العلامة الدكتور حمود الأهنومي لصحيفة “المسيرة”: احتفالات الشعب اليمني بعيد جمعة رجب هو تعبير عن الانتماء الأصيل للهُــوِيَّة الإيمانية

قال إنه ما من شعب في الدنيا يحتفل بعيد إسلامه سوى الشعب اليمني

 

المسيرة – منصور البكالي:

لكل مناسبة دينية أَو ثقافية أَو وطنية معانٍ ودلالاتٌ تعكسُ مدى أهميتها وأثرها في واقع حياة الشعوب والجماعات وتتفاوت من مناسبةٍ إلى أخرى، بقدر بصمتها في وجدان ووعي، وهُــوِيَّة المعبرين عنها، حَيثُ تمر هذه المناسبات بمراحل قوة وضعف بحسب المناخ السياسي والفكري المحيط بها.

وعن دلالات ومعاني إحياء شعبنا اليمني لعيد جمعة رجب من كُـلّ عام يقول الدكتور حمود عبدالله الأهنومي: “الدلالات كثيرة ومنها أن احتفال شعبنا اليمني بهذه المناسبة هو تعبير عن حالة الانتماء الأصيل لشعبنا إلى هذه الهُــوِيَّة الإيمانية، وما من شعب في هذه الدنيا يحتفل بعيد إسلامه غير الشعب اليمن، وهذه نعمة كبيرة جِـدًّا تدل على أن اليمنيين أقرب ما يكونوا إلى هُــوِيَّتهم الإيمَـانية التاريخية التي أعطاهم إياها وسلمهم إياها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، والقرآن الكريم”.

ويستدل الدكتور الأهنومي في تصريحٍ خاص لصحيفة “المسيرة” بقول رسول الله محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- عندما قال عن اليمن: الإيمان يمان والحكمة يمانية، وقوله تعالى: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ)، مؤكّـداً أن هذه هي محدّدات الهُــوِيَّة الإيمانية لشعبنا اليمني العظيم كما وردت، وبالتأكيدٍ لها دلالات كثيرة جِـدًّا، مُشيراً إلى أنه في الفترة الأخيرة في ظل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر هناك تأكيد على قضية الهُــوِيَّة الإيمانية وعلى ترسيخها، وهذا جزء من مسيرة حضارية شاملة تعالج مختلف الجوانب، ونحن لا يمكن لنا أن ننجز حدثاً حضارياً في الحضارة الإيمانية التي نسعى للوصول إليها إلا من خلال أن نعرف من نحن ومن الآخرين بالنسبة لنا، موضحًا أنه خدع العرب والمسلمون طويلاً عندما اخترقت هُــوِيَّتهم، وعندما ضاعت بُوصلتهم.

ويواصل قائلاً: “الهُــوِيَّة إطار والهُــوِيَّة بوصلة، والهُــوِيَّة انتماء، والهُــوِيَّة فكر وثقافة، وهي تجسيد في الواقع العملي لهذه القيم والمبادئ التي عليها الهُــوِيَّة الإيمانية، مؤكّـداً أن احتفال شعبنا اليمني بهذه المناسبة هو تعبير في حَــدّ ذاته لانتمائه الأصيل للهُــوِيَّة الإيمانية”.

وعن مراحل القوة والضعف التي مرت بها الهُــوِيَّة الإيمانية يقول الأهنومي: “تاريخ اليمن تاريخٌ إيماني ومن هنا نشتق هُــوِيَّتنا الإيمانية، من تاريخنا الإيماني، وما من مرحلةٍ تاريخية إلا وشمس الإيمان مشرقة على هذا الشعب، وبالتالي أتصور أنه لم يغب الإيمان عن اليمن في فترة من الفترات بل استمر الإيمانُ بشكلٍ مُستمرّ في اليمن؛ لأَنَّ الإيمان يمان، يحتم الاستمرارية في اليمن، وهذه دلالةُ مكانةٍ نستقيها من تأكيد رسول الله بقوله: “الإيمان يمان” حتى في ظل الفتن والصراعات، ولهذا ورد: “إذَا هاجت الفتن فعليكم باليمن” أي أرقبوا اليمن وانظروا في موقف يكون فقفوا معه فهو الموقف الحق”.

ويشير الأهنومي إلى أن “الهُــوِيَّة الإيمانية مرت بمراحل “مد وجزر” تضعف خلالها الهُــوِيَّة الإيمانية على نطاقٍ معين في اليمن ولكن لم تغب تماماً، فعندما يكون هناك أعلام هدى وتكون هناك دولة إيمانية تتحَرّك على أَسَاس القرآن الكريم، نجد أن اليمنيين أكثر قوةً وتمسكاً بهدى الله وأكثر إنجازاً حضارياً، وأكثر تعبيراً، لانتمائهم ولهُــوِيَّتهم الإيمانية اليمانية، وعندما تتولى أمور البلاد وتتقلد الشأن العام أنظمة ومكونات ليست الهُــوِيَّة الإيمانية من أولوياتها، ولا يهمها الإيمان بالله عز وجل ولا مصالح الأُمَّــة، ولا دينها ولا مقدساتها، ولا فكرها وثقافتها، في هذه المرحلة تضعف الهُــوِيَّة الإيمانية ويضعف الاهتمام بهذه المناسبات الدينية والثقافية والفكرية، كمناسبة جمعة رجب”.

