اليمنُ والبحرُ الأحمر.. ساحةُ ردع موجعةٌ للعدو الصهيوني
صنعاءُ ترسِّخُ معادلةً جديدةً كشفت هشاشةَ البعبع الأمريكي الغربي الصهيوني
المسيرة: محمد يحيى السياني
لمن أصابته الدهشة وانتابه الاستغراب من الموقف اليمني، حول فرض هذا البلد العريق وشعبه العظيم وقيادته الملهمة وقواته المسلحة الشجاعة حصاراً بحرياً على العدوّ الإسرائيلي، في موقف شجاع وخطوات جريئة، ضرب عرض الحائط بكل حاملات الطائرات والأساطيل والبوارج الحربية الأمريكية والبريطانية والفرنسية التي تقاطرت إلى المنطقة لنصرة الكيان الصهيوني في حرب الإبادة التي يشنها على قطاع غزة، ليؤسس اليمن معادلة تؤكّـد للجميع أنّ من حق أحرار العالم السير في كُـلّ المسارات الرادعة للإجرام الصهيوني وما يرتكبه بحق الشعب الفلسطيني، في حين أن اليمن قد أسس بهذه المواقف معادلات مذهلة في معركة أحرار الأُمَّــة ضد الكيان الصهيوني المجرم نصرة وإسناداً ودعماً لإخوانهم في غزة.
اليمن التي كانت منذ سنوات قليلة يحكمها نظام منبطح وخانع وجعلها بلا تأثير على مستوى المنطقة ولا ذكر لها في العالم، قد خضعت مع شعوب المنطقة لعقود طويلة لعمليات تدجين وغسيل أدمغة شاركت فيها وسائل إعلام غربية وأنظمة عربية منبطحة بإقناعها بحقيقة أن الأُمَّــة لا حول لها ولا قوة أمام قوة “إسرائيل” التي تقف خلفها أمريكا والغرب، غير أن هذه الفزّاعة الصهيونية لم تستمر طويلاً، ولم يعد لها أي وجود في الذهنية والثقافة اليمنية، فمع التحولات الكبرى في حياة الشعب اليمني قبل وبعد ثورته المباركة في الواحد والعشرين من سبتمبر ٢٠١٤ م بات لهذا البلد وهذا الشعب مسارٌ آخر في مسيرته الجديدة، وأصبح للمشروع القرآني العظيم الذي وضعه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- أثره الواضح والبارز في تصحيح مفاهيم الأُمَّــة عبر الثقافة القرآنية والجهادية، إضافة إلى النعمة الإلهية التي منحها الله سبحانه وتعالى لهذا الشعب بقيادة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- والذي هو بحق قائد يليق بهذا الشعب العظيم ويعبر عن أصالته وهُــوِيَّته الإيمَـانية وعراقته الحضارية.
ولذا فَــإنَّ القائد والشعب قد تفرد في موقفه هذا النابع من إيمانه والمستشعر لمسؤوليته أمام الله سبحانه في إسناد ومناصرة ودعم الشعب الفلسطيني المظلوم ومقاومته ضد تكالب الصهاينة والأمريكيين والغرب، والذين مارسوا كُـلّ جرائم الإبادة في قطاع غزة التي كشفت عن نزعة صهيونية إجرامية متوحشة لم يسبق لها مثيل في التأريخ المعاصر، كما لم يسبق لهكذا حالة أن يتخاذل المحيط العربي والإسلامي بهذا الشكل المخزي والمهين من قبل حكام وأنظمة دول المنطقة المنبطحة والمتواطئة مع العدوّ الإسرائيلي المجرم.
إذن، فالتفرد اليمني في قراراته وخطواته قد أتى اليوم كموقف محق ومسؤول ومتقدم على المستوى الإقليمي والعالمي وفرض حصاراً بحرياً مطبقاً على الكيان الإسرائيلي، فرض به ومن خلال عمليات قواته المسلحة مشهداً على المنطقة والعالم، لم يألفه على مدى أكثر من سبعين عاماً من تأريخ الصراع مع العدوّ الصهيوني المحتلّ.
