُ- وله الأمرُ والنهيُ فينا، ويملكُ من هذا الحَــقِّ ما لا يملكُه غيرُه، مَن هو الذي يملك حَــقّ الأمر والنهي فينا كما يملكه الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-! هل غيره خلقنا؟ هل غيره رزقنا هل غيره ربانا؟ هل غيره أنشأنا، هل غيره تولى رعايتنا ونمانا في هذه الحياة؟ الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- هو الذي له حَــقّ الأمر والنهي (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، وهذا كما قلنا هو الأساس الذي تبنى عليه كُـــلّ التعليمات وكل التفاصيل وتضبط على أساسه مسيرة الحياة في كُـــلّ تفاصيلها، (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، العبادةُ هي العملُ بمقتضى العبودية، هي التعبيرُ العملي عن العبودية، هي ما على العبد أن يفعله تجاه ربه، وهذه المسألة من أهمّ المسائل؛ لأَنَّها العنوان الشامل الذي يدخل تحته الدين بكله، أن لا تعبدوا إلا الله، كان الأنبياء والرسل ينادون أقوامَهم ويدعونهم إلى هذه الدعوة، (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، الإنْسَــانُ لن يكون إلا عبداً، الإنْسَــانُ هو في حقيقته وفي جوهره عبدٌ، يشعُرُ بالافتقار إلى غيره، يشعُرُ أنه بحاجة إلى من يرعاه إلى من يوجهُه إلى من يغيثه، إلى من يرزقُه، إلى من ينصُرُه، إلى من يعينه في حَــلّ كثير من مشاكل هذه الحياة، إلى… إلى أشياء كثيرة، فلن يكونَ إلا عبداً، ولكن لمن يعبد نفسه؟ هل لربه وهو اللهُ -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- الذي هو الربُّ الحقيقي لهذا الإنْسَــان، أم يتوجّــهُ بالعبودية إلى عبدٍ آخرَ من العبيد مثلِه، قد يكونُ ذلك العبدُ طاغيةً أَو مجرماً أَو ضالًّا، منحرفاً أَو جماداً أَو أي شيء آخر.
الانحرافُ في العبودية غَالِباً ما يكونُ انحرافاً في الواقع العملي، ومن أسوأ شيء في واقع الإنْسَــان أنه إن لم يعبد الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-، ويتحرك في حياته وفي مشوار حياته على هذا الأساس فإن منتهى أمرِه أن يعبُدَ من؟ أن يعبُدَ عدوَّه الشيطانَ الرجيم؛ ولهذا يأتي في القُـــرْآن الكريم في نداء الله لعباده يوم القيامة للبشرية لبني آدم (أَلَمْ أَعْهَد إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَم أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين)؛ لأَنَّ كُـــلَّ حالات الانحراف في العبودية في العبادة، كُـــلَّ حالات الانحراف في العبادة منتهاها هو العبادةُ للشيطان، إما أن تعبُدَ اللهَ وإما أن تعبُدَ الشيطانَ، والحالاتُ التي تؤثرُ على الإنْسَــان في المجال العملي هي عندما يؤثِرُ طاعةَ غيرِ الله على طاعة الله، يعني يطيعُ غيرَ الله في معصية الله، يتوجّــهُ في هذه الحالة بدافع الخوف من غير الله أكثرَ فيطيعُ ذلك الغير بما هو معصيةٌ لله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-، أَو بدافع الرغبة فيؤثر غيرَ الله ويعصي اللهَ -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- طاعة لذلك الغير، وهذه الحالةُ خطيرةٌ جِــدًّا وهي حالة واسعة في حياة الناس، بطبيعة ارتباطاتهم بدءا من هوى النفس يمكن للإنْسَــان أن يعبُدَ هواه، أن يتخذ من هواه إلها، اللهُ -جَـــلَّ شَأْنُــهُ- يقولُ (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)، يقولُ في آية أُخْــــرَى (أَفرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) هوى النفس، عندما تتجهُ إلى هوى نفسك وتجعلُ منه الأساسَ الذي تعتمدُ عليه عمليًّا وتؤثره حتى فوق أمر الله ونهيه، تتركُ أمرَ الله وتعطِّلُه من أجل هوى نفسك، تخالفُ ما نهاك الله عنه، تخالفُ فيما نهاك الله عنه وتقترفُه من أجل هوى نفسك، وتسيرُ في الحياة على هذا الأساس، فأنت هنا اتخذت هواك إلهاً، ارتباطاتك في علاقاتك بالآخرين من الناس أَو غيرهم عندما يكون سقفُها الطاعةَ المطلقةَ حتى في معصية الله فأنت تعبُدُهم، أنت تعبُدُ من تؤثرُ طاعتَه فوق الله فوق طاعة الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-، فلهذا نحن معنيون أن نعيَ في وواقعنا العام كمسلمين والبشرية بشكل عام مأمورة بذلك، أن تكون في علاقاتها بغير الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- علاقة مضبوطة تحتَ سقف العبودية لله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-، الآخرون عبيد، الآخرون بكلهم إنما هم عبيدٌ مثلُنا لله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-؛ ولذلك تكونُ علاقتُك بالعبد الآخر من عباد الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- علاقةَ العبد مع العبد، لا تطعْ أحداً في معصية الله أياً كان باسم زعيم، قائد، رئيس، ملك أمير، عالم، بأي صفة من الصفات، بأي عنوان من العناوين، لا يمتلكُ أحدٌ الحَــقَّ أن تجعلَ طاعتَه فوق طاعة الله، أن تجعلَ أمرَه فوق أمر الله، أن تجعلَ نهيَه فوق نهي الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-، الذي له الحَــقُّ المطلقُ في الأمر والنهي فينا هو الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-، والعبادةُ له أن نجعلَ أمرَه فوق كُـــلّ أمر ونهيه فوق كُـــلِّ نهي، وطاعتَه فوق كُـــلِّ طاعة، وأن لا ننحرفَ عن هذا لأجل أي أحد، لا لهوى أنفسنا ولا لأي شخص كان تحت أيِّ مسمى أَو عنوان، وفي أي مستوىً من مستويات النفوذ والزعامة في هذه الحياة.
لا يخضعْنا أحدٌ بما يصرفُنا عن نهج الله تحت عنوان يقدمُه لنا، عنوان منظّم مشرّع، مفلسف، عقيدة شريعة قانون، نظام دستور، أي عنوان كان وفيه مخالفة لمنهج الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-، لا نقبلْ به بديلاً عن أمر الله عن هدي الله عن نهج الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-، نجعلُ كُـــلَّ الأشياء الأُخْــــرَى تحت هذا السقف، تحتَ سقف العبودية لله تحت سقف طاعة الله، تحت سقف أمر الله ونهيه، وهذه مسألة مهمة.
أَيْضاً الإنْسَــانُ بنفسه في أي موقع من مواقع المسؤولية في هذه الحياة لا يفترضُ لنفسه الحَــقَّ في الطاعة فوق طاعة الله أَو في الذوبان في أمره ونهيه حتى فيما يخالف توجيهات الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-، من يفعلْ ذلك ويَسْعَ لذلك، ويطلبْ ذلك ويفترِضْ من الآخرين ذلك فهو طاغوتٌ، طاغوت متكبر، سواء باسم ملك أَو أمير أَو رئيس أَو وزير أَو مسؤول أَو عسكري أَو أمني أَو قائد أَو زعيم أَو عالم ديني، أياً كان بأية صفة كان، مَن يفترضْ لنفسه الطاعةَ المطلقةَ والانقيادَ له فيما فيه معصيةٌ لله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- ويفرضْ ذلك على الناس فهو طاغوتٌ متكبر يجب أن يكفرَ الناسَ بأمره ذلك ونهيه ذلك؛ لأَنَّه لا يملكُ هذا الحَــقَّ في عباد الله، الأمرُ المطلقُ النهيُ المطلقُ الطاعةُ المطلقة إلا الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-، أما الآخرون فحتى مَن هم في طريق الحَــقّ حتى الأنبياء وحتى الرسل وحتى أولياء الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- سقف الطاعة لهم هو في إطار طاعة الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-، في إطار الاتباع للحق، في إطار منهج الحَــقّ -جَـــلَّ شَأْنُــهُ-، ولهذا يقول الله (وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) حتى النبي وهو النبي لا يفترض من الناس أن يطيعوه خارج طاعة الله فيما هو معصية لله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- لا يفكروا بذلك هم أعبد الناس لله أولياء الله بكلهم لا أحد يفترضُ لنفسه الطاعةَ في معصية الله وفي مخالفة ما يأمُرُ به اللهُ -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- وبالتجاوز لمناهي الله وحدوده أَبَــدًا، فالذي يفترضُ لنفسه ذلك هو طاغوتٌ متكبر في أي مستوى في أي موقع من مواقع المسؤولية تحت أي عنوان لا يمتلك أحد هذه الصلاحية في عباد الله.
(أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) وحينها الإنْسَــانُ إذَا سار على هذا الأساس سينتظّمُ مسارَ حياته وطريقته في الحياة منهجيته في الحياة كلها تعتمد هذا الأساس الكبير.
والإنْسَــانُ حينها يذعنُ لأكبر حَــقّ وأعظم حَــقّ وهو حَــقُّ الله ربنا -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى-، حَــقّ الله ربنا العظيم المالك المنعم الإنْسَــان يتنكر عندما يعبد نفسه لغير الله -جَـــلَّ شَأْنُــهُ- يتنكر لله لولي نعمته العظيم الذي خلقه وفطره وأنعم عليه بكل النعم فحق الله فوق كُـــلّ حَــقّ أولا وقبل كُـــلّ الحقوق (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) بعد حَــقّ الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- يأتي الإحسان إلى الوالدين “وبالوالدين” الوالدين الأب والأم والقُـــرْآن الكريم في كثير من توجيهاته وفي كثير من سوره وآياته يركز على هذا الحَــقّ ويؤكد على هذا التوجيه المهم الإحسان إلى الوالدين ينظمُ القُـــرْآنُ الكريم في أوامر الله وتوجيهات العلاقة في واقعنا البشري ما بيننا كبشر وأول مستوى في تنظيم هذه العلاقة يبدأ من علاقة الإنْسَــان بالوالدين بأبيه وأمه والله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- يضبط هذه العلاقة بكلها بكل تفاصيلها من خلال هذا العنوان، الإحسان هو العنوان الذي يضبط علاقتك بوالديك في كُـــلّ تفاصيلها في المعاملة في السلوك تجاههما كُـــلّ الممارسات في العلاقة معهم يجب أن يضبطها هذا العنوان، الإحسان أن تكون قائمة على الإحسان، والإحسان يبدأ من المشاعر أن تحملَ تجاههما المشاعرَ الطيبة المشاعر الإيجابية العِرفان بحقهما عليك بعظيم حقهما عليك بجميلهما إليك وهما من تعب عليك وهما من قاما بتربيتك وهما من أنت منهما أنت فرع منهما أنت جزء من هما خلقك الله منهما تبدأ بحمل هذا بالمشاعر الإيجابية التي فيها عرفان بهذا الحَــقّ وإحساس بما تربطك بهما من علاقة وأنك جزء منهما واعتراف بما سلف من حنانهما إليك من حبهما لك من شفقتهما عليك من ألمهما عليك، العاطفة التي امتلكتها الأم والعاطفة التي أمتلكها الأب تجاه ابنهما أَو تجاه ابنتهما هي عاطفة كبيرة لا يتخيلهما الإنْسَــان إلا عندما يصير هو أبا أَو تصير البنت أمًا، حينها يدرك كم كان الأب وكم كانت الأم تحمل من عاطفة جياشة من حنان من شفقة من رأفة كم عانت الأم بدءا من مرحلة الحمل بل عندما تعلق من مرحلة الوحام إلى أن يصير الأبن أَو البنت كَبيراً كم عانت على المستوى النفسي وعلى مستوى الجهد والمشقة التي احتاج الطفل إليها واحتاج الأبن أَو البنت إليها في ظل رعايتهما فتبدا حالة الإحسان هذه بالمشاعر الإيجابية والطيبة التي فيها عرفان بهذا الحَــقّ ثم في الممارسة في التعامل في السلوك في الكلام ويكون العنوان الذي هو هذا الإحسان هو الضابط لكل تلك التصرفات والممارسات “(وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).
(إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ، إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا).
نحن في مجتمعنا المسلم ومهم جِــدًّا أن يفهم هذا الجميع في التعامل مع الوالدين يعتبر هذا التوجيه الإداري من أهمّ التوجيهات وتعتبر هذه قيمة إنْسَــانية عظيمة ومهمة جِــدًّا، قيمة إنْسَــانية وخلق نبيل ورفيع ومن مكارم الأَخْــلَاق، إضافة إلى أنه أمر يدخل ضمن عبادة الله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- والالتزام بتوجيهاته وأمره وفي نفس الوقت قيمة إنْسَــانية الإنْسَــان الحقيقي الذي يمتلك مشاعره الإنْسَــانية من الطبيعي أن تكون علاقته بوالديه علاقة احترام وإحسان وتقدير ومحبة، هذا شيء فطري يعني ليست مسألة صعبة كيف يفعل الإنْسَــان حتى يكون هكذا تجاه والديه.
الإنْسَــانُ في فطرته كما في الحديثِ عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله “جُبلت القلوبُ على حُبِّ مَن أحسنَ إليها وبغضِ من أساء إليها” فالإنْسَــانُ بفطرته يحبُّ من يحسن إليه وإحسانُ الوالدين إحسانٌ عظيم إنما الإنْسَــانُ يعتادُ على هذا الإحسان حتى يصبح شيئاً طبيعياً وروتينياً لدى كثير من الناس فلا يقدره ولا يدرك قيمته، ولكن إذَا التفت الإنْسَــان وتذكر لا، إذَا تذكر الإنْسَــان كم تعبت والدتك عليك كم بكت كم أشفقت كم تألمت كم منحتك من حنان كم تولت رعايتك حتى في ظروف صعبة جِــدًّا أنت لا تنفعها بشيء فيها وأنت طفل صغير كم تعبت عليك في تنظيفك في رعايتك في تغذيتك في الاهتمام بك في أشياء كثيرة جِــدًّا، الوالد كذلك كم حمل الهم والرحمة والشفقة والاهتمام وأحاطك برعايته إلى آخره..
الكلامُ يطولُ حول هذا الموضوع لكن هذه قيمة إنْسَــانية وأَخْــلَاقية وأمر عبادي يعني ضمن عبادتنا لله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- وضمن التزاماتنا الدينية والإيْمَــانية، عاقُّ والديه هو مرتكبٌ لجريمة كبيرة جِــدًّا من يظلمهما ومَن يسيء إليهما يرتكب جريمةً كبيرةً جِــدًّا تحبط أعماله الصالحة وقضية خطيرة عليه، والحال أَيْــضاً عندما يصل بالوالدين إما بكلا الوالدين أَو بأحدهما أن يكبرَ عندك وأن يطعنَ في السن وأن يصلَ إلى مرحلة العجز ويحتاج إلى الرعاية والمساعدة في مختلف شؤون حياته قد يصلُ بالبعض أن يحتاجَ إلى مساعده الأب أَو الأم حتى في التنظيف حتى في الرعاية بهما وشبيهة برعايتك في الطفولة رعاية تحتاجُ إلى العناية بهما في التغذية في التنظيف في غير ذلك حتى في مثل هذه الحالة يجب أن تعاملهما باحترام وتقدير وبالقول الكريم القول الذي فيه إكرامٌ لهما تقديرٌ لهما احترامٌ لهما وليس فقط لا يكفي التعامل العادي التخاطب العادي التخاطب مع الوالد مع الوالدة التعامل مع الوالد والوالدة ليس سقفه الإيْمَــاني المعاملة العادية أَبَــدًا المعاملة كما تتعامل مع أي إنْسَــان بشكل عادي يجب أن تتميز هذه المعاملة وهذا التعامل أن يتميز بمزيد من الاحترام والتقدير والتكريم والتواضع وكما نجد في الآية (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) أن تكون تجاههما رحيماً