دفاعاً عن القرآن المجيد وتحيةً إلى يمن الإيمان والحكمة..بقلم/  د. محمد البحيصي*

 

سلامٌ على الغضبة اليمانية وعلى الغيرة اليمانية، {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ}

قرح الحصار.. قرح الحرب.. وقرح الخذلان.. خذلان ذوي القربى

وجدير بأبناء الهُــوِيَّة اليمنية هذا الموقف المهيب العظيم، ومن أجدر منهم بهذا الموقف وهم أنصار الله على مرّ تاريخ الإسلام.

إنّ الحرب على القرآن ليست جديدة سواء من هؤلاء المجرمين أَو من سواهم، فمنذ فجر الإسلام والقرآن يتعرّض للحرب بكل أشكال الحروب..

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا القرآن وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}فصلت:26

وقولهم {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأولينَ}

وهكذا… حتى قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هؤلاء وغيرهم شاكياً إلى الله {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القرآن مَهْجُورًا}.

ثم جاء دور التفاسير والتأويلات الفاسدة للقرآن والدّس الإسرائيلي فيها.

ثم جاء دورُ عزل القرآن عن الحياة العامة، وفصله عن دوره في هداية الأُمَّــة وبناء نهضتها، وقد قام بهذا الدّور الخطير حفنة من المتغربين المبهورين أمام زخارف الغرب واللّاهثين وراء الشهرة، والمال، والشهوات..

ثم جاء دور أدعياء التديّن الذين جعلوا القرآن عضين وآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض وهم ينتسبون إلى الإسلام..

وهكذا كانت الثغرات في علاقة الأُمَّــة بمصدر هدايتها وعزّتها ورفعتها، وهي التي شجّعت الغرب والقوى المعادية للإسلام والمسلمين وأغرتهم بالتطاول تارةً على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتارةً أُخرى على كتاب الله… وليس من مقدّس أعظم لدى هذه الأُمَّــة من هذين النورين، وماذا يبقى من الإسلام إن تخلّت الأُمَّــة أَو فرّطت فيهما أَو في أحدهما…

ولمّا كان الله سبحانه بعلمه المطلق وبحكمته المطلقة وبرحمته التي وسعت كُـلّ شيء يعلم أنّ كُـلّ هذا وأكثر سيكون، فَـإنَّه سبحانه تكفّل بحفظهما، ليظّلا مدى الدهور حجّـة ونوراً وبرهاناً للعالمين، حَيثُ هما يمثّلان دين الله الحق ودينه الخاتم، ومن هنا جاء قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}الحجر:9

وقال جلّ وعلا: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}الصف:8

وقال سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} الكوثر

وقال: {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ..} المائدة:67

وقال: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}

والقرآن زاخرٌ بالآيات التي تتحدّث عن هذا المعنى…

أمّا لماذا يستهدف القرآن:

فَـإنَّ أعداء الله يدركون ولربّما أكثر من كثير من المسلمين قيمة وقدر وعظمة هذا الكتاب، وبأنّه الكتاب السّماوي الوحيد الباقي دون أن تطاله يد التحريف في عالم الناس، وبأنّه مصدر اجتماع المسلمين، ووحدة كلمتهم وصفّهم، وهو الباعث في الأُمَّــة روح العزّة والكرامة والحرية، وهو العروة الوثقى التي لا انفصام لها، وهو الهادي إلى صراط الله المستقيم والدّال على الخير، والجامع لكل الفضائل والقيم، والباني والملهم لمعالي الأخلاق، والموضح لسبل الرشاد والسّداد.. والكاشف والفاضح لخطط ومواقف ونفوس المنافقين والكافرين، المبين عن خداعهم وحيلهم ومكرهم وكيدهم، وفجورهم وشذوذهم، وانحطاطهم، وفسادهم وانحرافهم عن الفطرة، وتوحشهم، وكذبهم، واستغلالهم، واستكبارهم..

كتابٌ يدعو إلى العدل والإحسان، والعفّة والطهارة، والتزكية، والقوة، والرحمة، والوحدة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، والفداء والتضحية والإيثار، والحب والبصيرة..

كتابٌ يدعو ويحضّ على كُـلّ هذه القيم والمبادئ كيف لأعداء الأُمَّــة أن لا يعادوه ويكيدوا كيدهم لمحوه وطمسه..

وهؤلاء السفهاء يظنون أنّهم بسفاهتهم يمكنهم النّيل من القرآن، كلّا وحاشا.. والله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين..

وأمّا واجبنا نحن وتكليفنا فهو الدفاع عن كتاب الله وإحياء نفوسنا به، والتأكيد على مرجعيته في حياتنا، به نحيي سياستنا، وثقافتنا، واقتصادنا، واجتماعنا، وبه تجتمع كلمتنا ويتوحّد صفّنا، ويستقيم سلوكنا..

به نوالي وبه نعادي، وبه نأتمر، وبه ننتهي

وهذا هو الانتصار الحقيقي للقرآن..

وخروج أبناء الأُمَّــة في يمن الإيمان غضباً وغيرة على كتاب الله هو باب من أبواب الانتصار لكتاب الله، وهو حجّـة على سائر أبناء الأُمَّــة، كما أنّه رسالة لأعداء الأُمَّــة ملؤها القوة والاعتزاز والإيمان.

وفي ذات الوقت الإدانة الصريحة لكل المتآمرين على كتاب الله ولكل من تسوّل به نفسه ذلك.

ولو فعل أبناء الأُمَّــة كما فعل اليمانيون، لكانت الرسالة أبلغ، ولو اجتمع الخروج الشعبي مع إجراءات حازمة تقوم بها الأنظمة تجاه دولة السّويد وفرنسا والدنمارك وأمريكا وغيرها، مثل المقاطعة وطرد السفراء لكانت الرسالة أبلغ وأشد تنكيلا..

سلامٌ على اليمانيين الذين خرجوا نصرة لله وكتابه ولرسوله ولكل رسل الله وكتبه..

سلامٌ على الصادقين الذين عوّدونا على الصدق والسّبق في ميادين التجارة مع الله فكانوا من الفائزين..

والحمد لله رب العالمين.

* كاتب وباحث فلسطيني، رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية الإيرانية

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com