شذراتٌ عطرةٌ من مبادئ وقيم وآثار الشهداء..بقلم/ علي عبدالرحمن الموشكي

 

شذراتُ مسك تفوحُ وتلوحُ في الآفاق تعلو كعلوِّ النجوم في سماء ليلة مقمرة، مبادئ وقيم وآثار الشهداء، لا يحتويها الوصف والكلمات وتملأ معناها المفردات، بل يجسِّدُها العهدُ والوفاءُ منا نحن أهلَ الثرى لأهل الثريا بأننا سائرون على نهجهم ومقتدون بهم ما دمنا أحياءً.

الاندفاعُ والإقبالُ على الله لا يعرفه ويتقنُه ويجيدُه ويعتاد عليه إلا من هم في خَطِّ الهداية سائرون وَمتولون لأعلام الهدى -عليهم السلام-، يستنشقون عبقَ الجنة من منهجية القرآن ويتسابقون للأعمال التي فيها لله رضا، لا يفرقون بين توجيه ولا يتسألون عن الأسباب مسلمين تسليمًا مطلقًا، يتوقون للقاء الله، ترافقهم الملائكة في أعمالهم وتحَرّكاتهم، ينظرون إلى المستكبرين نظرة الأوهن، فيجرعونهم ويلات الخوف والذلة والعذاب، يقتدون بالحسين -عليه السلام- في الصبر والاستبسال والإقدام في مواجهة قوى الشرك والضلال، فيصطفهم الله بعناية يقربهم إليه عندما تزكوا نفوسهم وليس الاختيار والارتقاء بسهولة.

فالطريق إلى عالم الشهداء ليس بالأمر السهل فتعتبر أعلى مراتب الإيمَـان وَالتي تعتبر نتيجة للإيمَـان الصادق ويمنحها الله لخَاصَّة أوليائه للذين أختبرهم في كافة مجالات الحياة (المادية والمعنوية والإيمَـانية والجهادية… إلخ) من الاختبارات أَو الابتلاءات فكانت النتيجة الحتمية هي الفوز والفلاح والنجاح فباعوا أنفسهم لله، فاشتراهم فكانت المكافأة أَو النتيجة هي المرتبة العالية في الآخرة (الجنة) ونعيما دائما مع الأنبياء والأولياء والصادقين.

وهم يتحَرّكون في مطبات هذه الحياة تعترضهم الإمْكَانيات المادية بكافة أنواعها من الملذات، بيوت والبعض مزارع والبعض يمتلك ثروة كبيرة وقد تعرض له إمْكَانيات مادية ولكن الشهيد اختار أن يكون هو لبنة في ميدان الإسلام الشامخ، لم يأبهوا لأي أطماع مادية أَو أطماع معنوية مكانة رفيعة أَو مسؤول أَو وجاهة أَو كرسي (منصب) أَو أي أهواء نفسية كان كرسيهم المترس وعطرهم البارود وَأعينهم مفتحة نحو العدوّ يذيقون أعداء الله أشد أنواع العذاب والتنكيل في الدنيا، متوكلين على الله في كُـلّ أعمالهم وتحَرّكاتهم وأنظارهم وآهاتهم وجروحهم، ملأ ما عند الله جدران قلوبهم واستحوذ رضا الله والدفاع عن حرم الله ورسالة الله عقولهم وفكرهم، فلم يأبهوا لأي عدو، واجهوا عدو الله والمدد الإلهي إلى جوارهم فعرفوا الله وملائكته حق المعرفة، ووعود الله وآياته ترافقهم في كُـلّ تحَرّكاتهم وأعمالهم، تركوا كُـلَّ شيء وراء ظهورهم منطلقين للذود عن حرم الله ومواجهة أعداء الله وأعداء الرسالات الإلهية.

الشهداء ينطلقون من وعي بواقع هذه الحياة، وحقيقة هذه الحياة، وظروف هذه الحياة، ويرون أن حساب الشهادة ضمن حسابات الربح، وليس ضمن اعتبارات أَو حسابات الخسارة، وأنه أداء وتضحية واعية ورابحة وفائزة، نتيجتها الفوز العظيم، ومردودها الإيجابي في الحياة عظيم جِـدًّا في الدنيا نفسها، الشهداء بصمودهم وتضحياتهم يقدمون لمن خلفهم من أممهم، من أقوامهم، من شعوبهم، يساعدون على تعزيز الأمن والاستقرار والحماية والدفاع، ويدفعون عنهم الكثير من الشر، الكثير من الظلم، الكثير من الاضطهاد، من الاستعباد.

حملوا القرآن منهجاً، ومسلِّمين لأعلام الهدى -عليهم السلام- توجيهاً، اجتزوا الجبال والتلال مطهرين لتراب اليمن من دنس المرتزِقة والمنافقين الذين باعوا اليمن بثمن بخس، يزهقون الباطل ويقيمون الحق، تنفسوا عبق الحرية، لا يخافون في الله لومة لائم، قدواتهم عظماء، وخطواتهم ببصيرة.

تجردوا عن كُـلّ أهواء وملذات وشهوات ورغبات وأطماع الدنيا، طالبين رضا الله، وتأييده وعونه، فهانت عليهم الدنيا، ونالوا من الله النعيم الدائم والمقام العظيم الذي لا يساوي لحظة واحدة في الدنيا، منذ اللحظة الأولى لفراق الدنيا، أحياء عند الله يرزقون، هذا وعد من الله لمن استقام وقدم موقفا وتحَرّكاً موالياً لله ولرسوله وللإمام علي -عليه السلام- ولأعلام آل البيت، ومعادياً لأعداء الله أعداء الإمام علي -عليه السلام-، فطوبى لمن سار سيرتهم واقتفى آثارهم وتجرد عن الدنيا وباع نفسه لله بثمنٍ غالٍ جِـدًّا يفوق كُـلّ تصورات العقول وتفكير أولي الألباب.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com