ومتواضعاً ومتذللاً تذلل الرحمة والاحترام والتقدير، حتى في الحالات التي قد يغضب فيها الأب وينفعل أَو تنفعل فيها الأم لا يواجه هذا الانفعال بانفعال مقابل. البعض من الأبناء مَـثَـلاً إذَا انفعلت عليه والدته أَو انفعل عليه والده قد يقابل هذا الانفعال بالانفعال ويسيء إليهما وينهرهما بالكلام يزجرهما بالكلام بالصوت المرتفع أَو بالجفاء والجلافة والإساءة إليهما والتجاهل لهما “يتحيمس” على الأم والأب فيعرض عنهما ويتنكر لهما ويتجهم بالعبوس إليهما لا ينبغي ذلك ينبغي الصبر، التحمل وفي نفس الوقت تأتي تعليمات للأب والأم في القُـــرْآن الكريم كيف يكونا أَيْــضاً هما تجاه أولادهما يعني ليس المطلوب أن يكون الأب أَو أن تكون الأم أَو أن يكون أحدهما تجاه الأولاد متجبرا وظالما ومتعسفا ومتجبرا أَو يعتقد أن الأولاد أصبحوا من ممتلكاته وأن له الحَــقّ المطلق في التصرف كيف ما يشاء ويريد فيهم، لا، هم أمانة عندك وهم عبيد لله -سُبْحَـانَـهُ وَتَعَالَى- وليسوا عبيدا لك، فالعلاقة منظمة في القُـــرْآن الكريم من الأب والأم تجاه الأولاد وسيأتي الحديث إن شاء الله عندما إذَا وصلنا وأتيحت لنا الفرصةُ نتحدث إن شاء الله في قصة لقمان عن كيف يكون الأب أَيْــضاً تجاه أولاده كيف يكون الوالدان تجاه أولادهما فالمعاملة مضبوطة بهذا الضابط حتى إلى درجة أن يقول: (فلا تقل لهما أفٌ)، أفٌ كلمة استقذار وتضجر لا يصدر حتى كلمة تضجر ولا كلمة استقذار عندما يكون القول والخطاب لهما القول نفسه قولاً كريماً، المعاملة كذلك معاملة باحترام وتقدير، يدخُلُ في هذا التخاطب والكلام ويدخل في هذا المعاملة ويدخل في هذا أسلوب التعامل كذلك والحالة التي يكونُ الإنْسَــانُ معهما وَإذَا زل الإنْسَــانُ وهو صالحٌ ومستقيمٌ بينما في بعض الحالات قد يصدر منه زللٌ ضبح زيادة ما تحمل ممكن يعتذر ويرجع ويستغفر الله ويعتذر إليهما؛ ولهذا يقول الله (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ، إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا)، كذلك إذَا كان الأبُ أَو الأُمُّ لا تُقدِّرُ بِرَّ ولدها وإحسانه إليهما فيتعامل ما بينه وبين الله يحسب حساب ما بينه وبين الله فالله هو العالم؛ لأَنَّ البعض أَيْــضاً من الآباء والأمهات عندهم تشدّد زيادة على الأبناء يعني لا يكتفي بالبر والإحسان والتعامل الطيب يفترض تعامل أكثر بكثير أَو مرهق أَو يضيق أَو يشدد ويكون حساسا تجاه أبسط خطأ فيغضب أَشَــدّ الغضب وينفعل أَشَــدّ الانفعال فالله هو العالم بالإنْسَــان وبمدى التزامه واستقامته وما في نفسه.
نكتفي بهذا المقدار ونتحدَّثُ إن شاء الله في المحاضراتِ القادمةِ على ضوء ما ورد في بقية الآيات المباركة.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّـــقَنَا وإيّاكم لما يُرضيه عنَّا.. وَأَنْ يَرْحَــمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفِــيَ جرحانا، وَأَنْ يفــرِّجَ عن أسرانا وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنَصْرِهِ.. إِنَّـهُ سَـمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com