التأمل في نِعم الله سيجعل الإنْسَانَ يقطعُ بعبوديته لله، وبتدبير الله وقيّوميته

المسيرة/ بشرى المحطوري

وفي ذات السياق استمرَّ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في تعداد نعم الله علينا، فتحدث أَيْضاً عن الجبال وفوائدها للبشر، كما جاء ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى:{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}:ـ

وقد شرح الشهيد القائد هذا الأمر بقوله: [الرواسي هي الجبال لما كانت الأرض اليابسة هي في واقعها مفروشة على الماء، والماء يشكل نسبة كبيرة قـد يكون أكثر من 70% من حجم الكرة الأرضية بكلها، كانت ـ بالطبع ـ الأرض تعتبر قطعة صغيرة فوق سطح الماء، قابلة لأن تبقى تهتز وتتحرك، فألقى الله فيها الجبال تثبتها {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} لترسوا، فترسوا الأرض على الماء، ولا تكون مهتزة، فيمكن الاستقرار عليها].

قال -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-:ــ [كذلك {وَعَلامَاتٍ} جعل علامات للسبل في البر، وعلامات في البحر {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}المسافرون يهتدون في البر، والمسافرون يهتدون في البحر، فأعلام في البر بشكل الجبال المختلفة، أليست أشكال الجبال مختلفة؟ هذا من أهم الأشياء في أن تتعرف على المناطق، لو كانت الجبال كلها بشكلية واحدة، وتصميم واحد، فهي رواسي، واحد هنا، وواحد هنا، وواحد هناك، قد لا تستطيع أن تعرف وأنت تتجه.. لكن الجبال أنفسها، وشكليتها هي نفسها مما يساعد ـ أن كانت بشكل أعلام ـ وأنت تسافر فترى تلك القمة، قمة الجبل هناك، ترى الطريق من عندها إلى المنطقة الفلانية، فتراها قمة متفردة في شكلها.. أليس كذلك؟. فيها عبر كثيرة].

قال -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- شارحا لهذا الأمر:ــ [بل أحياناً تطلع مساحة البلدان التي فيها جبال كثيرة تطلع مساحة كبيرة عندما تحسب وجه الجبل من هنا، ووجهه من هناك، ترى كيف أنه وبتصميم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذي هو حكيم لا يضيع حتى المساحة التي سيشغلها الجبل.. أليس الجبل ضروريا بالنسبة للأرض؟. سيجعل الجبل نفسه بشكل يكون أوسع مساحة من المساحة التي يشغلها في موقعه، فعندما تمسح مساحة الجبل من هنا كم سيطلع؟ ومن جانب آخر كم سيطلع؟. ستراه أكثر من المساحة التي يشغلها الجبل].

وأضاف -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- أن الجبال قابلة للزراعة والرعي فيها والبناء فيها، وهي غير مقفلة تماماً بحيث تحجب الناس عن مناطق أخرى في العالم، بل هي فيها منافذ وطرق وممرات، وهي نعمة عظيمة من الخالق سبحانه، حيث قال: [وهكذا يجعل الجبل صالحاً للزراعة، يجعل الجبل صالحاً للاستقرار، صالحاً لأن تعيش فيه حيوانات أخرى، صالحاً لأن يكون فيه مراعي، والمهمة الرئيسية له هي أن تكون رواسي تمسك الأرض].

لافتاً -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- نظر الأمة إلى نقطة مهمة جداً، وهي أنه لا يمكن أن تقوم حضارة إنسانية في مصلحة البشرية إلا إذا كان أصحابها والقائمون عليها هم ممن يتذكر نعم الله باستمرار ويشكر الله عليها، حيث قال: [فلاحظ كيف يأتي بالتأكيد على تذكر النعم، وأن يظل الإنسان شاكراً وهو يبني حضارة، لا بد حتى تكون هذه الحضارة إنسانية حقيقية، وتكون في مصلحة البشرية، أن يكون من يقوم عليها، وينهض بها، من هم دائمو التذكر بنعم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وينطلقون في شكره {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} متى ما ضاع هذا الشعور لدى الإنسان أصبحت تجارته بالشكل الذي يضر بالبشر، يتجر في الأشياء الضارة]..

 

أمثلة ومظاهر للفساد: الربا، الغلاء، قلة الجودة:ــ

مسترسلاً -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في ذكر أمثلة ومظاهر للفساد الذي يصيب العالم عندما يتحكم فيه ويسيطر عليه تجار لا يتذكرون نعم الله ولا يشكرون الله، ولا يخافونه بقوله: [يمارس في عملية البيع والشراء كثيراً من المحرمات، يدخل في الربا.. أليس العالم الآن غارقاً في الربا؟ العالم غارق في الربا، والعالم في حرب مع الله {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}..

وتجد من مظاهر هذه الحرب فساداً تجارياً، غلاء أسعار بشكل رهيب، هبوطاً حتى في مواصفات التصنيع من أجل مواكبة القدرة الشرائية لدى المستهلكين، المنتجات الجيدة ألم تغب عن الأسواق؟ منتجات جيدة من الإلكترونيات وغيرها من الصناعات، والأقمشة، وكثير من الآليات.. ألم تغب عن الأسواق؟. لماذا؟. ألم تهبط الصناعات، وتهبط المواصفات؟. تهبط وكل عام ترى الصناعات تهبط قليلاً قليلاً في مواصفاتها، في جودتها، لماذا؟. نزولاً عند رغبة المشتري، أو تبعاً لقدرته الشرائية؟].

مُعرفاً بالربا ومساوءه الكبيرة جداً على الناس، حيث قال: [الربا: هو ضرب الناس حتى ضرب الصناعات فأصبحنا بدل أن كنا نتمتع بكثير من الصناعات الجيدة، ذات المواصفات الجيدة، في مختلف المجالات، ها نحن تغلب على أسواقنا منتجات مواصفاتها رديئة، ومتى ما رأينا قطعة جيدة [أصلية] من أي منتج، ورأينا سعرها مرتفعاً ألسنا نخرج من المعارض؟. ونقول: هذا سعره مرتفع، الحقيقة أنها أصلي لكنها سعرها مرتفع، والآخر قال: جيدة لكنها غالي، والرَّجال صاحب المحل في الأخير لا يستورد منها، صاحب المصنع في الأخير لا يعد ينتجها، يحاول أن ينتج إنتاجا آخر يتمشى مع حالة الناس].

وأضاف بقوله: [فنحن في حرب مع الله، والله في حرب معنا بسبب المرابين، بسبب التجارة التي تقوم على الربا؛ لأن أولئك المرابين ليسوا ممن يتذكرون نعمة الله، وليسوا ممن ينطلقون في شكره؛ لأن من يتذكر بأن ما يتقلب فيه من أموال التجارة هو نعمة من الله عليه، سيحاول أن يبتعد عن المحرمات في التعامل، سيبتعد عن الربا].

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com