(المحاضرات الرمضانية وكيفية تعامل المؤمن مع الهدي)

 

هنادي محمد

في هذه الليالي المباركة ومنذ ليلة حلول هذا الشَّهر الفضيل ونحنُ نعيشُ اجواءً إيْمَـانية تميزت بطابعٍ قُـرْآنيٍ خالص في حضرة قائد المسيرة القُـرْآنية السيد / عبدالملك بدر الدين الحوثي ” يحفظه الله ويرعاه ” الذي عودنا بإطلالته في كلِّ عامٍ ليؤدي مهمته كعلم هدى والمتمثلة بـ{ْيَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}.

لكن التساؤلات هنا تقول: كيف هو تعاطينا مع الهدي..؟، وبأي روحية نستمع..؟، وهل نلمس أثراً ” عمليّاً “ في النُّفوس والواقع..؟

يجب أن نجيب عن هذه الأسئلة بعد انقضاء أياماً من عمر شهر الله الأعظم لنقيّم أنفسنا ونعرف ما الذي قدمتهُ أيدينا لذلك اليوم العظيم، وهل وفّقنا في اغتنام هذه الفرصة لتوطيد العلاقة فيما بيننا وبين الخالق – جلَّ شأنه – والتَّقرب منه..

 

 ما المطلوب منا عن الاستماع للمحاضرات..؟:

 

بطبيعة الخطاب القُـرْآني أنه متجددٌ بتجدد أحداث الحياة وبتعاقب الزمان ولذلك ليس هناك من أحدٍ كائناً من كان، ومهما بلغ من العلم والإيْمَـان مبلغاً يجد فيه الكفاية لنفسه، مازال محتاج للتَّذكير{هُدًى وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}

{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، محتاج للحفاظ على روحيته الإيْمَـانية ليثبت أمام الابتلاءات ويتجاوز الاختبارات الإلهية فلا يسقط..

وهنا نستعرض حديثاً للشهيد القائد – رضوان الله عليه – يوضح فيه خطورة تلقي الهدي ببرود ودون تفاعل وما نتيجة ذلك:-

[الخطاب القُـرْآني يتجدد دائما يقول للناس: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}(الحديد: من الآية16) ألم يأن, يعني: ما قدو وقت – بتعبيرنا نحن – ما قدو وقت أن الناس تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحَـقّ من القُـرْآن الكريم؟ {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}(الحديد: من الآية16) تخويف من أن يصير الناس إلى ما صار إليه بنوا إسرائيل، الذين طال عليهم الأمد يسمعون مواعظ، ويقرؤون كتباً، ولكن ببرودة لا يتفاعلون معها، وتتكرر المواعظ وتتكرر النبوات، وهكذا، {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} حتى فسق أَكْثَـرهم، وحتى استبدل الله بهم غيرهم، وحتى جردهم من كُـلّ ما كان قد منحهم إياه: النبوة، وراثة الكتاب، الملك، الحكمة. نحن المسلمون نتعرض لمثل هذه الحالة فكتاب الله يتردد على مسامعنا كثيراً، والمواعظ تتردد على مسامعنا كثيراً، والعلماء بين أظهرنا يتحدثون معنا كثيراً، ولكن نتلقى الكلام, نتلقى آيات القُـرْآن ببرودة لا نتفاعل معها، أصبح تقريبا مجرد روتين استماع القُـرْآن الكريم، واستماع المواعظ، وحضور المناسبات، لكن دون أن نرجع إلى أنفسنا فنجعلها تتعامل مع كُـلّ ما تسمع بجدية، وتتفاعل معه بمصداقية. نتعامل ببرودة مع كُـلّ ما نسمع، ولم ننطلق بجد وصدق لنطبق، لنلتزم، لنثق. ستقسو قلوبنا – ونعوذ بالله من قسوة القلوب – متى ما قست القلوب يصبح هذا القُـرْآن الكريم الذي لو أنزله الله على الجبال من الصخرات الصماء لتصدعت من خشية الله، لكن القلب متى ما قسي يصبح أقسى من الحجارة، فلا يؤثر فيه شيء].

