الشهيد القائد يربط بين الضلال والتفريط: عندما يفرِّطُ الإنسانُ ستأتيه البدائلُ المغلوطة

المسيرة| صالح الدرواني

تحدّث الشهيدُ القائدُ الأمة في محاضرته التي ألقاها بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في العاشر من شهر محرم 1423هـ الموافق 23 مارس 2002م، بعد ذكر الله وحمده على نعمه عن العديد من الأسباب والعوامل التي جعلت من الساحة الإسْلَامية مسرحاً لمآسي الأُمَّــة والأحداث الكبرى والمفجعة، كفاجعة كربلاء بحق الإمام الحسين (ع) وآل بيته بحق واحد من سادة شباب أهل الجنة، متسائلاً: “ما الذي حصل؟ ما الذي جعل الساحة الإسْلَامية مسرحاً لمثل هذه المآسي؟، لمثل هذه الأحداث المفجعة؟ ما الذي جعل من يسمون أنفسهم مسلمين، ويُحسَبون على الإسْلَام هم من ينفّــذون مثل هذه الكارثة التي كان من المفترض والطبيعي ألا يقع مثلها إلا في تلك العصور المظلمة، في عصر الجاهلية، عصر الشرك، عصر الظلمات، لا في عصر الإسْلَام وفي ساحة الإسْلَام وعلى يدي من يسمون أَو يحسبون على الإسْلَام، فما الذي جعل الأمور تصل إلى أن يصبحَ الضحية في الساحة الإسْلَامية وتحت عنوان خلافة إسْلَامية وعلى يد أبناء هذه الأُمَّــة الإسْلَامية، أن يكون الضحية هو ابن سيد النبيين، هو أبن القُــرْآن هو ابن سيد الوصيين وسيد العرب علي بن أبي طالب، هو ابن سيدة النساء فاطمة الزهراء، هو ابن سيد الشهداء حمزة. هو هذا الرجل العظيم الذي قال فيه رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)؟”، ليعودَ ويؤكّــدَ بأن حادثةَ كربلاء فاجعة كربلاء لم تكن وليدة يومها، وأنها نتيجةٌ للانحراف الذي حدث في مسيرة الأُمَّــة في ثقافة الأُمَّــة في تقديم الدين الإسْلَامي لهذه الأُمَّــة من اليوم الأول الذي فارق فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هذه الأُمَّــة للقاء ربه، نتيجة لتفريط الناس تفريط الأُمَّــة بعد أن سمعوا ما قاله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يوم الغدير، نتيجة حالة اللامبالاة وهم يسمعون التوجيهات يسمعون الحق ثم لا يهتموا ولا يبالون، ولا يعطون كُــلّ قضية ما تستحقه من الأهميّة”، مشيراً إلى “أن الحديث عن كربلاء هو حديث عن الحق والباطل، حديث عن النور والظلام، حديث عن الشر والخير، حديث عن السمو في أمثلته العليا، وعن الانحطاط، إنه حديث عن ما يمكن أن تعتبره خيراً، وما يمكن أن تعتبره شراً، ولذا يقول البعض: إن حادثة كربلاء، إن ثورة الحسين (عليه السلام) حدث تستطيع أن تربطه بأي حدث في هذه الدنيا، تستطيع أن تستلهم منه العبر والدروس أمام أيٍّ من المتغيرات والأحداث في هذه الدنيا؛ لذا كان مدرسة، كان مدرسةً مليئة بالعبر، مليئةً بالدروس لمن يعتبرون، لمن يفقهون، لمن يعلمون”.

وقال -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- مبيناً خطورة الضلال والمضلين على المجتمع وكيف يحولها الضلال إلى مجتمعات تناصر الباطل وتقف في صف الباطل لمواجهة الحق: “إن الإضلال الذي تبناه معاوية طيلة أيام إمارته على الشام” من أيام عمر، “ثم بعد أن أصبح يحمل لقب خليفة يحكم البلاد الإسْلَامية بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام)، ثم من بعد استشهاد الإمام الحسن (عليه السلام) رأينا كيف حول ذلك المجتمع إلى مجتمع يناصر الباطل، ويقف في صف الباطل”، مضيفاً “رأينا أيضاً – أيها الإخوة – كيف يكون الجانب الآخر – وهو ما كنا نقوله أكثر من مرة -: أن الجرائم ليست في العادة هي نتيجة عمل طرف واحد فقط، المجرمون من جهة، المضلون من جهة يجنون، والمفرِّطون والمقصرون والمتوانون واللائباليون هم أيضاً يجنون من طرف آخر”.

وأوضح عليه السلام “بأن الجريمة مشتركة من أول يوم حصل الانحراف بمسيرة هذه الأُمَّــة عن هدي القُــرْآن، وهدي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، لافتاً إلى “الأمة التي أضلها معاوية وكيف أنها انطلقت لتقف في صف الباطل لمواجهة الحق لتقف في وجه النور لتقف في وجه العدالة، في وجه الخير، تقف مع أبن آكلة الأكباد، مع أبن أبي سفيان ضد وصي رسول الله (صلوات الله عليه وآله) ضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الذي قال فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): {أنت مني بمنزلة هارون من موسى}، مضيفاً “إنه الضلال، وما أخطر الضلال، ما أخطر الضلال وما أسوأ آثار ونتائج وعواقب الضلال! وَما أفظع خسارة المضلين عند الله، ما أشد خسارتهم، وما أفظع خسارتهم في هذه الدنيا ويوم يلقون الله سبحانه وتعالى، وقد أضلوا عباده!.

وربط الشهيد القائد في محاضرته بين الضلال والتفريط بعد أن أوضح “بأن التفريط ليس فقط أمام الحدث، بل التفريط يوم أن يسمع الناس الكلام، يسمعون التوجيهات يسمعون منطق الحق ثم لا يهتمون ولا يبالون ولا يعطون كُــلّ قضية ما تستحقه من الأهميّة”، مشيراً إلى أنه عندما يفرط الإنسان فيما يسمع ستأتي البدائل المغلوطة، إما أن يتلقاها من أمثاله ممن يفهمون الأمور فهماً مغلوطاً، ممن لا يعرفون عواقب الأمور، أَو من جهة نفسه هو فيكون هو من يحلل، ومن يحاول أن يضع لكل قضية حداً معيناً، يظن أنها لا تتجاوزه، كما حصل لأهل العراق ممن ربما كانوا يتصورون أن الحسين هو المشكلة.. يمكن أن يصفى وتبقى الأجواء طبيعية” وهنا يتساءل عليه السلام، بعد أن قتل الحسين (ع) هل بقية الأجواء طبيعية؟ هل استقر وضع أهل العراق؟ أم بدأ العراق يغلي، أم بدأت النكبات، والكوارث تتابع على أهل العراق جيلاً بعد جيل إلى هذا العصر الذي نحن فيه. لم يسلم أهل العراق، لم يسلم لهم دينهم، لم تسلم لهم دنياهم، لم تسلم أنفسهم، ليعود ويحذر الأُمَّــة من التفريط وحالة اللامبالاة عند سماعها لتوجيهات الله، داعياً الأُمَّــةَ إلى استلهام الدروس والعبر من الأحداث والوقائع الماثلة أمامها وقال: “ما أسوأ الإنسان أن يسمع كلمة الحق ثم يرى نفسه في يوم من الأيام يقف في وجه الحق يضربه بسيفه، إنه أسوأ من ذلك الذي تربى على الضلال من يومه الأول، إنه أسوأ من أولئك”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com