معادلة تترسخ وتتصاعد:
إن القرار اليمني بمنع وصول أية بضائع إلى كيان العدوّ الإسرائيلي عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب وقناة السويس، ما لم يدخل الغذاء والدواء إلى قطاع غزة، لن تنحصر تداعياته على حرب الإبادة التي يشنها العدوّ الإسرائيلي على غزة، وعلى اقتصاد هذا الكيان فحسب، بل سيتجاوزه إلى أبعد من ذلك بكثير، حَيثُ ستؤدي تداعياته وآثاره إلى نسف الروح الانهزامية التي تم زرعها لعقود طويلة في نفوس شعوب أمتنا أمام خرافة “إسرائيل” التي لا تقهر وأمام العنجهية والسطوة الأمريكية الغربية، وستعيد للمواطن العربي والمسلم لحظات مفصلية للنظر والتأمل تجاه أنظمته، خَاصَّة تلك المتخمة بالبترول والدولار والتي تمتلك جيوشاً جرارة وتشتري كُـلّ عام بعشرات المليارات من الدولارات طائرات قتاليه حديثة، وأسلحة وسفن وعتاد من أمريكا والغرب، وهي اليوم عاجزة عن إدخَال الغذاء والدواء إلى إخوانها وأبناء جلدتها في غزة، خوفاً من ردة فعل “إسرائيل” وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، بينما اليمن بموقفه الشجاع وقراراته الجريئة يتجاهل جبروت “إسرائيل” وأمريكا والغرب ولا يعير له أهميّة ولا يأبه به بل على العكس تماماً، فقواته المسلحة تهدّد وتحذر كُـلّ دول العالم بلا استثناء بألا تخالف قراره بمنع سفن الشحن من التوجّـه إلى الكيان الإسرائيلي.
اليمن الجريح المحاصر يفرض اليوم معادلة ميدانية ويذهب بقوة وإصرار باتّجاه محاصرة الكيان الإسرائيلي، فبعد ساعات قليلة كانت ١٧٠ دولة في الأمم المتحدة قد فشلت في تمرير قرار أممي بوقف إطلاق النار في غزة والسماح لدخول المساعدات الإنسانية، عقب فيتو أمريكي ضد هذا القرار والذي تم إفشاله، فكان الرد اليمني على الفيتو الأمريكي بفرض واستخدام فيتو يمني أشد إيلاماً ووجعاً على كيان العدوّ الإسرائيلي، إذ وجهت القوات المسلحة اليمنية بياناً هاماً للعالم على لسان ناطقها الرسمي العميد يحيى سريع، تعلن فيه عن منع مرور السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني من أية جنسية كانت إذَا لم يدخل الغذاء والدواء لقطاع غزة، وستصبح هدفاً مشروعاً للقوات المسلحة اليمنية، كما حذر البيان جميع السفن والشركات من التعامل مع الموانئ الإسرائيلية، وسوف تقوم القوات المسلحة اليمنية بتطبيق هذا القرار من لحظة إعلان هذا البيان، فكان هذا البيان قراراً شجاعاً من القيادة اليمنية، ورداً قوياً وصاعقاً على استخدام أمريكا حق النقض «الفيتو» ضد مشروع قرار أممي بوقف إطلاق النار في غزة، وقد أكّـد على ذلك عضو الوفد الوطني عبدالملك العجري، في تغريدة له على منصة “إكس” بقوله: «إن قرار القوات المسلحة اليمنية بإدراج السفن المتجهة أَو التي تنقل البضائع إلى الموانئ الإسرائيلية ضمن قرار المنع جاء على إثر الفيتو الأمريكي ضد قرار وقف الحرب على غزة».
وقبل أن يجف حبر بيان القوات المسلحة اليمنية تجسد هذا القرار عمليًّا لتعلن القوات المسلحة اليمنية في بيانها التالي عن استهدافها لسفينة نرويجية بصاروخ مناسب قبالة باب المندب وكانت محملة بالنفط والمواد الكيماوية، وكانت متجهة إلى “إسرائيل” بعد أن تجاهلت نداءات وتحذيرات القوات البحرية اليمنية التي وجهتها إلى طاقمها، وأعقبها استهداف سفينتين يوم الجمعة الفائتة، وسفينتين، أمس الاثنين، ليؤكّـد اليمن أنه لا وجود للهيمنة الأمريكية ولا للضغوط الغربية.
فشل البعبع الأمريكي والبريطاني:
وبعد القرار اليمني وخطواته المتقدمة باتت منطقة البحر الأحمر اليوم ساحة ردع جديدة موجعة بشكل كبير على العدوّ الإسرائيلي وعدوانه النازي المتوحش على قطاع غزة، ومحور أَسَاسي في إخضاع العدوّ وتكبيد اقتصاده خسائر فادحة.
وعلى مدى أسابيع ماضية كان العالم يشهد فشل قوى كبرى وعظمى متعاطفة مع الشعب الفلسطيني في رفع الحصار عن غزة في ظل الموقف الأمريكي الغربي المستكبر، وبالتالي فَــإنَّ الخطوات اليمنية التي اتخذتها القيادة والقوات المسلحة اليمنية، بقرار فرض الحصار البحري على العدوّ الإسرائيلي هو قرار جريء وغير مسبوق في تاريخ الصراع وهو أَيْـضاً قرار مدروس بعناية فائقة، طبقته القدرات العسكرية اليمنية ميدانيًّا وفرضت بذلك معادلات الردع الكبرى ضد السفن الإسرائيلية والسفن الأُخرى المتجهة إلى موانئها من البحر الأحمر والعربي، وهذه القدرات العسكرية للقوات المسلحة اليمنية التي يملكها اليمن، اختبرتها حاملات الطائرات والبوارج الأمريكية والفرنسية والبريطانية خلال الفترة الماضية عندما فشلت في حماية السفن الإسرائيلية أَو تلك السفن التي تحمل جنسية دولاً أُخرى.