ويشير الأهنومي إلى عوامل القوة والضعف في الهُــوِيَّة الإيمانية، مؤكّـداً أن “القرآن الكريم وعلاقتنا به؛ باعتبار أنه المصدر الأَسَاس لاكتساب الهُــوِيَّة الإيمانية والمعبر عَمَّا هو الإيمان وما هي مظاهره وما هي تجليات هذا الإيمان والمجسدات له في الواقع العملي، فبقدر ما نرتبط بالقرآن الكريم نرتبط بالهُــوِيَّة الإيمانية ونتحَرّك فيها ونجسدها في واقعنا ويكون لذلك أثر مردود علينا وعلى عزتنا وفلاحنا ونهضتنا وقوتنا، وبقدر ما نبتعد عن القرآن الكريم بقدر ما تضعف الهُــوِيَّة الإيمانية ويضعف انتمائنا لها ويضعف معها مكانتنا وقوتنا وأثرنا وعزتنا بين الأمم”.

ويرى أننا “اليوم وَبفضل الله نحيي القرآن الكريم في واقعنا ومعه نقوي الهُــوِيَّة الإيمانية ونجسد حبنا لله وفي الشعور بمعية الله وتوفيق الله وتأييده، وكذا الاحتفاء بالرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- والحب له والاقتدَاء به والتمسك به والتعظيم له من خلال إحياء المحطات الإيمانية المذكرة به، وكذا المحبة لآل بيت رسول الله -عليهم السلام- للإمام علي ولكل أعلام الهدى والصالحين والأولياء من خلال التأسي بهم ومظاهر الحب لهم، وإحياء قيم الرحمة والمودة والتكافل والتعاون والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن خلال الوعي الصحيح وكل القيم والمبادئ والتمظهُرات المعبرة عن الهُــوِيَّة الإيمانية التي لها دور في تغيير واقع الأُمَّــة إلى الأفضل، وهي من العوامل التي عندما نتمسك بها من منطلق الهُــوِيَّة الإيمانية تحصل المتغيرات وتتغير الموازين والمعادلات لصالحنا ولصالح عزتنا ولما يحيي أمتنا وشعوبها ويذود عنها ويحميها من الاستهداف ومؤامرات ومخطّطات الأعداء”.

 

كيفية ترسيخها

وعن كيفية ترسيخ الهُــوِيَّة الإيمانية وتقويتها في وعي شعبنا والأجيال القادمة يقول الدكتور الأهنومي: “من خلال العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية والتوعوية والمناسبات والبرامج التي يجب مراعاتها، كما هو من المهم جِـدًّا في مضمار الهُــوِيَّة الإيمانية أن تكون حاضرة في مناهجنا التربوية والجامعية وفي خطابنا التعليمي والإعلامي وفي خطابنا الديني والسياسي وفي منابرنا وفي كتبنا ومناهجنا وفي وسائل إعلامنا بشكلٍ عام حتى تترسخَ هذه الهُــوِيَّة”.

ويعتبر الأهنومي أن “ترسيخ الهُــوِيَّة تحصين للأُمَّـة من اختراق الأعداء؛ لأَنَّ الهُــوِيَّة تعرفنا بمن نحن ومن هو الآخر بالنسبة لنا، فلا نخترق، ومن المهم جِـدًّا التركيز على إيجاد الكثير من البرامج العملية التعليمية والتثقيفية التي ترسخ هذه الهُــوِيَّة في وعي شعبنا وفي أجيالنا القادمة، ونبين لهم من خلالها كيف مصير الشعوب التي لا تتمسك بهُــوِيَّتها وما مصير الشعوب التي تمسكت بهُــوِيَّتها حتى ولو كانت تلك الهُــوِيَّات هُــوِيَّات منحرفة أَو هُــوِيَّة غير صحيحة، أَو غير دقيقة بل ربما يكون في جزءٍ منها خرافة”.

ويكرّر الأهنومي التأكيد على أنه “متى ما عرف شعبنا أهميّة هذه الهُــوِيَّة وأنها تكسبنا العزة وتكسبنا القوة والمجد وتحقيق الإنجازات الحضارية، وتكسبنا الوحدة في ما بيننا، وأن لا نتمزق ونكون مطية في أيادي أعدائنا، كما تفتح لنا هُــوِيَّة الإيمانية اليمانية أبواب الالتقاء مع المؤمنين في جميع أنحاء الأرض عندما نعرف أن لها دوراً في كُـلّ هذا، فَـإنَّنا نتمسك بها ونقدم للآخرين من أبناء أمتنا النموذج الراقي والأنسب للتعبير عنها فيسعون إلى الأخذ بها”.

ويشدّد الدكتور الباحث الأهنومي على أهميّة المناهج التعليمية ودورها في تعزيز الهُــوِيَّة الإيمانية وكذا دور البرامج الإعلامية الهادفة ودور التثقيف المُستمرّ والواسع، وأهميّة استغلال المناسبات واستثمارها في ترسيخ الهُــوِيَّة الإيمانية، وكذا تشجيع الكتابات الأكاديمية حولها وضرورة التأصيل لها وتتبع مؤشرات الانتماء للهُــوِيَّة، وفي نفس الوقت تقييم واقع الشعب اليمني عندما يكون متمسكاً بهُــوِيَّته الإيمانية، وكيف يكون أداءه وكيف يكون إنجازه، وكيف يكون حاله عندما لا يتمسك بالهُــوِيَّة الإيمانية أَو يقصر فيها، وهذا يعرفنا إيجابيات التمسك بها لنكون أكثرَ تشبثاً وتمسكاً بهُــوِيَّتنا وأكثر حذراً من الابتعاد عنها أَو الإهمال لها وتركها عُرضةً للاستهداف من قبل الأعداء.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com