”معرفة الله – الدرس الأول“..

إذن المطلوب منا ونحن نستمع للمحاضرات الرمضانية هو أن ندرك حاجتنا الشديدة لعملية التذكير وندرك خطورة الغفلة وعواقبها السيئة، وأن نحرص على حضور القلب قبل السمع لتنفذ المواعظ من الأذن فترسخ في القلب المنفتح للهدى، واستشعار أهميّة ما يطرح لا سيما إِذَا ما كان حديثاً خطيراً كالحديث عن ”الجزاء والحساب“، وأن لا تكون الاستجابة جزئية بالتأثر اللحظي المؤقت بل المطلوب هو استجابة عملية ينطلق منها الإنْسَـان للتَّطبيق الصادق والانقياد التَّام لله لتكتمل استجابته.

 

 صلاحُ الإنْسَـان مرهونٌ بصلاحِ قلبه:

قد نلحظ واقع البعض بالرغم من أنه يعيش مع القُـرْآن إلا أنَّ مواقفه وأفعاله مناقضه لما احتواه كتاب الله من هديٍ وآياتٍ تخر منها الجبال.. أليس كذلك..؟، بدلاً عن أنْ يزداد خشيةً من الله وتنمو في نفسه حالة التَّقوى؛ نجد الروحية السّائدة لديه هي التهاون واللامبالاة والغفلة..!

والسبب في ذلك هو أن استماعه كان سماعاً جامد المشاعر القلبية سخر فيه آلة التلقي والسَّماع ”الأذن“ فقط؛ غير واعٍ إلى أن آلة الاستيعاب والفهم والتأثُّر والإدراك هو ”القلب“، القلبُ الذي هو أساس الإنْسَـان وصلاحه مرتكز عليه..

تأملوا في قول الشَّهِيْـد القَائِـد – رضوان الله عليه – حول كيفية ترويض القلب على الانفتاح لآيات الله:-

[القلب إِذَا لم تحاول أن تجعله يلين مما يسمع، يلين لذكر الله، يوجل إِذَا سمع ذكر الله، يزداد إيْمَـانا إِذَا تليت عليه آيات الله إِذَا لم تتعامل معه على هذا النحو فبطبيعته هو يقسو، يقسو, يقسو.. ومتى ما قسي قلبك سيطرت عليك الغفلة والنسيان لله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى، إِذَا ما نسيت الله نسيت نفسك، فتأتي يوم القيامة فتكون منسياً عما كنت ترجوه من الخير، أَوْ تأمله من الخير والنجاة، والفوز يوم القيامة {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}(التوبة: من الآية67) {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (الحشر:19). قلوبنا إِذَا لم نحاول أن نتعامل معها من منطلق الخوف أن تصل إلى هذه الحالة السيئة: القسوة, فتصبح أقسى من الحجارة، فحينئذ لا ينفع فيك شيء، لا ينفع فيك كتاب الله، ولا ينفع فيك رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ولا ينفع فيك أي عظة تمر بك في هذه الدنيا].

ويقول: [والمطلوب من القلوب هو أن تخشع لذكر الله، هو أن تلين، هو أن تصدِّق، أن تثق، أن تمتلئ بالخشية من الله، أن تمتلئ حباً لله، معرفة قوية بالله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى.. متى ما صلح القلب صلح الإنْسَـان بكله، وانطلق ليصلح الحياة بكلها، وانطلق بإيْمَـان، بثقة، بإخلاص، بصدق، بتوجه حكيم في كُـلّ ما يريد الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى منه].

”معرفة الله – الدرس الأوَّل“

أسأل من الله الهداية والتوفيق والثَّبات، والعون والسداد والرَّشاد، وحسن الخاتمة بالاستشهاد..

والعاقبـةُ للمتَّقيـن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com