وأمام المعادلة اليمنية التاريخية التي جعلت من البحر الأحمر والعربي محرماً على سفن العدوّ أَو أية سفينة محملة بالبضائع وتحاول الوصول إلى موانئه، وفرضت واقعاً جديدًا بقواعد اشتباك ومعادلات ردع جديدة، عجزت أمريكا و”إسرائيل” ودول الغرب عن التعامل معها؛ فالعدوّ الإسرائيلي اليوم يستشعر الخطر والعجز معاً تجاه ما يصنعه اليمن وهو ما أكّـده وأفصح عنه على لسان كبار مسؤوليه ووسائل إعلامه المختلفة والتي جميعها أكّـدت أن التهديد اليمني جاد وخطير جِـدًّا على العدوّ الصهيوني، وتهديد كبير وغير مسبوق على المستوى الاستراتيجي للملاحة الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي.
معادلة تثير حفيظة العدوّ وأدواته:
المعادلة اليمنية الجديدة التي تشهد يوميًّا تصاعداً كَبيراً وملفتاً في هذه المعركة مع العدوّ الصهيوني الذي سمع العالم صراخه جراء الضربات اليمنية الموجعة التي يتلقاها ويتفاجأ منها كُـلّ يوم، هي أَيْـضاً اليوم تدفعه ليستغيث بحلفائه الغربيين والمطبعين معه في المنطقة ليخرجوه من المأزق اليمني الذي فرض عليه، وما سعي أمريكا الحثيث مؤخّراً للضغط على الدول المتواطئة في العالم والمنطقة لتشكيل حلف دولي لحماية الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر حَــدّ زعمها، إلَّا دليل واضح على مدى وأثر القرار اليمني الذي سببه للكيان الإسرائيلي، ومن خلال ذلك تتجلى حقيقة واضحة لا يمكن تجاهلها في هذه المرحلة، وهي أن اليمنَ قد خلط أوراق العدوّ وبعثرها فكان لهذا الضغط اليمني على كيان العدوّ انعكاساته التي تؤكّـد مؤشراتها ومعطياتها أن العدوّ الإسرائيلي حتماً سوف يرضخ في نهاية المطاف، ولن يكون أمامه أي خيار آخر سوى الامتثال صاغراً مجبراً لوقف عدوانه وحصاره على قطاع غزة.
وفي المقابل فَــإنَّ محاولة تقليل أهميّة القرار اليمني الجديد من البعض القاصر في رؤيته والمفلس في واقعه لا يدرك اليوم حجم المتغيرات ومسار التحولات الكبيرة التي تصنعها اليمن اليوم من خلال هذه الخطوات والقرارات التاريخية وفي هذه المعركة المفصلية مع العدوّ الصهيوني المحتلّ، رغم أن العدوّ وحلفاءه ورعاته وأدواته قد رفعوا أصوات الوجع من الصفعات اليمنية، في حين أدرك العدوّ أَيْـضاً دور أدواته الرخيصة في المنطقة وقد يباشر استخدامهم عسكريًّا في ظل الخدمات المجانية التي قدموْها تعبوياً وسياسيًّا وإعلامياً.
وفي الختام يدرك العدوّ الصهيوني وحلفاؤه ورعاته أن هذا التحَرّك اليمني سيمهد لمرحلة جديدة ومتقدمة وغير مسبوقة لصالح القضية الفلسطينية ولصالح الأُمَّــة العربية والإسلامية، وليس فقط فيما يخص جانب الصراع معه، بل يتعلق أَيْـضاً في المواجهة مع دول محور الشر والاستكبار الأمريكي الصهيوني الغربي، حَيثُ يقدم اليمن اليوم وفي هذه المرحلة الفارقة في تاريخ الأُمَّــة العربية والإسلامية أُنموذجاً فريداً ومتقدماً يحدّد للأُمَّـة اتّجاهها الصحيح ومسارها الثابت نحو قضاياها العادلة والمحقة لكي تكون قادرة على الصمود والتحدي وفرض المعادلات الاستراتيجية والنوعية، رغماً عن كُـلّ التهديدات والتحديات الكبيرة، وأنها قطعاً إن توكلت على الله وحده سيتمهّد أمامها الطريق للنصر الأكيد على كُـلّ الطغاة والمستكبرين.